. وكانت البحرين قد استقبلت في مايو 2012 رئيسة وزراء تايلاند السيدة "إينلوك شيناواترا"، وقبلها في فبراير 2009 رئيسة جمهورية الفلبين السابقة "جلوريا أرويو" اللتين قامتا بزيارتين رسميتين غير مسبوقتين.
من جانب آخر، قام العاهل البحريني بزيارة رسمية إلى تايلاند في 2013، سبقتها زيارة رسمية في 2012 إلى اليابان. كما قام رئيس حكومته بزيارات رسمية إلى الصين في 2002، وإلى الهند في 2003، ناهيك عن زياراته المتكررة لتايلاند، إلى ذلك قام ولي عهد البحرين بزيارات رسمية إلى كل من اليابان وسنغافورة في 2008، وبزيارتين إلى الهند في عامي 2007 و2008، وزيارة رسمية إلى كوريا الجنوبية في 2012.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الاتصالات على أعلى المستويات تهدف إلى تعزيز علاقات البحرين بالدول الكبرى والأمم الصاعدة في القارة الآسيوية التي لطالما ناشدنا أصحاب القرار العرب بضرورة الالتفاف إليها، والاقتباس من تجاربها الوضاءة في مختلف المجالات، والاستفادة من إمكانياتها الكبيرة في الارتقاء بأوضاعنا على مختلف الصعد.
مما لا شك فيه أيضاً أن الزيارة المرتقبة للعاهل البحريني إلى الصين هي حلقة في سلسلة الاتصالات البحرينية ــ الآسيوية المتواصلة، وتستهدف إطلاق العلاقات البحرينية ــ الصينية نحو آفاق أرحب، وتعزيز التعاون المشترك بصورة تعود بالنفع على شعبي البلدين الصديقين، خصوصاً وأن صين اليوم ليست كصين الأمس، بمعنى أنها أصبحت ــ منذ انفتاحها الاقتصادي، وتبنيها سياسات خارجية براجماتية ــ دولة مهابة الجانب، وصاحبة كلمة في الشأن الدولي ومكانة سياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية على الساحة العالمية، بدليل تحقيقها معجزة ملفتة للنظر تمثلت في حلولها ثانية بين اقتصاديات العالم بحصة 7.3 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي.
إذا تجاوزنا روابط البحرين بالصين في العصور القديمة، زمن طريقي الحرير والبخور اللذين كانا ينطلقان من المدن والمرافئ الصينية في آسيا الوسطى نحو بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر عبر مضيق هرمز مروراً بموانئ مملكتي "دلمون" البحرينية و"ماجان" العُمانية، فإن روابطهما في العصر الحديث لم تدشن رسمياً إلا في أبريل 1989 حينما قررا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تبعها افتتاح البحرين لسفارة لها في بكين (مع تعيين حسين راشد الصباغ كأول سفير بحريني في الصين)، وافتتاح الصين سفارة لها في المنامة في العام نفسه، وقيام وزير الخارجية البحريني آنذاك الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة في العام التالي بأول زيارة لمسؤول بحريني للصين، وقيام نظيره الصيني "تشيان تشي تشن" برد الزيارة في 1990.
وهكذا فمنذ 1989 راحت علاقات البلدين تتجذر وتتوطد في مختلف الميادين، من بعد سنوات من التنافر بسبب سياسات الصين الراديكالية تجاه منطقة الخليج العربي. كما شهدت الفترة اللاحقة لإقامة العلاقات الدبلوماسية توقيع سلسلة من الاتفاقيات بين البلدين حول التعاون الاقتصادي والتجاري والفني، وتشجيع وحماية الاستثمار، وتجنب الازدواج الضريبي، والتشاور السياسي بين وزارتي خارجية البلدين.
وكان من ثمار هذه التطورات أن ارتبط البلدان بعلاقات تجارية واقتصادية قوية نجد تجلياتها في احتلال الصين موقعا متقدما بين الشركاء التجاريين للبحرين فيما يخص الواردات من العالم. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2012 مثلا 1.55 مليار دولار مقارنة بحوالي 1.2 مليار دولار في 2011. وشملت الصادرات البحرينية إلى الصين والتي بلغت قيمتها 350 مليون دولار الألمنيوم والحديد والبتروكيماويات، فيما تضمنت الصادرات الصينية إلى البحرين والتي بلغت قيمتها الإجمالية 1.2 مليار دولار الأجهزة الإلكترونية ومعدات وأدوات البناء والإطارات والملابس والأغذية والأثاث المنزلي، وغيرها من البضائع. ومن التجليات الأخرى قيام "شركة ديار المحرق" البحرينية المعنية بإقامة مشروع إسكاني ضخم في أقصى شمال البحرين بتوقيع اتفاقية مع "شركة تشاينا ماكس" الصينية لإدارة مجمع تجاري صيني سيقام في المنطقة المذكورة على شكل مدينة صينية بمساحة مليون قدم مربعة، لاستضافة نحو 250 مصنعاً صينياً وتوفير نحو 65 ألف متر مربع للإيجار.
ولئن كانت البحرين مهتمة بتعزيز علاقاتها بالصين بسبب المكانة السياسية والاقتصادية والاستثمارية المرموقة للأخيرة، فإن الصين من جانبها مهتمة أيضاً بتوثيق تلك العلاقات. فالبحرين جزء من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي التي يحرص الصينيون على أمنها واستقرارها وأبعادها عن آتون الفوضى بسبب اعتمادهم على مخزونها الضخم من النفط والغاز. حيث يتوقع أن تستورد الصين في 2015 نحو 65 في المئة من حاجتها من الطاقة من دول الخليج العربية، ناهيك عن حاجتهم لأسواق الخليج من أجل تصريف بضائعهم، حيث إن السعودية والإمارات والبحرين هي ثالث ورابع وخامس أكبر الأسواق المستقبلة للبضائع الصينية على التوالي.
والبحرين بالنسبة للصينيين، من ناحية أخرى، بوابتهم للاستثمار في منطقة الخليج لعدة عوامل مثل موقعها الجغرافي المتميز في قلب الخليج، وتنوع مجتمعها ثقافياً وحضارياً، وامتلاكها بنية تحتية ولوجيستية ممتازة وخدمات مصرفية راقية فضلاً عن امتلاكها لجيش من الشباب المتعلم والمؤهل.
سياسياً يتبنى الجانبان مواقف متطابقة من القضايا الإقليمية والدولية، فموقفها مثلًا متطابق لجهة إبعاد منطقة الخليج عن الأزمات والصراعات، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها، وفي امتداداتها في بحر العرب والمحيط الهندي، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وتعزيز العلاقات البينية بين مختلف دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والتكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مع تكثيف التبادل الاقتصادي والتجاري الهادف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة وقواعد العلاقات الدولية المتعارف عليها، والمثابرة على دمقرطة العلاقات الدولية منعا لتغول القوى العظمى الغربية واختراقها للسيادة الوطنية للدول الصغيرة.
إلى ذلك يشترك الطرفان في الدعوة إلى حوار الحضارات ويعارضان المجابهة فيما بينها، خصوصاً أنهما ينتميان إلى حضارتين عريقتين وموغلتين في القدم هما الحضارة الصينية والحضارة العربية ذات الإسهامات العديدة في تاريخ البشرية.
-----------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد ، 8/9/2013