17 نوفمبر 2013
تجدد الخلاف المغربي- الجزائري بشأن مسألة حقوق الإنسان في منطقة الصحراء الغربية " تلك المستعمرة الإسبانية الخاضعة لإدارة المغرب" بعد استدعاء دولة المغرب سفيرها لدى الجزائر "عبد الله بلقزيز" في الأول من نوفمبر الجاري، احتجاجا على خطاب للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في اجتماع " أبوجا اكتسي الإفريقي" . وانتقل الخلاف نتيجة شدته بين البلدين لأول مرة من الدوائر الرسمية إلي الأوساط الشعبية، خاصة في المناطق الحدودية بينهما. تساؤلات عدة نطرحها، ونحاول الإجابة عليها، منها: لماذا تجدد الخلاف المغربي- الجزائري في الوقت الراهن؟، وهل التوتر الحالي بين البلدين عابر ومؤقت؟ وما هي العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى حسمه ولو مرحليا؟.
أسباب تجدد الخلاف بين الدولتين
ترجع إعادة توتر العلاقات بين البلدين لعدة أسباب، ارتبط أهمها بخطاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مؤتمر " أبوجا أكتسي " الذي ألقاه في نهاية أكتوبر الماضي وزير العدل الجزائري الطيب لوح، والذي دعا فيه إلى إنشاء آلية دولية لمراقبة حقوق الإنسان في الأراضي التي يسيطر عليها المغرب في الصحراء الغربية، لعل أهمها:
1. اعتداء بعض الشباب المغاربة على القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء في الأول من نوفمبر الجاري، وإنزال العلم الجزائري وتدنيسه على حد وصف وسائل الإعلام الجزائرية، مما أثار حفيظة السلطات الجزائرية وشعبها.
2. التصعيد المغربي للأزمة، وإشعال حرب إعلامية على تصريحات الرئيس الجزائري، بحسبانها تدخلا واضحا في قضية حساسة ومصيرية بالنسبة للجزائريين.
3. تأثير ما يدور داخل الأروقة المغربية وفي وسائل الإعلام الرسمية للدولة، والمتمثل في أن" الجزائر تحتضن جبهة البوليساريو الانفصالية فوق أراضيها، وأنها تدعمها للانفصال بالمال والسلاح" فى إثارة واحتقان الشارعين المغربي والجزائري معا.
4. إصرار الجزائر ومطالبتها بتفسير مفصل حول الإجراءات الأمنية التي طبقتها السلطات المغربية لحماية البعثات الدبلوماسية الجزائرية، ورفضها إعراب السفير المغربي عن أسف حكومته وإدانتها الحادث.
5. استمرار إعلان الجزائر بشكل مباشر خلال تلك الأزمة تأييدها لاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية، وتدعيم جبهة البوليساريو، واعترافها أيضا في الأزمة ذاتها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي أعلنتها الجبهة من طرف واحد، وهو الموقف الذي يراه المغرب تحديا له من قبل الجزائر.
6. تمسك حكام البلدين بمجرد اندلاع الأزمة بمواقفهما السابقة من القضية لعدم حلها باستفتاء شعبي بين السكان، سواء بالاستقلال أو بالانضمام لأي جهة من الدولتين، وذلك لاعتقاد كل منهما بأن استيلاء بلاده على المنطقة أو زيادة نفوذه فيها أفضل له ويكسبه شعبية.
7. هناك أسباب أخرى ملغومة تجدد الصراع بين الطرفين، وتؤدى بين الحين والآخر إلى اشتعال الأزمة، منها: حادثة اختطاف الطائرة المغربية التي كانت تقل جنود جزائريين عام 1956، وكذلك حرب الرمال التي اندلعت على حدود البلدين، وأيضا تفجيرات فندق ايسني بمراكش، والتي يرى المغرب أن مفجري تلك العملية من أصول جزائرية، إضافة إلى إصرار الجزائر على إغلاق الحدود بين الدولتين، وقضايا أخرى تتعلق بالتهريب، وأمن الحدود، وممتلكات الجزائريين المصادرة منذ عام 1975.
ردود فعل الطرفين تجاه الأزمة
بسبب استدعاء الرباط لسفيرها بالجزائر بعد خطاب بوتفليقة، وكذلك قيام بعض الشباب المغربي بإنزال العلم الجزائري من فوق القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء، حدثت مجموعة من ردود الفعل على المستويين الرسمي وغير الرسمي أدت إلى اشتعال الأزمة وعدم حسمها حتى الآن.
اقتصرت ردود الفعل غير الرسمية على دولة الجزائر، فانطلقت مسيرات تحمل العلم الجزائري في المناطق الحدودية بين البلدين، أدت إلى حدوث مواجهات بين مغاربة وجزائريين في المنطقة العازلة بين الدولتين، بالشمال الغربي لولاية تلمسان الحدودية، المحاذية لولاية السعدية المغربية. واندلعت أيضا مواجهات في ولاية بشار الجزائرية والمحاذية للحدود الجنوبية المغربية. وأيضا، حاول مئات المواطنين الجزائريين الغاضبين بمدينة وهران محاصرة القنصلية المغربية بالمدينة، ورفع العلم الجزائري عليها .
أما على المستوى الرسمي، فاقتصر رد الفعل الأقوى على دولة المغرب دون الجزائر التي لم يكن لها رد فعل رسمي من قبل سلطاتها الرسمية تجاه التصريحات المغربية التي توصف بالعنيفة تجاه السلطات الجزائرية، فقد اتهم العاهل المغربي الجزائر في خطاب شديد اللهجة، وجهه في الثامن من نوفمبر الجاري، إلى الشعب المغربي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، بأن الحكومة الجزائرية تقف عائقا أمام الاندماج المغربي، و" أن السبب الرئيسي في التعامل غير المنصف مع المغرب يرجع بالأساس لما يقدمه الخصوم من أموال ومنافع في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا، وذلك في إهدار لثروات وخيرات شعب شقيق لا تعميه هذه المسألة، وهنا يقصد ملك المغرب في تصريحاته السلطات الجزائرية.
وأضاف الملك محمد السادس، في تصريحات أخرى وصفت بالتحذيرية للسلطة الجزائرية، أن" المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال، خصوصا من طرف ينتهك حقوق الإنسان بطريقة ممنهجة، مستكملا أن من يريد المزايدة على المغرب فعليه أن يهبط إلى تندوق، ويتابع ما يشهده عدد من المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان" . في حين اتسم رد الفعل الرسمي للسلطة الجزائرية ردا على تصريحات ملك المغرب بدعوات للتعقل وضبط النفس .
وعلى المستوى الرسمي أيضا، استدعى المغرب سفيره في الجزائر للتشاور، واتهمت وكالة الأنباء المغربية، الوكالة الرسمية للدولة، في تصريحات نشرت أخيرا، الجزائر بأنها تفتعل أزمة في قضية الصحراء الغربية من أجل خدمة مخططاتها في الهيمنة على المنطقة، ومحاولة لتحويل الأنظار لتجنب الحديث عن الوضع المأساوي لحقوق الإنسان في أراضيها.
مخاطر التوتر واحتمالات التهدئة
استمرار تصعيد الخلاف بين البلدين لا يضر طرفا دون الآخر، وإنما يضر المنطقة بأكملها، خصوصا أن الدولتين لهما قوتهما في المنطقة، وقادرتان على ضبط إيقاع التوترات في المنطقة. وتتمثل أهم مخاطر الخلاف الجزائري- المغربي فى:
1. استمرار التوتر بين البلدين في ظل الظروف الراهنة يعني فشل تحقيق تعاون عسكري بين البلدين من أجل مواجهة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وبالتالي تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة مضطربة.
2. استمرار الخلافات السياسية الثنائية بين البلدين يؤدي إلى إخفاق التكامل في المنطقة إلى الأبد، رغم توافر مقومات التكامل بين بلدان المغرب العربي، وكذلك استمرار التوتر بينهما يؤدي إلى استمرار غلق الحدود بين البلدين.
