نظم معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، بالتعاون مع مركز تنمية الموارد الطبيعية والبشرية بالمعهد، ومركز بحوث الطاقة بكلية الهندسة، مؤتمر "المياه والطاقة في دول حوض النيل"، بحضور نخبة من كبار الخبراء والأكاديميين والمتخصصين في مجال المياه والطاقة والقانون الدولي. وقد ناقشت جلسات المؤتمر التسع العديد من القضايا المحورية، من أهمها سد النهضة، والاعتراضات المتبادلة بين مصر وإثيوبيا، واستراتيجية التحرك المصري، واقتصادات الطاقة الكهرومائية في دول حوض النيل، وإمكانات وفرص التكامل والتنمية، وأزمة الطاقة وعلاقتها بالفقر، وجودة الحياة في دول الحوض.
أزمة سد النهضة:
أوضح الوزير المفوض فاروق حسنين، مقرر لجنة حوض النيل بالمجلس المصري للشئون الخارجية، أن مصر يجب أن يكون لديها استراتيجية عليا لحفظ حقوقها المائية في نهر النيل، حيث إن هذا المشروع تتخطي خطورته أمن مصر المائي والقومي ليصل إلي تهديد وجودها وبقائها، واصفا ما يمكن أن يحدث بأنه "قنبلة نووية مائية" نتيجة انهيار السد لأسباب جيولوجية، وما قد يسببه لمصر والسودان تحت ضغط التخزين المائي الهائل، والإطماء التراكمي.
ومن جانبه، تطرق د. أيمن السيد عبدالوهاب خبير شئون المياه وإفريقيا بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إلي ضرورة الدخول في جولة أخري من المفاوضات، خاصة أن الصورة الحالية تشير إلي أن إثيوبيا نجحت في بناء 30٪ من سد النهضة، علاوة على أننا أمام اتفاق إطاري أوجد حالة من الانقسام والسودان تباعد موقفه، وهذا تحد حقيقي يزيد من ثقل المفاوضات. فالسودان يلعب دور الوسيط وليس دور الداعم للموقف المصري، بعد فشل الجولات الثلاث الأخيرة في (نوفمبر وديسمبر 2013 ويناير 2014)، ورفض أي حلول وسط للرجوع بسد النهضة إلي المرحلة التي لا تهدد المصالح المصرية.
وتحدث عن المتغير الدولي الذي لعب دورا كبيرا في تحميل المسئولية لمصر ومحاصرتها، وتطور الأحداث في التسعينيات، مما أدي بفعل السياسات المصرية القاصرة إلي تحقيق الهدف الدولي والإقليمي. وأشار إلي ضرورة استعادة مصر للأوراق التي كانت تمتلكها للضغط على إثيوبيا، مثل ورقة الصومال، وإريتريا، والبحر الأحمر، لأن هذه الورقة تمثل فرصة لتغيير بيئة التفاوض التي بدونها لن يحدث شيء، حيث إن المعادلة وفقا لوصفه "معادلة صفرية".
ومن جانبه، ذكر د. نادر نور الدين محمد، أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة، أن حل مشكلة السد يمكن الوصول إليه عن طريق التفاوض مع إثيوبيا بالتراجع عن بناء السد الفرعي لسد النهضة لتعود سعة بحيرة التخزين إلي 14 مليار متر مكعب، وبذلك تحصل إثيوبيا على ما خططت له تماما من الكهرباء دون نقصان بكمية 6 آلاف ميجا وات سنويا، بدون المساس بنقص الحقوق المكتسبة لمصر والسودان تاريخيا.
أزمة الطاقة .. التحديات وسبل التكامل:
بالرغم من وجود أزمة في إنتاج الطاقة في دول حوض النيل فإن المشاركين في المؤتمر قاموا بطرح أنواع الطاقة وإمكانات وفرص التكامل بين دول الحوض، حيث أكدت د.سماح سيد أحمد، مدرس الاقتصاد بمعهد الدراسات الإفريقية، أن الطاقة الكهرومائية من الطاقات النظيفة التي تمتاز برخص التكلفة، مقارنة بغيرها، خاصة أن دول حوض النيل لديها إمكانات مائية هائلة تؤهلها لإنتاج كميات ضخمة جدا من الطاقة، ليس لدول الحوض فقط، ولكن يمكن تصديرها لدول أخري. فالكونغو الديمقراطية لديها إمكانات تكفي قارة إفريقيا، وللتصدير عالميا، علاوة على توليد الكهرباء من المساقط المائية، هناك أيضا حرق مصادر الوقود، واستخدام اليورانيوم الكهربائي، واستخدام الشمس، والمد والجزر، وهي من الطاقات المتجددة التي يمكن أن تساعد في تجاوز بعض دول الحوض لخط الفقر الدولي الذي وصلت إليه. ومن المشروعات المقترحة مجمع الطاقة لحوض النيل، وهو مشروع يجمع بين مصر، والسودان، وإثيوبيا، وإريتريا وجيبوتي، والصومال.
