ربما لا تنتهي المفاوضات النووية حول إيران في موسكو الأسبوع المقبل إلى طريق مسدود، كما خشي البعض؛ فقد عبر كبير المفاوضين الإيرانيين عن استعداده للتفاوض بشأن المقترح الذي تقدمت به الدول الغربية لتصدير اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة كخطوة أولى نحو اتفاق نووي أشمل. وقد عبر سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين في المحادثات، عن ذلك في محادثة هاتفية ليلة الاثنين مع كاثرين آشتون، المفوضة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي التي ترأس مفاوضات مجموعة «P5+1» للقوى الكبرى. وقد نفى جليلي دعوة إيران إلى عقد جلسة تمهيدية أخرى للإعداد لمحادثات موسكو المقرر انطلاقها يوم الاثنين والثلاثاء المقبلين.
وقد أخبرني دبلوماسي أوروبي يوم الاثنين شارك في المحادثات: «لقد تراجعوا.. كانوا يعدون لإفشال المحادثات في موسكو وإلقاء اللوم علينا». وقال مؤكدا أن الموافقة الإيرانية على العودة إلى المحادثات بعد سلسلة من الإخفاقات كانت انتصارا دبلوماسيا ضئيلا بالنسبة لأشتون.
وقال الدبلوماسي: «الصيغة التي اتفقنا عليها تتمثل في أنهم سيتفاوضون بشأن مقترحنا. وفي المقابل سنفكر قليلا في أفكارهم». وأشار إلى أن القوى الدبلوماسية لم تطرح بعد وقف العقوبات الاقتصادية التي سيبدأ تنفيذها في 28 يونيو (حزيران) والأول من يوليو (تموز)، على الرغم من تصريحاتهم بأن الخطوات الإيرانية ستلاقي خطوات متبادلة.
تغص المحادثات الإيرانية بالكثير من التكهنات، وسط آمال ترتفع وتنخفض في وقت يستنفد فيه الجانبان لعبة التوقعات. كان الاجتماع التحضيري الذي عقد في إسطنبول في أبريل (نيسان) من هذا العام، الذي أحدث قدرا من التفاؤل، قد تحول إلى نذير سوء بعد الاجتماع الذي عقد في بغداد الشهر الماضي. وقد توقع البعض إمكانية انهيار المفاوضات كلية بعد اجتماعات الأسبوع المقبل، نتيجة السلوك الإيراني في بغداد ومنذ ذلك الحين.
هل هذه هي طبيعة طهران من المراوغة في المحادثات، في الوقت الذي تواصل فيه التحرك قدما في تخصيب اليورانيوم الذي يمكن استخدامه لصنع قنبلة نووية؟ هذا ما توقع بعض المحللين أن تقوم به إيران، من إظهار ما يكفي من التقدم في كل جلسة مباحثات لاستمرار المفاوضات، دون التوصل إلى موافقة حقيقية على الإطلاق.
على الجانب الآخر يرى البعض أن الوقت لا يعمل لصالح الإيرانيين لأن مجموعة «P5+1» لم تقدم وعودا بأنها ستلغي العقوبات الرئيسية إذا وافقت إيران على تصدير مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة.
لم يقدم المسؤولون الإيرانيون مقترحهم الرسمي بعد بشأن القضية النووية على الرغم من تقديم أشتون خطة مكتوبة لهم في بغداد، لكن المثير للدهشة أن الإيرانيين قالوا إنهم خلفوا بعض الوثائق في بغداد تشرح مواقفهم في سوريا والبحرين، القضيتين الإقليميتين اللتين تتمتع طهران فيهما بمصالح حيوية.
يتوقع أن يكون الربط المحتمل بين القضية النووية والأجندة الدبلوماسية الإيرانية الموسعة مثيرا للجدل؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى قصر المفاوضات على القضايا النووية، يتوقع أن تسعى إيران بشكل واضح إلى الحوار الدبلوماسي الذي يتناول نطاقا أوسع من الشؤون الأمنية في المنطقة. وتأتي هذه المكالمة الهاتفية المشجعة بين أشتون وجليلي عقب أسابيع من ارتفاع وتيرة التشاؤم حول المفاوضات. وخلال المفاوضات المخيبة للآمال في بغداد أواخر الشهر الماضي قال جليلي إن أشتون وفريقها «مخطئون» إذا اعتقدوا أن نائب المفاوض الإيراني، علي باغري، وافق على مناقشة تفاصيل تصدير اليورانيوم المخصب. وخلال المحادثات التي جرت منذ مؤتمر بغداد، قيل إن باغري كان أقل تعاونا وبعث ما وصفه الدبلوماسيون الأوروبيون لي بأنه «رسائل فظة إلى حد بعيد» لهليغا سكيمد، نائبة أشتون.
سوف يعمد المتشككون إلى التحذير من أن الإيرانيين، على الرغم من كل الإشارات والإيماءات بشأن تصدير اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، لم يقدموا كلمة مكتوبة حتى الآن. في المقابل، تم التأكيد على مقترح أشتون في الرسائل التي أرسلتها نائبتها يومي 4 و11 يونيو. ويظهر من النسق الذي تسير عليه المفاوضات أن القوى الغربية تلاحق إيران، التي لم تبد إشارة جيدة في المفاوضات.
ويظل المنادون بالتدخل الدبلوماسي في الخلفية، كما هو الحال دائما، حيث تمكنت العقوبات بالفعل من الإضرار بالاقتصاد الإيراني، وسوف تزداد وطأتها عما قريب، كما تواجه إيران في الوقت ذاته تهديدا بعمل عسكري إسرائيلي محتمل، واستخدام الولايات المتحدة أسلحة إلكترونية، الذي تأكد بالفعل، لتعطيل البرنامج. وهناك الكثير من التهديدات أيضا، على سبيل اليقين، منها خطر وقوع نزاع كبير إن لم يحدث تقدم خلال الفترة القليلة المقبلة.
------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، 13/6/2012.