أما عن احتمالات التهدئة، وخفض حدة الخلاف بين البلدين، فهناك عدة عوامل قد تؤدي إلى حسم التوتر، ولو مؤقتا، لعل أهمها:
1. دور الدبلوماسية الشعبية، والتي تتمثل في دور الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني للبلدين، والتي ربما تلعب دورا سريعا قي تقارب شعوب الدولتين، فهناك مبادرة أطلقها عدد من الأحزاب الجزائرية لزيارة المغرب بهدف وضع خريطة طريق تضم مجموعة من الأهداف، من بينها تنظيم ملتقيات مغاربية لتوحيد وجهات النظر والرؤى، وأيضا التوجه إلى القنصلية الجزائرية بمدينة الدار البيضاء لرفع العلم الجزائري، ووضع باقة من الورد كعربون محبة بين البلدين. وتتمثل أهم الأحزاب الجزائرية التي أطلقت تلك المبادرة فى: حركة الوطنيين الأحرار لخضر بن سعيد، وحزب العدل والبيان الذي يرأسه نعيمة صالحي، وحزب الحكم الراشد، وجبهة النضال الوطني، إلى جانب أحزب سياسية أخرى، وممثلين من المجتمع المدني. ويدعم هذه المبادرة من الجانب المغربي عشرة أحزاب سياسية، من أهمها حزب العدالة والتنمية.
2. الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي للبلدين، حيث ربما تؤدي نتائج زيارات وزير الخارجية الأمريكي للبلدين إلى امتصاص حدة الخلاف، وتحقيق انفراجة مؤقتة في العلاقات المنقطعة، فقد تسعى واشنطن، خلال تلك الزيارة، إلى الضغط على البلدين من أجل إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء، وذلك لأن من مصلحة الولايات المتحدة الآن تحقيق نوع من التوافق بين قوتين تعتمد عليهما في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، خصوصا في ظل الأوضاع المتدهورة في ليبيا. من هنا، فقد يكون سبب تأجيل زيارة جون كيري للدولتين بسبب حساسية الموقف الذي يتطلب زيارة تتضمن حلول لوحدة الخلاف بينهما، لأن واشنطن تريد الحفاظ على علاقات متوازنة مع البلدين، والتخفيف من حدة الصراع الذي عاود الاشتعال فيما بينهما أخيرا، لأن تجدد الخلاف المغربي- الجزائري ينسف طموح واشنطن في تحقيق تعاون مع البلدين.
3. النتائج المحتملة للقاء وزيري خارجيتى البلدين أخيرا بالعاصمة المالية " باماكو" على هامش اجتماع وزاري، حيث تناول اللقاء الذي جمع أيضا بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وحضره عدد من وزراء الدول الإفريقية، وعدد من ممثلي المنظمات الإقليمية، سبل الخروج من المأزق الحالي بين الدولتين، ومحاولة إذابة جليد الخلافات بينهما.
4. النتائج المترتبة على تغيير رئيس الاستعلامات المغربية، الذي ربما تعود إقالته بشكل مباشر، وفقا لما تردده وسائل الإعلام المغربية، إلى الصدام الذي حدث أخيرا بين الدولتين، لأنه ربما تسعى القيادة الجديدة في جهاز الاستخبارات المغربي إلى تهدئة الأزمة، نظرا لتأزم العلاقات بين البلدين التي كانت قد اقتربت من إعادة فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ عام 1994 إثر فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين لدخول أراضيها، خصوصا أن دولة الجزائر بدأت تعلن رسميا قبل تلك الأزمة بشهور قليلة اتجاهها لفتح الحدود، وأن مسألة عودة العلاقات الطبيعية مع المغرب بفتح حدود البلدين مسألة تحظي بالأولوية.
5. احتمالات التحرك الفرنسي للعب دور في حسم الأزمة بين البلدين، خصوصا بعد تأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي للدولتين، حيث إن من مصلحة فرنسا أن تكون فاعلا رئيسيا في تهدئة الخلاف، لأن دولتي المغرب والجزائر تعدان مناطق تنافس وبناء نفوذ بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والدول الاستعمارية السابقة في المنطقة، وتحديدا فرنسا، من جهة أخرى.