علي مدي ربع قرن، شهدت العلاقات الروسية - الإيرانية تطورا ملحوظا ونموا مطردا، وذلك منذ زيارة هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الشوري الإيراني (آنذاك)، إلي موسكو عام 1989، والتي أنهت التوتر بين البلدين، وأطلقت التعاون بينهما في المجالات الاستراتيجية. وجاءت النقلة الثانية في العلاقات الروسية - الإيرانية مع زيارة الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، إلي موسكو في مارس 2001، والتي أعادت صياغة العلاقات بينهما على أسس ثابتة، ووضعت الأطر القانونية والاتفاقات التي تكفل النمو المطرد في التعاون بينهما في مختلف المجالات. في حين نجحت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلي طهران في 16 أكتوبر 2007، والتي كانت الأولي منذ 64 عاما، والثانية لزعيم روسي بعد جوزيف ستالين، في الانتقال بالعلاقات الروسية - الإيرانية إلي مستوي الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات. ويمكن تحديد ثلاثة محاور أساسية للشراكة الاستراتيجية المتنامية بين روسيا وإيران، وهي: الطاقة، والسلاح، والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
1- التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة:
تعد روسيا هي الطرف المعني أساسا بالملف النووي الإيراني لكونها الشريك الأساسي لإيران، ومصدر تزويدها بالتكنولوجيا النووية، وذلك منذ أن وقع البلدان اتفاقيتين عام 1992 للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وبناء محطة بوشهر النووية (جنوب إيران) لإنتاج الطاقة الكهربائية. وعقب الانتهاء من محطة بوشهر وافتتاحها في 12 سبتمبر 2011، بحضور وزير الخارجية الإيراني (آنذاك)، علي أكبر صالحي، ووزير الطاقة الروسي، سيرجي شماتكو، تم التوصل إلي اتفاق مبدئي بين البلدين لبناء مفاعل آخر في محطة بوشهر النووية، وذلك بعد توقيع اتفاق جنيف المرحلي بين إيران ومجموعة (5+1) في 24 نوفمبر 2013، والذي مثل إحدي النتائج الإيجابية التي فرضتها السياسة الجديدة التي تبنتها إيران، بعد وصول الدكتور حسن روحاني إلي رئاسة الجمهورية، حيث يقضي بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران، وعدم إصدار قرارات بعقوبات جديدة ضدها، مقابل قيام إيران بتقليص حجم تخصيبها لليورانيوم إلي نسبة لا تتجاوز 5٪، وتحييد الكمية التي تمتلكها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪ خلال 6 أشهر.
ولقد أصبح الملف النووي الإيراني من أكثر القضايا تعقيدا وإثارة للجدل على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمن ناحية، تصر إيران على حقها - غير المشروط- في امتلاك دورة الوقود النووي كاملة، وإتمام إعداد برنامج تخصيب اليورانيوم، في حين ترفض الولايات المتحدة هذا بشكل قاطع، حتي لا تمتلك إيران "القدرة" علي إنتاج قنبلة نووية في المستقبل. وفي خضم الهجوم العنيف على طهران من جانب الولايات المتحدة، يؤيدها الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، يتفرد الموقف الروسي بكونه الأكثر تعاطفا مع إيران وتفهما لموقفها في تحد واضح للإرادة الأمريكية، ولكل ما تمارسه الولايات المتحدة من ضغوط عليها، بما في ذلك فرض العقوبات على الشركات الروسية المتعاونة مع إيران.
