10 ديسمبر 2013
مثَّل الاتفاق النووي الأخير الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة 5+1 أزمة كاشفة للوضع الأمني الإقليمي المعقد الذي تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن. فرغم أن الاتفاق، من حيث المبدأ وعلى المستوى النظري على الأقل، يُبعد شبح الحرب الذي ظل يخيم على المنطقة لفترة طويلة؛ إلا أنه يحمل بين طياته تداعيات إقليمية مهمة ربما لم تتضح معالمها وتفاصيلها النهائية بعد، ولكنها توحي بأن معادلة الأمن الإقليمي ومنظومة توازن القوى في منطقة الخليج بشكل خاص، ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام؛ قد تكون في سبيلها لأن تشهد تغييرات جوهرية خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يُثير عدة تساؤلات كانت محورًا للعديد من النقاشات في أوساط النخبة الخليجية خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت الاتفاق، لعل أهمها: ما هي أهم ملامح المأزق الذي تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي بعد هذا الاتفاق؟ وما هي الخيارات الخليجية المتاحة في التعامل مع تداعياته خلال المرحلة المقبلة؟.
مأزق "الانكشاف الاستراتيجي" لدول الخليح:
منذ تسعينيات القرن الماضي، ومنظومة الأمن الإقليمي في منطقة الخليج تقوم على محورين رئيسيين، الأول: اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على ما يسميه البعض "الأمن المستورد" الذي جسدته الاتفاقيات الأمنية التي أبرمتها دول مجلس التعاون الخليجي مع بعض الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بعد حرب تحرير الكويت، وما استتبع تلك الاتفاقيات من إقامة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة ظلت -وما تزال حتى الآن- عامل ردع رئيسيًّا بالنسبة لدول الخليج في مواجهة إيران. المحور الثاني: الدور الذي كان يقوم به العراق قبل احتلاله في مارس 2003، كموازن إقليمي لإيران في المنطقة.
فبعد غياب الموازن الإقليمي التقليدي الذي كان يمثله العراق -سواء على صعيد القدرات التقليدية أو حتى النووية- أصبح الدور الأمريكي في المنطقة يقوم بوظيفتي الردع والموازن الإقليمي في مواجهة إيران. وكان الرهان الخليجي قائمًا على استمرار حالة العداء بين إيران من جانب والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر، أو في أقصى تقدير توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. يدلل على ذلك، أنه منذ احتلال العراق وخروجه من معادلة توازن القوى في المنطقة، أي منذ عقد كامل تقريبًا، لم تُقدِم دول مجلس التعاون الخليجي على اتخاذ خطوات توحي باستعدادها للمرحلة التي يتراجع فيها الاهتمام الأمريكي بشئون المنطقة، أو تتبدل فيها أولويات السياسة الأمريكية على النحو الذي بدأت ملامحه تتجسد الآن.
المشكلة التي تعاني منها دول مجلس التعاون الخليجي بعد الاتفاق النووي الأخير هي مشكلة "انكشاف استراتيجي"، ربما تحدث عنها للمرة الأولى وبشكل صريح الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، وذلك في مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد في مملكة البحرين في 19 يناير 2012؛ حيث ركز حديثه على مستويات التهديد الذي تمثله إيران بالنسبة لدول الخليج، والتغييرات المحتملة التي قد تشهدها المنطقة، وتعزز وتفاقم من خطورة هذا التهديد.
وتبدو ملامح هذه المشكلة في ثلاثة أبعاد رئيسية، البعد الأول: سبقت الإشارة إليه، وهو خروج العراق من معادلة توزان القوى في المنطقة. البعد الثاني: أن الاتفاق النووي الأخير كشف بوضوح عن عدم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الاعتماد -لأجل غير مسمى- على الدور الأمريكي الموازن لإيران. صحيح أنه لا يوجد ما يؤكد على أن التفاوض الخاص بالاتفاق النووي الأخير قد شمل القضايا الإقليمية التي يسعى الإيرانيون منذ سنوات إلى إدراجها في المباحثات النووية، وخاصة ما يتعلق بدور إيران الإقليمي، وعلى الرغم أيضًا من أن ما أُنجز في جنيف ليس سوى اتفاق مرحلي، قد يكون خلال الشهور الستة القادمة عرضة لضغوط مختلفة داخل إيران وأمريكا ومن القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط، على نحو قد يؤدي إلى عدم التوصل إلى اتفاق دائم ونهائي؛ إلا أن من الصعب في الوقت ذاته القول بأن الاتفاق لن يترك أثرًا على ما هو "سياسي واستراتيجي"، بمعنى أن التقارب الأمريكي الإيراني لن يقف عند حدود البرنامج النووي الإيراني، بل قد يشمل مجمل القضايا السياسية والترتيبات الإقليمية الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط برمته.
