عندما حذرت واشنطن موسكو الأسبوع الماضي من أنها تعرض مصالح روسيا الأساسية في الشرق الأوسط للمخاطر، في حالة ما إذا لم تتخذ إجراء «أكثر إيجابية على الفور» بشأن سوريا، لم يكن بإمكانك أن تعيب على فلاديمير بوتين احتمال تفكيره في أن بإمكانه التعبير عن اعتراضه بصراحة.
هنا، كانت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، تتهم الروس بإرسال مروحيات هجومية إلى قتلة الشعب السوري من الجيش النظامي. دعت كلينتون روسيا إلى وقف إمداد سوريا بالمروحيات، وأحد أسباب ذلك هو أن التبعات الحقيقية، إن وجدت، غير واضحة - حيث استعد بوتين وباراك أوباما للحديث عن مستقبل سوريا في اجتماع قمة مجموعة العشرين يومي الاثنين والثلاثاء في المكسيك.
ويعتبر لقاؤهما هو أول تواصل جاد من أجل التغيير يتعلق بقضية الأهمية الاستراتيجية الكبيرة والدلالة الأخلاقية. بعد 15 شهرا من القتال والأعمال الوحشية والسخط والاستياء والجبن، أصبح النزاع على شفا اتخاذ قرارات يدخل في نطاقها التدخل المباشر من الغرب أو صور محرجة من الاستهجان أو دور أكبر من جانب الشرق الأوسط بشأن روسيا أو عرقلة روسيا المشينة لجهود الأمم المتحدة طويلة المدى.
لكن أي قرارات؟ لننظر في ما حدث حتى الآن: من جانب أوباما، كانت هناك حالة من الجمود. قارن ذلك بدعم بوتين لديكتاتور قتل 13000 شخص من شعبه حتى الآن، وموقف الرئيس الروسي كمزود لبشار الأسد بالأسلحة ومحرض على استخدام حق نقض قرارات مجلس الأمن مرتين، الأمر الذي ترك الأمم المتحدة في حالة من العجز عن اتخاذ أي إجراء.
لذلك، لنفترض أن النقاط التالية تجسد عدم حزم الغرب بوصفه مفهوما بالنسبة لبوتين:
1) سحبت الولايات المتحدة وحلفاؤها مشروع قرار مجلس الأمن الذي يطالب بفرض حظر على شحن الأسلحة إلى سوريا.
2) قامت أميركا وشركاؤها من حلف شمال الأطلسي بإخفاء تهديد عام من جانب روسيا بالهجوم على مواقع دفاعهم الصاروخية المستقبلية في أوروبا.
3) ثمة فجوة في حالة الغضب المتعلقة بتدخل روسيا في الشأن السوري بين الرئيس الأميركي ووزيرة الخارجية.
لا يتطلب الأمر شخصا يتمتع بقدرات بوتين التحليلية الحصيفة لملاحظة أنه عندما أشارت سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إلى أن الأشياء تسير باتجاه النقطة التي يمكن أن يدرس فيها اقتراح اتخاذ إجراء من دون تفويض رسمي من مجلس الأمن، انتقدها بعنف وزير الدفاع، ليون بانيتا، المتحدث شبه الرسمي باسم البيت الأبيض، والذي قال إنه لا يمكنه تصور تدخل عسكري من دون دعم الأمم المتحدة.
من المؤكد أيضا أن بوتين قد لاحظ أنه في عام انتخابات رئاسية، لا يرغب أوباما في إدارة مواجهة مع روسيا بشأن دورها كشريك واضح في المذبحة الدائرة في سوريا. فربما يؤدي هذا إلى فقدان الناخبين الثقة في رؤية المرشح الإيجابية المستمرة لروسيا.
هذا هو السياق الذي أعدته أميركا والذي صورت روسيا فيه بوصفها المحور الرئيسي غير القابل للجدال في التوصل إلى حل سوري وأنها تلعب دورا استراتيجيا مدعما للأسد في الشرق الأوسط. وهو أيضا محور الاجتماع بين أوباما وبوتين. إلا أن الحقيقة تشير إلى أن أيا منهما لن يطرح فكرة إجراء استفتاء للشعب السوري للوقوف على ما إذا كانوا يرغبون في أن تمنح الدولة الحامية للحاكم المستبد تصريحا بالتدخل على المدى الطويل وكذلك في بقاء الوجود العسكري الروسي في بلدهم كتعويض عن تعزيز رحيل الأسد.
في الوقت نفسه، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى احتمالية إجراء ترتيب من هذا النوع. وقد استشهدت بقول لمسؤول أميركي يشير فيه إلى أن روسيا قد اطمأنت. وقال: «اهتمامنا ينصب على استقرار الوضع، لا القضاء على التأثير الروسي». ومن شأن هذا الاتفاق أن يوطد موقع روسيا كشريك يعتمد عليه للدولة الجارة إيران وأن يقوي عزائم الملالي. إضافة إلى ذلك، فإنه سيثبت لحلفاء أميركا في منطقة الخليج وفي إسرائيل أن إدارة أوباما تعتزم التوصل إلى حلول ضعيفة لمشكلاتها المحتملة المتعلقة بالحرب والسلام.
وبالنسبة لسوريا على وجه التحديد، يجسد الاتفاق مذهب بريجنيف مقلوبا رأسا على عقب، ليس عبر تأكيد الاتحاد السوفياتي حقه في التدخل مجددا في أي مكان في منطقة الجوار، ولكن من خلال إدارة أوباما، في نهجها «إعادة الضبط في القتل المفرط»، بمنح امتيازات مماثلة في قلب الشرق الأوسط إلى روسيا في عهد بوتين.
قد يتمثل رد فعل أفضل في تجنب روسيا، من خلال تشكيل الولايات المتحدة تحالفا من الراغبين، وعدم الالتزام تجاه بوتين أو الأمم المتحدة، والتحول بسرعة إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة على النظام السوري. في الوقت نفسه، يمكن أن تقوض الدوريات البحرية التابعة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الموجودة على طول الشريط الموازي للساحل عمليات شحن أي أسلحة إلى المنطقة.
كل هذا يتماشى بشكل مريح مع معتقدات أوباما الخاصة بشأن التدخل الأميركي على نحو يتجاوز ملاحقة الإرهاب والتي نشرها في كتابه الصادر عام 2006 بعنوان «جرأة الأمل».
في ذلك الوقت، كتب أوباما أن مجلس الأمن يجب ألا يستخدم حق النقض في لجوء أميركا لاستخدام القوة. كذلك «طالما تحتفظ روسيا والصين بقواتهما العسكرية الضخمة ولم تتخلصا بشكل كامل من رغبتهما الغريزية في استغلال ثقلهما.. فستكون هناك فترات يتعين فيها علينا أن نلعب مجددا دور الشريف المتردد في العالم».
وأضاف: «لن يتغير هذا الموقف ولا يجب أن يتغير».
--------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، 19/6/2012.