ورغم موافقة روسيا على قرارات مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات دولية على طهران لوقف تخصيب اليورانيوم، فإن هذا لم يكن عدولا عن موقفها الداعم لإيران. فالموقف الروسي من قضية الملف النووي الإيراني يتلخص في بعدين أساسيين متوازيين تنتهجهما وتؤكدهما السياسة الروسية، أولهما: تأييد حق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية فقط. آخرهما: رفض امتلاك إيران أسلحة نووية، أو تحويل برنامجها النووي السلمي للاستخدام العسكري، ويعد هذا خطا أحمر لا يجوز لإيران تجاوزه من وجهة النظر الروسية، الأمر الذي دفع موسكو إلي تأييد فرض عقوبات رادعة على إيران. فعلي حين تتعاون روسيا مع إيران في بناء محطة بوشهر النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وتدافع عن حق إيران في ذلك، فإنها تقبل بفرض عقوبات على إيران لردعها عن المضي قدما في تطوير قدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم، والتي قد تؤهلها مستقبلا لإنتاج سلاح نووي. ويحكم الموقف الروسي في الحالتين مصالحها، والأمور المتعلقة بالأمن القومي الروسي.
فروسيا ترفض أي خطوة من جانب إيران تؤهلها في المستقبل لامتلاك سلاح نووي. ويمكن في هذا السياق تفسير اقتراح موسكو تخصيب اليورانيوم الخاص بمفاعل بوشهر في روسيا، حتي تضمن استمرار سيطرتها على مسار البرنامج النووي الإيراني، وعدم خروجه عن مساره السلمي. ذلك أنه لو استطاعت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 90٪، فسوف تكون قادرة على صنع قنبلة نووية، وهو الاقتراح الذي رفضته إيران التي تصر على حقها في امتلاك دورة الوقود النووي كاملة، ضمانا لاستمرار الحصول عليه، والتحلل من أي قيود روسية، أو مغالاة في سعر التكلفة بعد ذلك، أو اختراق برنامجها النووي وتدميره من جانب دول أخري، لاسيما إسرائيل. وهنا، يكمن جوهر الخلاف الروسي - الإيراني، والباعث الأساسي لروسيا لقبول فرض عقوبات على إيران.
وتأتي معارضة موسكو هذه اتساقا مع توجهها الثابت فيما يتعلق بمنع الانتشار النووي منذ العهد السوفيتي. فقد كانت روسيا دوما ضد انتشار التكنولوجيا النووية العسكرية، ولم يحدث أن قام الاتحاد السوفيتي بدعم أي من حلفائه في شرق أوروبا أو غيرها لتطوير قدرات عسكرية نووية، وذلك خلافا للولايات المتحدة. بل إن امتلاك الصين للسلاح النووي عام 1964 كان عاملا أساسيا في دفع الاتحاد السوفيتي لتوقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1968 مع الولايات المتحدة وبريطانيا. يضاف إلي هذا أن روسيا تري في امتلاك إيران سلاحا نوويا تهديدا مباشرا لمصالحها وأمنها القومي،لكون إيران دولة قريبة جغرافيا من روسيا، وتتقاطع مصالح ونفوذ الدولتين في العديد من القضايا والمناطق، خاصة منطقتي آسيا الوسطي والقوقاز ذواتي الأهمية الحيوية والاستراتيجية لروسيا.
إن روسيا، خلافا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تميز بين سلمية البرنامج النووي الإيراني في الحاضر، وهو ما تقبله روسيا، وما قد يتطور إليه في المستقبل، إذا ما قررت إيران تحويل قدراتها النووية للاستخدام العسكري، وهو ما تحاول روسيا منعه والحيلولة دونه. فروسيا تريد إيران قوية، ولكن ليس إلي الحد الذي يهدد روسيا ذاتها.
