يؤخذ على نظام الرئيس السابق حسني مبارك، إلى الإدارة الداخلية الاستبدادية والتسلط واستشراء الفساد والمحسوبية، مساهمته في انحسار الدور المصري الخارجي، في الدائرتين العربية والأفريقية. ما أفقد مصر عناصر قوة استراتيجية لدى الدفاع عن مصالحها، وخسارة قضايا عربية وأفريقية الدعم المصري الفاعل تقليدياً.
ومع تشكل النظام المصري الجديد، بعد الرفض الشعبي الواسع لإدارة مبارك وصولاً إلى إرغامه على التنحي وبعد التجربة الفاشلة لحكم «الإخوان المسلمين» وعزل الرئيس محمد مرسي، يُطرح السؤال عن كيفية استعادة الدور المصري الخارجي وعن قدرة السلطة الجديدة على الفصل بين مسار معركتها الداخلية مع «الإخوان» والدور المصري في الإقليم.
العلاقات المصرية متوترة مع الولايات المتحدة، الحليف التقليدي، ولم تجد قاعدة استقرار مع الدول الأوروبية الغربية التي حافظت على مستوى متقدم من الروابط مع القاهرة. وإذا كان عزل مرسي وإقصاء «الإخوان» من الحكم، وما اعتبر أنه انتهاك لصناديق الاقتراع، وراء التردي في العلاقات مع الغرب، فان السبب نفسه هو الذي فرض التقارب مع بلدان الخليج العربي، باستثناء قطر.
فالاندفاعة الخليجية لإنقاذ الموازنة المصرية عبر ضخ بلايين الدولارات، قروضاً ميسرة وهبات وودائع، كانت إلى حد كبير رداً على التخلي الغربي عن مصر في لحظة حرجة. ما مكن من استعادة علاقات التعاون الاستراتيجية المصرية - الخليجية. الأمر الذي يصب في النهاية لمصلحة الطرفين، مصلحة مصر الباحثة عن عمق استراتيجي اقتصادي ومصلحة الخليج الباحث عن عمق استراتيجي بشري ودفاعي.
صحيح أن المواجهة المشتركة مع «الإخوان» كانت المناسبة لإعادة اكتشاف العلاقات المصرية - الخليجية بعد فترة تراجع، فان وضع أسس صلبة لشراكة تتعدى المواجهة الظرفية مع «الإخوان» هو الذي يوفر أساس المصلحة الاستراتيجية المشتركة.
السلطة المصرية الجديدة تخوض في الداخل معركة ضد الإرهاب الأصولي الذي يتخذ حالياً اسم جماعة «بيت المقدس». وقد يكون هذا الاسم غطاء لمجموعات محلية وأخرى مرتبطة بـ «القاعدة»، لكن السلطات تحمل «الإخوان» مسؤولية هذا الإرهاب، وتشتبه بدور لـ «حماس» عبر حدودها مع غزة في رعاية هذا الإرهاب.
وبغض النظر عن الوقائع في هذا الملف، تعتبر السلطة المصرية، وعن حق، أن هذا الإرهاب يشكل التحدي الأكبر لها، وأن مواجهته في الداخل المصري حق مطلق لها، شرط أن لا تفسد هذه المواجهة نظرتها إلى القضايا العربية المطروحة حالياً. لا أحد يستطيع الاعتراض على التعامل مع وقائع اتهام «حماس» بالإرهاب في مصر، لكن ذلك لا يعني شمول التهمة للفلسطينيين في قطاع غزة وتحميلهم وزر الحركة الإسلامية وعلاقتها بجماعة «الإخوان» - الأم في مصر. كما أن هذه العلاقة المضطربة مع القطاع ينبغي ألا تحجب الدور المصري في القضية الفلسطينية، سواء لجهة المفاوضات الحالية بين السلطة وإسرائيل برعاية أميركية أو تجديد الوساطة للمصالحة الوطنية الداخلية. ويخشى أن يكون انحسار الدور المصري في هذا الملف هو نتيجة نظرة السلطة الجديدة إلى الأوضاع العربية عبر نظرة المواجهة مع «الإخوان»، كما هو الأمر في التعامل مع غزة والقضية الفلسطينية.
وتنسحب هذه الملاحظة على التعامل المصري مع الصراع في سورية. إذ قد تغلب وجهة النظر القائلة إن سورية باتت «ساحة جهاد» ومصدراً للإرهابيين، وأن المتشددين التهموا الحركة الاحتجاجية وأن سقوط النظام سيكون في مصلحة «الإخوان» وفروعهم. ويخشى أن تكون مثل هذه الهواجس هي التي تفرض الانسحاب المصري من الأزمة السورية. ليس مطلوباً أن تتعامل السلطات مع هذه الأزمة برعونة «الإخوان» ومرسي، لكن المطلوب هو القراءة الصحيحة لما يجري في سورية. على المستوى الداخلي، كحركة مطالبة بالانعتاق من حكم الاستبداد والفساد وبالحريات. وعلى المستوى الإقليمي، كجزء من الصراع الذي فرضته إيران على المنطقة.
وفي هذا المعنى قد لا تكتمل العلاقة الخليجية - المصرية المستجدة، على رغم كل النيات الحسنة والخطوات الملموسة من أجل دفعها إلى أمام، من دون تطابق الموقف من الأزمة السورية وكيفية إدارتها.
-------------------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الأحد، 9/2/2014.