لقاء مفتوح مـع السيد / نبيــل فهمــي - وزير خارجية جمهورية مصر العربية - الأحد 22 ديسمبر 2013
أعدته للنشر: راندا موسى
ظلت السياسة الخارجية المصرية، عبر تاريخها، محور اهتمام النخبة في مؤسسات صنع القرار، لكنها الآن - بعد ثورات الربيع - أصبحت محل اهتمام الجماهير المصرية قاطبة، لما تمثله هذه السياسة من واجهة للوطن، تحمي حقوق الدولة المصرية، وتعلي من كرامة مواطنيها ومصالحهم في الداخل والخارج، وأيضا لما تختص به من ملفات وقضايا علي درجة بالغة من الأهمية للدولة المصرية وأمنها القومي. وما بين الثوابت التي تنطلق منها السياسة الخارجية المصرية، والدوائر المتجددة التي تدور في فلكها، يتزايد دور وزارة الخارجية المصرية، بحسبانها المسئولة بشكل رئيسي عن تحديد علاقة مصر بالعالم الخارجي، وتعظيم فرص وقدرات الدولة في مواجهة التحديات الخارجية.
في هذا الإطار، جاء اللقاء المفتوح الذي دعت إليه وزارة الخارجية، ومجلة السياسة الدولية بالأهرام مع السيد نبيل فهمي، وزير خارجية جمهورية مصر العربية، تحت عنوان "السياسة الخارجية المصرية.. الثوابت والمستجدات"، في لقاء -غير مسبوق- جمع بين المسئول الأول عن صنع قرار السياسة الخارجية المصرية من ناحية، والسفراء، والأكاديميين، والخبراء، والمفكرين، والصحفيين، والإعلاميين من ناحية أخري.
تنبع أهمية هذا اللقاء ليس فقط من شخص ومكانة د. نبيل فهمي كأحد الرموز المشرفة للدبلوماسية المصرية، بخبرته الزاخرة في العمل الدبلوماسي، ورؤيته الواقعية التطويرية للسياسة الخارجية المصرية، وإنما أيضا - وبالأساس- لأهمية اللحظة الاستثنائية والفترة الانتقالية التي تولي فيها مقاليد السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو، والتي تعرضت فيها الدولة المصرية لضغوط دولية هائلة، تحمل فيها جهاز الدبلوماسية المصري عبء مسئولية شرح، وتفسير، وتقديم رؤي لما يحدث داخل مصر للعالم الخارجي، ليس ذلك فقط، وإنما مواجهة كم هائل من التحديات المستجدة في الإقليم التي تفاقم بعضها، مستغلا الظروف الراهنة التي تمر بها مصر (قضية مياه النيل). وإذا كانت المقولة الأساسية في تحليل السياسة الخارجية تؤكد أن السياسة الخارجية هي امتداد للوضع الداخلي، فإن إدارة السياسة الخارجية المصرية، في هذه اللحظة من تاريخ مصر، تشير إلي حجم الصعوبات والجهود التي تقوم عليها وزارة الخارجية المصرية في الوقت الراهن للدفاع عن المصالح الوطنية المصرية، والأمن القومي للبلاد.
بدأ اللقاء بكلمة أبوبكر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، التي أكد فيها أنه إذا كان من المفترض أن تكون هناك عملية رشيدة لصنع القرار، فلا بد أن تكون هناك جسور للتواصل والتعاون بين كل مؤسسات الدولة، سواء كان ذلك علي المستوي النظري، أو المستوي التطبيقي، حتي تتحقق المشاركة الكاملة في عملية صنع القرار، وذلك كنتيجة وثمرة لثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، اللتين فتحتا الباب واسعا لمشاركة أكبر للمجتمع المصري في صناعة قراره، وتحديد وجهته، واختيار مصيره.
وأشار إلي أن مجلة السياسة الدولية قامت، عبر تاريخها الطويل، بدور كبير في دعم عملية صنع قرار السياسة الخارجية، من خلال نشر الدراسات العلمية الرصينة، والتقارير والملفات المتخصصة في قضايا العلاقات الدولية، وفي القلب منها قضايا السياسة الخارجية المصرية، مما جعل المجلة بمثابة المرجع الأول للدبلوماسيين المصريين، بل وللشباب الطامحين في الالتحاق بالسلك الدبلوماسي المصري، لافتا إلي أن العلاقة قد تعمقت بين مجلة السياسة الدولية ووزارة الخارجية، عندما تم تعيين الدكتور بطرس غالي، مؤسس المجلة وأول رئيس تحرير لها، وزيرا للدولة للشئون الخارجية. كما كانت المجلة، ولا تزال، منبرا لكل إسهامات رجال السلك الدبلوماسي المصري الذين أثروا المجلة بعلومهم وخبراتهم الدبلوماسية العريضة. والخلاصة أن مجلة السياسة الدولية كانت تجمع دائما بين الفكر والممارسة، بين النظرية والتطبيق.
