10 مارس 2014
عرض: هدى رؤوف، باحثة في العلوم السياسية
جاء الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد سنوات شهدت قطيعة بين إيران والمجتمع الدولي ببرنامج إصلاحي يتضمن الانفتاح على الغرب، وإنعاش الاقتصاد الذي تأثر جراء العقوبات المفروضة على إيران. وعقب فوز روحاني بانتخابات الرئاسة، توالت ردود الفعل الغربية لتصب كلها فى أمنيات تتعلق بقدرته على تحقيق الانفتاح، وتبديد مخاوف المجتمع الدولي بشأن سياسات إيران.
فى هذا الإطار، حاول كيفن هريس فى مقال له بمجلة " فورين أفيرز" أن يبرز التحديات التي يمكن أن يواجهها روحاني، وقدرته على التحرك ما بين تيارات وجماهير مؤيدة ولديها توقعات كبيرة للإصلاح، وأخرى محافظة ومتشددة قد تعوق هذه التغييرات المنشودة.
ولذا، يعتقد كيفن أنه من الضروري أن يعمل روحاني على كسب تأييد كل من الجماعات المؤيدة للإصلاح وتلك المحافظة، ويقدم توصيات أو مقترحات فى إطار إدارة السياسات الداخلية والخارجية فى مواجهة المتشددين والمحافظين.
نجد أن توصيات كيفن تعتمد فى تنفيذها على مدى قدرة الرئيس روحاني على تنفيذ أجندته وإصلاحات حقيقية، بالإضافة إلى مقدار ما يتمتع به من دعم المرشد الأعلى.
جورباتشوف الإيراني ما بين الليبراليين والمحافظين:
فاز روحاني الذي قال ذات مرة " لابد أن يدور الطرد المركزى" – فى إشارة إلى استمرار البرنامج النووي- كما أكد أهمية استمرار حياة الشعب والاقتصاد أيضا، وهو النهج الذي هلل له الجميع.
يرى الكاتب انه إذا أصر روحاني على تنفيذ وعوده الانتخابية بإصلاح الجمهورية الإسلامية، فعليه الاستمرار فى اتباع هذه الاستراتيجية. كما يرى أن صورة روحاني التي يصورها بعض المهتمين، ويقارنون فيها ما بين روحاني وميخائيل جورباتشوف، الزعيم السوفيتي الذي قام بإجراء سلسلة إصلاحات سياسية فى التسعينيات، ربما تكون فى ذهن الإيرانيين الليبراليين، بينما المحافظون منهم لن يروا في جورباتشوف غير أنه ترأس سقوط الاتحاد السوفيتي.
وفي هذا الإطار، فإن أي تحرك من روحاني فى اتجاه السير بإيران نحو مزيد من الليبرالية، سواء فيما يتعلق بالسياسات الداخلية أو الاقتصاد، أو سياسة بلاده الخارجية، سيدفع المحافظين إلى رد فعل عنيف يدفع ثمنه روحاني وحلفاؤه من الوسط مع كل محاولة لبناء الدولة فى ذلك الاتجاه.
خطوات فى اتجاه تخفيف قبضة التيار المحافظ:
يعتقد الكاتب بأن روحاني مدرك لحقيقة أن أي مواجهة مباشرة مع التيار اليميني فى إيران ستكون مكلفة، لكن ذلك لا يعنى ألا يحاول تخفيف قبضة ذلك التيار على الدولة، بل عليه أن يفعل ذلك تدريجيا. وبناء عليه، يقول الكاتب إن روحاني يمكنه تحقيق تقدم ملموس فى هذا الصدد باتباع مجموعة خطوات حكيمة ومحسوبة يقترحها هريس في الآتي:
أولا-على صعيد السياسات الداخلية:
على روحاني العمل على إصلاح المؤسسات السياسية الإيرانية، وهو ما يساعده على كسب تأييد المحافظين، حيث إن معظم النخب الإيرانية منتمية إلى مؤسسات سياسية متداخلة فيما بينها، ومعظم تلك المؤسسات لا تتسم بالاتساق الأيديولوجي، كما أنها لا تملك أتباعا حقيقيين بين المواطنين. وقد شجع التيار المحافظ هذا الإطار السياسي ليجعل من الصعوبة على المواطنين مساءلة المؤسسة الحاكمة، وصعوبة وصول التمرد السياسي إليها. فإذا أخذ فى الحسبان الصعوبات التي واجهت التيار المحافظ فى حشد وتنظيم قواعده قبل الانتخابات الرئاسية العام الماضي، فسنجد أنهم قد يقبلون بإعادة تشكيل الأحزاب السياسية فقط حال استفادتهم من حملات أكثر انضباطا. فالمحافظون يعتقدون أن خلافهم الداخلي فيما بينهم هو ما أفقدهم انتخابات العام الماضي التي تسابق فيها أربعة مرشحين مقابل روحاني المنتمى للوسط.
ويقول هريس إنه على روحاني الاعتراف بالأحزاب السياسية قبل انتخابات برلمان 2016 ، فمثل هذه الخطوة على المدى القصير ستصب فى مصلحة المحافظين، ذلك أنها ستجعلهم أكثر تنظيما من منافسيهم. أما على المدى الطويل، فتعد تلك الخطوة انتصارا كبيرا للإيرانيين المعتدلين والليبراليين، حيث تكتسب الأحزاب السياسية الإيرانية مع الوقت مزيدا من الشرعية، كما ستقلص من سلطة مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة غير منتخبة تراقب الانتخابات المحلية ولديها تاريخ فى رفض كثير من المرشحين الإصلاحيين. وجدير بالذكر أن تلك الهيئة تراقب مدى ملاءمة القوانين للدستور، كما أنها تتشكل من 12 عضوا، ستة منهم رجال دين، وستة منهم رجال قضاة يعينهم مرشد الثورة لمدة ست سنوات.
