عرض: د.مروة نظير
Michael Rubin. Dancing with the Devil: The Perils of Engaging Rogue Regimes
(New York: Encounter Books, 2014)
يبدو أن هناك بعض الاختلافات في أروقة مؤسسات صنع السياسة الأمريكية حيال التعامل مع القضايا والإشكاليات المختلفة. فبين الصقور والحمائم، يبدو أن هناك خطا آخر للتجاذب بين النهجين الدبلوماسي والعسكري لتعامل الإدارة الأمريكية مع عدد من الملفات، لعل أهمها ملف الدول أو الأنظمة المارقة. يظهر ذلك في المراجعات التي يقوم بها أشخاص انخرطوا في عمل تلك المؤسسات التي يقومون من خلالها بتقييم أداء الولايات المتحدة بناء علي حسابات عملية. وفي هذا السياق، يأتي كتاب مايكل روبين.
وفي هذا الكتاب، يستعرض روبين، الذي يعمل الآن باحثا في معهد أميركان إنتربرايز - إحدي مؤسسات الفكر الأمريكية القريبة من تيار المحافظين الجدد - تفاصيل الإخفاقات الدبلوماسية لواشنطن مع الأنظمة المارقة، والتي يري أنها أضعفت احتمالات تحقيق السلام العالمي، وعززت من مواقف أعداء الولايات المتحدة.
ما هي الأنظمة المارقة؟
يعرف روبين الأنظمة المارقة بأنها تلك الأنظمة أو الحكومات التي لا تتبع قواعد الدبلوماسية العالمية، بحيث تسعي لامتلاك أسلحة نووية، أو ترعي الإرهاب، وتشكل من ثم خطرا علي الولايات المتحدة وحلفائها في جميع أنحاء العالم، الذي يري الكاتب أنه لم يكن في يوم من الأيام أكثر خطرا من الآن.
ويقدم الكتاب دراسة تاريخية لاشتباك الدبلوماسية الأمريكية مع عدد من الأمثلة التي يري أنها تندرج بشكل أو آخر تحت مظلة هذه الفئة، والتي قد تكون دولا أو فاعلين من دون الدول. ومن أهم النماذج التي يستعرض الكتاب خبرة الولايات المتحدة في التعامل معها كل من إيران، وكوريا الشمالية، وليبيا، وطالبان، وباكستان، والعراق، والجماعات الإرهابية مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وحماس، وحزب الله اللبناني.
الفشل الدبلوماسي الأمريكي .. ملامح ونماذج:
يحكم روبين علي الاشتباكات الدبلوماسية الأمريكية في هذا السياق بالفشل، مؤكدا أن أحداث التاريخ تثبت أن تبني واشنطن لسياسات أقل حدة من العقوبات والتهديدات العسكرية قد أدي إلي فشلها في تحقيق النتائج المرجوة بالنسبة لها. ويتمثل الخطأ الأكثر وضوحا - في رأي المؤلف - في أن وزارة الخارجية الأمريكية تري أن المحادثات أكثر أهمية من توقيع العقوبات، بل وتري أن مجرد الحفاظ علي الحوار مع الأنظمة المارقة يعد انتصارا في حد ذاته. فهناك اعتقاد شائع في أروقة الخارجية الأمريكية بأن المحادثات تؤدي إلي تعثر العدو في التفاصيل. ومع ذلك، تشير الأدلة إلي أن الدول المارقة استخدمت محادثات السلام كفرصة لمتابعة تنفيذ أجنداتها السرية، مع الحفاظ علي ما يسميه وهم الاستمرار في التفاوض.
ويدلل الكاتب علي وجهة نظره في هذا السياق بالإشارة إلي عدد من الأمثلة، منها: كوريا الشمالية، التي استمرت عبر التاريخ في تأكيد أنها تتعاون مع الغرب، وعلي استعداد لإجراء محادثات. وبدا أن الولايات المتحدة صدقت ذلك، وقامت بخطوات تقاربية مثل سحب ترسانتها النووية من شبه الجزيرة في عام 1992. بيد أن هذه الإشارات من قبل كوريا الشمالية لم تترجم في صورة توقف طموحاتها النووية، أو سعيها لتطوير الصواريخ، أو حتي وقف تبنيها لنهج عدائي.
ويطرح مثالا آخر بأنه عقب اتفاقات أوسلو في عام 1993، جرت سلسلة من المفاوضات بهدف الوصول إلي سلام دائم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وحينها، عمل دينيس روس - مبعوث السلام إلي الشرق الأوسط في عهد الرئيس كلينتون - بشكل وثيق مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الذي قاوم تقديم أي تنازلات فلسطينية، مثل الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية. ومع تزايد الهجمات المسلحة نتيجة انعدام الثقة بين الجانبين، عمل روس علي دفعه للمشاركة مع نظيره الإسرائيلي لوقف العنف. ويري روبين أن حرص روس علي استمرار المفاوضات لم يجعله يدرك أن عرفات كان متورطا في الهجمات الفلسطينية ضد إسرائيل.
