يأتى انعقاد القمة العربية بالكويت، فى ظل تزايد التحديات التى تواجه العالم العربى،لاسيما وأن الثورات التى اندلعت فى بعض دوله لم تنجح حتى الآن فى ترجمة أهدافها الثورية فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية فى ظل سياق إقليمى ودولى ضاغط يسعى لاستغلال الفرص الكامنة فى تطورات المشهد العربى لتحقيق مصالحه على حساب أمن واستقرار دول المنطقة، وهو ما عكسه الاتفاق التاريخى بين طهران وواشنطن فى الآونة الأخيرة.
الأمر الذى أدى إلى تنامى الدعوات التى تطالب بضرورة إحداث نقلة نوعية فى آليات العمل العربى المشترك تنجح فى استنفار الطاقات العربية وتحويلها لمصادر قوة تسهم فى تحقيق التنمية وتحافظ على وحدة وتماسك دولها التى تتزايد فى عدد منها دعوات الفيدرالية والتى ربما تمثل بداية لتنشيط رغبات الانفصال والتفتيت، وهو ما يحدث فى ليبيا واليمن وسوريا، وسبق أن حدث فى خبرات عربية أخرى مثل العراق. ويبدو أن انعقاد القمة العربية يتزامن مع بروز مجموعة من المتغيرات التى تمثل تحديات ماثلة أمام القادة العرب تحتاج لتضافر الجهود العربية لكيفية التفاعل مع تداعياتها المستقبلية. ولعل أبرز هذه التحديات هى:
أولاً : نظام عالمى قيد التشكيل: ظلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى وحتى إندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية فى 2009 تهيمن على مجمل تفاعلات النظام الدولى إلى أن استطاعت بعض الدول أن تحقق طفرات اقتصادية وصفت بالمعجزة فى بعض نماذجها ، وهو ما حدث فى التجارب الآسيوية وتجارب عدد من دول أمريكا اللاتينية.الأمر الذى مكن دولة مثل الصين من تحقيق فائض فى ميزانها التجارى مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما جعل البعض يتحدث عن أزمة الهيمنة الأمريكية تجلت فى الاخفاقات المتتالية للسياسة الأمريكية فى معظم مناطق نفوذها وهو ما دفع أوباما لتبنى استراتيجية التوجه الآسيوى. صحيح أن الولايات المتحدة لن تتحلل من كل ارتباطاتها بقضايا المنطقة نظراً لحيوية مصالحها الاستراتيجية بها. إلا أن المنطقة العربية ربما تواجه فى الأمد المنظور فراغ قوة ستسعى بعض القوى لملئه، سواء أكانت قوى إقليمية أو دولية، وهو ما دفع الدب الروسى إلى محاولة استعادة بعض مناطق نفوذه القديمة. وربما شكل انضمام شبه جزيرة القرم بعد الاستفتاء الأخير إلى الاتحاد الروسى مؤشراً على هذه العودة التى وإن اختلفت فى سياقها، إلا أن الحنين إلى الماضى مثل جوهر تحققها.
ومع هذه الارهاصات الأولى لميلاد نظام عالمى جديد، ربما يمتد لسنوات، فإنه يصبح على العرب ضرورة البحث عن موقعهم فى هذا النظام الوليد ، لذلك فمن المفترض أن تشتمل مقررات قمة الكويت على إعادة تعريف الدور العربى فى السياسة الدولية وأهدافه ،وحدود حركته، وأنماط تفاعلاته بل وآلياته التى سيتعامل بها مع الواقع الجديد سريع التغير.
ثانياً: الدولة العربية بين الفيدرالية والتفكك: يشكل التحدى الأبرز الذى يواجه قمة الكويت العربية أن متطلبات العمل العربى المشترك فى أدنى حدودها ، فالداخل العربى يعانى من اتجاه واضح إزاء التفكك ، صحيح أن الشعارات التى ترفع فى عدد من الحالات تدعو للفيدرالية ،إلا أن جوهرها هو السعى لتحقيق الانفصال على المدى البعيد . وقد تجلت الدعوات الفيدرالية فى أكثر من حاله عربية ، ففى ليبيا تم إعلان ثلاثة أقاليم فيدرالية هى: ( فزان فى الجنوب ، وطرابلس فى الغرب ، وبرقة فى الشرق ). كما أُعلن فى اليمن بعد سلسلة من جولات الحوار الوطنى التى أقرتها المبادرة الخليجة أن نظام الأقاليم أو الولايات هو النظام الأنسب، وإن تم التأكيد على وحدة اليمن فقد تم تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم إدارية،هي: أزال، وسبأ، والجند، وعدن، وتهامة، وحضرموت. وفى سوريا تتنامى النزعات الانفصاليه الرامية إلى تقسيم الدولة إلى ثلاث دويلات كردية وسنيه وشيعيه. لذلك كشفت هذه التحولات عن عمق الأزمة التى تعانى منها الدولة العربية وهشاشتها وضعفها البين ، خاصة مع ارتفاع سقف طموحات الأقليات العرقيه والطائفية والقومية التى لم يتم إدماجها داخلها، وهو ما سيكون له تداعياته على الدولة العربيه بمفهومها التقليدى.
ثالثاً : أزمة خليجية متشابكة: تمثل الأزمة الخليجية التى اندلعت فى الخامس من مارس الجارى على خلفية قرار دول الخليج الثلاث: السعودية ، والامارات والبحرين سحب سفرائهم من قطر احتجاجاً على سلوكها الخارجى والذى يتعارض مع توجهات دول مجلس التعاون الخليجى، ومع مقتضيات الأمن القومى العربى بصفة عامة ، وهى تعد أول سابقة خليجية فى تاريخ العلاقات الخليجية الخليجية، والتى ربما ستلقى بظلالها على إجتماعات القمة لاسيما أن قطر أعلنت أنها مستمرة فى تبنى نفس نهجها الخارجى، وهو ما يتطلب صياغة رؤية عربية موحدة خلال إجتماعات القمة للبحث فى كيفية تطبيق العقوبات على الدول الأعضاء فى الجامعة إن حادت عن أهداف وميثاق الجامعة الذى أكد فى مادته التانيه أن الغرض من الجامعة هو توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة فى شئون البلاد العربية ومصالحها.
وبرغم تنوع التحديات أمام قمة الكويت، إلا أن ثمة فرصاً واعدة أمام تعزيز العمل العربى المشترك، فبقدر ما تطرح هذه التحديات من مشكلات معوقة بقدر ما تتيح من فرص يمكن استغلالها، فالحقيقة المؤكدة أن تزايد التحديات الخارجية يدفع باتجاه تعزيز التعاون العربى من خلال صيغ نجحت فى أوقات فارقة من تاريخ العرب وما لبثت أن تبددت. نتاجاً للمفهوم الحاكم لطبيعة العلاقات العربية العربية الذى مفاده أن الأزمات المصيرية توحد العرب، وأن نجاحاتهم يعقبه انقسامهم، وهو ماحدث بعد نكسة 1967، وانتصار 1973 وعقب تحرير الكويت. الأمر الذى يحتاج إلى مراجعه جادة لواقع العرب ومستقبلهم ، ولن يتأتى ذلك إلى من خلال تفعيل صيغ التعاون المؤسسي على أن تبدأ بتعزيز التعاون الاقتصادى ليمثل القطاع الرائد للمجالات الأخرى سواء أكانت سياسية أو أمنية.
---------------------------------------------
* نقلا عن الأهرام المصرية، الثلاثاء، 25/3/2014.