وأوضح أبو بكر الدسوقي أن مجلة السياسة الدولية اليوم تسعي لكي تكون مركزا للتفكير، ولدعم صانع قرار السياسة الخارجية بتقديم الرؤي والخيارات والبدائل، من خلال الأنشطة العلمية والبحثية. وكما كانت دوما منبرا للفكر والثقافة السياسية، فإنها تهدف إلي تعميق دورها كجسر يربط بين مؤسسات صنع السياسة الخارجية والخبراء، والعلماء، والمفكرين، علي مستوي مراكز الدراسات والبحوث، وأقسام العلوم السياسية والاقتصادية في كل الجامعات المصرية والعربية، وفي مختلف المنتديات ومراكز البحث والتفكير التي تعمل في مجال السياسة الخارجية.
ووجه أبوبكر الدسوقي دعوته إلي السيد وزير الخارجية لكي تصبح الوزارة بمثابة مظلة كبري لمؤسسات التفكير والبحث المختلفة المعنية بالسياسة الخارجية المصرية، بحيث تتكامل الجهود العلمية والنظرية مع الجهود التطبيقية والدبلوماسية، بما يعزز من خيارات صانع السياسة الخارجية المصرية، في ظل هذه المرحلة المصيرية من تاريخ مصر، حيث تتوالي الأحداث، وتتجدد الآمال، وتتعاظم التحديات، التي قد تغير من توجهات مصر وسياستها، وتعيد تشكيل خريطة الإقليم وتحالفاته.
ثم قدم رئيس تحرير السياسة الدولية السيد نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري، ووصفه بأنه جمع بين العلم الأكاديمي والدبلوماسية، حيث كان عميدا مؤسسا، وأستاذا ممارسا بكلية الدبلوماسية الدولية للشئون العالمية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، كما أنه ابن أصيل من أبناء السلك الدبلوماسي المصري، تدرج فيه وترقي، وعمل في بعثة جمهورية مصر العربية الدائمة في كل من جنيف، ونيويورك، كما يعد من كبار المتخصصين المصريين في مجالات: نزع السلاح، والحد من التسلح، والصراع العربي - الإسرائيلي، وغيرها من قضايا السياسة الخارجية المصرية. كما عمل سفيرا لمصر في كل من اليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، ورأس وشارك في العديد من البعثات الدبلوماسية المهمة، حتي تم اختياره وزيرا لخارجية جمهورية مصر العربية في يوليو .2013
اختلاف ثوابت ومتغيرات الواقع الذي يحكم السياسة الخارجية المصرية فرض الكثير من التحديات أمام الدور الريادي لمصر، لذا لابد من استقلال القرار الخارجي، وتنويع الخيارات والبدائل المتاحة.
وقد استهل الوزير نبيل فهمي حديثه عن السياسة الخارجية المصرية من خلال مجموعة من الملاحظات الرئيسية التي تعكس رؤية السياسة الخارجية المصرية في الوقت الحالي أولاها: أن سياسة مصر الخارجية مرتبطة بالواقع الداخلي، وبالطموحات المصرية من جهة، وبالأوضاع خارج الحدود علي المستويين الإقليمي والدولي من جهة أخري، معتبرا أن مصر لا يمكنها أن تعيش في فراغ، أو تقتصر علي الساحة المصرية وحسب.
ثانيتها: أنه في هذه المرحلة هناك ما يسمي تقليديا بالثوابت، وإن كانت هي في الحقيقة "ثوابت متطورة" من حيث المعادلة الكاملة، وأحيانا المضمون، وأحد هذه الثوابت الضرورية هي الجغرافيا، وإن كانت لم تعد بالوزن نفسه كما السابق، نظرا لتطور التكنولوجيا التي تجعل نقل المعلومات والأفراد والسلع بمعدلات فائقة، بالإضافة إلي التاريخ ممثلا في تاريخ الدولة، والوطن، والشعب. وعلي الجهة الأخري، هناك الكثير من المتغيرات في التكوين الداخلي المصري، بل وفي الرؤية الخارجية. فقد كان الحديث في السابق عن ريادة مصرية، لكن الواقع الذي يحكم السياسة الخارجية المصرية قد اختلف في ضوء ما يحدث علي الساحة العربية، فضلا عن التوازنات علي الساحة الإفريقية.
