لا أهمية لمصدر الأزمات في العلاقات المغربية – الجزائرية. فهي من دون انفجار قضية اللاجئين السوريين كانت في أسوأ الحالات. ولا تحتاج لأقل من حادث عابر لتعود إلى منطلق الحذر وغياب الثقة والتشكيك في أي مسعى.
غير أن الطابع الإنساني لأوضاع اللاجئين زادها تعقيداً، عبر تبادل التهم عن المسؤولية إزاء عدم ضمان ملاذ شبه آمن لمن هربوا من جحيم الأسد ووقعوا في ورطة، جعلتهم يعلقون أمام حدود مغلقة أصلاً، لا يتسلل منها إلا التهريب والمغامرات الخارجة عن القانون. ولئن كان وارداً استخدام أي ورقة أو حادث للدلالة على مستوى الأزمة التي بلغتها العلاقات بين الرباط والجزائر، فمن العيب أن ترسو على ضفاف قضية إنسانية لا يختلف حول شرعيتها اثنان. بل من المجحف أن يقال أن بلدين جارين تعاركا بسبب مأساة إنسانية يعيرها ذوو الضمائر الحية قدراً أكبر من الاهتمام. لكنها خلافات السياسة ترد أي بارقة أمل. ومن لم يدفعه وضع إنساني مثل أوضاع اللاجئين السوريين إلى التنسيق والتضامن، كيف له أن يقفز فوق المطبات التي تحد من أفق الانفراج.
بعد مرور حوالى أربعة عقود على مأساة إنسانية أقل كارثية، همت بترحيل عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة الذين كانوا يقيمون في الجزائر، لم تجد قضيتهم صدى إلى اليوم، في كل مراحل الحوار الذي طاول ملفات عالقة من دون جدوى. فهي قضية إنسانية كان يجب فصلها عن أوجه الصراع التي تعتري علاقات البلدين. وقد اعادت التهم المتبادلة حول أوضاع اللاجئين الجزائريين ملفات أولئك المرحلين إلى الواجهة. فيما لا تزال أوضاع لاجئين آخرين يتحدرون من أصول صحراوية يقيمون في مخيمات تيندوف بلا آفاق.
لكن الغريب أن الشريط الحدودي الذي كان يستضيف المقاومين الجزائريين والمغاربة إبان فترات الكفاح المشترك في مواجهة الاستعمار الفرنسي، تحول إلى بؤرة توتر، بعد أن كان يسوده الوئام والتعاون والتضحية والتضامن. وهذا الواقع المأسوي وحده كفيل بأن يدفع العقلاء إلى التفكير في الفرص الضائعة التي أهدرت على مستوى بناء مظاهر الثقة والتعايش على شريط حدودي، بات عنواناً للمخاطر والقلاقل التي ليس أقلها تدفق أفواج المهاجرين ذوي الأصول الإفريقية، النازحين من منطقة الساحل وغيرها، هرباً من غضب الطبيعة وتأثر الاقتتال العرقي والطائفي وأنواع التطاحنات التي سودت واقع المنطقة.
يتعايش البلدان اضطراراً مع واقع سريان مفعول إغلاق الحدود الذي سيدخل قريباً عامه العشرين، في سابقة لم تعرفها بلدان تحاربت مع بعضها وروت دماء مقاتليها التربة، كما في العلاقات الفرنسية – الألمانية على خلفية الحرب الكونية. وبدل الاتجاه نحو احتواء الأسباب التي أدت إلى هكذا وضع، بات التعايش يفرض نفوذه، ضداً على كل أواصر الجوار والتاريخ المشترك والمصالح المتبادلة. ليس أقلها أنه من دون حدوث الانفراج، يصعب تفعيل الاتحاد المغاربي الذي تأسس بهاجس إلغاء الحدود والحواجز والجمارك وتنسيق السياسات.
هل توجد حدود لا يشملها منطق الانفراج والتعاون؟ مصدر السؤال أن المسألة انتقلت من خلافات اندلعت بعد فرض إجراءات شبه عادية تطاول فرض نظام التأشيرة، لتستقر عند منعطف أزمة تلقي بظلالها على كل المساعي الحميدة. ولا يعني انفجار الخلافات حول المسؤولية في ترحيل لاجئين سوريين سوى أن الشريط الحدودي تحول إلى مشجب تعلق عليه كافة الذرائع التي يختزلها عجز كبير في أن تصبح الحدود عادية، لا يأتي منها ما يزعج أو يستفز هذا الطرف أو ذاك.
كل الدعوات السابقة إلى الحوار أنهت سياسة اليد الممدودة. والأخطر ليس بقاء الحدود مغلقة، كأن توضع بين قوسين إلى حين اتضاح الشروط الملائمة للبحث فيها، بل أن هناك رغبات في الانطلاق من هذا الواقع، لإضافة ركام وأعباء جديدة من الخلافات. وقبل أن يجف مداد التصريحات حول استخدام الحدود معبراً للتهريب وتجارة المخدرات وتسلل المهاجرين غير الشرعيين، طفت على السطح قضية إنسانية اسمها اللاجئون السوريون، ولا أحد في مقدوره أن يتكهن بما تحبل به الأيام القادمة، طالما أن الوضع الراهن لا تأتي منه بوادر البشرى. ولكن أعباء توترات إضافية، تنتشر ظلالها القائمة في أعين جيل جديد من المغاربة والجزائريين على حد سواء، فتح عيونه على حدود مغلقة، وكأنها قدر لا محيد عنه.
---------------------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الأحد، 2/2/2014.