ولا تستبعد بعض الأوساط الخليجية أن تكرر واشنطن مع طهران ما فعلته مع موسكو عندما اتفقتا على تسوية الملف الكيماوي في سوريا، واختزلتا الأزمة برمتها في هذا الملف، وأهملتا كافة عناصر ومكونات الأزمة السورية الأخرى. من هنا، تبدو الخشية الخليجية من أن تختصر واشنطن الأزمة مع طهران في الملف النووي، وتقبل بدور إيران الإقليمي في المنطقة، دون ضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي.
البعد الثالث: يتمثل في "تآكل" الرهان الخليجي على الدور التركي كموازن لإيران في المنطقة، فالتوجه الخليجي الذي تشكل خلال السنوات القليلة الماضية للتقارب مع تركيا، لإفساح المجال لتوازن قوى إقليمي جديد، تلعب تركيا فيه دور الموازن الاقليمي لإيران، بات اليوم على المحك، بعد أن تسبب اختلاف المواقف بشأن دول الربيع العربي، وخاصة مصر، في خلق فجوة ثقة عميقة مع أنقرة، تبدو تركيا أقرب فيها إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية منها إلى الاستجابة لمتطلبات العلاقة مع دول الخليج، بل قد تشهد الفترة القادمة حدوث تقارب تركي-إيراني.
هذه المشكلة ثلاثية الأبعاد تعكس بشكل واضح مدى القصور في التفكير الاستراتيجي الخليجي، الذي لم يقرأ منذ وقت مبكر المؤشرات التي أوحت بهذه التغييرات، وخاصة ما يتعلق منها بالسياسة الأمريكية على وجه التحديد، فالاتفاق النووي الأخير لم يخلق مشكلة "الانكشاف الاستراتيجي" ولم يوجدها، وإنما كشف عنها وجعلها أكثر وضوحًا؛ إذ كانت هناك مؤشرات أولية تقود إلى توقع حدوث تغييرات في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ربما لم تقرأها دول الخليج بشكل جيد ومبكر، منها على سبيل المثال الوثيقة التي نشرتها إدارة الرئيس أوباما في يناير 2012، حول تصورها لاستراتيجية الولايات المتحدة العالمية، والتي أشارت بوضوح إلى انتقال الأولوية الأمريكية من أوروبا والشرق الأوسط إلى حوض الباسيفيك، على خلفية تراجع المخاطر التي تهدد المصالح الأمريكية في كلا الدائرتين، أو حتى تراجع الأهمية النسبية لكليهما؛ ومن أن الصين باتت تمثل التهديد الأكبر لموقع أمريكا ودورها في الساحة الدولية.
ومن هذه المؤشرات أيضًا "ثورة الغاز الصخري" التي تؤكد العديد من التقارير الحديثة أنها قد تقود مستقبلا إلى تحقيق اكتفاء ذاتي أمريكي في مجال الطاقة، وتقلل بالتالي من اعتمادها على نفط الخليج.وقد كان للموقف الأمريكي في إدارته لأزمة استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية دلالات عميقة في فهم هذا التحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
الخيارات الخليجية المتاحة بعد الاتفاق النووي الأخير:
القول بتراجع الاهتمام الأمريكي بشئون المنطقة، أو عدم جدوى الاعتماد الخليجي على الدور الأمريكي لأجل غير مسمى؛ لا يعني التسليم بسيناريو "الصفقة الكبرى" الذي تم تدوله مؤخرًا في العديد من وسائل الإعلام على إطلاقه، والذي يوحي بأن الولايات المتحدة سوف تترك إيران وتطلق يدها في منطقة الخليج لتفعل ما تشاء، فمثل هذا التصور ينطوي على تبسيط مبالغ فيه للأمور. فالولايات المتحدة ما تزال لديها مصالح حيوية ثابتة في المنطقة، وليس لديها استعداد للسماح لإيران بالانفراد بأمن المنطقة، ولكن المقصود هو اتجاه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران إلى الانتقال من الصدام إلى التقارب المتوازن، والوصول إلى مواقف متقاربة معها بشأن الملفات الإقليمية التي ما تزال عالقة ومتداخلة حتى الآن، مع عدم التفريط في أمن الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن في المنطقة.
في ظل هذه المعادلة الجديدة المرتقبة في المنطقة، يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي أمامها ثلاثة خيارات رئيسية في إدارة العلاقة مع إيران بعد التقارب الأمريكي-الغربي معها، إما الاتجاه نحو التقارب والانفتاح في العلاقات معها، أو استمرار الفتور في العلاقات بين الجانبين، أو اتخاذها "الطابع البندولي" الذي ميزها في أغلب الفترات الماضية، ما بين التعاون تارة والصراع تارة أخرى.
