التقارير التي تهمس بأن وزارة الدفاع الأمريكية تقترب من إعلان منطقة شمال إفريقيا ساحة حرب ضد الإرهاب، تجد ما يؤيدها على الأرض من خلال زيادة النشاط الإرهابي وتعدد الجماعات المسلحة واتساع رقعة عملياتها لتشمل ليبيا والجزائر وتونس، إضافة إلى دول جنوب الصحراء في مالي والنيجر ونيجيريا وصولاً إلى الكاميرون .
وما يؤيد هذه التقارير أيضاً هو تلك الزيارات الماراثونية للقادة العسكريين والاستخباريين الأمريكيين إلى عواصم المنطقة واستقبال واشنطن لممثلين عن دول مغاربية وإفريقية . ومن كلا الجانبين كان تركيز المحادثات حول التعاون الأمني ومواجهة جماعات الإرهاب . وحملت زيارة القائد الأعلى للقوة الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" الجنرال ديفيد رودريغيز إلى تونس دلالات كثيرة، وما زاد الاشتباه في أن هناك شيئاً ما يحاك خلف الكواليس التكتم الشديد الذي رافق الزيارة وسط إشاعات تفيد بأن الولايات المتحدة تعتزم إقامة قاعدة استراتيجية في الجنوب التونسي لمتابعة العمليات من قرب .
قبل هذه التطورات كان تصاعد الحضور الإرهابي في منطقة الشمال الإفريقي يؤكد أن الأمريكيين قادمون، وكانت العمليات والحوادث التي جرت ومن ضمنها حادثة القنصلية الأمريكية في بنغازي ومقتل السفير في سبتمبر/ أيلول 2012 نوعاً من التهيئة لهذا القدوم، وإذا حصل تأخير ما في المرحلة المقبلة فلا يعدو أن يكون مهلة لإنضاج الظروف وتهيئة الذرائع حتى تحين الفرصة السانحة .
ومن بين الذرائع المطلوبة في مثل هذه المهمات، أن تصبح دول المنطقة وشعوبها في حالة من الرعب من الجماعات الإسلامية المسلحة . وبعض هذه الأهداف بدأ يتحقق، فالليبيون يعيشون حالياً في كابوس حقيقي من الجماعات المتطرفة ومنها "أنصار الشريعة"، التنظيم الذي تبنى في تونس المجاورة اغتيالات وقتل عناصر من الجيش والشرطة وخطط لهجمات تضرب المرافق الاقتصادية وتنشر الترهيب بين المدنيين . وفي البلدين، وبدرجات متفاوتة، هناك رغبة لرفع التحدي الإرهابي، وتنسجم تلك الرغبة مع ضغوط غربية وأمريكية خاصة للسماح لقواتها بالعمل، وإن لم يفصح الأمريكيون عن هذا الطلب، فقد طالب رئيس الأركان الفرنسي ادوارد جيو مؤخراً دول شمال إفريقيا بالسماح لقواته بملاحقة عناصر "القاعدة" خارج مالي التي تنتشر فيها قوات فرنسية مدعومة من عناصر دولية وإفريقية ضمن مهمة بدأت العام الماضي ولم تحقق كامل أهدافها وما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات . ولأن أوضاع مالي معطوفة على التدهور الحاصل في ليبيا قد أثرت في كل دول الجوار بلا استثناء، فقد أصبحت مدخلاً مثالياً لتدويل القضية الأمنية في الإقليم كله .
عندما اندلعت ثورات ما يسمى "الربيع العربي"، لم تجد التحذيرات من انهيار مروع لأمن المنطقة أي صدى، فقد اندفعت الغالبية لمطاردة الأحلام الثورية غير واعية بأن المجن سينقلب يوماً ما، بل إن المؤشرات كانت تؤكد أن تلك الثورات تسوق المنطقة لتحشرها في زاوية تيسر على الأجانب التدخل فيها والسيطرة عليها . وهذا ما يحصل الآن، وليس بعيداً أن تصبح مناطق في ليبيا وتونس على الخصوص هدفاً لضربات أمريكية، مثلما هو الحال في أفغانستان والصومال وربما أسوأ من ذلك بكثير جداً .
----------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الأحد، 1/12/2013