24 أكتوبر 2013
تمثل التحالفات الإقليمية والدولية عنصرا أساسيا في توجيه مسارات الأزمة السورية، فتقارب وجهات النظر الأمريكية- الروسية في إدارة الأزمة يمثل ضغطا على المعارضة، والولايات المتحدة، ويخلق توازنا بين القوى في المنطقة. ولتحديد مسارات تلك التحالفات وتأثيرها فى مستقبل الأزمة، نظم المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية ندوة بعنوان "تداعيات الأزمة السورية على الأمن الإقليمي والدولي"، للوقوف على تأثيرات الأزمة باحتمالاتها المختلفة فى مواقف وتحركات مختلف القوى على الساحة السورية.
أولا- حدود وأبعاد الأزمة من الداخل:
ذكر اللواء أسامه الجريدلي، رئيس المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية أن الأزمة فى سوريا أصبحت شديدة التعقيد، فهى تتسم بالعنف القتالي الشديد، ويتخللها أحياناً عمليات جس نبض دبلوماسية، ومراجعة مقترحات، ووسطاء، ومبادرات تتشابك فيها مصالح ونوايا، سواء قوى داخلية، مُمثلة في تيارات المُعارضة المختلفة على الساحة السورية بكافة اتجاهاتها وانتماءتها، وتلك الداعمة للنظام السورى، أو مواقف وتحركات أكراد سوريا، بما يتوافق مع مصالحهم، أو دول وأطراف عربية لها رؤاها ومصالحها، سواء كانت مضادة للنظام السورى، أو لها تحالفاتها معه كحزب الله، أو داخل لبنان وما يكتنفها من معسكرين، أحدهما مؤيد، وآخر مضاد للنظام السوري، ثم الوضع المتوتر على طول الحدود السورية - العراقية، وانقسام الاتجاهات ما بين داعم للجيش السوري الحُر، وآخر داعم للنظام السوري، ثم الأردن وتحمله عبء وجود عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، والذين يتزايدون بشكل مُستمر.
أما فيما يتعلق بإسرائيل، فقد أشار الجريدلي إلى أنها تُعلن بغير ما تُبطن بأنها ليست طرفاً في الأزمة الجارية، وأنها سترُد بقسوة في حالة أى مساس عسكري بها من جانب سوريا، في حين أن إسرائيل تستهدف مصالح خاصة تُريد تحقيقها من مُحصلة هذه الأزمة، والتي تخضع لتوازنات في حساباتها ما بين القضاء على نظام بشار، أو استمراره ، و"مابين" البديل في ظل سقوط نظام بشار، والذي قد يأتي - من ضمن ما يأتي - بقوى وأطراف مُتطرفة وإرهابية لتكون الأقوى على الساحة السورية، لا تتسق أهدافها ومصالحها مع نظيرتها الإسرائيلية.
وتناول الجريدلي في كلمته ما صدر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي حول التهديدات والمخاطر التي يُمكن أن تواجه إسرائيل خلال الفترة من 2012 إلى 2013، سواء من زاوية التهديد، أو من زاوية الفُرص المتاحة. وقد جاءت التهديدات كالآتي : أولاً، البرنامج النووى الإيراني وما يُمثله من تهديدات ضد الأمن القومي الإسرائيلي. وعلى هذا الأساس، تم اتخاذ العديد من الاستعدادات لمُواجهة أى تقدم فيه يسمح لإيران بأن تتجاوز نسبة التخصيب 20%. ثانياً، إمكانية وقوع مُواجهة عسكرية مع إيران بسبب عدم التزامها بالخطوط الحمر التي حددتها إسرائيل لبرنامجها النووي؛ وبالتالي يُمكن أن تُدفَع الأمور لمُواجهة عسكرية، تكون أحد أعمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في ظل التفكير الإسرائيلي تجاه الموقف الأمريكي الحالي، وهو الأمر الذي سيطرح مُفارقة في طبيعة التفكير الإسرائيلي الذي سينظُر إلى التراجع الأمريكي عن الضربة العسكرية ضد سوريا. ثالثاً، تقويض اتفاقيات السلام، بمعنى أن تنشأ مواقف معينة، خاصة مع مصر والأردن، وهو الأمر الذي يُعد من طبيعة التداعيات على المناطق المجاورة للحدود مع الجانب الإسرائيلي. رابعاً، العزلة الإسرائيلية، وهو ما يعنى أن إسرائيل قد تكون أقدمت على بعض العلميات العسكرية ضد الفلسطينيين. خامساً، التهديد المُتعلق بتزايد العمليات الإرهابية على الحدود بشكل يُمكن معه أن تنقلب هذ العمليات على الجانب الإسرائيلي.