ودون الدخول في التفاصيل الخاصة بكل سيناريو من تلك السيناريوهات الثلاثة، يمكن القول إن سيناريو التقارب والانفتاح في العلاقة مع طهران الذي قد يستتبعه حوار جاد بشأن قضايا الخلاف الرئيسية وفي مقدمتها السلوك الإيراني التدخلي في شئون دول المنطقة، قد يكون هو الأجدى في المرحلة الحالية بالنسبة لدول الخليج، فالولايات المتحدة، رغم حالة العداء الممتدة بينها وبين إيران، عندما وجدت أن مصلحتها تكمن في التوافق مع الأخيرة لم تتوان عن فعل ذلك.
ويبدو أن كلا الجانبين -الخليجي والإيراني- أقرب إلى هذا الاتجاه وفق بعض المؤشرات الأولية التي تدعم من ذلك، منها على الجانب الخليجي: الموقف الرسمي من الاتفاق النووي الأخير، حيث رحبت دول مجلس التعاون بالاتفاق، وأعلنت أنها تنظر للتقارب بين طهران وواشنطن على أنه خطوة نحو الاستقرار والأمن في المنطقة، أكثر منه تهديدًا، ولم يتم رصد إشارات سلبية أو انتقادات خليجية رسمية في هذا الصدد، اللهم إلا التشديد على ضرورة ألا تكون الانفراجة في العلاقات بين إيران والغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة، على حساب دول المنطقة.
من هذه المؤشرات أيضًا، الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى طهران بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، حيث أكد رغبة بلاده في تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة من أجل تعزيز الروابط مع طهران في جميع الميادين، وخصوصًا نشاطات القطاع الخاص. ورغم تأكيده أن الزيارة "كانت مبرمجة سلفًا منذ أشهر في إطار الزيارات الدائمة المتبادلة بين البلدين"، إلا أن توقيتها حمل دلالات مهمة في قراءة التوجه الخليجي نحو إيران بعد توقيعها الاتفاق النووي الأخير، كما كشفت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية أن طهران تسلمت دعوة للمشاركة في منتدى حوار المنامة، وأنها ستلبي هذه الدعوة.
على الجانب الإيراني، يمكن رصد بعض المؤشرات أيضًا، لعل أهمها الجولة الخليجية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى كل من الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، حاول خلالها طمأنة هذه الدول بشأن الاتفاق النووي، كما دعا إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات بين هذه الدول وبين إيران. ولم يلتقِ ظريف خلال هذه الجولة فقط بنظرائه من وزراء الخارجية الخليجيين، بل التقى بملوك وأمراء الدول التي زارها، ووجه إليهم الدعوة على لسان الرئيس الإيراني لزيارة طهران، ووعدوا جميعهم بتلبيتها في أقرب وقت.
ورغم أن الجولة لم تشمل المملكة العربية السعودية، إلا أنها كانت الحاضر الغائب في تصريحات جواد ظريف خلال جولته، حيث أعرب عن رغبته في زيارة المملكة بعد بعض الترتيبات التي يتم العمل فيها حاليًّا، كما كرر أكثر من مرة وفي أكثر من دولة خليجية رغبة طهران في تعزيز التعاون مع المملكة العربية السعودية، فيما أشارت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية إلى أن هناك زيارة مرتقبة لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني إلى المملكة العربية السعودية، لكن لم يتم تحديد موعدها. وقبل هذه الجولة مباشرة، نشر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، مقالا له في صحيفة "الشرق الأوسط"، في 21 نوفمبر، أكد فيه على أن التقارب مع الجيران أولوية بالنسبة لبلاده، وليس العلاقة مع الغرب، قائلا: "إما أن نربح، أو نخسر معًا".
ولكن إذا كان مسار التقارب والحوار مع إيران فيه مصلحة خليجية على المدى القصير، فإن هذا المسار لكي يؤتي ثماره الإيجابية على المدى الطويل يتطلب توافر عنصر الندية في العلاقات بين الجانبين، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا في حالة امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي أداة ردع في مواجهة إيران. فقد لاحظنا خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت الاتفاق النووي الأخير تصريحات عديدة على لسان أكثر من مسئول خليجي، انتقلوا فيها من مرحلة التشكيك في نوايا إيران إلى مرحلة مطالبتها بإثبات حسن نواياها، وأن تعمد إلى تصحيح نهجها السياسي العام في المنطقة، وتغير أهدافه الاستراتيجية من محاولة الهيمنة الإقليمية إلى احترام سيادة الآخرين، ومبدأ حسن الجوار، والبحث عن علاقات تكاملية، وشراكات اقتصادية مع دول المنطقة.
