نظرا لأن ما حدث في30 يونيو وتوابعه قد أحدث تغييرا سياسيا جذريا في مصر، حيث تمت إطاحة حكم الإخوان بعد عام واحد فقط قضاه الرئيس مرسي في سدة السلطة، فقد كان لهذا التغيير تداعياته الإقليمية والدولية الكبيرة، وهو ما تجلي بوضوح شديد في مواقف وردود أفعال كثير من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية. وبناء عليه، فإن الهدف من هذه الورقة الموجزة هو رصد، وتحليل، وتقييم أبعاد وخلفيات موقف كل من تركيا وإيران تجاه أحداث 30 يونيو وتوابعها، وتحليل رد الفعل المصري الرسمي والشعبي على ذلك، فضلا عن قراءة انعكاسات وتداعيات كل هذه التطورات والتفاعلات على كل من تركيا وإيران من ناحية، وعلى واقع ومستقبل علاقات مصر مع الدولتين من ناحية أخري.
ونظرا لطبيعة موضوع هذه الورقة، فإنه من المهم التنويه إلى أنها اعتمدت في رصدها لمواقف الأطراف المعنية وردود أفعالها على تصريحات رسمية، نشرت عبر وسائل الإعلام لمسئولين أتراك وإيرانيين ومصريين، وذلك منذ مطلع يوليو حتى منتصف سبتمبر .2013
وثمة ثلاث ملاحظات عامة يتعين أخذها في الحسبان كإطار عام للتفكير في هذا الموضوع:
أولاها: إن مصر دولة رئيسية في المنطقة، ومايحدث داخلها من تحولات وتطورات له تداعياته الآنية والمستقبلية على الصعيدين الإقليمي والدولي. والمشكلة الكبري أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعانيها مصر منذ ثورة 25 يناير قد أثرت سلبا في توجهات وأبعاد سياستها الخارجية، على أساس أن السياسة الخارجية لأية دولة هي، في التحليل الأخير، محصلة لعوامل داخلية، كما أنها تتأثر بدرجة أو بأخري ببعض العوامل المرتبطة بالبيئة الخارجية (الإقليمية والدولية). أضف إلى ذلك أن حالة الانقسام السياسي، والوهن الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي والأمني التي انزلقت إليها البلاد، عقب ثورة 25 يناير، بسبب سوء إدارة مرحلة الانتقال، قد فتحت الباب أمام قوي إقليمية ودولية لتتدخل في الشئون الداخلية لمصر على نحو سافر في بعض الأحيان، حيث تجاوز هذا التدخل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية التي يتوجب مراعاتها في العلاقات بين الدول.
ثانيتها: إن إيران وتركيا قوتان إقليميتان كبيرتان، لكل منهما أهدافها وحساباتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما تتخذ كل منهما من دورها الإقليمي مدخلا لدور عالمي يتجاوز حدود الإقليم. وثمة تنافس معلن وخفي بين الدولتين على الدور والمكانة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة والعالم، وهو ما يتجلي بوضوح في الاستراتيجية الإقليمية لكل منهما، والتي شكلت مصر ما بعد مبارك موقعا مهما فيها، حيث تنافست الدولتان بأساليب مختلفة ودرجات متفاوتة على مصر، وهي تمر بمراحل انتقالية صعبة ومعقدة، قلصت من قدرتها على استعادة دوريها الإقليمي والدولي اللذين تراجعا بشكل كبير في ظل حكم مبارك، فضلا عن جعلها أكثر انكشافا أمام التدخلات الخارجية في شئونها الداخلية.
ثالثتها: بالإضافة إلى العوامل الخارجية (الإقليمية والدولية)، فإن هناك عوامل ومتغيرات داخلية حكمت مواقف وردود أفعال كل من تركيا وإيران تجاه أحداث 30 يونيو في مصر، وما يترتب عليها من تداعيات وآثار سياسية وأمنية، وهذا يؤكد أهمية جدلية الداخل والخارج كمدخل منهاجي يتعين أخذه في الحسبان عند تحليل السياسات الخارجية للدول، سواء على المستوى الدولي، أو على المستويات الإقليمية.
