تعددت أبعاد الأزمة السياسية في العراق، من خلاف حاد حول رئاسة الحكومة بين القوي السياسية الرئيسية، منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في 30 أبريل 2014، انتهي بإعلان رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، تنحيه عن منصبه، ودعمه لرئيس الوزراء الجديد، حيدر العبادي، وانتكاسة أمنية واضحة، مع فشل أجهزة الدولة، وقوات الشرطة والجيش في الحيلولة دون سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) علي بعض المدن الرئيسية في شمال العراق، علي غرار مدينة الموصل.
وقد ترافق ذلك مع تصاعد حدة الاستياء في المناطق السنية والكردية بسبب السياسات التي تبناها المالكي، والتي أدت إلي اندلاع مواجهات مسلحة بين قوات الشرطة والمعتصمين السنة في مدينة الفلوجة أواخر عام 2013، وتهديد الأكراد بالانفصال، وتأسيس دولة كردية مستقلة.
اكتسبت تلك الأزمة، بأبعادها المختلفة، اهتماما خاصا من جانب إيران، لأمور عديدة، أهمها التزامن مع تصاعد حدة التحديات التي تواجهها إيران علي الصعيد الإقليمي، سواء لجهة استمرار الأزمة السورية، دون نجاح نظام الرئيس السوري بشار الأسد في تحقيق انتصار كامل علي قوي المعارضة المسلحة بروافدها المختلفة، بما يعني تواصل استنزاف الخزانة الإيرانية التي تقدم مساعدات مالية وتسليحية للنظام السوري، وكانت سببا رئيسيا في تمكينه من استعادة المبادرة من جديد، أو لجهة اقتراب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بشكل كبير من الحدود
الإيرانية - العراقية، وتهديده باستهداف الأماكن الشيعية في العراق، مما يمثل "خطا أحمر" بالنسبة لإيران.
ومما يزيد من أهمية تلك الأزمة بالنسبة لإيران هو أنها تترافق مع عدم خروج المفاوضات التي تجريها إيران مع مجموعة "5+1" حول أزمة الملف النووي الإيراني بنتائج إيجابية مهمة، وهو ما دفع الطرفين إلي الاتفاق علي تمديد العمل باتفاق جنيف المرحلي، (الموقع في 24 نوفمبر 2013) لمدة أربعة أشهر تنتهي في نوفمبر2014، بما يثير احتمالات متعددة لانتهاء تلك المفاوضات، منها الفشل، لاسيما في ظل الضغوط القوية التي يتعرض لها الطرفان من جانب قوي داخلية وإقليمية عديدة، وهو ما يبدو أنه سوف ينتج انعكاسات مباشرة علي تفاعل كل من طهران وواشنطن مع تطورات المشهد السياسي والأمني في المنطقة، خاصة في العراق.
أولا- مرتكزات السياسة الإيرانية في العراق:
تعتمد السياسة الإيرانية تجاه الأزمة السياسية في العراق علي عدد من المرتكزات الرئيسية، منها:
1- عراق موحد ضعيف:
لا تبدو إيران متحمسة للدعوات التي تطلقها بعض الأطراف العراقية لتقسيم العراق إلي ثلاث دويلات كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، إذ إن ذلك يمكن أن يهدد مصالحها علي المدي البعيد، لاسيما لجهة الارتدادات الداخلية المتوقعة لهذا الخيار، حيث ربما يعزز من طموحات أكراد إيران في تأسيس دولة كردية، بما قد يخلق حالة عدم استقرار داخل إيران في الوقت الحالي.
ومن هنا، يمكن تفسير حالة التوتر التي اتسمت بها العلاقات بين إيران ورئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، بسبب التلميحات المتكررة التي وجهها الأخير بخصوص إمكانية تأسيس دولة كردية في الشمال، حيث وجهت طهران، في 8 يوليو 2014، تحذيرا إلي زعماء الأكراد في السليمانية من مغبة الاتجاه إلي الانفصال، مهددة بأنها سوف تقوم بإغلاق كل المعابر التي تربط بين البلدين، ودعم أي فريق يعارض هذا التوجه، الذي عدَّته "مؤامرة إسرائيلية" تستهدف الإخلال بتوازن القوي الإقليمي الذي سعت إلي تأسيسه مع حزب الله اللبناني(1).
