وتأثيرها المباشر على شريحة الشباب من المجتمع العربى من ناحية أخرى. وبرغم قناعة مُتخذ القرار على المستوى الوطنى بكونها قنبلة موقوتة قد تنفجر فى النُظم العربية دون سابق انذار، فمازالت معدلات البطالة تتزايد بشكل ملحوظ بفعل استمرار عدم الاستقرار السياسى والأمنى ــ على مستوى العديد من الدول العربية ــ وتراجع الأداء الاقتصادى العربى بوجه عام.
وتفيد مؤشرات الموارد البشرية واقتصاديات العمل ــ فى هذا المجال ــ بأن معظم الدول العربية ــ تعانى من اختلالات هيكلية فى أسواق عملها وقصور فى مخرجاتها التعليمية بما يساهم فى تفاقم قضية البطالة فى الشريحة الشبابية للمجتمع. وحيث أن معدلات البطالة العربية تفوق بشكل كبير معظم باقى دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، فإنه يتعين الاهتمام بدراسة وتحليل ظاهرة البطالة واختلال أسواق العمل بالعالم العربى من ناحية، وصياغة استراتيجية عربية شاملة لمواجهة تداعياتها المتعددة من ناحية أخرى.
وهنا يُطرح السؤال المنطقى «هل تُعد بطالة الشباب مشكلة عربية؟»، وهل يمكن اعتبار بطالة الشباب المتعلم قضية تخص أساساً العالم العربى نظراً لزيادة معدلاتها عن الحدود المقبولة بما يُنذر بعواقب وخيمة على الاستقرار السياسى والاجتماعى والتنمية الاقتصادية العربية، فى حين أنها تُعد مشكلة أقل حدة وتأثيراً فى باقى أقاليم العالم؟. أم أن معظم الدول ــ عربية أو غير عربية ــ تعانى من انعكاساتها السالبة بشكل مماثل.
ويتعين التأكيد ــ فى هذا المجال ــ أن معدلات بطالة الشباب تنتج أساساً من الاختلال بين قوى العرض (أى مخرجات العملية التعليمية ومدى قدرتها على مواكبة احتياجات أسواق العمل)، ومتجهات الطلب على قوة العمل (أى فرص العمل التى توفرها الدولة وينتجها قطاعى الاعمال العام والخاص للشباب).
وبتقييم معدلات البطالة على مستوى أقاليم العالم فى نهاية الحقبة الأولى من الألفية الثالثة، نجد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ــ التى تضم معظم الدول العربية ــ تفوق معظم أقاليم العالم فيما يخص ارتفاع معدلات بطالة الشباب. ففى حين تتراوح معدلات البطالة فى الدول العربية بين (21%) و(25%) فى المتوسط، تقدر نفس المعدلات بنحو (15%) فى دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى، ونحو (11.5%) فى بلدان افريقيا جنوب الصحراء، وما يقارب (9%) فى كل من جنوب وشرق آسيا. وبالنظر الى معدلات البطالة فى شريحة الشباب الحاصل على درجة جامعية (فى عام 2010)، يتضح تراجع الأداء العربى بشكل أكثر وضوحاً. حيث تمثل بطالة خريجى الجامعات العربية المعدلات الأعلى على مستوى الدول النامية بشكل عام. إذ تشير المؤشرات الاحصائية الى أن هذه المعدلات تقدر بنحو (19%) فى المغرب و(22%) فى تونس و(24%) فى مصر. ومن المؤكد أن تزايد معدلات البطالة بين خريجى الجامعات يساهم فى فقدان الدول العربية لمشاركة مورد بشرى أكثر تعليماً وقدرة على التفاعل مع العصر المعرفى لكونه عاطلاً.
من ناحية أخرى، تفيد المؤشرات المقارنة على المستوى العالمى، أن الدول التى حققت إنجازا فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقدم العلمى والتكنولوجى قد تراجعت معدلات بطالة الشباب المتعلم بها بشكل كبير. إذ تقدر هذه المعدلات بنحو (2.9%) فى كوريا و(1.9%) فى المملكة المتحدة و(3.8%) فى فرنسا فى عام (2010). ومن هنا فإن تقدم الدول وتحقيقها لأهدافها التنموية يُقاس بالاستخدام الأمثل لمواردها البشرية الأكثر تعليماً وجدارة مهنية.
