عندما ظهر الرئيس أوباما على شاشة التلفزيون، الأسبوع الماضي، شارحاً رده على تقدم «داعش» في العراق، كان قد أضاع فرصة للقيام بأمر في غاية الأهمية، وهي توضيح إلى أي مدى يعتبر ما يجري في العراق تطوراً خطيراً بالنسبة للشرق الأوسط وللولايات المتحدة. وإذا كانت الخطوات العملية التي اقترحها تظل مفيدة على المدى القريب، مثل زيادة العمل الاستطلاعي والاستخباراتي في العراق وسوريا، وإرسال 300 من عناصر القوات الخاصة للعمل كمستشارين للعراق وللتعرف على الواقع الميداني، وإطلاق حملة دبلوماسية مكثفة لمنع اندلاع حرب طائفية في المنطقة، ثم إرسال سفينة أميركية للخليج إذا برزت الحاجة لضرب الإرهابيين وكبح تقدمهم إلى بغداد، مع إصرار على استبعاد أي مشاركة قتالية للقوات الأميركية في العراق.. فإن أوباما، ورغم هذه الإجراءات والخطوات المعلنة، فشل في شرح لماذا يتعين على الأميركيين الاهتمام أكثر بما يجري في العراق، أو لماذا تنطوي هذه الأزمة على خطورة كبيرة بالنسبة للمنطقة؟ فالرأي العام الأميركي بحاجة لمعرفة مدى جسامة التحدي المطروح، ولماذا يتعين على المسؤولين الأميركيين إيلاءه الاهتمام والعناية الكبيرين؟ تلك الأسباب والتحديات التي يمكن إجمالها في مجموعة من النقاط.
وهنا لابد من تذكير الأميركيين بالأحداث التي جرت واستدعت تدخلا مباشراً من أوباما، فقد اندلعت الأزمة الراهنة عندما سيطرت «داعش»، التي لا تختلف كثيراً عن تنظيم «القاعدة»، على ثاني أكبر مدينة في العراق (الموصل). وفيما كان الجيش العراقي يتداعى أمام الزحف، انتقلت «داعش» بسرعة خاطفة للسيطرة على مدن وبلدات أخرى شمال العرق، وفي محافظة الأنبار. والمشكلة أن هذا التنظيم الذي تسبب في كل هذه الإشكالات ليس جديداً، بل يعرفه المسؤولون الأميركيون جيداً وحاربته القوات الأميركية خلال تواجدها بالعراق. ورغم تلاشي جزء كبير من عناصره بسبب الضغط العسكري الأميركي، فإنه عاد ليؤسس بنيته الجديدة في سوريا بعد اندلاع الحرب هناك، متمدداً داخل العراق. بيد أن سيطرة التنظيم الإرهابي على ثلث أراضي العراق تعتبر المرة الأولى التي يبسط فيها الإرهاب نفوذه على مناطق بهذا الحجم، ماحياً الحدود بين الدول التي رُسمت منذ بداية القرن العشرين. بل إن «داعش» سعت إلى تأسيس ما يشبه هياكل الدولة في المناطق الخاضعة لها من خلال إقامة المحاكم وسن القوانين وإدارة المدارس والمرافق الخدمية. ولم تقتصر سيطرة «داعش» على الأرض، بل امتدت إلى الموارد المالية والعسكرية للدولة. وبينما اعتمد التنظيم سابقاً على التبرعات الفردية، تزايدت ثروته اليوم مع استيلائه على حقول النفط في سوريا، وممارسته التهريب والابتزاز، ليصل حجم ما نهبه من العراق نحو 400 مليون دولار استولى عليها من بنوك الموصل، هذا بالإضافة إلى سطوه على أسلحة أميركية تعود للجيش العراقي المنسحب.
هذا التحدي وهذه القوة التي بات عليها التنظيم الإرهابي عبّر عنها «جيم جيفري»، السفير الأميركي السابق لدى العراق، قائلا: «إنه التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر، فنحن إزاء أكبر تمركز للقاعدة في أي مكان من العالم، وهو الأكثر شراسة وبطشاً»، حتى إن تنظيم «القاعدة» الأم تبرأ من ممارسات «داعش». ولئن كان البعض يسعى إلى التهوين من خطر «داعش» بالقول إن قوامه لا يتعدى عشرة آلاف مقاتل، وإنه توقف عن الزحف على بغداد، كما يضيفون أن تقدم التنظيم الإرهابي يعتمد على تعاون العشائر السنية التي هُمشت من قبل المالكي، متوقعين أن تعود تلك العشائر نفسها لطرد «داعش».. إلا أن هذا الطرح يغطي عمق وحدّة التهديد الذي يمثله التنظيم بالنسبة للمصالح الأميركية والعراقية على حد سواء. فقد نجحت «داعش» في استقطاب آلاف المقاتلين الأجانب، ويخشى مسؤولون أمنيون في أميركا وأوروبا من عودة هؤلاء المقاتلين إلى الغرب ليعيثوا فيه فساداً.
وهناك أيضاً عجز المالكي عن وقف المسحلين إلا باعتماد مكثف على العناصر الراديكالية في الميلشيات الشيعية، وبدعم من الحرس الثوري الإيراني. وما لم يوافق المالكي على التنحي عن السلطة، أو إشراك السنة بشكل حقيقي في حكومة وحدة وطنية، فالأرجح أن يتطور الصراع إلى حرب طائفية تشمل المنطقة كلها، ما سيكلف المزيد من الأرواح ويهدد حلفاء أميركا ومصادر الطاقة.
والأكثر من ذلك، وفي حال أصر المالكي على سياسته الطائفية، فقد لا يقبل السنة بالقطيعة مع «داعش»، فيما ستؤجج العناصر المتطرفة لدى الطرفين أعمال القتل الطائفي، وهو أمر يصب في مصلحة «داعش» أن ترى حرباً طائفية تعم المنطقة، لذا وفقط من خلال انخراط دبلوماسي مكثف تقوده الولايات المتحدة يمكن تفادي هذا السيناريو القاتم بإقناع إيران والسعودية والفصائل العراقية بأن الطائفية تهدد الجميع دون استثناء، وفقط بوساطة الدبلوماسية الأميركية وبقيادة أوباما يمكن الوصول إلى حكومة وحدة طنية في العراق تفسح المجال للجميع وتراعي مصالح كل الطوائف والمكونات. لكن إذا ما فشلت الدبلوماسية الأميركية فقط وقتها يمكن اللجوء إلى طائرات الدرون، ولهذا وجب توضيح الأمر للرأي العام الأميركي وتوعيته بالرهانات الخطيرة التي تنطوي عليها الأزمة العراقية والحاجة الملحة لإعادة انخراط أميركي واسع لمنع الأسوأ.
-----------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين، 30/6/2014