ثالثتها: أن المكونات والأمور التي تؤثر في السياسة الخارجية تختلف من آن إلي آخر. علي سبيل المثال، اختلف مفهوم القوة كمكون أساسي في العلاقات الدولية من فترة لأخري ما بين القوة الاقتصادية والعسكرية، ارتباطا بالقوة السياسية، ووصولا إلي قوة المعلومات والقوة التكنولوجية، وهذه الأبعاد المختلفة للقوة تثبت أن من يمتلكها لدية القدرة علي التقدم.
وأشار الوزير إلي أن هيكل النظام الدولي ذاته قد اختلف عما كان عليه الوضع منذ وضع ميثاق الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، حيث تضمن الميثاق حينذاك عناصر ثابتة، وأخري تعكس حكمة من وضعوه ورؤيتهم، لكن هذه العناصر الآن لم يصبح لها القيمة نفسها التي كانت لها في الماضي، وهو ما يعكس أنه إذا كانت هناك ثوابت علي الدوام، فإن هناك متغيرات مبنية علي الواقع المتغير.
وجود سياسة خارجية مصرية نشطة هو ضرورة حتمية وليس خيارا
أولا- مفهوم جديد للريادة المصرية:
أكد الوزير أنه برغم التحديات التي تواجه مصر، فإن هناك من العوامل التي تستوجب قيام مصر بدورها الريادي. أولها: أنها دولة تمتد بين القارتين الإفريقية والآسيوية، وتقع علي شواطئ البحرين المتوسط والأحمر، فضلا عن أنها تحمل هويتين عربية وإفريقية. ثانيها: أن مصر تعتمد علي الخارج للحصول علي غذائها، ويقع مصدرها الوحيد للمياه خارج حدودها، وتحصل علي قدر كبير من وارداتها من الطاقة مرتبط بالخارج، وقدر كبير من أدوات الدفاع عن الدولة يأتي من الخارج، مؤكدا أن كل هذا يستدعي وجود سياسة خارجية مصرية ذات كفاءة ونشطة، كحتمية ضرورية، وليست خيارا. ثالثها: أن مصر بحسبانها دولة متوسطة الحجم ومتوسطة القوة، عليها أن تكون رائدة في المنطقة التي تعمل فيها بشكل مباشر، وأن يكون لها وجود ونفوذ علي المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما يستوجب معرفة حدود الدور المصري، وتعظيم طموحاته.
وتأتي حدود الدور المصري الذي يحكمه الهوية المصرية علي الساحتين العربية والإفريقية، ويحكمه علي المستوي الدولي القدرات الأمنية والعسكرية، والنفوذ السياسي، وليست القدرات الاقتصادية فحسب. فمصر جزء من النظام الدولي، وهذا يتطلب أن تكون هناك منظومة دولية أكثر عدالة، ونظام دولي يؤمن ويحصن الدول الصغيرة والمتوسطة علي أساس أن ليس أمامها خيار عسكري في مواجهة الدول الأكثر قوة. وبالتالي، فإن وجود نظام دولي عادل شيء ضروري للسياسة الخارجية المصرية. ويستوجب ذلك بطبيعة الحال أن يكوم لمصر صوت مسموع، ورأي واضح في مستقبل النظام الدولي، والمشاركة في المحاولات الجارية لإعادة تشكيله، من خلال الالتزام بأهم مبادئه في الممارسة العملية. ومن أجل تفعيل الدور الريادي المصري، لابد من استقلالية القرار الخارجي المصري، وهو ما يتحقق من خلال تنويع الخيارات والبدائل الخارجية المتاحة، فلا يمكن الاعتماد علي طرف بديلا عن آخر، وإنما إضافة شركاء وأصدقاء جدد.
وفي تقديري، فإن الريادة ليست مجرد قوة التاريخ، أو القوة الاقتصادية، أو حتي القوة العسكرية، ولكنها الريادة الحضارية والفكرية من خلال تقديم النموذج الديمقراطي والحضاري علي المستويين الإقليمي والدولي.
