التصريحات المتناغمة التي تصدر عن المسؤولين في العواصم الغربية، والبيانات الأميركية، إضافة إلى المكانة التي بات يحتلها هذا النقاش في وسائل الإعلام... تُظهر جميعها أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من تدخل عسكري وشيك ضد سوريا في وقت بات يُنظر فيه إلى هذا الأخير باعتباره ضرورياً من قبل هؤلاء المسؤولين، الذين يرون أن استعمال أسلحة كيماوية من قبل نظام بشار أمر ثابت لا يمكن إنكاره. وعليه، فيبدو من الواضح أن المناخ الحالي يؤشر إلى تدخل عسكري وشيك، وخاصة أنه إذا لم يتم القيام بأي شيء بعد كل هذه التصريحات، فإن البلدان الغربية وزعماءها سيفقدون كل مصداقيتهم. والحال أنهم هم الذين وضعوا أنفسهم في وضع من سيقوم بعمل ما، فحرقوا بذلك سفنهم وقضوا على كل فرصة للتراجع من خلال تصريحاتهم الحربية.
غير أنه لا مجال هنا لتدخل عسكري كبير أو أرضي على غرار ذاك الذي تعرض له العراق في 2003 (والذي كان فيه التحرك مسبوقاً بعمليات جوية أيضاً). كما أنه لا مجال لتدخل جوي على غرار ذاك الذي تم في ليبيا، وهو التدخل الذي دام، للتذكير، 7 أشهر بين بداية العملية العسكرية الفرنسية- البريطانية المدعومة من قبل الولايات المتحدة ضد القذافي وإسقاطه. ذلك أننا نعرف متى تبدأ الحروب، ولكننا لا نعرف متى تنتهي.
وبالمقابل، فإن السيناريو الأرجح لتدخل عسكري غربي في سوريا اليوم يتمثل في ضربات انطلاقاً من صواريخ تُطلق عن بعد، أو حتى ضربات جوية بواسطة طائرات حربية ربما. غير أنه حتى في هذه الحالة هناك مشكلة، وذلك على اعتبار أن الدفاع الجوي لبشار أقوى بكل وضوح مقارنةً مع الدفاع الجوي الذي كان يملكه القذافي. ولذلك، فإن فرضية توجيه ضربات انتقائية انطلاقاً من مواقع في محيط سوريا تبدو هي الأرجح على ما يبدو، وذلك من خلال صواريخ تطلق من بعد.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا سيحدث بعد الانتهاء من هذه العملية؟ الواقع أن هذه الضربات يمكن أن تُضعف القدرات العسكرية لنظام بشار دون شك، إلا أنها لن تؤدي إلى إسقاطه، وهو ما لن يكون كافياً إذن. لكن الهدف، مثلما أعلن الرئيس الفرنسي في خطاب حول السياسة الخارجية لبلاده أمام سفراء فرنسا المجتمعين في باريس الثلاثاء الماضي، هو «معاقبة» بشار على استعمال الأسلحة الكيماوية، وليس إسقاط النظام.
في هذه الأثناء، يؤكد الغربيون أنهم يمتلكون حججاً دامغة وأدلة قاطعة على أن نظام دمشق قام باستعمال أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية بريف دمشق في الحادي والعشرين من أغسطس، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل المئات من المدنيين. غير أن الرئيس الأميركي نفسه يتحدث عن جو من الذكريات السيئة تجاه الأميركيين في المنطقة، وذلك نظراً لأن الأميركيين سبق لهم أن كذبوا في مناسبات عديدة. ذلك أن الكثيرين مازالوا يتذكرون السابقة التي وقعت في غزو العراق عام 2003 عندما كان يفترض بالغربيين إيجاد أسلحة دمار شامل في العراق، ولكنهم لم يعثروا عليها أبداً لأنها لم تكن موجودة أصلاً. ولذلك، هناك تشكك كبير داخل جزء من الرأي العام في المنطقة اليوم. وبناء عليه، فإذا ثبت وجود هذه الأدلة الدامغة بالفعل، فسيكون من الحكمة إظهارها بطريقة تبدد كل الشكوك، ذلك أن التدخل الغربي في سوريا سيقابل بالانتقاد في جميع الأحوال، ولكنه سيُنتقد بشكل أقل إذا تم في إطار من الشفافية بالنظر إلى السوابق التاريخية.
ولعله من المفيد أيضاً التذكير هنا بأنه إذا كانت روسيا تضع العصي في العجلات، فلأنه جرى تغيير هدف المهمة العسكرية في ليبيا في وقت لاحق من التدخل، حيث قامت البلدان المشاركة في العملية، التي انطلقت بعد ضوء أخضر ضمني من الروس نظراً لأنهم امتنعوا عن التصويت على القرار 1973 وحقيقة حماية السكان - بتغيير هدف المهمة من حماية المدنيين إلى تغيير النظام. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن السوريين اليوم يدفعون ثمن ما حدث في ليبيا قبل عامين.
وعليه، فإذا كانت هذه الأدلة الدامغة، التي تثبت استعمال النظام السوري للأسلحة الكيماوية موجودة بالفعل، فلا بد من الكشف عنها وإظهارها، وخاصة بالنسبة للروس حتى يغيِّروا موقفهم الرافض في نهاية المطاف، كما ينبغي إظهارها كذلك للرأي العام العالمي، وهو ما من شأنه أن يساهم في إضفاء قدر أكبر من الشرعية على هذا التدخل العسكري، ولاسيما في حال تم خارج الإطار القانوني لمجلس الأمن الدولي، مثلما سيكون عليه الحال على الأرجح.
غير أن سؤال إدارة الأمن الجماعي سيظل مطروحاً في المستقبل: فكيف يمكن تجنب الوقوع في فخ الاختيار بين الحرب غير القانونية (في حالة جمود في مجلس الأمن الدولي) وعدم تحرك المجتمع الدولي أمام جرائم ضد الإنسانية؟
----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد 1/9/2013.
باسكال بونيفاس
مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس