لا تستطيع الامم المتحدة الاستقالة من المأساة السورية. ولا تستطيع الاكتفاء بمحاولة لعب دور اغاثي هناك. مسؤولية الامم المتحدة تتخطى توزيع البطانيات وحليب الاطفال. الازمة السورية ولادة للأخطار على الدول المجاورة والبعيدة. تكفي الاشارة الى قلق الدول الغربية ممن تسمّيهم «العائدين من سورية». انها تنظر الى هؤلاء «المجاهدين» العائدين بوصفهم قنابل مرشّحة للانفجار.
لا تستطيع الامم المتحدة غسل يديها. مجلس الامن ملزم بالتعاطي مع الحرائق التي تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. سيستمر بان كي مون في إجراء الاتصالات وإطلاق المناشدات. وسيستمر الاخضر الابراهيمي في البحث ولو عن ثقوب صغيرة في الجدار الذي احبط مهمته حتى الآن.
استمرار المحاولات لا يلغي حقيقة ساطعة. لا معنى الآن للحديث عن «جنيف 3». ولا مبرر لعقده. النظام الذي يعتبر نفسه منتصراً ليس في وارد العودة الى مسار جوهره البحث في هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات كاملة. لن يقدم للمعارضة على طاولة المفاوضات ما لم تستطع انتزاعه في ميدان المعركة. والمعارضة ليست في وارد العودة الى مسار جنيف اذا كانت تعني عملياً ترتيب التعايش مع الرئيس بشار الأسد الذي سيعاد انتخابه. وأغلب الظن ان الابراهيمي ليس مهتماً بعقد جولة جديدة لن تكون اكثر من فرصة اعلامية للمشاركين وهو ما حدث فعلاً في «جنيف 2».
لا مبالغة في القول ان «صيغة جنيف» سقطت. الابراهيمي نفسه كان قد اعترف بأن إجراء انتخابات رئاسية تعطي الأسد ولاية جديدة ينسف عملية جنيف. والحقيقة ان الابراهيمي لم يكن يتوقع من وفد النظام الى «جنيف 2» ان يكون مرناً في موضوع الهيئة الانتقالية حتى ولو أثير ملف الارهاب في موازاتها.
خيبة الابراهيمي لم تأت من الجانب السوري. جاءت بالتأكيد من الموقف الروسي الذي بدا وكأنه وافق على بيان «جنيف 1» كصيغة انتظار للتطورات في وقت تابع فيه دعمه الحاسم للنظام. ترجم هذا الدعم عبر مستويات عدة. الاستمرار في تعطيل مجلس الامن ومنعه من اتخاذ قرار يحاصر النظام السوري ويجيز أي تحرك دولي او غربي ضده. الاستمرار في تسليح النظام ومساعدته على تحسين موقعه ميدانياً. إنقاذ النظام من ورطة السلاح الكيماوي مستفيداً من قرار باراك اوباما اغتنام كل فرصة متاحة للابتعاد تماماً من اي خطوة تقود الى تدخل عسكري اميركي على الارض السورية.
كان الابراهيمي يراهن على خطوة روسية من نوع الضغط على النظام السوري لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية وتشجيعه على قدر من المرونة في التعاطي مع مهمة الابراهيمي. تبين لاحقاً ان موسكو ليست في وارد تقديم هدايا من هذا النوع وأنها تستخدم الازمة السورية لتأكيد عجز الغرب والثأر منه بعد «الخديعة» الليبية وصولاً الى عملية اذلاله في الازمة الاوكرانية. رهان آخر للابراهيمي لم ينجح. حاول استطلاع امكان اطلاق مسار موازٍ لإشراك تركيا والسعودية وإيران في عملية البحث عن حل في سورية. لم تنجح المحاولة.
يعرف الابراهيمي ان توفير مظلة اميركية - روسية جديدة لعملية جنيف بات اكثر صعوبة بعد ضم شبه جزيرة القرم الى الاتحاد الروسي. يعرف ان موقف روسيا لم يتغير. وأن ايران التي ألقت بكل ثقلها وأوراقها لإنقاذ النظام السوري لم يتغير موقفها وإن «أبدت استعداداً للمناقشة»، وهو ما اعتبره البعض من باب المناورة. وأن إقناع النظام بات اكثر صعوبة. وأن المعارضة تبحث عن تعديل ميزان القوى لا عن موعد جديد في جنيف.
يملك الابراهيمي خبرة طويلة في الصعوبات والتعقيدات. وقدرة هائلة على الصبر. والانتظار. لكن الاكيد ان «صيغة جنيف» السابقة سقطت. وأن البحث عن ثقب صغير في الجدار السميك صار اكثر صعوبة ومشقة.
يستطيع الابراهيمي الاستقالة حين يكتمل يأسه، لكن الامم المتحدة لا تستطيع.
--------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الإثنين، 14/4/2014.