17 إبريل 2014
عرض: طارق راشد عليان، باحث في العلوم السياسية
كان هناك افتراض دائم بأن الحرب التقليدية بين البلدان المتقدمة قد انتهت مع نهاية الحرب الباردة، وبدا لدى البعض أن الغرض الأساسي من الجيوش هو القيام بعمليات أخرى غير الحرب، مثل حفظ السلام، والإغاثة في حالات الكوارث، وتغيير الأنظمة القمعية.
بعد أحداث 11سبتمبر، بدأ كثيرون يتحدثون عن الحرب غير المتماثلة والحرب طويلة الأمد، حيث ستشارك الولايات المتحدة الأمريكية- تحت مظلة هذه النماذج من الحروب- في أنشطة مكافحة الإرهاب في منطقة واسعة من العالم الإسلامي لفترة طويلة جدًا. وبدا صراع الند للند peer-to-peer conflict قد عفى عليه الزمن.
لقد كانت هناك فكرة راديكالية عميقة متأصلة في طريقة التفكير هذه، حيث بدت الحروب بين الدول أو السلالات الحاكمة حالة ثابتة في أوروبا، ولم تكن بقية العالم أقل عنفًا. كان لكل قرن حروبه النظامية systemic wars التي شارك فيها النظام الدولي بأسره (وقد هيمنت أوروبا على هذه الحروب بصورة متزايدة منذ القرن السادس عشر)، فوقعت الحربان العالميتان في القرن العشرين، والحروب النابليونية في القرن التاسع عشر، وحرب السنوات السبع في القرن الثامن عشر، وحرب الثلاثين عامًا في القرن السابع عشر.
وفي هذا السياق، لفت جورج فريدمان، في تحليل له نشره موقع "ستراتفور" المعني بالتحليلات السياسية والاستخباراتية، إلى أنه كانت وجهة نظر أولئك الذين جادلوا بأن سياسة الدفاع الأمريكية يجب أن تحوّل تركيزها بعيدًا عن صراع الند للند والحرب النظامية تفيد بأن العالم قد دخل حقبة جديدة، بحيث أصبحت الممارسات الشائعة في السابق أمرًا نادرًا، أو بات غير موجود.
وأشار المحلل الأمريكي إلى أن الحروب التي شاعت في السابق أصبحت لا تتضمن دولًا، وإنما جماعات غير وطنية، وبالتالي لن تكون هناك حرب نظامية. وبحسب الكاتب، فإن من أطلقوا هذا الرأي لم يدركوا طبيعته الراديكالية، ونادرًا ما كان يُنظر إلى سياسة الدفاع الأمريكية التي أخذت به على أنها غير ملائمة. وإذا كانت الولايات المتحدة ستشارك بشكل رئيسي في عمليات مكافحة الإرهاب في العالم الإسلامي على مدى السنوات الخمسين المقبلة، فمن الواضح أننا في حاجة إلى قوات عسكرية مختلفة جدًا عما نملكه اليوم، على حد قول الكاتب.
وأوضح فريدمان: هناك سببان وراء هذا الرأي، أولًا: يهيمن على المخططين العسكريين هاجس دائم بأنهم في حالة حرب، ومن العادات الإنسانية النظر إلى المهمة العاجلة كمهمة دائمة. وخلال الحرب الباردة، كان من المستحيل أن يتصور أحد كيف ستنتهي. وخلال الحرب العالمية الأولى، كان من الواضح أن الحرب الثابتة التي هيمن عليها الأسلوب الدفاعي هي النموذج الجديد للحرب الدائمة. ويؤكد فريدمان ضرورة تعديل فكرة أن الجنرالات دائما ما يقاتلون في حروبهم الأخيرة إلى القول إن الجنرالات دائما ما يعتقدون أن الحرب التي يقاتلون فيها هي الحرب الدائمة. وبرغم كل شيء، فإن الحرب هي التي مثّلت تتويجًا لحياتهم المهنية، وبدا سخيفًا أن يتخيلوا حروبًا أخرى أثناء مشاركتهم في هذه الحرب، ولن يشاركوا بالفعل في حروب مستقبلية، وفقًا للتحليل.