ثانيا- الدور الخارجي المصري.. بعد ثورتين:
وأشار وزير الخارجية، السيد نبيل فهمي، إلي أن الدور المصري في المجال الخارجي قد تقلص في الفترة الماضية، ليس في مستوي النشاط فحسب، بل في مضمون ذلك النشاط، إذا ما قورن بما قبله. فحتي عام 1945، كان هناك وجود مصري ضمن الخبراء المشاركين في ميثاق الأمم المتحدة، بل وتم تنفيذ المبادرات المصرية التي طرحت منذ ذلك التاريخ، وحدث تقلص الدور المصري في دوائر السياسة الخارجية المصرية لأمور كثيرة، منها أولا: الاعتماد المبالغ فيه علي الغير الذي اختلف من مرحلة إلي أخري، فضلا عن الاعتماد غير المتوازن علي العنصر الخارجي في تحديد المصالح الحيوية كالغذاء، والطاقة، والمياه، والسلاح، ثانيا: ما شهدته المنطقة العربية من نزاعات وثورات وتغيرات، فضلا عن وجود مشكلات سياسية وإقليمية مستمرة، ومشاكل استحدثت. ثالثا: تحديد أولويات المجتمع المصري في المجال الخارجي، والتي اختلفت عما مضي. فخروج الشعب المصري مرتين، معلنا عن رغبته في أن يشارك في تحديد مستقبله، وأن يمارس هذا الدور بشيء من الاستقلالية، تطلب ترجمة ذلك إلي سياسة خارجية أكثر استقلالا، من خلال محاولة الوصول إلي نظام سياسي جديد مستقر، والموازنة بين الثوابت من التاريخ والجغرافيا، والمتغيرات علي الساحات الداخلية والإقليمية والدولية بعيدا عن أن تكون السياسة الخارجية المصرية رد فعل علي الواقع، والاستجابة للمطالبات الداخلية بمزيد من الاستقلالية في اتخاذ القرار.
ثالثا- دوائر العمل السياسي المصري:
حدد الوزير ثلاثة محاور لتحرك العمل السياسي خلال عامي 2013 و 2014 بعد الثورتين، وهي الدفاع عن الثورتين، وإعادة البوصلة إلي نقطة الانطلاق المصرية عربيا وإفريقيا، والتعامل مع القضايا ذات الأولوية، من خلال تبني قضايا عربية وإفريقية في المحافل الدولية. وفي هذا السياق، أكد الوزير أن هناك عدة ملفات إقليمية مهمة تأتي علي رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، من بينها الملف السوري الذي يعد من أخطر الموضوعات المطروحة علي الساحة الشرق أوسطية، حيث إن الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية هي أكثر بكثير من الأطراف السورية المشاركة فيها، مما سيجعل لها التأثير الأكبر في شكل المنطقة في المستقبل. لذلك، كانت الأولوية للدولة المصرية هي الحفاظ علي وحدة الدولة السورية، والاعتراض علي استخدام القوة الخارجية لدواعٍ قانونية وسياسية مرتبطة بالنظام الدولي، وتأييد التوصل لحل سياسي في مؤتمر جنيف.2 كما يأتي ملف الطائفية والدور الذي تمارسه إيران في الخليج، وموقف وردود فعل الأطراف العربية من بين الملفات الإقليمية المهمة. وهناك ملف الأمن المائي المصري الذي يحتاج إلي تحرك إيجابي وشامل، ليس من منظور قضية المياه فحسب، ولا يمكن أن ينظر له أمنيا أو اقتصاديا، ولكن من خلال نظرة تعاونية شاملة تحافظ علي الحقوق، وتعمل علي إيجاد حلول وطموحات لأغلب الدول المرتبطة بالعملية التنموية. فهناك حاجة لضبط استخدام المياه، ولتوليد مصادر إضافية، وإيجاد وسائل تعاونية تستجيب لطموحات وتطلعات دول حوض النيل التنموية. فكل دول الحوض لديها مطالب متزايدة، سواء من المياه، أو الطاقة، أو التنمية، وهو ما لا يمكن تلبيته بدون التعاون المشترك فيما بينها.
وتأتي القضية الفلسطينية أيضا علي رأس أولويات الإهتمام الخارجي المصري بحسبان أنها لب الصراع في الشرق الأوسط. وقد أيدنا الجهود التي يبذلها وزير الخارجية، جون كيري، لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول مفاوضات الحل النهائي، بشرط أن تفضي إلي إقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدود 4 يونيو 1967، تكون عاصمتها القدس الشرقية. ولعل متابعة مسار المفاوضات يجعلنا نبدي شكوكا عميقة في إمكانية التوصل إلي حل مقبول وفعلي لدي الطرفين، وقد ينتهي الأمر إلي التوصل إلي اتفاق إطاري يمهد لمرحلة ثانية.