وإلي جانب الطاقة النووية، يشهد التعاون والتنسيق بين البلدين تفعيلا ملحوظا في مجال النفط والغاز بهدف الحفاظ على استقرار السوق النفطية، وضمان حد أدني لأسعار النفط، وذلك من خلال التحكم في حجم الإنتاج، خاصة أن روسيا تشارك في اجتماعات منظمة "أوبك" كمراقب، هذا إلي جانب الاستثمارات المشتركة والتعاون المشترك لتطوير صناعة النفط الإيرانية. فقد اتفقت شركة "غازبروم" الروسية مع السلطات الإيرانية حول إسهامها في استخراج الغاز الطبيعي، والتنقيب عن النفط في حقول "فارس الجنوبي". وتسهم شركة "غازبروم" منذ عام 1997 في مشروع التنقيب عن النفط في صفين من هذا الحقل. ويعد حقل "فارس الجنوبي" واحدا من حقول الغاز الطبيعي الكبيرة في العالم. كما وقعت شركة "غازبروم" الروسية ووزارة النفط الإيرانية في 13 يوليو 2008 مذكرة تفاهم لتطوير التعاون المشترك في مجالي النفط والغاز، واتفق الطرفان على تشكيل مؤسسة مشتركة للتنقيب، واستغلال الحقول النفطية، ومكامن الغاز، وتوريد الغاز الروسي إلي المناطق الشمالية من إيران بعد توقيع عقود طويلة الأمد في هذا المجال. واتفق البلدان أيضا على مشاركة شركة "غازبروم" الروسية في تنفيذ مشروع بناء خط أنابيب الغاز "إيران-باكستان-الهند".
2- إيران .. سوق رئيسي للسلاح الروسي:
تعد إيران سوقا رئيسيا للسلاح بالنسبة لروسيا، منذ بدء التعاون العسكري بين البلدين عام 1989، حيث تؤكد روسيا حق إيران في تعزيز قدراتها الدفاعية. وفي ديسمبر 2000، قام وزير الدفاع الروسي، إيجور سيرجييف، بزيارة إلي إيران، هي الأولي من نوعها منذ الثورة الإسلامية. ورغم الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة، والانتقادات الحادة التي وجهتها لموسكو، فإن هذا لم يثن روسيا عن عزمها المضي قدما في التعاون العسكري مع إيران، وتزويدها بمنظومات دفاعية متقدمة. ويتضمن التعاون توريد أنواع حديثة من الدبابات، والغواصات، والمقاتلات، ومنظومات الدفاعات المضادة للأهداف الجوية بعيدة المدي إلي إيران، إضافة إلي تحديث ما بحوزتها من أسلحة سوفيتية الصنع، وتدريب العسكريين الإيرانيين في الأكاديميات الروسية. ولم يؤثر تجميد روسيا صفقة بيع صورايخ "إس 300" أرض جو لإيران، بضغوط غربية، عام 2010، وإقامة إيران دعوي تحكيم دولي للمطالبة بتعويض قيمته أربعة مليارات دولار في جنيف ضد روسيا، في التعاون بين البلدين، وإتمام غيرها من الصفقات. فقد أبدت طهران تفهما لحجم الضغوط التي تعرضت لها روسيا آنذاك لتجميد الصفقة.
ويمكن تفسير النمو المطرد في التعاون العسكري بين البلدين في ضوء مجموعة من الأمور، أهمها رغبة روسيا في استعادة مكانتها في سوق السلاح، وزيادة حصتها في هذا السوق، وذلك بالنظر إلي ما تمثله عائدات تجارة السلاح من مورد لا غني عنه بالنسبة لروسيا، فضلا عن إدراك إيران أن روسيا تعد المصدر الأساسي المتاح أمامها للحصول على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، في ظل الحظر المفروض عليها من الولايات المتحدة وأوروبا.
وتؤكد روسيا دوما أن تعاونها العسكري مع إيران ليس موجها ضد أي طرف ثالث، وأنه لتعزيز القدرات الدفاعية لإيران، وأن روسيا تساعد إيران في تحديث آليتها العسكرية لمواجهة التهديدات المختلفة التي تتعرض لها، هذا فضلا عن أن إيران لا تتصدر قائمة الدول الأكثر إنفاقا على مشتريات الأسلحة في المنطقة. إذ إنه وفقا للتقارير الأمريكية ذاتها، فإن حجم مشتريات إيران من الأسلحة أقل من مشتريات إسرائيل، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
يضاف إلي ما سبق التعاون الاستخباراتي والأمني بين موسكو وطهران. فروسيا، خلافا للولايات المتحدة وأوروبا، لا تري في إيران راعيا للإرهاب. وقد استطاع بوتين بذكاء أن يربط ما يجري في الشيشان بظاهرة الإرهاب، ويحظي بتفهم الدول الإسلامية، ومنها إيران، للموقف الروسي من القضية الشيشانية، والذي يرفض تماما إجراء أي مباحثات مع القادة الشيشانيين المنشقين الذين يعدهم الكرملين "إرهابيين" يتعين القضاء عليهم.
