وجه الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز خطاباً بليغاً لقادة وعلماء الأمة الإسلامية يدعوهم لـ«أداء واجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف، والكراهية، والإرهاب، وأن يقولوا كلمة الحق، وألا يخشوا في الحق لومة لائم». فبشكل مباشر وحازم قرع الملك عبدالله جرس الإنذار ودعا الدول إلى التحرك، في هذه اللحظة التاريخية وفي ظل المتغيرات الإقليمية من حروب واضطرابات وصعود متسارع للحركات المتشددة الأصولية والانقسام الطائفي والحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة. وفي ظل حقيقة فشل الدولة القومية العربية في إنتاج أنماط مستقرة للسلطة، فتزعزع استقرار بعضها، أو أن تلاشي سلطة زعمائها كان كفيلاً بإطلاق عفاريت الهويات الطائفية، وإخراج مارد حروب الخوارج وكربلاء وإعادة استدعاء الأحداث التاريخية في الحياة السياسية المعاصرة لتنتج وضعاً هجيناً من الأفكار التي تجد لها فريسة في شباب تائه بين الماضي والحاضر يبحث عن جنات خلد و«حور عين»! لتثبت من جديد فشل سياسات بعض الدول في إيجاد الحلول لمشاكل ساهم تفاقمها في خلق الذرائع والتبريرات لاستقطاب مناهج شاذة تبرر الإرهاب باسم الدين ففتحت الساحة العربية لجحيم التكفير والانقسامات الطائفية ونفي الآخر! وتحت لافتة «حي على الجهاد» تتجسد فظائع الرعب الدموي! وتحت أنظار العالم فتح الجحيم الطائفي الأصولي، وكل هذا الرعب الدموي، الذي نراه يتم باسم الإسلام!
إن خطاب العاهل السعودي في شُق مواجهة التطرف يتوجه إلى الدول العربية، محذراً من التقاعس عن القيام بما يجب قبل فوات الأوان. ويعيد تأكيد موقف السعودية الجاد والحازم من الإرهاب بأشكاله المختلفة «سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول، وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها»، ويعد خطوة في سبيل التحرك الفعلي لاحتواء تمدد التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود الوطنية التي تتسع في نطاق بعض دول المنطقة بأسرها، بما لم يعد معه أي بلد عربي في منأى عن خطرها، محذراً من دعم أو السكوت عن تمدد التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» و«النصرة» و«حزب الله»، والميليشيات الشيعية العراقية، وكل هذا العبث السياسي في العراق وسوريا وغيرهما سينعكس بأوخم العواقب على المنطقة بأسرها، داعياً من جديد لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. ومؤكداً أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة تحت سمع المجتمع الدولي وبصره بكل مؤسساته ومنظماته جزءٌ لا يتجزأ من ظاهرة الإرهاب.
إن كل ما يجري في المنطقة يدعو إلى القلق، فيومياً تطالعنا وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي طويلاً بممارسات «داعش» وبفهم «الدواعش» الطفولي للإسلام، فمع التكبيرات المرافقة لعمليات الذبح والقنص العشوائي ترتفع التكبيرات! وترافق عمليات تصوير الموت المجاني للآخر اقتباسات واستشهادات في غير مواضعها من النصوص الدينية تقطع الرؤوس باسم الإسلام! والإسلام بريء من تلك الأفعال الشنيعة، وتعرض أمام المتفرجين لمقتضيات الإعلام والعولمة، فالتقنية في خدمة عمليات القتل والإرهاب بالإخبار عنها ونشرها وتداولها بتمجيد القتل باسم الدين، والدين من ذلك بريء! رؤوس معلقة تصدم الإنسانية، أيادٍ مقطوعة، أطفال يصلبون في رمضان بتهمة الإفطار، نساء يرجمن إلى الموت، وفي القرن الحادي والعشرين تسبى النساء ويقدمن جواري ويغتصبن وتنتهك الطفولة باسم «جهاد النكاح»! فمتى تنتهي مسرحيات الرعب «المقدس» باسم الإسلام والإسلام من كل ذلك بريء.
فليراجع نفسه كل من يبرر لـ«الدواعش» ومن على شاكلتهم بوصلتهم الأخلاقية، وكل دولة سمحت بالانقسام الطائفي وغذته لقصر نظر سياسي أو لتخاذل علماء الدين عن القيام بأدوارهم في لجم الفكر التكفيري المتطرف. والحسابات والرهانات الاستراتيجية لمستقبل الدول العربية تدفع في سبيل دعم ما أكد عليه الملك عبدالله في خطابه بقوله لـ«كل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، أنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد».
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين، 11/8/2014.