رابعا- محاور واتجاهات النقاش:
عقب الكلمة الافتتاحية للوزير، تركزت تساؤلات الحضور علي مجموعة من المحاور الرئيسية التي تضمنت الدائرة الإفريقية، ثم الإطار العربي - الخليجي، والتقارب الأمريكي - الإيراني، ثم العلاقات مع تركيا وإسرائيل، والولايات المتحدة، وقضايا متفرقة كالطاقة، والمصريين بالخارج، والسكان، والدخل القومي.
المحور الأول- الدائرة الإفريقية:
جاءت مجموعة من التساؤلات طرحها كل من: د. أماني الطويل، ود. فائقة الرفاعي، ود. إجلال رأفت، وهشام يونس، والسفيرة مشيرة خطاب حول آليات السياسة المصرية تجاه إفريقيا، والتحركات السياسية تجاه السودان وجنوب السودان، وتأثير ذلك في سياستنا الخارجية، وسياسة مصر تجاه دول حوض النيل، وجنوب إفريقيا.
ثم عقب السيد/ حلمي شعراوي متسائلا عن موقف مصر من الدول خارج الحوض الداعمة للدول النيلية، مثال ذلك الدعم الذي منحته جنوب إفريقيا لحوض الكونغو، حتي تحصل علي نسبة منه، وما هو التصور العام لرءوس الأموال التي تشارك في تمويل دول الحوض، كما تساءل عن تأثير جماعة الإخوان المسلمين في الدائرة الإفريقية، والموقف المصري من التدخلات الغربية في القارة الإفريقية، مثال ذلك التدخل الفرنسي في الغرب الإفريقي، وإلي أي مدي وصلت حدود التنافس بين مصر وجنوب إفريقيا.
ثم تدخل د. محمد سلمان طايع، مؤكدا أن السياسة الخارجية المصرية في حاجة إلي تأكيد إعادة هيكلة الدوائر الأهم في السياسة المصرية، وتطرق إلي المسألة النيلية، بحسبانها ليست مسألة مائية فنية، بل هي مسألة هيدروبوليتيكية، أي سياسية مائية، وأنها مسألة مفتعلة بامتياز، فضلا عن تجديد الفواعل في حوض النيل إقليميا ودوليا.
وفي تعقيبه، أكد وزير الخارجية أن نقطة الانطلاق للسياسة الخارجية المصرية يجب أن تكون عربية إفريقية، تليها دول الجوار المشاركة في الحدود، والتي ترتبط بالأمن القومي المصري، وبالتحديد الدائرة العربية، ودول حوض النيل، والدائرة الأوسع التي تتمثل في الدول الفاعلة علي المستوي الدولي. وتعقيبا علي السياسة المصرية تجاه السودان وجنوبه، أكد وزير الخارجية أن الاهتمام بالسودان وجنوب السودان قائم بالفعل، وإن كان هناك العديد من العوامل التي تساعد علي علاقات جيدة ومرنة مع السودان. ولكن علي الجانب الآخر، هناك بعض العوامل التي ترتبط بشكل أو بآخر بخلفيات السنوات الماضية. ولكن في كل الأحوال، يتعين التركيز علي منهج التعاون، وليس المواجهة أو الصراع كخطوة أولي للتعامل مع أوضاع "مقلقة للغاية". وأشار إلي الجهود المصرية للمساعدة في استقرار الأوضاع في جنوب السودان. وعن حوض النيل، ذكر أن هناك طموحات مختلفة ومتاحة، ولكنها تتطلب مزيدا من التعاون في الأغراض التنموية، بعيدا عن الرؤية التاريخية في العلاقات بين الأطراف والتي لا تزال مسيطرة حتي الآن، مؤكدا أن هناك مصلحة مشتركة في التعاون بين مصر ودول حوض النيل، دون أي تنازل عن حقوق مصر التاريخية والقانونية، لأنه بخلاف ذلك ستكون دول الحوض ومصر في إشكالية حقيقية.