من ناحية أخري، العراق القوي ليس خيارا مريحا بالنسبة لطهران، إذ قد يهدد مصالحها في العراق، والمنطقة بصفة عامة، فهو لن يصبح عراقا قويا إلا في حال تضمين كافة القوي السياسية العراقية داخل معادلة السلطة، بما فيها القوي التي ترفض النفوذ الإيراني في العراق. كما أن العراق القوي يمكن أن يهدد الأمن القومي الإيراني، مثلما كان الحال في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي فرض علي إيران حربا دامت ثماني سنوات.
2- سيطرة الشيعة:
سعت إيران، منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، إلي تمكين القوي الشيعية الحليفة لها من السيطرة علي مقاليد السلطة في العراق، ومن هنا بذلت جهودا مضنية من أجل تقليص حدة الخلافات بين القوي الشيعية المختلفة، وإقناعها بتكوين تحالف قوي تستطيع من خلاله التحكم في مقاليد السلطة، وهو ما حدث بالفعل عندما أسهمت في تكوين التحالف الوطني الشيعي الذي يضم معظم القوي الشيعية الرئيسية، مثل كتلة "المواطن" التابعة للمجلس الأعلي الإسلامي بقيادة عبدالعزيز الحكيم، وكتلة "الأحرار" التي تمثل التيار الصدري بزعامة مقتدي الصدر، وقائمة "دولة القانون" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي.
لم تكتف إيران بذلك، بل سعت إلي استبعاد خصومها العراقيين من المشهد السياسي، بمن فيهم بعض الشخصيات والرموز الشيعية، علي غرار زعيم "القائمة العراقية" إياد علاوي، الذي بذلت طهران جهودا حثيثة من أجل الحيلولة دون وصوله إلي منصب رئيس الوزراء، بعد الانتخابات التي أجريت في مارس 2010، رغم حصول قائمته علي المركز الأول آنذاك، حيث تمكنت، بمساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، من تجديد ولاية نوري المالكي الذي حصلت قائمته علي المركز الثاني في تلك الانتخابات.
3- المحور الإقليمي:
تبدي إيران اهتماما خاصا باستقرار المحور الإقليمي الذي أسسته بقيادتها، ويضم كلا من سوريا، والعراق، وحزب الله اللبناني، وهو المحور الذي مارس دورا مهما، ليس فقط في منع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما أيضا في تمكينه من استعادة السيطرة من جديد، من خلال تحقيق انتصارات نوعية علي قوي المعارضة المسلحة(2).
فقد تحول حزب الله إلي رقم مهم في الصراع السوري، حيث أسهم في الانتصارات التي حققها النظام السوري علي قوي المعارضة، ليس فقط بهدف منع سقوط النظام السوري، وإنما أيضا بهدف الحفاظ علي خطوط التواصل بين سوريا ولبنان، والتي كان إغلاقها أو سيطرة المعارضة عليها سوف تسبب مشكلات كبيرة بالنسبة لحزب الله، فضلا عن سد الثغرات التي نجح بعض العناصر المنتمية لتيارات متطرفة في استغلالها لارتكاب عمليات إرهابية داخل لبنان، وبالتحديد في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله.
كما تبنت بغداد، في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، سياسة مؤيدة للدور الإيراني في الأزمة السورية، حيث تحولت إلي ما يمكن تسميته بـ "قناة تواصل" بين إيران والنظام السوري لنقل المساعدات الإيرانية إلي الأخير، بشكل أثار استياء دوليا بدا جليا في المطالبة المتكررة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة العراقية بإجراء عمليات تفتيش علي الطائرات الإيرانية المتجهة إلي سوريا للاشتباه في نقلها أسلحة إيرانية إلي نظام الأسد.
ثانيا- تطور الإدارة الإيرانية للأزمة:
تصاعدت أزمة رئاسة الحكومة في العراق، مع رفض القوي الرئيسية في التحالف الشيعي، فضلا عن القوي الأخري السنية والكردية التي فازت بمقاعد في الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في 30 أبريل 2014، فكرة احتفاظ نوري المالكي بمنصبه رئيسا للوزراء لولاية ثالثة، بحجة نجاح ائتلافه "دولة القانون" في الحصول علي المركز الأول في الانتخابات بـ 92 مقعدا.
ومنذ بداية تلك الأزمة، بذلت إيران جهودا حثيثة من أجل تسويتها. إلا أنها، علي ما يبدو، فشلت في احتواء الخلافات المعلقة بين تلك القوي، وهو ما دفعها في النهاية إلي إجراء تغيير باتجاه عدم التمسك بالمالكي، واختيار حيدر العبادي، القيادي في حزب "الدعوة"، خلفا له في رئاسة الحكومة.
تعود مسارعة إيران إلي سحب دعمها للمالكي، وتأييد تولي العبادي رئاسة الحكومة الجديدة إلي حسابات عديدة:
1- إن الخلافات المتصاعدة داخل دوائر السلطة في بغداد كانت أحد الأسباب التي أدت إلي نجاح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في تحقيق انتصارات نوعية علي قوات الشرطة والجيش، والسيطرة علي مدن رئيسية في شمال العراق، علي غرار الموصل ونينوي، بشكل بات يفرز تهديدات جدية لمصالح إيران، سواء بسبب اقتراب التنظيم من الحدود الإيرانية - العراقية، أو بسبب تهديده باستهداف الأماكن الشيعية المقدسة في كربلاء، والكاظمية، والنجف، وسامراء. وهو تطور حذرت إيران من خطورته، مؤكدة - علي لسان الرئيس حسن روحاني - أنها سوف تحمي الأماكن الشيعية، في حالة تعرضها لهجوم من جانب التنظيم(3).
لكن اللافت للانتباه، في هذا السياق، أن لا إشارة واضحة إلي صراع مباشر بين إيران و"داعش"، رغم الخلاف المذهبي الواضح بين الطرفين، وهو ما يعزي إلي تجنب السياسة الإيرانية التورط في مواجهة مباشرة مع تلك التنظيمات، علي غرار علاقتها مع تنظيم "القاعدة"، حيث تعد إيران إحدي الدول القليلة في المنطقة التي لم تتعرض لهجمات في الداخل من جانب تنظيم "القاعدة"، رغم انتشاره في كثير من دول الجوار، مثل أفغانستان والعراق.
بل إن مؤشرات عديدة تكشف عن تعمد إيران التغاضي عن تسرب بعض عناصر التنظيمات المتطرفة من أفغانستان وباكستان إلي العراق وسوريا عبر أراضيها(4)، بهدف فرض خيارات ضيقة وصعبة علي الدول التي تؤيد قوي المعارضة السورية، وتقدم مساعدات عسكرية لها، ودفعها إلي مراجعة سياساتها الرامية إلي إسقاط النظام السوري، إذ سيعني ذلك في هذه اللحظة سيطرة تلك التنظيمات علي سوريا. ويبدو أن ذلك هو ما دفع بعض الدول الغربية إلي إعادة فتح قنوات تواصل مع النظام السوري، ربما في إطار استعداداتها مبكرا لمواجهة التداعيات التي يمكن أن تفرضها ظاهرة "العائدون من سوريا"، حيث تشير تقارير عديدة إلي اتصالات بين أجهزة استخبارات غربية، والنظام السوري(5) لمناقشة تلك القضية التي أصبحت ملحة بالنسبة لكثير من الدول الغربية.
كما أن دور إيران، الذي تعمدت الكشف عنه، في جهود الوساطة بين بعض قوي المعارضة السورية، ونظام الأسد، للإفراج عن بعض الأسري يوحي بأن ثمة اتصالات مفتوحة بين إيران وخصوم الأسد.
2- إن تصاعد حدة الأزمة يمكن أن يدفع إقليم كردستان إلي اتخاذ خطوات نحو الانفصال عن الدولة المركزية، وتأسيس دولة كردية في شمال العراق، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات سلبية علي أمن إيران ومصالحها في المنطقة.
3- إن استمرار تلك الأزمة دون حل فوري من شأنه تفكيك التحالف الوطني الشيعي الذي بذلت إيران جهودا مضنية من أجل تأسيسه لتمكين حلفائها من السيطرة علي مقاليد السلطة في بغداد.
وعلي ضوء ذلك، بذلت إيران مساعي حثيثة من أجل تقليص حدة الخلاف والتوتر بين القوي الشيعية المختلفة، ومواجهة تقدم تنظيم "داعش" في شمال العراق، حيث اتخذت خطوات عديدة في هذا السياق:
الأولي: تقديم دعم عسكري لبغداد في المواجهات مع تنظيم "داعش". ورغم أنه لم تتضح بعد طبيعة وحدود هذا الدعم، فإن تقارير أشارت إلي أن إيران أرسلت عناصر من الحرس الثوري للمشاركة في الدفاع عن الأماكن المقدسة في سامراء، كما قام قائد "فيلق القدس"، التابع للحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، بزيارة العراق للمشاركة في إدارة المواجهات العسكرية مع "داعش"(6). في حين ظهرت معلومات أخري، نفتها طهران، تفيد بقيام بعض الطائرات الإيرانية، من قواعد في إيران أو سوريا، بقصف بعض مواقع التنظيم القريبة من الحدود
العراقية - الإيرانية(7).
وهنا، ربما يمكن القول إن إيران تتبع السياسة نفسها التي تبنتها في الأزمة السورية، من خلال الحرص علي عدم التورط مباشرة في الصراع المسلح، والاستعاضة عن ذلك بسياسة "الحرب بالوكالة"، حيث أوكلت مهمة المشاركة مع النظام السوري في المواجهات العسكرية إلي بعض "المتطوعين الإيرانيين"، وحزب الله اللبناني، وبعض الميليشيات الشيعية، مثل كتائب "أبي الفضل العباس"، و"عصائب أهل الحق" التي عاد بعضها إلي العراق للمشاركة في المواجهات مع تنظيم "داعش".
الأخيرة: التدخل لدي المرجعية الدينية، ممثلة في آية الله علي السيستاني، من أجل الضغط علي القوي الشيعية المنتمية للتحالف الوطني، بهدف توحيد موقفها، والاتفاق علي مرشح توافقي لمنصب رئيس الوزراء. وقد انعكس ذلك في الرسائل المتبادلة التي وجهها كل من المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، والمرجع الديني، آية الله علي السيستاني، والتي بدا منها أن ثمة اتفاقا بين الطرفين علي أن بقاء المالكي في منصبه لولاية ثالثة ربما يعصف بالتحالف الوطني، ويهدر الجهود التي بذلتها إيران والمرجعية لتكريس سيطرة القوي الشيعية علي مقاليد
السلطة في بغداد، حيث تسربت أنباء عن رسالة وجهها السيستاني إلي خامنئي، أشار فيها إلي عدم تفضيله بقاء المالكي في منصبه، وهو ما تجاوب معه الأخير، رغم أنه في البداية كان أكثر ميلا لمصلحة بقاء المالكي(8).
كان حرص إيران علي تقليص حدة التوتر بين القوي الشيعية قد انعكس في الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلي للأمن القومي، علي شامخاني، إلي العراق في 19 يوليو 2014، حيث التقي قادة التحالف الوطني الشيعي، ونوري المالكي، والمرجع علي السيستاني، وكان العنوان الرئيسي للزيارة هو التوحد خلف قيادة واحدة، خاصة أن كل الأطراف المعنية لا تمتلك "ترف" الوقت بسبب تصاعد المواجهات مع تنظيم "داعش" في شمال العراق. وقد نجح خصوم المالكي داخل التحالف الوطني في استثمار عامل الوقت لفرض رؤيتهم، ودفع إيران لإعادة تغيير حساباتها من جديد، والقبول بالإطاحة بالمالكي من منصبه، رغم علاقاته القوية مع أركان النظام الإيراني، وعلي رأسهم المرشد علي خامنئي.
وعلي ضوء ذلك، وجهت إيران إشارات عديدة إلي أن الأولوية بالنسبة لها هو تشكيل حكومة وطنية موحدة في أسرع وقت ممكن من أجل مواجهة التحديات التي يفرضها تقدم "داعش" في الشمال. بل إنها تعمدت التلميح - علي لسان مسئول رفيع المستوي - إلي أنها "تخلت" عن دعم المالكي في صراعه مع القوي الأخري للاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء، لاسيما في ظل فشله في الحفاظ علي وحدة الدولة، وأنها تبحث عن مرشح آخر يحظي بتوافق من جانب التحالف الشيعي، إلي جانب الأكراد والسنة(9).
