تناولت في الأسبوع الماضي تفاقم ظاهرة الإرهاب في الوطن العربي، وبقيت القضية الملحة وهي مواجهة الإرهاب، تفادياً لآثاره المدمرة على الدول العربية. وقد اهتم المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في دورته الأخيرة (142) التي عقدها في سبتمبر الجاري بهذه الظاهرة وأصدر في السابع من هذا الشهر قراراً شاملاً متكاملاً في هذا الشأن أشار إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير عاجلة على المستوى الوطني ومن خلال العمل العربي الجماعي على جميع المستويات السياسية والأمنية والدفاعية والقضائية والإعلامية. وكذلك بالعمل على تجفيف منابع الإرهاب الفكرية ومصادر تمويله ومعالجة الأسباب والظروف التي أدت إلى تفشي ظاهرة الإرهاب. وتضمن القرار بعد ذلك في باقي بنوده ما يؤكد هذا النهج الشامل في المواجهة، ويذكرني هذا القرار بقرارات كثيرة ممتازة غيره سواء على مستوى المجلس الوزاري أو القمة العربية ولكن العبرة بالتنفيذ. وتتخذ الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية هذه القرارات بسلاسة، ولكنها عادة لا تجشم نفسها مشقة الالتزام بها، ولو كانت قد فعلت لكان التكامل الاقتصادي العربي قد تحقق، ولتمّت إقامة نظام فعال يصون الأمن العربي، ولأصبح الوطن العربي نمراً اقتصادياً صاعداً، ولكانت محكمة العدل العربية قد أحاطت العلاقات العربية- العربية بسياج من الحماية القضائية الفعالة. وفي هذا السياق يمكن التذكير بأن المجلس الوزاري للجامعة قد أصدر في دورته السابقة (141) في مارس من هذا العام قراراً مهمّاً بشأن مواجهة الإرهاب، غير أن شيئاً في هذا الصدد لم يحدث بما يشير إلى أن الدول الأعضاء وإن وافقت على هذه القرارات عادة بسهولة تغيب إرادة معظمها عندما يحين وقت التنفيذ، ولابد من مخرج من هذا الوضع المزمن.
ولاشك أن المواجهة الشاملة للإرهاب حتمية، بمعنى أن المواجهة الأمنية والعسكرية للإرهاب لا تكفي وحدها، إذ إن مصادر الإرهاب متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأيديولوجية، ولذلك فإن المواجهة لابد وأن تشمل كافة هذه الجبهات، ولاريب في الوقت نفسه أن المواجهة الأمنية والعسكرية في إطار الضوابط القانونية لها الأولوية في الظروف الراهنة، غير أن الاكتفاء بها يعني أن جذور الإرهاب ومصادره لن تُجتث، كما أن المواجهة الأمنية والعسكرية هذه يجب أن تكون عربية خالصة وأن تبقى كذلك. صحيح أن الدعم الدولي في هذا الصدد قد يكون مفيداً، وأنه كان ضرورياً في حالة احتلال العراق للكويت في عام 1990 لأن ميزان القوة العربي لم يكن يسمح آنذاك بتحريرها بالاكتفاء بالقوة العربية، ولكن خبرتنا مع التدخل الدولي في بعض قضايانا بالغة السوء في حالة الصراعات الداخلية كما حدث في الصومال واليمن على سبيل المثال. بل إن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 والتدخل الدولي لصالح قوى المعارضة الليبية ضد حكم القذافي في عام 2011 كان في الحالتين مصدراً رئيسياً للإرهاب في البلدين، بل إن التطورات التي أدت في العراق إلى تهميش سُنته بعد الغزو الأميركي لها علاقة بالتأكيد بتأييد قطاعات من هؤلاء السُّنة لتنظيم «داعش» أو على الأقل بسكوتهم على أفعاله وتفاقم الإرهاب على هذا النحو.. فكيف إذن يكون بمقدورنا أن نواجه الإرهاب عربياً بطريقة فعالة؟
يقول البعض إن ميثاق جامعة الدول العربية لا يتضمن آليات لمواجهة الإرهاب وهذا صحيح، ولكنه لا يعني أيضاً العجز عن فعل أي شيء. هناك أولاً، أن لدينا خبرة مواجهة الجامعة للتهديد العراقي للكويت قبيل استقلالها في مطلع ستينيات القرن الماضي، فقد قررت الدول العربية آنذاك تكوين قوة حفظ سلام عربية لحماية الكويت ضد هذا التهديد، واتخذت من الإجراءات ما يكفل قطع الطريق على التدخل الدولي، ونجحت هذه القرارات والإجراءات في تحقيق الهدف منها ومن ثم تم تفادي الأزمة التي كان من الممكن أن تكتب نهاية مبكرة للنظام العربي. ولاشك أن وجود توافق عربي في ذلك الوقت -على رغم مظاهر الحرب العربية الباردة- حول خطورة ذلك التهديد وحتمية مواجهته يفسر نجاح الجامعة العربية في إدارة تلك الأزمة. وأحسب أن هذا التوافق العربي العام موجود الآن بخصوص ظاهرة الإرهاب وتفاقمها. وبالإضافة إلى هذه الخبرة لدينا أيضاً قبلها اتفاقية الدفاع المشترك التي وُقعت في إطار الجامعة العربية في 1950 كرد فعل لسوء الأداء العربي في الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى في عام 1948، وهي اتفاقية متقدمة نوعياً على الميثاق الذي لا يلزم الأعضاء إلا بالقرارات التي وافقوا عليها. أما اتفاقية الدفاع المشترك فتعطي الحق لمجلس وزراء الدفاع العرب في اتخاذ قرارات ملزمة للجميع بأغلبية الثلثين، أي أن المجلس يستطيع اتخاذ قرارات ملزمة حتى لو اعترضت أو تحفظت عليها سبع دول، ويستطيع كذلك أن يمضي قدماً في تنفيذها على رغم ذلك الاعتراض أو هذا التحفظ، ويمكن تشكيل الآليات التنفيذية من الدول التي وافقت.
وفي الإطار السابق يصبح كل المطلوب من الدولة التي يتعرض أمنها وسلامتها الإقليمية لخطر الإرهاب على نحو لا يمكنها دفعه أن تتقدم بطلب لدعم قدراتها الأمنية والدفاعية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية التي تدعو إلى اجتماع فوري لمناقشة هذا الطلب فإذا وُوفق على طلب الدعم تم اتخاذ الإجراءات الفورية لتنفيذه على أن تُراعى اعتبارات الملاءمة في تشكيل آلية التنفيذ (حرصت مصر مثلاً على أن تكون مساهمتها في قوة حفظ السلام التي سبقت الإشارة إلى إرسالها إلى الكويت في مطلع ستينيات القرن الماضي أقل عددياً من السعودية حتى تكون قيادة القوة لشخصية عسكرية سعودية وفق الأعراف المعمول بها في قوات حفظ السلام الدولية، وذلك تجنباً للحساسية حيث كان الخلاف المصري، مع الحكم العراقي مستعراً وكذلك تجنباً لشبهة الاتهام بالتدخل في منطقة الخليج). غير أنه من الضروري التأكيد على أنه لا يمكن دعم أي دولة ما لم تستجب لمطالب الإصلاح الأساسية، فلا يمكن أن تشارك دولة عربية ما في الحرب ضد «داعش» في العراق وسوريا في ظل حكومة طائفية أو غير ممثلة للأطياف الوطنية كافة أو على الأقل الأساسية منها. وبالإضافة إلى ما سبق فإن لدينا الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ونظيرتها على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكذلك الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولدينا أيضاً آلية مجلس وزراء الداخلية العرب.
وتبقى بعد ذلك المواجهة الشاملة للإرهاب على كافة الصعد، تجفيفاً لمنابعه في الإعلام ودور العبادة والمؤسسات التعليمية والممارسات الثقافية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وهي مهمة شاقة وشاملة تستطيع المنظمات المتخصصة لجامعة الدول العربية أن تقوم بدور مهم في تنفيذها تحت إشراف الجامعة بما يضمن التنسيق بينها. المهم أن يبدأ مشوار الألف ميل على الفور، وأن تتسارع خطاه وصولاً إلى دحر الإرهاب الذي بات يهدد مستقبلنا.
-------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء، 23/9/2014.