ويرى الكاتب أنه نتيجة لهذه الخطوات، قد يصوت الجمهور للمرشحين الأقل شهرة على أساس الانتماء الحزبي فى حالة مُنع مرشحون بعينهم من الترشح. فتقديم الأحزاب السياسية من شأنه إضعاف قبضة الجيل الأول من الإيرانيين الثوريين على السياسات الداخلية بإجبارهم على التنافس مع وجوده جديدة، لافتا إلى أنه من السهل إيجاد شباب محافظ طموح مؤيد لهذا التغيير مقابل سياسات جزئية قانونية، فكثيرا ما اشتكى مؤيدو الرئيس الإيراني الأسبق نجاد من السقف السياسي المحدد من خلال الحرس القديم.
ثانيا- على الصعيد الاقتصادي:
التوصية الثانية تتعلق بإمكانية روحاني إحراز تقدم اقتصادي. فنمط الملكية الشائع فى إيران هو ذلك النوع المرتبط بالشركات القابضة القريبة من الدولة والمستثمرين المؤسسيين، فالبعض منهم يتبع الحرس الثوري، أو مكتب آية الله على خامنئى، والمعظم يتبع صناديق التقاعد الحكومية والبنوك، وطبقة مبهمة من شركات التعاقد من الباطن. ولذا، فأي محاولة لمصادرة أي من تلك الشركات، أو تعاقداتها ستقابل برد فعل عنيف من جانب المحافظين.
وفقا لهذا المعطى، يرى الكاتب أن على روحاني أن يتبع بعضا من السياسات التي اتخذها الإصلاحيون فى التسعينيات. فبعد أن منع المحافظون محاولات الرئيس السابق خاتمي لخصخصة قطاع غير عريض من التكتلات العامة، مُنح خاتمي تراخيص لأعمال جديدة فى قطاعات تتراوح ما بين السلع الاستهلاكية والمواصلات، حتى الاتصالات والخدمات المصرفية. واستمرت الشركات المرتبطة بالدولة تتمتع بحماية قوى السوق، إلا أنها فوجئت بمنافسة أصحاب المشروعات الجديدة، مما أدى إلى تداعيات إيجابية على السوق تضمنت خفض الأسعار، وارتفاع مستوى الجودة، واضطرت الشركات ذات العلاقة بالدولة إلى محاكاة صاعدي السوق الجدد.
ومن ثم، يرى الكاتب أن على روحاني إذا لم يتمكن من التغلب على الطبقة الراسخة ذات العلاقة بالدولة، فعليه منح الفرصة للقطاع الخاص لمنافستهم.
ثالثا-على صعيد السياسة الخارجية:
يمكن لروحاني محاولة إصلاح السياسة الخارجية لبلاده من خلال استمالة التيار المحافظ، ومحاولة الاستفادة من الانقسامات الداخلية فيما بينه حول الدور الإيراني في الشرق الأوسط. فهو- وفقا للكاتب- لا يمكنه إعادة السياسة الخارجية التي ينشدها باستدعاء دعوات الرئيس السابق خاتمي حول حوار عالمي للحضارات، هذا النوع من الخطابات الذي أثار حفيظة المحافظين الذين قاموا بدورهم بتهميش دور خاتمي فى صنع السياسة الخارجية لإيران. لذا، يمكن استنتاج انقسام النخبة الإيرانية حينما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الكبرى للبلاد، مستشهدا بمقال لفريدة فارحى، وسعيدة لوتفيان حول سياسة إيران الخارجية بعد الانتخابات، والذي دار حول الفكرة نفسها. فهناك قطاع يعتقد بأن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع. ووجهة نظر هذا التيار أن مهمة إيران لابد من أن تتمحور حول عداء أيديولوجي للغرب، ومحاولة شغل فراغ القوة محل الولايات المتحدة الأمريكية.
على الجانب الآخر، هناك مدرسة أخرى، التي يمثلها روحاني وتياره منذ التسعينيات، تدعو إلى عودة إيران إلى مجال مصالحها التاريخية من حيث حدودها الإقليمية، والموارد المائية التي تتشاركها مع جيرانها، أي أن روحاني يقوم بتوظيف القومية الإيرانية القديمة لدعم استراتيجية جديدة.
ويرى الكاتب أن أهم إيجابيات رؤية روحاني للسياسة الخارجية أنها توظف قومية إيران القديمة لدعم استراتيجية تتسق والانفراج مع الولايات المتحدة. وباستخدام الخطاب القومي نفسه، يمكن لروحاني أن يستخدم تبريرات وحججا ضد التورط الإيراني فى الحرب الأهلية السورية التي يستسيغها المحافظون. وبالمنطق نفسه، يمكن إعادة التوازن فى علاقات إيران بالدول العربية المجاورة لها.
ويختتم كيفن مقاله بتأكيد أن إيران فى حاجة ملحة إلى الإصلاح فى مجال السياسات الداخلية، والاقتصاد، والعلاقات الخارجية، إلا أنه يجب على روحاني ألا يبعد خصومه. فالتحدي أمامه هو إبقاؤه على النخب المحافظة متصلة بخططه، وعلى تماس معها، مع استمراره فى الوقت ذاته فى إرسال رسائل تطمينية للمواطنين ذوى التوقعات الكبيرة بأن الإصلاحات لا تزال جارية.