أولا- الموقف التركي ورد الفعل المصري:
تمحورت التصريحات الرسمية لكل من الرئيس التركي، عبد الله جول، ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، تجاه أحداث 30 يونيو وتوابعها حول عدة نقاط، من أبرزها: تأكيد أن عملية عزل مرسي عن السلطة هي انقلاب عسكري على الديمقراطية، وهو أمر مرفوض، ولا يعبر عن الإرادة الشعبية المصرية، حيث إن الرئيس المنتخب لايتم إبعاده إلا من خلال صناديق الانتخاب. وبذلك، تبني النظام التركي موقف جماعة الإخوان المسلمين، وبعض القوي والأحزاب الإسلامية المتعاطفة معها، وهو ما يعني تجاهل حقيقة الحشود الشعبية الضخمة التي خرجت في 30 يونيو، مطالبة برحيل الرئيس.
كما طالب المسئولون الأتراك بضرورة العودة إلى الديمقراطية، بما يعني عودة الرئيس مرسي ومجلس الشورى المنحل. ويؤكد هذا عدم اكتراث السلطات التركية بخريطة المستقبل المصرية الجديدة التي تم الإعلان عنها. ولم يقف المسئولون الأتراك عند حد وصف ماحدث في مصر بأنه انقلاب عسكري مرفوض من جانبهم، بل إن رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، راح يؤكد أن إسرائيل تقف وراء عزل الجيش للرئيس مرسي، وأنها تنسق مع السلطات الجديدة في مصر. وينطوي هذا الأمر على إهانة بالغة للشعب المصري وجيشه الوطني. وإذا كانت كل من مصر وإسرائيل قد رفضتا هذا الأمر، جملة وتفصيلا، فإن اللافت للنظر هو أن واشنطن انتقدته علانية، ناظرة إليه على أنه عدائي وخاطئ ولا أساس له، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء التركي ووزير الخارجية إلى رفض مسلك النقد العلني لبلدهما من قبل دولة حليفة كالولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى إثر قيام أجهزة الأمن المصرية بفض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، صعدت تركيا من حملتها ضد السلطات المصرية، حيث رأي كبار المسئولين الأتراك أن ماحدث بمثابة "مجزرة"، ويمثل "عارا على العروبة والإسلام". ولم يكتفوا بذلك، بل انخرطوا في حملة واسعة من التحريض العلني ضد السلطات المصرية على المستوى الدولي، حيث دعا أردوغان مجلس الأمن إلى ضرورة الانعقاد بشكل عاجل لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف ما رأوه حملة من العنف والقتل تستهدف جماعة الإخوان المسلمين في مصر. كما انتقد مواقف الدول الغربية بسبب تراخيها في التعامل الحاسم مع الأزمة المصرية من وجهة نظره، وهو أمر يتناقض، حسب تصوره، مع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي ترفعها هذه الدول. وقد صب هذا المسلك التركي في اتجاه تدويل الأزمة المصرية، خاصة في ظل تبني أطراف دولية أخري النهج نفسه.
وعلى خلفية ذلك، وبدعوة من فرنسا وبريطانيا واستراليا، عقد مجلس الأمن الدولي في 15 أغسطس 2013 جلسة لمناقشة الأوضاع في مصر، انتهت إلى دعوة جميع الأطراف إلى التخلي عن العنف، والالتزام بأقصي درجات ضبط النفس، مع تسريع خطوات المصالحة السياسية. ورغم أن جلسة المجلس لم تنته إلى اتخاذ أي قرارات ضد مصر، فإن مجرد عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة شأن مصري داخلي بحت هو أمر له دلالته الخطيرة التي يجب ألا تغيب عن اهتمام دوائر صنع القرار في مصر، على أساس أن ذلك يمثل سابقة غير إيجابية بالمرة.
وبالإضافة إلى ماسبق، فقد طالب مسئولون أتراك في مناسبات عديدة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في مصر، وفي مقدمتهم الرئيس محمد مرسي، الأمر الذي ينطوي على استهانة بالغة بالقضاء المصري، حيث إن هناك اتهامات ودعاوي قضائية مرفوعة ضد المعتقلين، الذين يجب أن يحاكموا مع كل من تورط في ارتكاب جرائم، وفق معايير عادلة وشفافة. كما انتقد أردوغان بشكل علني وحاد رجال الدين المصريين الذين أيدوا عزل الرئيس مرسي وخريطة الطريق الجديدة، بمن فيهم شيخ الأزهر، مشيرا إلى أن التاريخ سوف يحاسبهم ويلعنهم، لأنهم حاولوا شرعنة انقلاب عسكري. كما أفسحت السلطات التركية المجال للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين لعقد اجتماعات على أراضيها للتباحث بشأن أزمة الجماعة في مصر.