والسبب الآخر يكمن، بحسب فريدمان، في عدم وجود دولة قومية في وضع يمكّنها من تحدي الولايات المتحدة عسكريًّا. فبعد انتهاء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة في موقف قوي متفرد. ولكن مع مرور الوقت، ستزيد الدول الأخرى من قوتها، وتشكّل تحالفات وائتلافات لتتحدى الولايات المتحدة.
ومهما تكن الفوائد المكتسبة جرّاء ظهور قوة رائدة- والولايات المتحدة ليست رائدة بشكل استثنائي برأي الكاتب- فستخشاها دول أخرى أو تبدي استياءها منها، أو تلحق العار بسلوكها. إن فكرة عدم قيام الدول القومية الأخرى بتحدي الولايات المتحدة بدت معقولة خلال السنوات العشرين الماضية، ولكن الحقيقة هي أن الدول ستواصل السعي وراء تحقيق مصالحها التي تتعارض مع المصالح الأمريكية، وهو ما سيشكّل، بحكم التعريف، تحدي الند للند. من الممكن أن تكون الولايات المتحدة قوة ساحقة، ولكن هذا لا يجعلها قوة قاهرة، على حد قول فريدمان.
حرب نظامية أم غير متماثلة
وأشار فريدمان إلى ضرورة تذكر أن الحرب غير المتماثلة والعمليات غير الحربية وُجدت دومًا خلال حروب الند للند، والحروب النظامية. خاض البريطانيون حربًا غير متماثلة في كل من أيرلندا وأمريكا الشمالية في سياق حرب الند للند مع فرنسا. وخاضت ألمانيا حربًا غير متماثلة في يوغوسلافيا في الوقت الذي كانت تخوض فيه حربًا نظامية في الفترة من 1939إلى 1945. كما خاضت الولايات المتحدة حروبًا غير متماثلة في الفلبين، ونيكاراجوا، وهايتي، وأماكن أخرى في الفترة من 1900إلى 1945.
إن الحرب غير المتماثلة ليست نمطًا جديدًا من الحروب، برأي فريدمان، وإنما بُعد دائم من الحرب. وتعد حروب الند للند، والحروب النظامية ملامح ثابتة أيضًا، ولكنها أقل حدوثًا/ كما أنها مهمة للغاية. كانت نتيجة الحروب النابليونية بالنسبة لبريطانيا أهم بكثير من نتائج الثورة الأمريكية. وكانت نتيجة الحرب العالمية الثانية أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة من تدخلها في هايتي. هناك الكثير من الحروب غير المتماثلة الأخرى، ولكن الهزيمة فيها لا تعني تغيير القوة الوطنية. أما إذا خسرت حربًا نظاميةً، فمن الممكن أن تكون النتيجة كارثية.
وأوضح فريدمان أنه من الممكن أن تؤدي الحرب التي تحدد القوة والنظام الدولي إلى نتائج كارثية لا رجعة فيها، ويمكن أن تتسبب الحروب غير المتماثلة في إثارة مشاكل ووقوع إصابات، ولكن هذه أقل آثارها. ويرى الكاتب أنه يتعين أن يضع القادة العسكريون ومسئولو الدفاع، الذين تتملكهم اللحظة الآنية، في حسبانهم أن الحرب التي يخوضونها حاليًا قد لا تُذكر كثيرًا، وأن السلام الذي نقدر على تحقيقه الآن نادرًا ما يدوم. ومن المرجح أن يكون الاعتقاد بأن أي نوع من الحروب قد عفى عليه الزمن مجرد اعتقاد خاطئ.
الدرس الأوكراني
وقد حملت الأزمة في أوكرانيا درسا للولايات المتحدة، ويؤكد فريدمان أنه لن تكون هناك حرب بين الولايات المتحدة وروسيا على أوكرانيا. فلا يوجد للولايات المتحدة أي مصلحة هناك لتبرير الحرب، ولا يقف البلدان في موضع يساعدهما على شن حرب عسكرية. فالولايات المتحدة لم تنشر قواتها للحرب، والروس ليسوا على استعداد لمحاربة الأمريكان.