وتحدث دكتور مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية، في كلمته عن عملية نزع السلاح السوري الكيميائي، وأكد أنها سوف تمتد لفترة قد تصل لعام أو عامين على الأقل، وذلك بسبب أن نزع السلاح يتم من خلال أربع خطوات، الأولى: انضمام سوريا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993، وهو ما تم بالفعل. الثانية: الكشف عن أماكن ومقار إنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية. الثالثة: فحص هذه المواقع والأسلحة. وأخيراً: تدمير الأسلحة الكيميائية.
وعن السيناريوهات المطروحة للأزمة السورية وتأثيرها وانعكاسها على القوى المحلية والإقليمية، لخصها علوي في:
1- هزيمة النظام السوري، 2- انتصار النظام السوري على قوى المعارضة، 3- مباراة صفرية للطرفين.
وقد أكد اللواء محمود خلف، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن الصراع على أرض الواقع في هذا المُسطح الجغرافي ليس كما نتصور أنه مُجرد صراع بين الجيش الحر ونظام بشار، ولكنه صراع دولي إقليمي بامتياز شديد. وقال إنه عندما احتدم هذا الأمر، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في التفكير بالتدخل في تلك الأزمة. وركز خلف على أنه لأول مرة، يحدُث تلاءم بين الرؤى الروسية والإيرانية لوضع استراتيجية واحدة مُتلائمة مع الواقع، وبالأخص أن روسيا لديها إمكانيات هائلة في التسليح، ويتم الإمداد بها لسوريا من خلال الأراضي الإيرانية. وأشار أيضاً إلى وصول 200 صاروخ روسي لسوريا منذ فترة، وهو الأمر الذي أقلق البنتاجون بشدة. في حين أن إيران تبنت الأعمال الهجومية، حيث أنشأت قيادة للحرس الثوري تقوم بتلك الأعمال الهجومية وبكفاءة عالية. وفي قول آخر، ذكر أن روسيا ركزت على دعم البنية الأساسية للنظام من خلال نظام دفاعي مُتطور. أما إيران، فقد ركزت على النظام غير التقليدي، حيث يوجد حالياً على أرض الواقع مجموعات بها عناصر مختلفة من الحرس الثوري، وحزب الله، وما إلى ذلك .
وذكر خلف أنه في حالة سقوط النظام، وتولي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الحُكم، فإن الأمور ستذهب إلى السيناريو الأسوأ، وقال: "إن هذا ما يُقلق إسرائيل". ويعتقد خلف أن الأزمة بشكلها الراهن ستمتد إلى أجل غير مُسمى، وأن الحل السياسي سيكون مُعقداً للغاية، لأنه بطبيعة الحال عند مواجهة أى دولة مع خصومها، تكون الملفات المُتعلقة بمصالحها القومية العليا هى المُلحة والمؤثرة. كما أشار إلى أن الصين لاعب رئيسي سوف يتدخل في الوقت المناسب بما يملُكه من قدرات بمجلس الأمن.
ثانيا- المواقف الخارجية من الأزمة:
قال د.مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، إنه لا توجد مُعادلة صفرية، بمعنى عدم وجود طرف خاسر، وآخر رابح في الأزمة السورية؛ مؤكدا أن هذا ما يجب أن تعلمه جيداً الأطراف العربية، لأن فكرة مُواصلة القتال حتى يقضي طرف على الآخر ستكون نتيجتها القضاء على الدولة السورية. كما أشار إلى أن موازين القوى الآن تسمح لتركيا بالتمدُد، ومن ثم ذكر أنه إذا كان العرب لديهم اختناق من وجود إيران، فبالتأكيد لا يسمحون لتركيا بأن تكون البديل، مؤكداً أن البديل لابد أن يكون عربياً.
في حين أشارت د.هالة مصطفى، خبير العلوم السياسية، إلى أنهُ منذ اندلاع الانتفاضات الشعبية الكبرى في العالم العربي، وسقوط عدد من الأنظمة الحاكمة، ودخول حقبة ما يُسمى بـ "الربيع العربي"، بل وقبل ذلك بسنوات، عندما سقط النظام العراقي بفعل الغزو الأمريكي، والحديث لا ينقطع حول إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. واليوم ومع تزايُد التوقعات حول الضربة العسكرية المُرتقبة على سوريا، أصبح الحديث صراحة حول تقسيمها ضمن مخطط أوسع لتقسيم المنطقة تحت مسمى "الشرق الأوسط الجديد". وأضافت مصطفى أنهُ مع سيناريوهات التقسيم، يُعاد توزيع الأدوار الإقليمية، وتوظيفها برعاية أمريكية، حيث برز دور تركيا كقيادة للمعسكر السُني، ولحقت بها قطر (التي تسعى لمنافسة الدور السعودي، رغم الفروقات الجوهرية في إمكانيات الدولتين) مقابل إيران التي تقود المحور الشيعي الداعمة للنظام السوري، ومعها حزب الله اللبناني، كما هو معروف.
وأضافت هالة مصطفى أن هناك قوى إقليمية عديدة باتت لديها رغبة ومصلحة في إسقاط نظام بشار، الأمر الذي سيضمن إخراج سوريا من المحور الإيراني، وتقليص المد الشيعي، سواء في لبنان، أو العراق، أو الخليج. في حين أن الولايات المتحدة، وإن أرادت التخلُص من النظام نفسه، فإن لديها مخاوف مُماثلة من "البديل"، أي المعارضة، خاصة المسلحة التي لا تقتصر على "الجيش الحر"، كما هو معروف، وإنما هناك أيضاً "جبهة النصرة" التي ترتبط مباشرة بتنظيم القاعدة، وتنتمي إلى ما يُعرف بـ " السلفية الجهادية".
ثالثا- توصيات مقترحة لحل الأزمة:
• تأكيد وجود فُرص لحل الأزمة السورية، يكمُن أهمها في الحل السياسي من خلال عقد مؤتمر جنيف2.
• يجب على النظام السوري العمل على تفادي الضربة العسكرية الأمريكية، من خلال الالتزام بتنفيذ بنود المبادرة الروسية الخاصة بتدمير الأسلحة الكيميائية عبر مراحلها المنصوص عليها.
• أن تعي الأطراف العربية خطورة الموقف الراهن والمستقبلي في سوريا، خاصة فيما يتعلق بضرورة ملء الفراغ السياسي، في حالة سقوط نظام بشار، وعدم ترك الساحة مُتاحة أمام التمدد التركي، والإيراني داخل سوريا.
• أهمية إدراك محدودية قدرة تعامل الجامعة العربية مع المشكلة السورية، في ضوء تأييد بعض الدول العربية للمعارضة، ورغبتها في إسقاط نظام بشار، في الوقت الذي يتضامن فيه البعض الآخر معه.
• ضرورة الوضع في الحسبان التأثير الصيني والروسي فى إدارة الأزمة السورية بطريقة صحيحة، وهو ما يُمثل ضغطاً على المعارضة، والولايات المتحدة الأمريكية، ويخلق توازنا بين القوى في المنطقة.
• على مصر إعادة العلاقات مع سوريا بصورة فورية للحفاظ على مصالحها ودورها في المنطقة.
• أن يرتكز التحرك المصري، خلال الفترة الحالية، على الآتي: المطالبة بوقف إطلاق النار من مختلف أطراف الصراع، ووضع خطة عملية مباشرة للتعامل مع الأزمة، لا يتم فيه استبعاد أي طرف من الأطراف، إلا إذا كان متورطاً في أعمال عنف، بالإضافة إلى استثمار علاقتها بروسيا لتخفيف الضغط الأمريكي عليها.