وفي تعقيبه علي السؤال حول وجود النشاط الإخواني في إفريقيا، ذكر أن المشكلة الحقيقية لدي الدولة المصرية في إفريقيا أن إعلامها لا يصل الآن إلي مختلف أنحاء القارة، فالإذاعات الموجهة لم تعد فعالة، وبالتالي لم تنقل الصورة الحقيقية. ولذلك، فإن محور الاهتمام هو كيفية توجيه الإمكانيات المتاحة بفاعلية أكبر.
وفي رده علي السؤال حول حقيقة التنافس مع جنوب إفريقيا، ذكر أنه يعتقد بأنه لا يجد مشكلة للتنافس بين مصر وأي دولة أخري، إذا لم يكن موجها ضد مصالحنا وأمننا القومي، وما يظهر من سياسة جنوب إفريقيا يبقي جزء منه منافسة، في حين يحيط الغموض بالجزء الآخر.
وحول القضايا الإفريقية بشكل عام، أوضح فهمي أن لمصر رصيدا طيبا في مسار علاقاتها مع الدول الإفريقية، وأن علينا الانخراط في القضايا والاهتمامات الإفريقية، والتي علي رأسها معالجة الفقر، وتحقيق التنمية، وهو ما يمثل إحدي أهم الأدوات المصرية في الساحة الإفريقية. وشدد علي أهمية إمكانية دخول القطاع الخاص المصري، وهو الأسهل والأسرع حركة من القطاع الحكومي، وبحسبانه يمتلك القدرة الكبيرة علي الوجود والتحرك الفعلي.
المحور الثاني- مصر والخليج:
في مجموعة أخري، طرح العديد من التساؤلات من كل من د. يسري أبو شادي، ووسام أبو العطا، ود. جمال شقرة، وجيلان جبر، والعزب الطيب الطاهر، والسفير فخري عثمان، وأشرف العشري حول العلاقات المصرية - الخليجية، والدور الإيراني المتصاعد، والتقارب الأمريكي - الإيراني، وكيفية تحقيق الأمن الخليجي.
وتدخل د. محمد السعيد إدريس مؤكدا ضرورة مأسسة السياسة الخارجية المصرية، في ظل ما يحدث من تطورات مهمة في الشرق الأوسط، ووضع منظور أقرب وأوضح في طبيعة العلاقات المصرية - الخليجية، ورسم صورة توضيحية لمدي تأثير التقارب الأمريكي - الإيراني في الدور والمكانة المصرية في المنطقة.
أما د. مدحت حماد، فتساءل عن موقف مصر من إيران، والسياسة المحددة للتعامل مع إيران، مشيرا إلي أن المطلوب أن يكون هناك من يجيد اللغات كالفارسية، وإن كان هناك قصور واضح في ذلك المجال.
واستهل الوزير تعقيبه بأن إيران دولة لها تاريخ ووجود، ومستقبل مهم في الشرق الأوسط، وأن إيران تقع في إطار الدائرة الأولي من اهتمامات السياسة الخارجية المصرية، فلا يمكن أن يتم تجاهل إيران بأي حال. كذلك، ليس من مصلحة إيران أن تتجاهل علاقاتها بدول الشرق الأوسط، خاصة جيرانها، وتتصور أن تعظيم دورها الإقليمي يكمن في تركيز تعاملها مع الدول الكبري، بل يجب أن تدرك أن مصلحتها علي المدي الطويل هي في علاقاتها مع الدول داخل المنطقة وليس خارجها، وهو ما يتوقف بشكل أو بآخر علي مدي استعداد إيران للتعامل مع العالم العربي في الوقت الراهن، خاصة مع الدولة المصرية في معطياتها الجديدة. وعن العلاقات المصرية - الخليجية، دعا الوزير إلي ضرورة إيجاد مزيد من التعاون العربي- العربي، في وقت يزداد فيه التوجه العربي نحو أطراف غير عربية، بل والاعتماد عليها في العديد من المجالات السياسية والأمنية. وفي إشارة إلي الأمن الخليجي، أوضح أنه من المهم أن يكون مرتبطا بشكل أوسع بمجمل الأمن القومي العربي. وعن العلاقات المصرية - القطرية، أشار إلي أن ثمة مشكلات متواترة بين البلدين، وأنه يتعين علي قطر أن تحدد موقفها، وإلي أي جانب تقف، ليس فقط فيما يتعلق بمصر، ولكن بغالبية الدول العربية.