وتشير الأحداث في أوكرانيا إلى بعض الحقائق. أولًا: حدث تحوّل في قوة روسيا، حيث زادت من قدراتها العسكرية منذ عقد التسعينيات. ثانيًا: عادت المصالح المتباينة بين البلدين إلى الظهور مرة أخرى، بعد أن كانت قد اختفت في التسعينيات. ثالثًا: ستتسبب هذه الأزمة في دفع كل جانب إلى إعادة النظر في استراتيجيته وقدراته العسكرية، وأي أزمات مستقبلية قد تؤدي إلى حرب تقليدية، على الرغم من وجود الأسلحة النووية.
وأوضح فريدمان أن أوكرانيا تذكرنا بعدم استبعاد صراع الند للند، وأن وضع استراتيجية وسياسة دفاع، بناء على افتراض بعدم نشوء هذا النوع من الصراع، ليس له الكثير من الأدلة التي تدعمه في الواقع. لم يحدث تبدل للحالة الإنسانية بسبب الانقطاع لفترة عن تحدي الولايات المتحدة. ويعد العقدان الماضيان مجرد استثناء لقاعدة الشئون العالمية التي تحددها الحرب.
السيطرة على البحار
أكد المحلل الأمريكي ضرورة بناء الاستراتيجية الوطنية الأمريكية على السيطرة على البحار. فالمحيطات تحمي الولايات المتحدة من كل شيء باستثناء الإرهاب والصواريخ النووية، وتعد الأساطيل المعادية أكبر تحدٍ لسيطرة الولايات المتحدة على البحار. وأفضل طريقة لهزيمة الأساطيل المعادية هي الحيلولة دون بنائها، وأفضل طريقة للقيام بذلك، برأي الكاتب، هى الحفاظ على توازن القوى في أوراسيا، و ضمان استمرار التوترات داخل هذه المنطقة، بحيث يتم إنفاق الموارد على صد التهديدات البرّية، بدلا من بناء الأساطيل.
وبالنظر إلى التوترات الكامنة في أوراسيا، يرى فريدمان أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى القيام بفعل أي شيء في معظم الحالات، ويتعين عليها في بعض الحالات إرسال المساعدات الاقتصادية أو العسكرية إلى أحد الطرفين أو كليهما. وفي حالات أخرى، تكتفي بإسداء النصح.
استراتيجية الولايات المتحدة في أوراسيا
الهدف الرئيسي هنا، بحسب فريدمان، هو تجنب ظهور قوة إقليمية مهيمنة آمنة تمامًا ضد التهديدات البرية، وتتمتع بالقوة الاقتصادية، بحيث تتحدى الولايات المتحدة في البحر. كانت استراتيجية الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى هي رفض المشاركة، حتى بدا، مع زيادة العدوان الألماني على البحار، أن الهزيمة ستكون من نصيب البريطانيين والفرنسيين، أو تتعرض الممرات البحرية للإغلاق. عند هذه المرحلة، تدخلت الولايات المتحدة لمنع الهيمنة الألمانية.
وفي الحرب العالمية الثانية، ظلت الولايات المتحدة بعيدة عن الحرب، حتى انهارت الدولة الفرنسية، وبدا أن الاتحاد السوفيتي سينهار، وكان لا بد من القيام بعمل شيء. حتى ذلك الحين، لم يوافق الكونجرس على خطة روزفلت للتدخل عسكريًا في قارة أوروبا، إلا بعد إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة، بعد الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور. وعلى الرغم من العمليات في البحر المتوسط، لم تتدخل القوة الرئيسية للولايات المتحدة حتى عام 1944 في نورماندي، بعد ضعف الجيش الألماني بشدة.