في واقع الأمر، إيران لن تقوم بما تريده دول الخليج منها بشكل رضائي، أو تطوعي، فالسياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح، وإثبات حسن النوايا الذي تتحدث عنه دول الخليج لن يتحول إلى إجراءات فعلية لإعادة بناء الثقة بين الجانبين إلا إذا امتلكت دول الخليج ما تستطيع به أن تفرض على طهران احترام وجهة نظرها تجاه القضايا الخلافية بين الجانبين، والمقصود هنا مرة أخرى عامل الردع، وهو أمر لطالما طالب به العديد من أفراد النخبة الخليجية والعربية منذ زمن طويل دون استجابة حقيقية من صانع القرار الخليجي.
ومن المهم في هذا السياق، التأكيد على أن تحقيق عامل الردع الخليجي في مواجهة إيران يجب أن يعتمد على أدوات ذاتية خليجية في المقام الأول والأخير. وليس المقصود هنا التخلي عن علاقة "التحالف" مع الولايات المتحدة، بقدر إيجاد بدائل ذاتية لا ترتهن لتقلبات المصالح وتغير الأدوار في المنطقة، بحيث تكون هذه الأدوات رديفًا، على الأقل في المدى المنظور، لعلاقات التحالف القائمة حاليًّا مع الولايات المتحدة الأمريكية. أما عن تلك الأدوات، فهي عديدة، وتحدث عنها العديد من الكتاب في منطقة الخليج، وأفرَد بعضهم لها دراسات مستقلة جديرة بالقراءة، ولكن من وجهة نظر الباحث، فإن أهم هذه الأدوات يتمثل في:
- اتخاذ خطوات جادة في مسيرة التكامل الدفاعي الخليجي: الحديث عن التكامل الخليجي في الوقت الحالي لم يعد من قبيل الرفاهية، وإنما أصبح ضرورة ملحة تقتضيها التطورات التي تشهدها منطقة الخليج، وإذا كانت هناك عقبات عديدة تعترض طريق تحقيق هذا التكامل في جميع مستوياته بما يحقق مبادرة الاتحاد الخليجي التي طرحتها المملكة العربية السعودية، فإن تحقيق التكامل الخليجي على الأقل في المجال الدفاعي والعسكري، يجب أن يحتل قمة الأولويات لدى قادة دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة. فإذا ما عقدنا مقارنة بسيطة بين المتوقع من دول مجلس التعاون الخليجي منذ إنشاء المجلس عام 1981 على هذا الصعيد، وبين ما تم إنجازه حتى الآن -أي بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود- لوجدنا أن الفجوة كبيرة جدًّا رغم أن هذه الدول من أكثر دول العالم إنفاقًا في المجال العسكري. ومن ثم، مطلوب من دول الخليج أن تتخلى نسبيًّا عن التمسك بمبدأ السيادة المطلقة لصالح منظومة دفاعية وعسكرية فاعلة، ومطلوب منها أيضًا الاتفاق على حد أدنى من مصادر التهديد المشتركة، كقاعدة رئيسية تقوم عليها تلك المنظومة.
- امتلاك برامج نووية سلمية: امتلاك دول الخليج التكنولوجيا النووية يمثل أداة مهمة من أدوات تحقيق عامل الردع في مواجهة إيران. ورغم أن دول مجلس التعاون الخليجي قد دشنت التوجه نحو امتلاك البرامج النوية السلمية منذ ديسمبر 2006، إلا أنه بعد مرور سبع سنوات من هذا الإعلان ما تزال تسير في هذا الطريق على استحياء شديد، ربما باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتخذت خطوات متقدمة ومهمة في هذا المجال قياسًا إلى الموقف على الصعيد الخليجي بل والعربي بشكل عام.
إن امتلاك القدرة النووية السلمية رغم أنه يستند إلى مبررات اقتصادية خليجية مهمة تتعلق في مجملها بالاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، إلا أنه ينطوي في الوقت ذاته على دلالات استراتيجية مهمة فيما يتعلق بتحقيق عامل الردع في مواجهة إيران.
غاية القول مما سبق، إنه إذا كانت الظروف والتطورات التي تشهدها منطقة الخليج تقتضي من دول مجلس التعاون الخليجي التقارب والانفتاح في العلاقة مع إيران، والدخول معها في نوع من الحوار البناء بشأن القضايا والملفات الشائكة بين الجانبين؛ فإن هذا التقارب لن يكون مجديًا لدول الخليج إلا إذا كانت تمتلك ما يمكنها من فرض وجهة نظرها تجاه هذه القضايا والملفات، وإذا كانت هذه الدول قد تأخرت كثيرًا في هذا الشأن، فعليها ألا تضيع المزيد من الوقت في دبلوماسية القمم، وأن تتخذ خطوات جادة وفاعلة على أرض الواقع باتت مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى.