في الذكرى الثالثة عشرة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، وعلى قاعدة "رب صدفة خير من ألف ميعاد"، أطلق الرئيس الأمريكي استراتيجيته لمواجهة الإرهاب، في وقت يمر فيه العالم بمرحلة تشكل نظام عالمي- إقليمي غير واضح المعالم بدقة.
وعلى الرغم من الترويج الإعلامي الهائل الذي سبق الإعلان، جاءت مواصفات المواجهة وأدواتها وأساليبها ووسائلها عادية جداً، ولا تعبر عن المستوى المفروض الذي فرضه الإرهاب الداعشي ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما في العالم بأسره . ما يطرح جملة من الأسئلة من بينها، جدية المواجهة وإمكانيات النجاح، وحتى مصلحة الفاعل الأبرز الذي يديره، وبالتالي جدية الاستنتاج عما إذا كان مجمل عملية المواجهة هو مكافحة أم احتواء لإرهاب لم يسبق للبشرية أن واجهت مثله .
ففي الأدوات والوسائل، ومن خلال الحراك السياسي والإعلامي الذي تقوده الأطراف الفاعلة في المشروع، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، يبدو أن استبعاد أطراف من التحالف الإقليمي - الدولي، كروسيا وإيران وسوريا وغيرها، أمر يشي بربط ووصل بين مواجهة الإرهاب وملفات دولية وإقليمية ساخنة، كالأزمة الأوكرانية لروسيا، والبرنامج النووي لإيران، ومجمل تفاعلات الأزمة السورية وتداعياتها الفرعية بدءاً من العراق وصولاً إلى لبنان، مروراً في غير بلد عربي معني بطريقة أو بأخرى بما يحصل من تطورات في المنطقة . وإذا كانت مجمل الدول المستثناة لها مصلحة في المشاركة في الجهد الدولي المفترض، فإن عوامل الشد والجذب في ملفاتها المطروحة في إطار سلة الحلول الممكنة، لا تجعل منها فاعلاً يفرض وجوده في الاستراتيجية الأمريكية حتى الآن، ومن وجهة النظر الأمريكية عليها أن تقدم تنازلات متصلة بملفاتها لكي تكون جزءاً غير مستثنى من المواجهة، بصرف النظر عن موقعها أو وزنها في الجهود المطلوبة .
إضافة إلى ذلك، وفي إطار الدول المشاركة في جهود المواجهة، وان اتسمت بطابع القبول المغلف بالخجل السياسي، إذا جاز التعبير، فهو أمر محيّر من الوجهة السياسية والعملية . فعلى سبيل المثال ثمة دول لها أوضاع داخلية وارتباطات إقليمية خاصة، جعلت من هذه الدول، وكأنها أوقفت في هذا المشروع على رجل سياسية واحدة، إما بقرار ذاتي في محاولة للاستفادة الخاصة المحتملة في ملفات متصلة، وإما بقرار من الفاعل الأساسي في المواجهة لأهداف إستراتيجية لاحقة، وبالتالي ثمة تصنيف واضح في نوعية الدول المدعوة أو المستثناة، الأمر الذي يضعف مجمل العملية ويضعها في أطر أقل من المستوى المطلوب .
أما لجهة مضمون الوسائل المعلنة للمواجهة ، فتبدو من وجهة النظر العملية غير كافية بالمقارنة مع أحجام الأعمال الإرهابية للفئات الموجهة إليها، أو لجهة الجغرافيا السياسية التي تعمل في إطارها . فالوسيلة المقترحة حتى لا تعدو ضربات جوية محددة الموقع والأهداف، مع إمكانية توسيعها لمناطق أخرى، وتمثل عمليات موضعية يحاول القيّمون عليها إبرازها كعمليات نوعية، إنما هي في الشكل والمضمون نوع من رسم خطوط حمر، ينبغي عدم تجاوزها، كما حصل مثلاً في الضربات الجوية التي تلقتها داعش عند اقترابها من حدود إقليم كوردستان العراق .
وفي أي حال من الأحوال، تبدو الاستراتيجية الأمريكية المعلنة حتى الآن، تكتيكاً مرحلياً وظرفياً، ليس بمقدورها معالجة كارثة إنسانية عالمية بهذا الحجم . فهي تقصر المعالجة على ظرف بعينه دون مواجهة المشكلة الأساسية وتداعياتها المستقبلية، وما زالت تنظر إلى الكارثة من زاوية استثمارية في السياسة والأمن والاقتصاد، وهي الصورة النمطية التي كرستها في محاولات سابقة، بدءاً من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وليس انتهاءً بما يحدث الآن .
ثمة محطات تاريخية فارقة، أجبرت الولايات المتحدة على التدخل لتبديل موازين قوى إقليمية ودولية، جلها كانت موجهة لمصالحها وعلى أرضها . بدءاً بالأسباب التي أجبرتها على دخول الحرب العالمية الأولى والثانية، مروراً بتداعيات سقوط الاتحاد السوفييتي، واحتلال أفغانستان بعد 11 سبتمبر/أيلول، وصولاً إلى احتلال العراق 2003 وما يجري حالياً في المنطقة . وفي معظم هذه الحالات، كان الإرهاب بمختلف أشكاله وصوره مدخلاً لتعاطي واشنطن مع هذه الكوارث البشرية، فهل ثمة أسباب أخرى ينبغي توفرها لتجعل من الولايات المتحدة أكثر جدية في التعاطي مع هذه الكوارث الإرهابية؟ يبدو أن الأمر كذلك من وجهة النظر الأمريكية، باعتبار أن السلوك الأمريكي هو مجرد احتواء لتداعيات إرهابية، لم تصل إلى مستوى المكافحة والقضاء عليها، وهنا تكمن المصيبة الكبرى التي ستمتد وتتوسع في غير اتجاه، إذا ظلت هذه العقلية في المعالجة هي التي تحكم سلوك وعقل الفاعلين في النظام العالمي .
------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الأحد، 14/9/2014.