ورأي أسامة عبدالرحمن أبوبكر، باحث بمركز الدراسات السودانية، أن القطاع الكهرومائي والربط الشبكي يمثل أنسب المشروعات القاعدية لتحقيق تكامل بين دول حوض النيل، وتتوافر به منافع اقتصادية واستثمارية في هذا القطاع لكل دول الحوض بما يشجع الجميع على تأييده، إضافة لتوافر مبررات تنفيذ المشروع من النواحي القانونية والاقتصادية والفنية. وفي النهاية، سيؤدي انتشار وتعميم هذه الظاهرة إلي تشجيع الاستفادة من الطاقة الكهرومائية، وتبيان أهمية الربط الشبكي بين دول الحوض.
وأشارت د. سالي محمد فريد، بمعهد الدراسات الإفريقية، إلي أن الاقتصاد الأخضر يشكل أيضا فرصة للاستفادة من الفرص المرتبطة به فيما يتعلق بالنمو والتشغيل، وتطبيق تكنولوجيا متقدمة وملائمة محليا، من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وكفالة حصول المناطق الريفية على الطاقة، ويمكن أن توجد فرص عمل، وتسهم في القضاء على الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة، والمحافظة على الموارد الطبيعية وعدم استنزافها، والاعتماد على التكنولوجيا الخضراء التي تحد من الملوثات، وتعظم من الإنتاج، إلي جانب الاستعداد منذ الآن للضغوط الجديدة للتنافسية الخضراء لتحقيق النمو.
ومن جهة أخري، تحدثت د. نهلة أحمد أبو العز عن مدي إسهام صناعة الوقود الحيوي في زيادة أسعار المواد الغذائية في دول حوض النيل، خاصة مع ارتفاع أسعار البترول، حيث اتجهت الاستثمارات الأجنبية إلي دول الحوض، خاصة الدول الواقعة جنوب الصحراء، واعتلاء "ظاهرة الاستيلاء على الأراضي"، وتنامي استغلال الدول الكبري للدول الإفريقية، ففي إثيوبيا، بلغ عدد الاستثمارات 13 استثمارا، وتنزانيا 19، وتقوم أوغندا الآن بإزالة آلاف من الغابات الطبيعية لاستغلالها في صناعة الوقود الحيوي، وهذا مؤشر شديد الخطورة يؤدي إلي ارتفاع المواد الغذائية في تلك الدول، فلا بد في هذا الصدد من الإشارة إلي ضرورة امتلاك تكنولوجيا صناعة الوقود الحيوي، خاصة مع ارتفاع أسعار البترول.
ما سبق ينقلنا إلي ما عرضته د. غادة أنيس البياع حول العولمة والتكتلات الاقتصادية، وما تفرضه من تحديات معقدة على الاقتصادات الهشة، والدول النامية، ودول منطقة حوض النيل بشكل خاص، حيث إن معظمها يعاني من المديونية، واعتمادها على المعونات والمنح. فالموارد الاقتصادية للدول الإفريقية، سواء كانت موارد معدنية أو زراعية في حاجة إلي استعادة هذه الموارد بدلا من الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي فدول حوض النيل في حاجة إلي مشروع تنموي تكاملي في مواجهة الليبرالية الجديدة، علي غرار ما قامت به أمريكا اللاتينية. فمصالح الشعوب الإفريقية تنبع من التكامل كطريق للتنمية، والتخلص من الهيمنة الأجنبية، وانتهاج منظومة اقتصادية تعتمد على الإنتاج المحلي كمرحلة أولي، ولابد من وجود مؤسسة تمويلية إقليمية تكون بديلا لصندوق النقد الدولي في منطقة حوض النيل.
توصيات المؤتمر:
وأخيرا، تمثلت أهم التوصيات في إنشاء مركز معلومات حوض النيل، كأحد مكونات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وإنشاء جامعة حوض النيل، بالتعاون مع جامعة القاهرة، ومعهد البحوث والدراسات الإفريقية، وإنشاء منتدي حوض النيل الذي يتكون من جهات غير حكومية، ويضم خبراء وعلماء ومتخصصين من كل دول الحوض، ووضع استراتيجية مصرية لحوض النيل تكون دليل عمل الدولة المصرية في هذا الشأن، والتوصية بالاهتمام بالجانب الإعلامي المعني بمشكلات حوض النيل، والتركيز عليها، ودعم التكامل الاقتصادي بين دول الحوض، وبناء تجمع إقليمي بين دول الحوض الشرقي (مصر، والسودان، وإثيوبيا، وجنوب السودان)، وذلك بغرض إحياء مشروعات التكامل المصري - السوداني. لذلك، يدعو المؤتمر إلي إنشاء "مجلس تعاون لدول حوض النيل"، وتتولي مصر زمام الريادة في مجالات الطاقة، وتوظيف خبراتها وإمكانياتها فيما يلي:
أ- تنفيذ مشروع الربط الكهربي بين مصر ودول حوض النيل.
ب- مد خطوط تصدير الغاز الطبيعي بين دول حوض النيل.
ج- الاستفادة من طاقات تكرير البترول المصرية غير المستغلة لمصلحة دول حوض النيل.