انتخابات الرئاسة (الأولى) في لبنان تتسم بطابع خاص في آليتها، فمجلس النواب (128 نائباً) هو من ينتخب رئيس الجمهورية . النواب المنتخبون يتحولون إلى ناخبين للرئيس، والمرشحون لا يخاطبون الشعب ولا يقومون بحملات انتخابية، ولا ينشرون برامج انتخابية، ولكنهم يتواصلون مع النواب ومع كل من يمكن له التأثير في هؤلاء من مرجعيات روحية واجتماعية . وهو ما يمنح مجلس النواب أهميته في تقرير وجهة سير البلاد .
على أن النواب الحاليين لم يجر انتخابهم في الموعد المقرر، فهم مُمدّد لهم، والانتخابات النيابية التي كانت مقررة قبل 17 شهراً لم تتم بسبب اختلاف الفرقاء السياسيين على وضع قانون انتخابي جديد . حتى أن هناك في لبنان من طعن (إعلامياً وخارج القضاء) بدستورية انتخاب رئيس من مجلس نيابي ممدد له . على أن خبراء دستوريين آخرين رأوا أنه يمكن للمجلس الحالي انتخاب رئيس، وهو ما حدث وسيحدث حتى يوم 25 مايو/ أيار موعد انتهاء مهلة الانتخاب .
وخصوصية انتخابات الرئاسة اللبنانية لا تقتصر على ما تقدم . فقد جرت العادة ألا يكون هناك مرشحون رسميون! إنما أسماء يتم تداولها . وهكذا يتم تداول أسماء سمير جعجع وميشال عون وأمين الجميل وهنري الحلو وجان عبيد ورياض سلامة وروبير غانم وسليمان فرنجية ونادين موسى، بينما دار التنافس في الجولة الأولى الأربعاء 24 إبريل بين مرشحين اثنين هما سمير جعجع وهنري الحلو . وقد نال الأول أصوات 48 نائباً ينتمون لقوى 14 آذار بينما نال الحلو (مرشح الحزب التقدمي الاشتراكي) 16 صوتاً، فيما اقترع 52 نائباً أغلبيتهم من فريق 8 آذار بأوراق بيضاء . ويقضي قانون انتخاب الرئيس بحصوله على ثلثي الأصوات في الدورة الأولى، بينما يمكن له الفوز في الدورة الأخيرة بنصف عدد الأعضاء زائد واحد .
وهكذا كانت الجولة الأولى للانتخاب أشبه ب"بروفا" . وقد ثبت فيها أن كلاً من الفريقين الكبيرين 8 و14 آذار عاجز بمفرده عن إيصال مرشح من فريقه . لهذا يكثر الحديث عن رئيس توافقي، فيما يضفي كل فريق ما يشاء من معان ومقاصد على التوافقية المطلوبة في هذه المرحلة . وقد نشطت بعد الجولة الأولى التحركات نحو الرئيس التوافقي العتيد، ويعقد نواب من الفريقين الكبيرين جلسات غير رسمية فيما بينهما لتحديد ملامح الرئيس الممكن القبول به من الطرفين، وصولاً إلى اختيار اسم أو أكثر . ولا يخلو الأمر بطبيعة الحال من مناورات . ففريق 8 آذار بات يعتبر ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر مرشحاً توافقياً وليس مرشحاً لفريقه فقط .
ولا يقتصر الأمر على التحركات في أوساط النواب، بل ثمة من يشير إلى ملامح صفقة يعرضها "وسطاء" بتمرير انتخاب عون من طرف فريق 14 آذار، على أن يتولى الشيخ سعد الحريري رئاسة الحكومة في عهده . الحريري خارج وطنه وقد اغتيل أحد أقرب المقربين له العام الماضي (وزير المالية محمد شطح)، ولم يُعرف من سيكون خياره الثاني للترشح . ويتمسك فريق 8 آذار بعون، كخيار أول و الوزير والنائب الأسبق سليمان فرنجية خياراً ثانياً .
في واقع الحال إن استعصاءات كهذه شهدتها الانتخابات السابقة قبل ست سنوات، فكان أن طرح فريق 8 آذار اسم قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان، وقبل به فريق 14 آذار بعد تردد . وسليمان الذي تنتهي ولايته يوم 25 مايو/ أيار المقبل هو ثالث قائد للجيش يصل سدة الرئاسة الأولى بعد فؤاد شهاب وإميل لحود . وميشال عون المرشح الحالي هو أيضاً قائد سابق للجيش، لكنه انغمس في العمل السياسي بعد خروجه من المؤسسة العسكرية، خلافاً للرؤساء الثلاثة الذين انتقلوا مباشرة من الموقع العسكري الأول إلى الموقع الرئاسي الأول . لهذا يتم تداول اسم قائد الجيش جان قهوجي . وثمة من يعتبر أن التوترات الأمنية الشديدة في هذا البلد الناجمة عن تلقي ارتدادات الأزمة السورية ووجود خلايا جهادية متطرفة إضافة إلى مشاركة حزب الله في الحرب إلى جانب النظام السوري، تحتم اختيار رئيس "قوي" وهو تعبير لا يقل استخداماً عن النعت الآخر وهو الرئيس التوافقي وفي حالات أخرى الرئيس الوفاقي . وبما يشبه حرب مصطلحات تُسخّر في خدمة التنافس الشديد .
وإذا كانت الدورة الأولى قد شهدت الاقتراع بكثافة ربما غير مسبوقة بورقة بيضاء، فإن أوساطاً سياسية لا تتردد في الحديث أو التهديد بانتخاب الفراغ (الرئاسي) خاصة أن الرئيس ميشال سليمان قطع الطريق على أية محاولة للتمديد له واصفاً التمديد لرئيس الجمهورية بأنه إجراء غير ديمقراطي .
---------------------------
* دار الخليج، الإثنين، 28/4/2014.