وتناول الكاتب الأزمة النووية الإيرانية لتأكيد وجهة نظره، فقال إن الرئيس المنتخب حديثا لإيران، حسن روحاني، استقبل بأذرع مفتوحة من قبل إدارة أوباما، والصحافة، والأمم المتحدة في العام الماضي، حيث قدم روحاني لأصدقائه الجدد وعودا بتكثيف الحوار مع الغرب، وإذابة الجليد في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. وفي حين احتفي العالم الغربي برغبة إيران الجديدة في الحد من خططها النووية، كان روحاني يخاطب جمهوره الإيراني، مؤكدا أنه ليس لديه خطط للتخلي عن البرنامج النووي الإيراني.
وفي سياق متصل، عرض الكاتب للتواصل الأمريكي مع حركة طالبان منذ نشأتها في عام 1995، فكتب منذ ذلك الحين أن طالبان تحقق مكاسب عدة جراء الاستفادة من الجهود الدبلوماسية الأمريكية. الأسوأ من ذلك، في رأي روبين، أنه حتي لو تم التوصل إلي اتفاق مع حركة طالبان، بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فإن ذلك سيكون علي حساب التعامل مع نظام يحتضن "الإرهاب الإسلامي"، ويتجاهل حقوق الإنسان.
مبررات فشل الدبلوماسية الأمريكية:
يبرر روبين فشل الإدارات الأمريكية في مواجهة حيل الدول المارقة بطبيعة الدبلوماسية الأمريكية. فمستقبل الدبلوماسي يتوقف علي قدرته علي جلب الأعداء إلي طاولة المفاوضات. وتعد المحادثات التي قد تمتد لسنوات هي مقياس النجاح بين الدبلوماسيين. كما أن وزارة الخارجية أيضا تتجاهل المعلومات الاستخباراتية التي تخالف رؤي دبلوماسييها. فالدبلوماسي مستعد للتهوين من شأن، أو حتي تجاهل معلومات تشير إلي زيادة انتشار الأسلحة النووية، أو دعم الإرهاب، علي سبيل المثال، من أجل الحفاظ علي رؤيته للأحداث.
ويقول روبين إنه يمكن للأنظمة المارقة تقديم الالتزامات اللفظية، بيد أن هذه الالتزامات لا تعني شيئا، حتي يتم توقيع اتفاق مكتوب تقره جميع الأطراف المعنية. وأشار إلي أنه عادة ما تلجأ الأنظمة المارقة إلي إعلان تراجعها عن توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية في اللحظات الأخيرة، وهو ما يؤدي إلي تعزيز قوة هذه الأنظمة علي الصعيد الداخلي، في حين تتسبب في إحراج الولايات المتحدة علي الساحة العالمية.
ويلفت الكتاب إلي اعتقاد الدبلوماسيين الأمريكيين بأن الأنظمة المارقة سوف تستجيب بشكل إيجابي إذا ما تمت المفاوضات بينها وبين الأمريكيين علي أسس من الندية، وهو ما يرفضه روبين، مؤكدا أن كل هذا يضفي الشرعية علي هؤلاء الحكام المستبدين، وهو ما تزيد خطورته عندما تتم المفاوضات مع فاعلين من غير الدول.
لا بديل عن القوة:
يحاول هذا الكتاب بشكل صريح نقض النهج المعلن للدبلوماسية الأمريكية، والقائم علي أن "الحوار هو الخيار الأول للولايات المتحدة، وأنه لا ضرر من إجراء محادثات مع الأعداء"، مؤكدا أن هذه الحكمة التقليدية خاطئة جدا، وأن التعامل مع الأنظمة المارقة لا يتم بدون تكلفة. ولا يري روبين أن وزارة الخارجية دائما علي خطأ، وأن المؤسسة العسكرية دائما علي حق. بل يري أن كلا الجانبين يرتكب أخطاء. بيد أن الفرق بين المؤسستين الحكوميتين يكمن في قدرة وزارة الدفاع علي التعلم من أخطاء الماضي.
وبناء علي ذلك، يري المؤلف أن هناك نمطا واحدا يجب اتباعه في التفاوض مع الأنظمة المارقة، فهذه الأنظمة لا تتجاوب إلا مع شيء وحيد، كما يقول، هو القوة العسكرية. ومن الأمثلة التي يذكرها في هذا السياق، قيام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق عام 2003، إذ بعث ذلك برسالة قوية إلي الزعيم الليبي -آنذاك- العقيد معمر القذافي، علي إثرها تخلت ليبيا عن برنامجها للأسلحة النووية، ووافقت علي تعويض ضحايا "الإرهاب الليبي" حادثة لوكيربي. ومن ثم، يري روبين أنه يجب علي واشنطن أن تبادر بالتهديد، وأن تربط ذلك بتحديد مهلة زمنية معينة.