مع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، اهتمت كتب أمريكية، صدرت خلال عام 2013، بتقييم القيادة والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في وقت لم تعد فيه المنطقة مستقرة للمصالح الأمريكية. فقد اندلعت ثورات الربيع العربي التي أفضت لتحولات في التوازنات المستقرة بالمنطقة بصورة أزعجت الإدارة الأمريكية، وأفقدتها حلفاءها في المنطقة. كما أن وتيرة التطورات والأحداث في المنطقة سريعة، وتتجاوز ردة الفعل الأمريكي الذي اتسم بقدر كبير من البطء والانتقائية، وتراجع الدور والفعالية لصالح تنامي الدورين الصيني والروسي اللذين أضحيا يشكلان تهديدا للمصالح الأمريكية. فالتنافس الجيوبوليتيكي مع الصين وروسيا لن يقتصر على النفوذ في آسيا، بل سيمتد لمنطقة الشرق الأوسط بصورة حتمية.
كانت خطابات الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، خلال فترته الرئاسية الأولي (2008 - 2012) تجاه المنطقة مفعمة بالآمال والطموحات، فقد سعي -منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض- إلى تبني نهج مختلف في السياسة الخارجية الأمريكية، فكانت أولي مهامه التي أعلن عنها مع بداية فترته الرئاسية الأولي إنهاء حربي العراق وأفغانستان، والتواصل مع العالم الإسلامي. ولكن مع انتهائها، تجلت إخفاقات إدارته على صعيد السياسة الخارجية، حيث اصطدمت خطاباته وطموحاته المفعمة باللغة الخطابية، والطموح والآمال بواقعية السياسة الخارجية، ليتبني مقاربات على الصعيد الخارجي لا تختلف كثيرا عن تلك التي تبناها الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش.
ومن أبرز الكتب التي صدرت خلال عام 2013، مع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما، والتي تقيم السياسة الخارجية الأمريكية، خلال فترتها الرئاسية الأولي، كتاب والي نصر، المتخصص في قضايا منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، المعنون بـ "الأمة المستغني عنها: السياسة الخارجية الأمريكية في تراجع". يركز الكاتب في كتابه على موقف الإدارة الأمريكية من الملف الأفغاني، وأزمة البرنامج النووي الإيراني، وعلى موقفها من دول الربيع العربي، لاسيما مصر، بحسبانها جميعا مؤشرا على إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة أوباما.
يصف الكاتب الولايات المتحدة في إدارة أوباما الأولي بـ "الأمة المستغني عنها" -نظرا لإخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية، المتمثلة في قيادتها التحالف ضد العقيد معمر القذافي الذي ارتكب مجازر ضد المدنيين- من الخلف تحت قيادة حلفائها الأوروبيين، وفي عقم الخيارات الأمريكية في أفغانستان، حتي إنها وضعت هذا البلد أمام مستقبل غير موثوق، وكذلك في امتناع واشنطن عن لعب دور قيادي في إنهاء المجازر الإنسانية في سوريا، فضلا عن انسحابها من منطقة الشرق باتجاه آسيا. وبهذا، يرد الكاتب على ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، حين وصف بلاده بأنها "الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها"، وذلك بعد خروجها منتصرة من الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وتربع الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي كقطب أوحد بلا منافس، وقدرتها على حل الصراعات الدولية، وتقديم الدعم إلى الدول المأزومة. فالكتاب يقول بدءا من عنوانه بكل بساطة إن أمريكا أضحت "أمة مستغني عنها" بسبب "تراجع السياسة الخارجية الأمريكية".
ويرجع الكاتب إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة أوباما تحديدا إلى الفريق الرئاسي المحيط به، ويقول إنهم من صغار السن، وغير خبراء في صنع القرار الأمريكي الخارجي، وإنهم من المنشغلين بالصراع الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومهووسون بعناوين وسائل الإعلام لتكون في صالح الرئيس. ويرجعها كذلك إلى تنامي دور المؤسسة العسكرية والاستخبارات في عملية صنع القرار على حساب وزارة الخارجية، المتمثلة في وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، وريتشارد هولبروك، المبعوث الأمريكي لأفغانستان وباكستان. وكان هم العسكريين وهدفهم ألا يظهر الرئيس ذاك الرجل الضعيف الذي يفضل الحلول السياسية في حل الصراعات والمشكلات.
يري نصر أن الولايات المتحدة أخفقت في تعاملها مع موجة الربيع العربي، وفي سياستها تجاه المنطقة، وأن الخطاب الأمريكي تجاه المنطقة والثورات العربية كان خطابا بلاغيا مفعما بالآمال والطموحات التي لم تجد لها سبيلا للتطبيق على أرض الواقع. ويتحدث عن تأرجح الموقف الأمريكي من تطورات الربيع العربي بين دعم الأنظمة السياسية تارة، ودعم الشعوب الثائرة تارة أخري، ولم يعرف ماذا يفعل بعد ذلك.