ولإنجاح هذه الاستراتيجية، التي ورثتها الولايات المتحدة عن بريطانيا، يرى فريدمان أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حلفاء فعالين وذوي صلة. تفترض استراتيجية توازن القوى أن هناك حلفاء أساسيين لديهم مصلحة في الانحياز إلى الولايات المتحدة ضد خصومها في المنطقة. والحلفاء "الفاعلون" هم القادرون على الدفاع عن أنفسهم إلى حد كبير. فالتحالف مع دول عاجزة لا يحقق الكثير. أما الحلفاء "ذوو الصلة"، فهم الذين يقعون في مناطق جغرافية حسّاسة للتعامل مع أصحاب المشروعات التوسعية الخطيرة.
وإذا افترضنا أن الروس من أصحاب المشروعات التوسعية الخطيرة، فسيكون المقصود بالحلفاء ذوي الصلة هم الدول التي تقع في محيط روسيا. وتضيف البرتغال أو إيطاليا، على سبيل المثال، وزنًا قليلًا إلى المعادلة. وبالنسبة للفعالية، يجب أن يكون الحلفاء على استعداد لتقديم التزامات رئيسية بالنسبة للدفاع الوطني عن أراضيهم. وعلى ذلك، تتمثل العلاقة الأمريكية في جميع التحالفات في أن نتائج الصراعات يجب أن تكون ذات أهمية أكبر للحليف عن الولايات المتحدة، بحسب الكاتب.
الفكرة هنا، برأي الكاتب، هي أن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي كان ذا قيمة عظيمة، خلال الحرب الباردة، قد لا يكون بمنزلة أداة ذات صلة أو فعالية في مواجهة جديدة مع الروس. فالعديد من أعضاء الحلف في مواضع جغرافية لا تساعدهم على المساعدة، وأغلبهم غير فعالين عسكريًا، فهم لا يستطيعون تحقيق التوازن مع الروس. وبما أن الهدف من استراتيجية توزان قوى فعالة هو تجنب الحرب، مع احتواء أي قوة صاعدة، فإن فريدمان يرى أن انعدام وجود الردع الفعال يعد قضية مهمة للغاية.
لا يمكننا التأكد بأي وسيلة من أن روسيا تمثّل تهديدًا رئيسيًّا للقوة الأمريكية. سيشير الكثيرون إلى الصين، ولكن جورج فريدمان يرى أن الصين تمتلك قدرات محدودة على تشكيل تهديد بحري للولايات المتحدة، في الوقت الحاضر، من خلال الخصائص الجغرافية لبحار جنوب وشرق الصين. هناك الكثير من نقاط الاختناق التي يمكن إغلاقها. علاوة على ذلك، من الصعب أن نتخيل إحداث توازن في القوى العسكرية البرية. ولكن لا يزال المبدأ الأساسي الذي وصفه الكاتب قائما، بمعنى أن الولايات المتحدة تدعم دولًا، مثل كوريا الجنوبية واليابان، التي لها مصلحة في احتواء الصين.
في هذه الحالات المحتملة وغيرها، فإن المشكلة القصوى بالنسبة لمشاركة الولايات المتحدة في أوراسيا هي المسافة، فالأمر يستغرق وقتًا كبيرًا جدًّا لنشر قوة عالية التقنية إلى هناك، ويجب أن تكون عالية التقنية، لأن القوات التي ستشتبك مع الولايات المتحدة في أوراسيا ستفوقها عددًا على الدوام. ويرى فريدمان أنه يتعين أن يكون لدى الولايات المتحدة مضاعِفات للقوة. في كثير من الحالات، لا تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار التدخل، ولكن أي عدو محتمل يخلق ظروفًا تجعل من التدخل عملًا ضروريًّا. وبالتالي، لا يعرف المخططون أين سيتم خوض الحرب، ولا نوع القوة التي سيواجهونها. الشيء الوحيد المؤكد، بحسب التحليل، هو أن مكان المواجهة سيكون بعيدًا جدًّا، وسيستغرق الأمر وقتًا لبناء قوة. خلال عملية "عاصفة الصحراء" في العراق، استغرق الأمر ستة أشهر لشن الهجوم.