3- تحالفات إقليمية في آسيا الوسطي والقوقاز:
أدي التقارب الجغرافي بين روسيا وإيران إلي تقاطع المصالح والاهتمامات في عدد من القضايا الإقليمية المهمة للطرفين في منطقتي آسيا الوسطي والقوقاز. وقد استطاع الطرفان تطوير التفاهم والتعاون بينهما، بالتركيز على نقاط التوافق والحلول الوسط. وكان للتفاهم بين روسيا وإيران دور بارز في تحقيق الاستقرار في عدد من القضايا الإقليمية المهمة، من أبرزها إنهاء الحرب الأهلية الطاجيكية التي اندلعت في طاجيكستان عام 1992 عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، والتوصل إلي اتفاقية عامة للسلام والوفاق الوطني، وقعت بموسكو في يونيو 1997 بوساطة مشتركة من البلدين.
وهناك عدد من الأطر الإقليمية التي تجمع البلدين في محيطيهما الآسيوي، وتتيح مجالا واسعا للحوار المباشر بينهما حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، أهمها منظمة "شنجهاي" التي تضم روسيا، والصين، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان كأعضاء، وتشارك إيران في اجتماعاتها كمراقب. وتعد المنظمة منتدي للتعاون والتنسيق الأمني بين روسيا وإيران، إلي جانب الدول الأخري الأعضاء والمراقبين، وذلك حول عدد من التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة، وفي مقدمتها: الإرهاب، وتجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة والذخائر والمتفجرات، والجريمة المنظمة. وتعقد المنظمة اجتماعات دورية على مستوي وزراء الخارجية ومستوي القمة. كما تقوم بتنظيم تدريبات على مكافحة الإرهاب علي غرار مناورات "مهمة السلام" التي أجريت لأول مرة في عام 2007، وتم الاتفاق على إجرائها مرة واحدة كل عامين.
أيضا، توجد منظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة بحر قزوين. فرغم استمرار الخلاف حول تحديد الوضع القانوني لبحر قزوين، وتقاسم ثرواته التي لم تعد تقتصر على الصيد، وإنما امتدت لتشمل مخزونا هائلا من النفط والغاز الطبيعي، يعد الثاني عالميا بعد منطقة الخليج العربي، فقد استطاعت الدول الخمس المطلة عليه، ومنها روسيا وإيران، تطوير الحوار من خلال عقد لقاءات قمة لتقريب وجهات النظر، علي غرار قمة عشق أباد التي عقدت في أبريل 2002، وقمة طهران التي عقدت في أكتوبر 2007، وحضرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتم التأكيد خلالها على أن الوضع القانوني للبحر سيتم تحديده بمعاهدة بين تلك الدول، يتم تبنيها بإجماع الدول المطلة على البحر. كما تم الإعلان عن تأسيس منظمة للتعاون الاقتصادي لمنطقة بحر قزوين.
4- سوريا .. أزمة كاشفة لعمق التعاون الاستراتيجي بين البلدين:
عكست مواقف البلدين من الأزمة السورية مدي تقارب الرؤي والسياسات بينهما حول قضايا المنطقة، حيث تشهد الأزمة السورية استقطابا حادا بين الولايات المتحدة - يدعمها الاتحاد الأوروبي، وتركيا، وقطر، والسعودية من ناحية، وروسيا والصين، تدعمهما إيران وحزب الله من ناحية أخري.