والأمر الأكثر خطورة، أن شريحة الشباب العربى الحاصل على مستوى تعليمى مرتفع يمثل النسبة الأعلى فى مُجمل الباحثين عن عمل (أو مجموع أعداد العاطلين). إذ تفيد احصاءات جمهورية مصر العربية ــ على سبيل المثال ــ أنه برغم ان نسبة (42%) من قوة العمل المصرية تمثل الشريحة السكانية الحاصلة على التعليم الثانوى أو المستوى الأعلى، فإن نسبتها فى جملة العاطلين تزيد على (75%). وبرغم أن هذه الشريحة السكانية الأكثر تعليماً فى الجزائر لا تتعدى (20%) من قوة العمل الوطنية، فإن معدل مساهمتها فى الحجم الكلى للبطالة يصل الى نحو (38%). أى أن بطالة الشباب العربى تتركز أساساً فى الحاصلين على الشهادة الثانوية وخريجى الجامعات وهو ما يمثل هدراً للموارد البشرية الأكثر تعليماً وقدرة على التفاعل مع العصر المعرفى بالألفية الثالثة.
وحتى تكتمل الصورة فإنه يتعين دراسة المؤشرات التى تعكس القصور فى أداء المؤسسات التعليمية فيما يخص توفيرها لخريج يواكب متطلبات أسواق العمل من حيث الكفاءة المهنية والمهارات الشخصية والإجتماعية المرغوبة. إذ تشير نتائج عدد من مسوحات المشاريع ــ التى أعدت من قبل البنك الدولى ومكتب العمل الدولى ــ إلى أن شركات العينة تعتبر أن مستوى مهارة العاملين يعد من أهم معوقات نجاح مناخ الاعمال بالدول العربية ومن ثم فإنها عنصر حاكم فى حدوث ظاهرة البطالة. ولا يسرى ذلك على الخبرات والمهارات المهنية المطلوبة فقط ،بل ينسحب أيضا على الخصائص الشخصية والمهارات الاحترافية فى مكان العمل ومهارات اللغة ومهارات الاتصال والتفاعل مع الاخر، ذلك بالإضافة الى قدرات البحث والتطوير ومهارات اتخاذ القرار. وقد أفاد نحو (50%) من الشركات الممثلة فى العينة ــ فى مصر على سبيل المثال ــ أن مستوى مهارة الخريج تُعد من أهم العوامل التى تؤثر سلبا على أداء أسواق العمل ومن ثم معدلات البطالة. وأن نفس النسبة من الشركات فى باقى الدول العربية تتراوح من (31%) الى (38%) ، وبمتوسط للدول العربية يقدر بنحو (36%). وللمقارنة، فإن هذا المؤشر فى دول أوروبا وآسيا الوسطى يصل الى (14%) فقط ويقدر فى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادى بنسبة لا تتعدى (6%).
وعند الأخذ فى الاعتبار بالاختلالات الهيكلية الأخرى فى أسواق العمل العربية مثل تنامى القطاع غير الرسمى، والازدواجية بين القطاعين العام والخاص، وتشوهات الأجور، فإن العائد الاقتصادى للتعليم بالعالم العربى يتراجع ــ بشكل كبير ــ مقارنة بالعديد من الدول النامية.
نخلص مما سبق، أن مؤشرات التنمية البشرية ــ بشكل عام ــ احصاءات قوة العمل بأسواق السلع والخدمات ــ بشكل خاص ــ تؤكد تَفرد ظاهرة بطالة الشباب فى الدول العربية وتنامى معدلاتها بوضوح مقارنة بباقى مناطق العالم. وأن هذا التراجع فى الأداء ــ الذى يمثل اختلالا هيكلياً فى سوق العمل ــ ينسحب ليس فقط على عرض قوة العمل ــ أى مخرجات المؤسسات التعليمية ــ ولكن أيضاً على مستوى متجه الطلب عليها، أى ما توفره الدولة من فرص عمل للشباب. ومن ثم يتعين على صانع القرار بالدول العربية ــ فى هذا المجال ــ أن يتخذ التدابير والسياسات والبرامج الرامية الى التصدى لتعاظم الانعكاسات السالبة لمشكلة بطالة الشباب.
---------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الأربعاء، 11/12/2013.