يلخص نصر إخفاقات إدارة الرئيس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في أن الإدارة الأمريكية، خلال سنواتها الأربع الأولي في البيت الأبيض، لم تستغل الفرص السانحة لبناء مؤسسات إقليمية، وسياسية، وعسكرية، واقتصادية تساعد المنطقة على حل قضاياها، وإدارة أزماتها بدون أن يتطلب ذلك التضحية بمزيد من أرواح الأمريكيين، ومليارات الدولارات الأمريكية، وتقليل تنامي نفوذ تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية بالمنطقة، ودعم ونشر الديمقراطية، وإثناء إيران عن برنامجها النووي، وتقليل النفوذ الصيني المتنامي في الشرق الأوسط.
وفي سياق متصل، ينتقد نورمان ميلر في كتابه "لماذا نحن في حرب؟" الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والمستمرة إلى يومنا هذا. فيري أن تلك الحروب لم يقتصر ضررها المباشر على الولايات المتحدة من حيث فقدانها لجنودها في هذه الحرب، وإنما الخسارة الكبري تكمن في صورة الديمقراطية التي فقدتها تدريجيا، فأصبحت -من وجهة نظر الشعوب- هي المروج الأول للديكتاتورية والفاشية، والتدخل في شئون الدول الأخري، وهو ما أدى إلى زيادة العداء واللهجة العدائية لحكومات معارضة للسياسات الأمريكية. ومرجع ذلك الأساسي غطرسة السياسيين في البيت الأبيض والكونجرس على حساب تدمير أسس الديمقراطية الأمريكية عند الشعوب الأخري.
ومع اهتمام الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على خلاف رؤساء الولايات المتحدة الأمريكيين، منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، بقضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ووضع عملية السلام على أولوياته، اهتمت كتابات أمريكية بتقييم السياسة الخارجية تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ففي كتابه "الآمال المحطمة: فشل عملية أوباما للسلام في الشرق الأوسط"، ينتقد جوش روبنر سياسات إدارة أوباما تجاه علمية السلام، فيري أنها فاشلة، وشابها الكثير من الأخطاء، فلم يضغط على إسرائيل لوقف المستوطنات، عندما تطلب الأمر ذلك، خوفا من نفوذ اللوبي الإسرائيلي، وتأثيره في فرص فوزه في انتخابات عام 2012، ولم تدن إدارته سياسات الاستيطان الإسرائيلية في مجلس الأمن. وفي المقابل، استمرت إدارته في نقد الجانب الفلسطيني في كل محفل.
وفي مؤلفه المعنون بـ "وسيط مخادع: كيف تقوض الولايات المتحدة عملية السلام في الشرق الأوسط؟"، يري الخبير في الشئون المنطقة والصراع العربي - الإسرائيلي، رشيد خالدي، أن الولايات المتحدة تسعي إلى تقديم نفسها كوسيط نزيه للصراع العربي - الإسرائيلي. فمن وجهة نظر خالدي، لم تكن ذلك الوسيط النزيه أو المحايد في المفاوضات، بل إنها كانت طرفا منحازا للطرف الإسرائيلي ومدافعا عنه وعن سياساته التي من شأنها إفشال المفاوضات.
ومع تعدد الكتابات التي تنتقد السياسة الخارجية الأمريكية خارجيا، وتطالبها بدور أكثر انخراطا في الشئون الدولية، من أجل الحفاظ على المكانة والقيادة الأمريكية عالميا، يذهب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومدير التخطيط الأسبق في الخارجية الأمريكية، ريتشارد هاس، في كتابه الذي جاء تحت عنوان "السياسة الخارجية تبدأ في الداخل: قضية إعادة ترميم البيت الأمريكي" إلى أن حفاظ الولايات المتحدة على مكانتها في النظام الدولي، وتفردها على قمة النظام الدولي، يفرض عليها إصلاح السياسة الخارجية الأمريكية، والذي يبدأ -من وجهة نظر الكاتب- من الداخل، وإعادة ترتيب البيت الأمريكي داخليا، انطلاقا من أن مخاطر تهديد الأمن والرفاهية الأمريكية لا تتمثل في الصعود الصيني، ولا الإرهاب، ولا الاضطرابات في الشرق الأوسط، ولكن تنبع من الداخل الأمريكي، المتمثل في عجز الموازنة، والبنية الأساسية، والتعليم، والهجرة. ويري هاس أن تأثير الداخل في مكانة أمريكا يفوق تأثير التهديدات الخارجية.