ورغم أن قائمة المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء ضمت شخصيات عديدة، فإن اختيار حيدر العبادي تحديدا لتولي المنصب - الذي يبدو أنه حدث بتنسيق مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية، رغم أنه لم يكن خيارا مبكرا ومتوقعا من جانب اتجاهات عديدة - يعود إلي حسابات عديدة، منها ضمان تكريس سيطرة التحالف الوطني الشيعي علي معظم أركان صنع القرار، لاسيما منصب رئيس الوزراء، ومنع انفراط عقد التحالف الوطني، لأن الإصرار علي احتفاظ بالمالكي بولاية ثالثة كان سيدفع خصومه في التحالف إلي الانشقاق، وتأسيس تيارات سياسية منافسة، علي غرار التيار الصدري، والمجلس الأعلي الإسلامي.
ويحظي العبادي بعلاقات قوية مع إيران، خاصة أنه ينتمي لحزب "الدعوة"، وهو أحد أبرز أحزاب التحالف الوطني الشيعي الذي تدعمه إيران بقوة، بما يعني أن إيران قبلت تغييرا في الشخصيات، لا في السياسات.
وبالمنطق ذاته، الإطاحة بالمالكي ربما تدفع الأكراد إلي إعادة تغيير حساباتهم مرة أخري باتجاه الانخراط في العملية السياسية التي ستتضح ملامحها في الفترة القادمة، بعد خروج المالكي من المشهد السياسي، ومن ثم استبعاد فكرة الانفصال، وتأسيس دولة كردية في شمال العراق.
وأخيرا، قد يحافظ قبول إيران إزاحة المالكي علي استمرار قناة التواصل العراقية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اعتمدت عليها إيران في بعض الأحيان لتبادل رسائل مع واشنطن، حيث قام المالكي بهذا الدور أكثر من مرة. بل إن بغداد نفسها كانت مقرا لاجتماع بين إيران ومجموعة "5+1" حول الملف النووي في مايو .2012
وهنا، ربما يمكن القول إن تزامن منح إيران الضوء الأخضر لاختيار شخصية أخري بديلة للمالكي في رئاسة الوزراء، مع قيام واشنطن بشن هجمات جوية علي مواقع تنظيم "داعش" في شمال العراق، لم يكن مصادفة، حيث يشير إلي وجود تنسيق إيراني- أمريكي، خاصة في ظل توافق المصالح الإيرانية- الأمريكية علي وقف تقدم "داعش" في شمال العراق، ومنعه من التمدد إلي العاصمة بغداد.
هذا التنسيق غير المباشر عبر عنه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، خلال تهنئة العبادي بتولي رئاسة الوزراء في العراق، بقوله: "نحن مستعدون للعمل مع دول أخري في المنطقة للتعامل مع الأزمة الإنسانية، وتحديات مكافحة الإرهاب في العراق"(10).
مقابل ما سبق، ليس من المؤكد أن يكون اختيار العبادي لرئاسة الحكومة العراقية الجديدة نهاية المطاف للأزمة السياسية والأمنية التي يواجهها العراق، لاسيما أن تقليص حدة الخلاف المتصاعد بين القوي السياسية الرئيسية، فضلا عن تحقيق انتصارات نوعية ضد تنظيم "داعش" في شمال العراق، سوف يرتبطان في المقام الأول بقدرة العبادي علي تجنب سلبيات سياسة المالكي، من خلال تشكيل حكومة وطنية تضم كل الأطياف السياسية الموجودة علي الساحة، وتبني سياسة خارجية مستقلة تضع مصالح وأمن العراق في مقدمة الأولويات. وهي مهمة، علي ضرورتها، لن تكون سهلة، لا علي العبادي، ولا إيران.
الهوامش :
1- صحيفة "الحياة"، 9 يوليو .2014
2- لمزيد من التفاصيل، انظر: محمد عباس ناجي، الرمال المتحركة: حدود تحالف المصالح بين إيران ودول المنطقة، المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، حالة الإقليم، العدد 8، يونيو .2014
3- بي بي سي، 18 يونيو .2014
4- صحيفة "الشرق الأوسط"، 8 فبراير .2014
5- صحيفة "السفير اللبنانية"، 30 نوفمبر .2013
6- وكالة أنباء "رويترز"، 3 أغسطس .2008
7- صحيفة "الحياة"، 10 يوليو .2007
8- صحيفة "الحياة"، 5 أغسطس .2014
9- وكالة أنباء "رويترز"، 5 أغسطس .2014
10- صحيفة "الرأي" الكويتية، 13 أغسطس .2014