وإلى جانب هذا الموقف الرسمي، فقد شهدت تركيا بعض التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المتفرقة التي نظمتها بعض الجمعيات والمؤسسات الوقفية والإغاثية التركية، وذلك للإعلان عن رفض إطاحة الرئيس مرسي، من خلال انقلاب عسكري.وجاء رد الفعل المصري على الموقف التركي حادا وسريعا. فعلى المستوى الرسمي، صدرت تصريحات وبيانات شديدة اللهجة عن مؤسسة الرئاسة، ومجلس الوزراء، ووزارة الخارجية، وغيرها من الجهات الرسمية، أكدت بوضوح شديدة رفض وإدانة وشجب الموقف التركي، حيث إنه يمثل تدخلا سافرا وغير مقبول في شئون مصر الداخلية، ويرمي إلى زرع الفتنة، وشق وحدة الصف المصري.
ولم تكتف السلطات المصرية بالتصريحات والبيانات، بل اتخذت خطوات عملية للإعراب عن مدي الاستياء من الموقف التركي، حيث استدعت السفير المصري من أنقرة للتشاور، وفعلت تركيا الشيء نفسه، الأمر الذي كشف عن مدي التوتر في العلاقة بين الدولتين، لاسيما وأن السلطات المصرية أكدت عزمها على اتخاذ خطوات تصعيدية، في حال استمر النظام التركي في ممارسة النهج العدائي نفسه تجاه مصر. ورغم أن تركيا أعادت سفيرها إلى القاهرة في أوائل سبتمبر 2013، فإن السلطات المصرية لم تتخذ خطوة مماثلة، بل علقت عودة السفير المصري إلى تركيا على شرط واضح، وهو توقف المسئولين الأتراك عن التدخل في الشئون الداخلية لمصر. كما قامت السلطات المصرية بإلغاء التدريب البحري المشترك مع تركيا، والذي يحمل اسم "بحر الصداقة"، وكان مقررا عقده خلال الفترة من 21 إلى 28 أكتوبر 2013 في تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد ألغت وزارة الري المصرية سفر وفد من مهندسيها كان متوجها إلى تركيا ضمن أعمال اللجنة القومية للري والصرف.
أما على المستوى الشعبي، فقد قوبل الموقف التركي برفض شعبي واسع، وهو ما تجلي بوضوح في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي نظمت بهدف الإعلان عن الرفض الشعبي للموقف التركي، فضلا عن البيانات والتصريحات المنددة بهذا الموقف، والتي صدرت عن عشرات من الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وكثير من الكتاب والإعلاميين، وأهل الرأي والفكر في مصر. وفي هذا السياق، فقد طالب كثيرون بمقاطعة المنتجات والأعمال الدرامية التركية، فضلا عن عدم الذهاب إلى تركيا بقصد السياحة.
ومن المفارقات أن السلطات التركية، التي انتقدت بشدة لجوء السلطات المصرية إلى استخدام القوة لفض اعتصام الإخوان في ميدان رابعة والنهضة، لم تتردد في استخدام القوة المفرطة لمواجهة تظاهرات واحتجاجات ميدان تقسيم التي سبقت تظاهرات 30 يونيو في مصر، وهو أمر يكشف عن المعايير المزدوجة التي تعتمدها أنقرة في تعاملها مع التطورات في مصر.
وثمة عدة عوامل وحسابات داخلية وخارجية تفسر الموقف الحاد الذي اتخذته السلطات التركية تجاه أحداث 30 يونيو وتوابعها. فقادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مهووسون بخبرة الانقلابات العسكرية في بلادهم، وبالتالي يتخوفون من عودة الجيش التركي إلى ممارسة دور سياسي اعتاده في السابق، خاصة في ظل احتمالات تكرار تظاهرات شعبية حاشدة، على غرار تظاهرات ميدان تقسيم، بحيث تحظي بدعم الجيش التركي على نحو ما حدث في مصر. وبلغة أخرى، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية لاتريد لعدوي التغيير السياسي، من خلال الحراك الشعبي المدعوم من قبل الجيش، أن تنتقل إلى تركيا. ومن المعروف أن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت قد أجرت في فترات سابقة تعديلات دستورية وقانونية، غايتها منع الجيش التركي من العودة إلى ساحة العمل السياسي مجددا تحت أي مبررات دستورية وقانونية.