إذ تري كل من موسكو وطهران أن واشنطن تسعي إلي إحكام قبضتها على المنطقة، ووضع حد للشراكة المتنامية بين دول المنطقة والقوي الدولية، وفي مقدمتها روسيا والصين، وذلك من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافيا وسياسيا، وإضعاف القوي الإقليمية المهمة العربية وغير العربية الكبري، وخلق كيانات ضعيفة يسهل توجيهها، ولا تمثل خطرا على مصالحها. كما تريان أن تدخلا أمريكيا في سوريا قد يكون مقدمة "لصوملتها" وتفتيتها، الأمر الذي يخرج سوريا - كما خرج العراق - من المعادلة الإقليمية، بعد أن كانت فاعلا رئيسيا ومهما بها، ويفتح الباب أمام تصفية الحسابات القديمة بين الولايات المتحدة وإيران، وكسر شوكة طهران.
انطلاقا مما سبق، رفضت الدولتان بشكل قاطع أي تدخل خارجي مباشر أو غير مباشر في الأزمة السورية، واستخدمت موسكو الفيتو داخل مجلس الأمن ثلاث مرات للحيلولة دون ذلك، وأكدت حتمية الحل السلمي، وجلوس كل الأطراف المعنية على طاولة المفاوضات، لاسيما أنها تتشارك مع إيران في أن ما يحدث في سوريا هو "نزاع داخلي مسلح"، أو حرب أهلية، وأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يتحمل وحده مسئولية العنف، وإنما يتحمله الطرفان، السلطة والمعارضة. كما أكدتا أن النزاع ليس فقط بين النظام والمعارضة، وأن هناك ما يسمي بـ "القوة الثالثة"، وهي تنظيم "القاعدة" وتنظيمات إرهابية مقربة منه - مثل "جبهة النصرة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) - التي تنامي نشاطها على نحو ملحوظ، وأصبح يهدد ليس فقط سوريا، وإنما الأمن الإقليمي بصفة عامة. فضلا عن أن استخدام القوة بشكل واسع ضد الآلاف من المقاتلين المدربين والمسلحين، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية، بالإضافة الي السعودية، وقطر، وتركيا، وهي التي تحاول "إسقاط السلطة الشرعية"، أمر مبرر من وجهة نظر البلدين، وهو موقف يختلف جذريا عن الموقف الغربي والعربي الذي حمل بشار الأسد وحده مسئولية العنف والمذابح في سوريا، وفقد الأمل في الحل السلمي ليتجه إلي الدعم العسكري للمعارضة من أجل الإطاحة بنظام الأسد.
وقد أكدت روسيا أهمية مشاركة إيران، إلي جانب السعودية، في مؤتمر "جنيف-2" الدولي حول سوريا، وضرورة أن يكون هناك تمثيل لكافة الدول التي تؤثر في مختلف أطراف الأزمة في سوريا، ومنها إيران. ورحبت موسكو بقرار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون توجيه دعوة رسمية إلي إيران لحضور المؤتمر، ورأت أن رفض الولايات المتحدة والسعودية مشاركة إيران وغيابها عن المؤتمر يعيق التوصل إلي تسوية عادلة ونهائية للأزمة.
5- التعاون الروسي - الإيراني وأمن الخليج العربي:
في مواجهة المخاوف العربية عامة، والخليجية خاصة، من البرنامج النووي الإيراني، تؤيد روسيا حق دول الخليج العربي في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، خاصة أنها أعضاء في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقد أعربت موسكو عن استعدادها الكامل لتطوير التعاون في هذا المجال، وكان ذلك من بين المجالات التي تم بحثها خلال زيارة الرئيس بوتين للمملكة العربية السعودية في فبراير .2007
ويأتي هذا متسقا مع التوجه العام للسياسة الروسية فيما يتعلق بنشر التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، حيث تتبني روسيا رؤية اقتصادية بحتة تجاه هذا الأمر، وتراها "صفقة"، ولا تضع أي قيود سياسية على التعاون مع أي دولة في هذا المجال، مادام تم ذلك علنا، وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكان الرئيس بوتين قد اقترح في يناير 2007 إنشاء شبكة من مراكز التخصيب ومعالجة الوقود تحت مراقبة دولية بهدف إتاحة الفرصة أمام الدول النامية للحصول على الطاقة النووية دون إثارة تخوف أو معارضة من جانب القوي الكبري، لاسيما الولايات المتحدة.