وأكد فريدمان أن الاستراتيجية الأمريكية تتطلب قوة تمكّنها من إظهار قدرات ساحقة، دون تأخير كبير. في أوكرانيا، على سبيل المثال، إذا كانت الولايات المتحدة قد اختارت الدفاع عن شرق أوكرانيا من الهجوم الروسي، لكان من المستحيل نشر هذه القوة، قبل استيلاء الروس عليها، ولكان من المتعذر شن هجوم ضد الروس في أوكرانيا. وبالتالي، تشكّل أوكرانيا مشكلة استراتيجية للولايات المتحدة، برأي فريدمان.
مستقبل سياسة الدفاع الأمريكية
أفاد فريدمان بأن الولايات المتحدة ستواجه صراعات الند للند، أو حتى صراعات نظامية في أوراسيا. وكلما سارعت الولايات المتحدة بتحضير قوة حاسمة، انخفضت التكلفة بالنسبة لها. ولا تختلف استراتيجية القتال في الحرب التقليدية الحالية عن تلك التي سادت فى الحرب العالمية الثانية، حيث تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المعدات والبترول لتشغيل تلك المعدات.
وأضاف: يمكن أن يستغرق الأمر عدة أشهر لإنزال هذه القوة في ساحة الميدان، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى إجبار الولايات المتحدة على موقف هجومي أكثر تكلفة وخطورة من أي موقف دفاعي، كما فعلت في الحرب العالمية الثانية. وبالتالي، من الضروري تقليل الوقت اللازم لوصول القوات إلى مسرح العمليات، وتقليل حجم تلك القوات بشكل كبير، مع زيادة القدرة على الفتك، والتنقل، والبقاء على قيد الحياة بشكل كبير.
ويترتب على ذلك أيضًا، وفقًا للتحليل، خفض وتيرة العمليات. لقد كانت الولايات المتحدة في حرب مستمرة منذ عام 2001. كانت الأسباب مفهومة. ولكن في استراتيجية ميزان القوى، تُعد الحرب هي الاستثناء، وليست القاعدة. يُنظر إلى القوة التي يمكن نشرها على أنها ساحقة، وبالتالي لا بد من نشرها. ويتم تحفيز حلفاء الولايات المتحدة بما فيه الكفاية، ويكونون قادرين على الدفاع عن أنفسهم. هذه الحقيقة تردع أصحاب المشروعات التوسعية عن شن أي هجوم. وهنا، يرى الكاتب أن ثمة حاجة إلى تكوين طبقات من الخيارات بين التهديد والحرب.
وأوضح فريدمان أنه يتعين بناء سياسة الدفاع على ثلاثة أمور: لا تعرف الولايات المتحدة أين سيكون القتال، ويجب أن يكون لجوء الولايات المتحدة للحرب محدودًا، ويتعين أن تمتلك الولايات المتحدة التكنولوجيا الكافية للتعويض عن حقيقة أن خصوم واشنطن سيفوقونها عددًا في أوراسيا. كما ينبغي أن تتغلب القوة التي يتم توصيلها إلى مسرح العمليات على النقص العددي، ويجب أن تصل إلى هناك سريعًا.
ويؤكد الكاتب ضرورة توفير نطاقات من التكنولوجيات الجديدة، بدءًا من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت إلى قوات المشاة المعززة إلكترونيًّا وميكانيكيًّا. ولكن هناك عقبة أمام وضع هذه التكنولوجيات الجديدة في الحسبان، وفقًا للكاتب، تتمثل في العقلية التي تؤمن بأن صراع الند للند قد انتهى، وأن العمليات المصغرة في الشرق الأوسط هي الخصائص الدائمة للحرب.
وشدد فريدمان على ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية في إطار الاحتمالات الدائمة لنشوب حرب تقليدية ضد الأعداء الذين يقاتلون على أرضيهم، فضلًا عن إدراك أن استنفاد القوة في الحروب غير المتماثلة لا يمكن أن يستمر. إن خسارة حرب غير متماثلة أمر مؤسف، لكنه مقبول، بينما خسارة حرب نظامية أمر كارثي. والأفضل، برأي الكاتب، هو عدم الاضطرار لخوض أي حرب.