كما أن فشل تجربة الإخوان في حكم مصر سوف يلقي بظلال سلبية على فرص وإمكانات نجاح الإخوان في أية دولة عربية أخرى، وهو أمر له مردوده السلبي على النموذج التركي الذي يروج له قادة حزب العدالة والتنمية، حيث يطرحون تجربة الحزب في الحكم على أنها النموذج الذي يجب أن تقتديه تجارب الحكم الإسلامي في بعض الدول العربية، بحسبانه يجسد التوافق بين الإسلام والديمقراطية، والفاعلية في إدارة شئون الدولة، فضلا عن تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية ملموسة.
وبالإضافة إلى ماسبق، فإن إقصاء الرئيس مرسي عن السلطة في مصر قد أحبط طموحات زعماء حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في القيام بدور قيادي في الشرق الأوسط عبر مرتكزات عديدة، أهمها تولي قوي وأحزاب إسلامية مقاليد السلطة في دول عربية مثل مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، وغيرها. ومن هنا، فإن فشل الإخوان في حكم مصر، وإقصاء مرسي عن السلطة، يمثلان بمعني من المعاني خسارة استراتيجية لتركيا.
ثانيا- الموقف الإيراني ورد الفعل المصري:
بعد قطيعة دامت لأكثر من ثلاثين عاما، شهدت العلاقات المصرية - الإيرانية انفراجة ملحوظة مع تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد السلطة في مصر، وهو ما تجلي في الزيارات المتبادلة بين مسئولي البلدين، بمن في ذلك الرئيسان، حيث زار الرئيس مرسي إيران، في إطار قمة عدم الانحياز التي عقدت في طهران في أغسطس 2012، وزار الرئيس أحمدي نجاد مصر، في إطار القمة الإسلامية التي عقدت في القاهرة في أبريل .2013 كما تم تسيير رحلات جوية بين القاهرة وطهران، وجري توقيع اتفاقية للتعاون السياحي بين البلدين، تم بموجبها فتح الباب أمام السياح الإيرانيين لزيارة مصر، رغم الرفض الشديد من قبل السلفيين لهذه الخطوة.
وإذا كانت طهران قد راهنت على أن الرئيس مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين سوف يمهد الطريق لتقوية أواصر العلاقات بين البلدين، وأنه سوف يتخذ موقفا أكثر تشددا تجاه إسرائيل، يمكن أن يصل إلى حد إلغاء معاهدة السلام معها، وتشكيل جبهة قوية مع إيران بهذا الخصوص، فإن سياسات نظام مرسي وممارساته أكدت أن الرهان الإيراني لم يكن في محله، حيث إن سياسة مرسي تجاه إسرائيل لم تختلف كثيرا عن سياسة سلفه. وأكثر من هذا، فإنه تبني موقفا مناقضا للموقف الإيراني تجاه النظام السوري، حيث طالب برحيله، بل وقام بقطع العلاقات المصرية مع دمشق. كما أكد علانية تقديم الدعم والمساندة للمعارضة السورية، وبذلك أصبح الموقف المصري متوافقا مع موقف واشنطن بهذا الخصوص. وعلى خلفية هذه التطورات، يمكن فهم وتحليل موقف طهران من أحدات 30 يونيو وتوابعها.
وإذا كان الموقف التركي قد اتسم بالحدة والوضوح والاستمرارية، على نحو ما سبق ذكره، فإن موقف طهران اتسم بحالة من التذبذب، مع الحرص بشكل عام على عدم إثارة خلافات مع السلطة الجديدة في مصر. ويلاحظ أن وزارة الخارجية الإيرانية كانت الأكثر انخراطا في التعبير عن الموقف السياسي الرسمي لإيران تجاه التطورات في مصر، وذلك عبر تصريحات لوزير الخارجية، على أكبر صالحي، ومساعده والمتحدث الرسمي باسم الوزراة. فعلى إثر تظاهرات 30 يونيو، وقبيل إطاحة الرئيس مرسي في 3 يوليو، عبرت طهران عن قلقها من جراء تصاعد أعمال العنف في مصر، وأكدت ضرورة الإنصات لصوت الشعب، والاستجابة لمطالبه المشروعة من أجل الحفاظ على أمن مصر واستقرارها. كما أعربت عن ثقتها في الجيش المصري الوطني، وطالبت المصريين بضرورة اليقظة والحذر حيال المخططات والمؤامرات الخارجية.