علي صعيد آخر، أكدت روسيا أنه من غير المتصور أن يؤدي التعاون العسكري الروسي - الإيراني إلي تغير جذري في التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي، لعدة أمور، من أهمها أن روسيا لا تزود إيران بأي أسلحة هجومية، وإنما بأسلحة دفاعية لا تؤثر في ميزان القوي الإقليمي، وأن التوازن الاستراتيجي في المنطقة يجب أن يأخذ في الحسبان الترسانة العسكرية الأمريكية الضخمة في منطقة الخليج، والتي لا قبل لإيران بها، ولا يمكن لهذه الأخيرة التوازن معها، مهما عززت من قدراتها العسكرية. كما أن تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية قد يبدو أمرا مبررا، خاصة بعد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بتوجيه ضربات إلي إيران. وقد أبدت روسيا استعدادا كاملا لبيع منظومات متقدمة من الأسلحة والمعدات العسكرية لدول الخليج وغيرها من الدول العربية، ودون أي قيود سياسية أو تقيد برؤية معينة لما يجب أن يكون عليه ميزان القوي في المنطقة. إلا أنه في ظل الهيمنة الأمريكية والغربية عموما على واردات منطقة الخليج من الأسلحة، لم يحدث تقدم ملحوظ في هذا الإطار.
إن روسيا حريصة على علاقاتها بدول الخليج العربية بقدر حرصها على العلاقة مع إيران. وقد أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في فبراير 2014 عن استعداد موسكو للإسهام في تطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج، وأشار إلي أن ضعف الثقة المتبادلة بين الجانبين يسئ لمصالح دول المنطقة، واقترح إطلاق عملية من شأنها أن تسمح ببدء حوار بين الطرفين، وعقد اجتماع دولي حول ضمان الأمن في منطقة الخليج.
فروسيا معنية لدرجة كبيرة بالاستقرار في منطقة الخليج، وذلك بالنظر إلي مصالحها الحيوية في المنطقة، إلي جانب التطلع الروسي للاستفادة من السوق والاستثمارات الخليجية الهائلة، وكذلك تسويق التكنولوجيا الروسية في المجالات المختلفة.
وتدرك روسيا، من خلال قراءة صائبة للواقع في منطقة الخليج العربي، أن حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة يبقي رهنا بإرادة مجموعة من الفاعلين في الإقليم وخارجه، وأن التوافق والتفاهم بين هؤلاء الفاعلين هو العامل الحاسم في تحقيق الاستقرار الإقليمي. ولذا، فإن تطوير نظام للأمن الجماعي هو الصيغة المثلي لضمان أمن الخليج العربي من وجهة النظر الروسية، وذلك علي غرار تجارب أخري مثل مجموعة شنجهاي. وتختلف الرؤية الروسية في هذا الخصوص تماما عن رؤية دول كبري أخري، والتي تري في العلاقات والتفاهمات الثنائية بينها وبين دول الخليج العامل الأهم في تحقيق الاستقرار من عدمه في المنطقة.
إذ تري روسيا أنه من الضروري إقامة منظومة أمنية إقليمية في منطقة الخليج، تضم دول مجلس التعاون الست، إلي جانب العراق "وجيرانه"، ومنها بالطبع إيران، وتتضمن إجراءات لبناء الثقة، وتأخذ في الحسبان مصالح كافة الدول في المنطقة. وقد أبدت موسكو في أكثر من مناسبة استعدادها للوساطة في هذا الشأن. ويظل التقدم نحو إيجاد صيغة ما للأمن الجماعي في منطقة الخليج رهنا بإرادة الفاعلين من دول الخليج العربي، ورؤيتها لإيران، وآفاق التفاهم معها من ناحية، وخطوات تطمينية حقيقية وجادة تتخذها إيران من ناحية أخري.