المحور الثالث- الدور الإقليمي:
مجموعة أخري من التساؤلات، طرحها كل من عصام شيحه، ود. كمال حبيب، وسالم وهبي، ومحمود النوبي حول كيفية استعادة مصر لدورها في المجال الإقليمي، وآليات صنع قرار السياسة الخارجية المصرية، وحدود الدور المصري في المسألة السورية، وإمكانية الوجود المصري في جنيف2، إضافة إلي الدول الإقليمية الكبري، متضمنة تركيا، وإيران، وإسرائيل.
وتدخل السفير جمال الدين بيومي معقبا علي طبيعة العلاقات التجارية البينية العربية، وما تمتلكه مصر من موارد، حيث أكد أنها أكبر اقتصاد في شمال إفريقيا، وعلي مستوي الدول العربية. وإذا تم حسابها بالقوة الشرائية، فإنها تأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من السعودية والإمارات. ورأي أن مشكلة مصر تبقي مشكلة قرار سياسي، وليست أزمة اقتصادية. وأشار إلي معدلات التجارة البينية العربية، موضحا أنها وصلت إلي أفضل ما يمكن أن تصل إليه.
وتساءل د. أحمد فؤاد أنور حول آليات علاقاتنا مع إسرائيل في الوقت الحالي، وهل هناك رؤية محددة للسياسة الخارجية المصرية، وما هي مستجدات ملف السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، وآخر حول حدود العلاقة المصرية مع تركيا، خاصة في ظل توتر العلاقات في الفترة الأخيرة.
ثم طرح بشير عبدالفتاح تساؤلات مهمة حول من يصنع قرار السياسة الخارجية المصرية بعد الثورتين، وهل تستعيد الخارجية المصرية ملفات مهمة سربت إلي أماكن أخري في الدولة المصرية، وما هو مدي توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار الخارجي، وفي ذلك ما هو الموقف من الدبلوماسية الشعبية والبرلمانية، وماهي آليات التعامل معها.
ثم طرح د. جهاد عودة تساؤلين، أولهما حول المصالح المتغيرة، والمصالح الثابتة وأين هي المصالح الدائمة، وهل انتهت فكرة المصالح الدائمة، أم لا تزال في رؤية السياسة الخارجية المصرية.
ثانيهما حول أزمة الموارد التي تعيش فيها الدولة المصرية منذ فترة، وهل لدي الوزارة وعي كاف وكامل بمدي أزمة الموارد أم لا.
وأجاب فهمي بأن التحرك المصري في النطاق الإقليمي العربي أو الإفريقي يتطلب زيادة الخيارات المتاحة، والتي تحتاج بدورها إلي مزيد من الموارد، مشددا علي ثوابت الهوية المصرية العربية والإفريقية، والتي تستوجب علي السياسة الخارجية المصرية أن تطرح العديد من البدائل، مما يمكنها من الحفاظ علي تلك الدوائر المهمة. وردا علي سبل التحرك المصري علي الساحة الإقليمية، والتي شملت الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية البرلمانية، ذكر أنه من الطبيعي للدولة المصرية -بما تشهده من مرحلة ثورية- أن يتولد داخلها نشاط وحماس، في إطار ما سمي بالدبلوماسية الشعبية، والتي تعتمد في قدر من التنظيم علي وزارة الخارجية، ولكنه نفي تقديم الوزارة لأي تمويل لوفود الدبلوماسية الشعبية أو البرلمانية.
وعن المسألة السورية، ذكر الوزير أن الخارجية المصرية علي اتصال بالمعارضة السورية، وبكافة الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، سواء الإقليمية أو الدولية.
وأكد أن التجاوز غير المقبول من الجانب التركي في حق مصر استدعي أن يكون هناك العديد من الخطوات المتدرجة التي انتهت بسحب السفير، والتي لا تدل بشكل أو بآخر علي عداء مع الجانب التركي، أو الشعب التركي، وإنما تكمن المشكلة في شخص رئيس الوزراء التركي، وتدخله المستمر في الشأن المصري، ومساسه برموز مصرية، سياسية ودينية.
المحور الرابع- قضايا متفرقة:
جاءت المجموعة الأخيرة من التساؤلات حول العديد من الملفات المختلفة، طرحها كل من: السفيرة مي أبو الدهب، ود. إبراهيم نجم، وأيمن وصفي، والسفير خير الدين عبداللطيف، ومدحت أيوب، واللواء حمدي بخيت، ود. أحمد قنديل، ود. أحمد حلمي، والسفير محمد سعيد البنهاوي، ومنصور أبو العزم، وراندا موسي، وتركزت حول آليات استخدام القوي الناعمة، وأسلوب التعايش السلمي، ورؤية الخارجية لرعاية المصريين في الخارج، والحقوق المصرية في التنقيب عن الغاز في منطقة البحر المتوسط، وكيفية إدارة أزمة الطاقة، والجهود الدبلوماسية لعودة الاستثمار، ومشكلة السكان والدخل القومي، وأدوات السياسة الخارجية المصرية في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت تحول سياساتها بخصوص الشرق الأوسط.
ثم تحدث السفير محمد أنيس سالم عن واحد من أهم التحديات الأساسية، وهو ملف السكان وعلاقته بالدخل القومي، حيث إن مصر تعد من الدول التي تزداد أعداد السكان فيها بشكل كبير، وهو ما يمثل حاجزا نفسيا، في حين أن الدخل القومي المصري بعد 20 عاما سوف يكون متواضعا جدا نسبة إلي عدد السكان، فما هي الرؤية الواضحة لهذه المسألة؟.
وفي رده علي هذه التساؤلات، أكد السيد نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري، أن القوي الناعمة يجب أن تتوجه إلي كيفية التأثير في القرار الخارجي، فضلا عن التاريخ، والحضارة، والثقافة المصرية التي وصفها بأنها كنوز مصرية، لا يتم استغلالها بالشكل الأمثل.
أما بالنسبة لملف المصريين بالخارج، فذكر أن ثمة اقتراحا تم طرحه علي مجلس الوزراء بإنشاء صندوق لرعاية المصريين في الخارج، يوفر خدمات، ويطرح العديد من المزايا التي يمكن الاستفادة منها.
وفي شأن الجهود المصرية في العلاقات مع دول المتوسط وحقوق التنقيب، ذكر الوزير أن أي ملف علي طاولة السياسة الخارجية المصرية يتم تناوله، والتعامل معه من خلال الحوار والنقاش مع الجهات واللجان الفنية في مصر قبل اتخاذ أية قرارات بشأنه، وفيما يتعلق بمسائل ترسيم الحدود مع الدول الأخري، فهناك لجنة قومية تتولي هذا الأمر، وتضم ممثلين عن مختلف الوزارات والجهات الرسمية المعنية. وبالنسبة لملف الطاقة، أوضح أن الحديث في هذا المجال لا يتطلب منظورا قصير المدي، ولكن يستوجب تحديد وضع مصر ودورها في تأمين الطاقة لعشر سنوات قادمة. وفي ملف السكان والدخل القومي، أشار إلي أن مسألة السكان قد تكون في مصلحة مصر، في حين أن العلاقة الدقيقة والتقليدية للنمو السكاني والدخل القومي قد لا تفيد بشكل أو بآخر في المدي المنظور.
وتطرق الوزير إلي طبيعة العلاقات مع إسرائيل، واصفا إياها بأنها مستمرة، وأن مسألة سحب السفير كان لها حسابات معينة، ولم تنتف تلك الحسابات حتي الآن. وعن طبيعة السياسة الخارجية مع الولايات المتحدة، أكد أنه لا يمكن للخارجية المصرية أن تتجاهل الولايات المتحدة علي الأقل لـ 25 سنة قادمة، علي الرغم من وجود أسباب إيجابية، وأخري سلبية للتعامل معها. لذلك، فإنه من المصلحة أن تكون هناك علاقة تدار بشكل أفضل معها، مادامت هذه العلاقة مستندة إلي الشراكة والاحترام، وعدم التدخل في الشأن الداخلي.
واختتم الوزير فهمي الحوار بتأكيد أنه من الضروري أن تدار العلاقات الخارجية للدولة المصرية من خلال رؤية مستقبلية واضحة، تُحدد في إطارها المصلحة الوطنية للبلاد، بما في ذلك تعريف أمنها القومي، وليس من منطلق أيديولوجي، وعلي أساسها تحدد السياسات المصرية لمواجهة التحديات.
وأخيرا، وفي ختام الحوار مع وزير الخارجية المصري، د. نبيل فهمي، دعا أبو بكر الدسوقي، رئيس تحرير السياسة الدولية، إلي عقد مؤتمر سنوي لمناقشة كل قضايا السياسة الخارجية المصرية، ترعاه وزارة الخارجية، وهو إطار للتعاون يمكن أن يعزز جسور التواصل بين مراكز البحوث والدراسات السياسية للمشاركة في صنع السياسة الخارجية، علي نحو يتيح خيارات متعددة أمام صانع القرار، كما هو شأن الدول المتقدمة.