بدأت إسرائيل للتو مجددا محادثات سلام مع الفلسطينيين تتوسط فيها الولايات المتحدة. حدثني زئيف إلكين نائب وزير الخارجية الإسرائيلي وأحد أعضاء حزب الليكود المنتمي إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل مباشر قائلا: «نتنياهو عدل عن رأيه. كان الأمر أشبه بثورة؛ قبل عشر سنوات، كان مسؤولا عن قرار حزبنا ضد تطبيق حل الدولتين».
ويواصل قائلا: «ثمة خلاف كبير بينه وبيننا في هذا الصدد. أحترم موقفه، وهو يحترم موقفي. وما موقف إلكين إزاء إقامة دولتين لشعبين؟ الآن، لا أثق في هذا».
يلقى نتنياهو معارضة من حزبه. يعارضه الرجل الذي يشغل فعليا منصب وزير خارجيته، ويعارضه أعضاء بارزون في حكومته، من بينهم وزير الاقتصاد نفتالي بنيت.
وافقت إسرائيل للتو على إطلاق سراح أكثر من 100 معتقل فلسطيني، كإشارة دالة على حسن النية. ويقول إلكين إنه ليس بمقدوره استيعاب كيف يمكن أن يكون «تحرير إرهابيين وقتلة أياديهم ملطخة بالدماء أمرا مفيد للسلام»، بينما يعد «بناء روضة أطفال في يهودا والسامرة أمرا ضارا بالسلام». ويشار إلى الضفة الغربية باسم يهودا والسامرة، من قبل قوميين دينيين وآخرين ملتزمين بفكرة امتلاك كل أرض إسرائيل.
تأتي لفتة حسن النية مع إشارة صحيفة «إسرائيل اليوم» إلى أنه «في يوم 1 يوليو (تموز)، بلغ عدد السكان الإسرائيليين اليهود في يهودا والسامرة 367 ألفا. في النصف الأول من عام 2013، أضيف قرابة 7700 ساكن جديد. ويمثل هذا العدد، مثلما هو مشار، زيادة نسبتها 2.12 في المائة في السكان في فترة ستة أشهر».
من ثم، يبدو أنه في هذا العام، كان معدل نمو السكان أسرع في مستوطنات الضفة الغربية عنه في بقية أنحاء إسرائيل.
هل تبدو لفتات حسن النية والتوسع في بناء المستوطنات منطقية؟ عادة ما تبدو شخصية إسرائيل منقسمة. إن ازدهارها ورخاءها يتجلى بهدوء ويختفي قلقها. أستمع لأصدقاء هنا، على غرار شخصية فاوست لغوتا، يبدو أن ثمة روحين تتصارعان داخلهم.
سيكون ياكوف مكوني الإسرائيلي الليبرالي رفيقي التخيلي، الذي يقضي قسطا كبيرا من أسبوعه في العمل بمشروع تجاري ضخم في تركيا (لا تصدق ما تقرأه في الصحف)، بينما يعكف على تطوير التطبيق القاتل الذي سيصنع ثروته في وقت فراغه. يتأرجح حواره الداخلي بشكل جامح ما بين الثقة والقلق.
«لقد بعنا للتو (ويز)، تطبيق التصفح الخاص بالهواتف الذكية الذي يساعدك في التغلب على الازدحام المروري، مقابل أكثر من مليار دولار لشركة «غوغل»، والآن، تدفع شركة «إيه أو إل» مبلغا قيمته 405 ملايين دولار مقابل منتج آخر يجسد العبقرية الإسرائيلية، هو (Adap.tv)، ولا تسألني ما وظيفته. عليك بالتطلع إلى أفق تل أبيب. أترى طيور الكركي؟ هذا المكان هو أرض الازدهار يا رجل. الفرنسيون يصلون بسرعة. إنهم حتى يحبون نبيذنا!».
بعدها، ينبعث صوت أكثر غموضا.. «استيقظت في حالة فزع شديد. نحن منعزلون! إنها القصة القديمة نفسها. يلقى اللوم على اليهود في كل شيء. أعلم أننا لسنا بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن ماذا عن قطع تمويل الاتحاد الأوروبي عن المؤسسات القائمة، أو التي تعمل على الخط الأخضر؟ تحدث عن استباق إحدى جلسات المفاوضات، الأمر لا يبدو وكأننا نعرف موضع الحد بعد. وستيفن هوكينغ يلغي ظهوره بالمؤتمر الرئاسي الإسرائيلي. أعني أن العرب يكرهوننا، حسنا. الأتراك يتظاهرون بكراهيتنا، والإيرانيون يبذلون قصارى جهدهم من أجل كراهيتنا. حسنا، ولكننا جزء من الغرب، من أوروبا، لا يمكنهم كراهية اليهود (مجددا)، هذا ليس بأمر جيد».
تعتبر التقلبات المزاجية لياكوف هي الأكثر حدة على مدار النزاع. يقول صوت: «أؤيد بقوة عملية السلام، ما دامت لا تفضي إلى حل. قد يكون الحل مثيرا للمشكلات. عليك بتقديمه إلى نتنياهو، ببدء عملية السلام، صنع السلام. مع أوباما! هل أقبل فكرة الدولتين؟ نعم، أقبلها. هل أرغب في دولتين؟ ذلك سؤال مختلف...».
عند هذا الموضع، سيرتفع صوت غاضب: «بالطبع أنت لا ترغب في دولتين. انظر ماذا حدث عندما انسحبنا من جنوب لبنان؛ أرض حزب الله! وعندما انسحبنا من غزة؛ أرض حماس! هل هذا ما تريدونه في يهودا والسامرة؟ أترغبون أن تفجر الصواريخ أطفالنا؟ عرض أولمرت كل شيء، ومع هذا، رفضوه. أترغبون في تقسيم القدس؟».
في أعماق ياكوف، يوجد ليبرالي إسرائيلي أشكينازي، تلك السلالة المحتضرة. إنه يعلم أن اليهود لن يرحلوا، وكذلك الفلسطينيون. وهو يثق في أن اليهود لم يغادروا الغيتو الأوروبي لبناء الجدران. إن اليهود لم يبزغوا من ألفية المنفى ليفرضوا النفي على شعب آخر، ولم يفروا من الهيمنة ليفرضوا الهيمنة. لكنه يؤمن باحتمال تحقق السلام عبر تسوية أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة. يقول صوت العقل لديه: «الوضع الراهن غير دائم».
ويوبخه صوت آخر معارض، قائلا: «أتفضل سوريا؟ أتفضل مصر؟ إن (نزاعنا) ملاذ لاستقرار الشرق الأوسط».
يفحص ياكوف تطبيق «ويز»، الذي يعتبر نتاج العبقرية الإسرائيلية. يعرض مشكلات المرور بشكل مسبق؛ الاختناقات المرورية وإصلاحات الطرق والحوادث المروعة.
إنه يرغب في الوسيلة الأسرع والأكثر سلمية. ولكن بالطبع يتطلب هذا أكثر الأمور إثارة للحيرة، ألا وهو الاتفاق على ماهية الوطن اليهودي.
------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الثلاثاء 12/8/2013.