وعلى إثر الإطاحة الرئيس مرسي، انتقدت طهران - على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية - هذه الخطوة، رائية أن ديمقراطية الشارع غير جيدة، وأن تدخل العسكر في السياسة، وقيامهم بتغيير الحكومات هو عمل غير مقبول. كما طالبت أنصار الرئيس مرسي بمواصلة مساعيهم من أجل إعادته إلى السلطة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد راحت تحشد من همم القوي الإسلامية والثورية، مؤكدة أن ما حدث يجب ألا يكون مبعث يأس وإحباط لها.
وقد جاء رد الفعل المصري على الموقف الإيراني قويا، حيث استنكرت الخارجية المصرية هذا الموقف، رائية إياه تدخلا غير مقبول في الشئون الداخلية، كما أكدت أنه يكشف عن محدودية معرفة المسئولين الإيرانيين بحقيقة ما يجري في مصر، وطالبت المسئولين الإيرانيين بالتركيز على ما تواجهه بلادهم من تحديات داخلية وخارجية، بدلا من التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.
وعلى إثر ذلك، بادرت طهران بتبني لغة مختلفة بشأن ما يحدث في مصر، حيث صدرت تصريحات عن وزير الخارجية الإيراني والمتحدث باسم الوزراة، انطوت على نغمة تهدئة واضحة، حيث تمحورت حول على عدة نقاط، منها: أن مصر دولة محورية، ولها دور مؤثر في المنطقة، وأن الشعب المصري هو صاحب الحق في تحديد مصير بلاده، وأن الجيش المصري جيش وطني، فضلا عن دعوة المصريين للحوار والمصالحة الوطنية من أجل الخروج من الأزمة.
وعقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، بادرت طهران بإدانة ما حدث، وحذرت من احتمال انزلاق مصر إلى حرب أهلية، ولكنها دعت في الوقت نفسه جميع الأطراف إلى ضبط النفس، والانخراط في الحوار من أجل إنهاء الأزمة، ولم تنخرط طهران في حملة تحريض ضد السلطات المصرية على غرار ما فعلت تركيا، بل سرعان ما طوت هذه الصفحة.
وهناك عدة عوامل حكمت الموقف الإيراني تجاه أحداث 30 يونيو وتداعياتها، منها: وصول المرشح الإصلاحي، حسن روحاني، إلى سدة السلطة في إيران، ومعروف عن الإصلاحيين الإيرانيين أنهم يتسمون بقدر من المرونة والانفتاح، ودرجة من البرجماتية، وتجنب المواقف المتصلبة، مقارنة بالمحافظين. كما أن رهانات طهران بشأن قدرة نظام مرسي على تطبيع العلاقات بين البلدين، والتنسيق بشأن القضايا الإقليمية، لم تكن في محلها، على نحو ما سبق ذكره.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن حرص السلطات الإيرانية على تجنب اتخاذ مواقف حادة تجاه السلطات الجديدة في مصر كان في جانب منه مدفوعا بالرغبة في إبقاء الباب مفتوحا أمام احتمالات عودة العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التحديات الكبري التي تواجه إيران، وحالة العزلة النسبية التي تعانيها على المستوى الدولي، ناهيك عن المستجدات والتعقيدات المرتبطة بالأزمة السورية. وفي هذا السياق، يمكن فهم حالة التذبذب التي ميزت الموقف الإيراني من أحداث 30 يونيو وتوابعها، مقارنة بالموقف التركي، حيث حرصت طهران على التهدئة مع القاهرة، عبر التراجع بشكل سريع عن بعض التصريحات والمواقف الحادة، فضلا عن التسليم بالأمر الواقع، وطي ملف حكم الإخوان في مصر.
ثالثا- تداعيات 30 يونيو على علاقات مصر بتركيا وإيران:
على الرغم من ضعف احتمال تكرار سيناريو 30 يونيو وتوابعه في تركيا، خلال المستقبل المنظور، فإنه غير مستبعد، خاصة في ظل الشروخ التي أصابت النموذج التركي من جراء أحداث ميدان تقسيم وتداعياتها، لاسيما وأن هذه الأحداث قد أكدت في جانب منها أن الصراع حول هوية الدولة التركية لا يزال قائما.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من المرجح أن يتراجع الدور التركي في المنطقة بشكل واضح خلال الأجلين القصير والمتوسط على الاقل، حيث إن فرص تولي أحزاب إسلامية مقاليد السلطة في عدد من الدول العربية أصبحت صعبة، بعد فشل الجماعة الأم في مصر. كما أن انحياز أنقرة الواضح إلى دعم الجماعات والأحزاب الإسلامية، على حساب القوي والتيارات السياسية الأخرى في عديد من الدول العربية، جعلها تفقد دورها كوسيط مقبول قادر على الإسهام في حل الصراعات، وتحقيق المصالحات الوطنية. أضف إلى ذلك أن خسارة تركيا لدولة عربية مهمة بوزن مصر سوف تلقي بظلال سلبية على استراتيجيتها الإقليمية، خاصة في ظل تغير التحالفات في الإقليم، على نحو ما سيأتي ذكره.
أما بالنسبة لإيران، فالأرجح أنها سوف تتأثر سلبا جراء أحداث30 يونيو وتوابعها، وذلك بسبب تغير خريطة التحالفات في المنطقة. فمقابل موقف كل من تركيا، وإلى حد ما إيران، تجاه التطورات في مصر، برز على الجانب دور السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي (عدا قطر) والأردن في دعم السلطة الجديدة في مصر، وهو دعم تجاوز الأقوال إلى الأفعال، حيث قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والكويت دعما اقتصاديا وماليا كبيرا لمصر. وفي هذا السياق، يري البعض أنه من غير المستبعد أن يتم إحياء محور الاعتدال العربي بشكل أو بآخر، خاصة في ظل تزايد الحديث عن استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وإذا كانت العلاقات المصرية - التركية سوف تظل أسيرة لبعض الوقت لعقدة موقف تركيا من أحداث 30 يونيو، وعملية عزل الرئيس مرسي، فإن العلاقات المصرية - الإيرانية سوف تتأثر، بدرجة أو بأخرى، بملفات إقليمية مهمة على صلة بمسألة أمن الخليج، وتدخلات إيران في الشئون الداخلية للدول الخليجية، خاصة في ظل النقلة النوعية التي شهدتها علاقات هذه الدول مع مصر، بعد إزاحة مرسي عن السلطة. وكل ذلك وغيره يشير إلى أن مستقبل العلاقات المصرية - الإيرانية يتوقف في جانب مهم منه على حدود التغيير في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه مصر ما بعد مرسي، وكذلك تجاه عدد من القضايا والملفات العربية المحورية.
وفي الختام، يمكن القول: إن الأوضاع الداخلية في مصر سوف تبقي المحدد الرئيسي لعلاقاتها الخارجية، بما في ذلك علاقاتها مع كل من تركيا وإيران. فإعادة الأمن والاستقرارإلى مصر، والتحرك بخطوات ثابتة على طريق الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية، سوف يعززان من قدرتها على استعادة دورها الإقليمي والدولي، وبناء علاقاتها الإقليمية والدولية على أسس من الندية، تصون الاستقلال الوطني، وتحقق المصالح الوطنية. أما إذا تعثرت في تحقيق ذلك، فسوف تظل مجالا مفتوحا لتدخلات الآخرين، وساحة لتنافسهم، وليس منافسا لهم على الدور والمكانة في الإقليم.فهل سترتفع النخب السياسية المصرية إلى مستوى المسئولية الوطنية على نحو يحقق أهداف ثورة يناير، وما تبعها من موجات ثورية في الحرية، والعدالة، والديمقراطية، والتنمية على المستوى الداخلي، وصيانة الاستقلال الوطني، والتحرر من قيود التبعية، والتدخلات الأجنبية على المستوى الخارجي.هذا هو التحدي الكبير الذي تواجهه مصر في الوقت الراهن.