الخميس 7 يونيو 2012
مع نجاح القوى الدولية بتدخلها عسكرياً في الحالة الليبية لصالح الثوار والمعارضين في المساعدة على إسقاط نظام معمر القذافي، فقد رأى البعض إمكانية تكرار السيناريو الليبي في سوريا، خصوصاً مع عدم التزام الرئيس بشار الأسد ببنود خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، كوفي أنان، لتسوية الأزمة السورية، وفي ظل الانتهاكات اليومية التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب الأعزل، والتي كان من مظاهرها الأخيرة ما شهدته منطقة "الحولة" بمدينة حمص من أحداث مؤسفة، حيث استفاق المجتمع الدولي في السادس والعشرين من مايو (2012) على مجزرة مروعة ارتكبت في الحولة، سقط خلالها 108 قتيلاً، منهم 49 طفلاً، و34 امرأة، وقد قضي معظمهم ذبحاً [1].
وأوضح روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان، أن معظم قتلى الحولة كانوا مدنيين، وأن أسراً بالكامل قتلت بالرصاص في منازلهم، وذلك استناداً إلى تحقيقات أجرتها الأمم المتحدة. وأوضح أن ناجين أبلغوا محققي الأمم المتحدة بأن معظم الضحايا قتلوا في موجتين من "الإعدام الفوري"، نفذتهما ميليشيات "الشبيحة" الموالية للنظام السوري، بينما سقط الآخرون وعددهم لا يتجاوز 20 شخصاً جراء القصف[2]، وليعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن عدد ضحايا الثورة السورية، وحتى وقوع مجزرة الحولة، بلغ أكثر من 14 ألفاً، بينهم 1012 طفلاً (777 من الذكور، و235 من الإناث)، بينما قضت 865 امرأة في الأحداث، إلى جانب توثيق مقتل 545 شخصاً تحت وطأة التعذيب، وقتل 1148 عسكرياً منذ مارس 2011[3].
المواقف الدولية من أحداث الحولة:
كان من نتيجة بشاعة الأسلوب الذي نفذت به مجزرة الحولة أن تصاعدت المواقف الدولية المنددة بالنظام السوري، والتي اتخذت عددا من الأشكال:
فمن ناحية أولى، قامت كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وهولندا، وسويسرا، واستراليا، وكندا بطرد أعلى الدبلوماسيين السوريين لديها بهدف زيادة الضغط على نظام الأسد، بما يعكس تصعيداً غير مسبوق على النظام السوري، وأعقب ذلك طرد تركيا واليابان أيضاً للدبلوماسيين السوريين لديها، في تحرك كان هدفه إظهار الاحتجاج الشديد على ممارسات النظام السوري، ليس فقط على مستوى العنف، وإنما أيضاً على درجة الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان [4].
ومن ناحية ثانية، أدان مجلس الأمن مساء السابع والعشرين من مايو (2012) مذبحة الحولة، محملاً نظام الرئيس بشار الأسد المسئولية، وجاءت الإدانة في بيان مشترك بالإجماع، وبتأييد روسيا والصين، حليفتي نظام الأسد في مجلس الأمن. وقالت مصادر أمريكية إن الإدانة الجماعية كانت متوقعة، وحتى تأييد الروس والصينيين، وذلك لأنها أكبر مذبحة منذ بدأت الانتفاضة ضد نظام الأسد. وقد وصف البيان ما حدث بالحولة بأنه "استخدام فاحش للقوة"، وأنه انتهاك للقانون الدولي ولالتزام سوريا بخطة السلام التي كانت قد وافقت عليها، ودعا سوريا إلى الامتثال فوراً لقرار مجلس الأمن السابق بسحب جميع قواتها ودباباتها من المناطق السكنية[5].
ومن ناحية ثالثة، استمرت الجهود الدبلوماسية لأجل حل الأزمة السورية، حيث انتقل مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، كوفي عنان، إلى دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد في التاسع والعشرين من مايو، ونقل إليه قلق المجتمع الدولي البالغ إزاء العنف في سوريا، وبصفة خاصة إزاء الأحداث الأخيرة في الحولة، مشدداً على أن هناك حاجة لاتخاذ "خطوات جريئة" من أجل نجاح خطته للسلام المؤلفة من ست نقاط، وتتضمن وقف العنف، والإفراج عن المعتقلين خلال الانتفاضة الشعبية. وفي المقابل، أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) بأن الأسد أبلغ أنان بأن "المجموعات الإرهابية المسلحة صعدت من أعمالها الإرهابية في الآونة الاخيرة بشكل ملحوظ في مختلف المناطق السورية، ومارست أعمال القتل والخطف بحق المواطنين السوريين". وأضافت الوكالة أن الأسد "شدد على ضرورة التزام الدول التي تقوم بتمويل وتسليح وإيواء المجموعات الإرهابية" بخطة أنان لإنهاء العنف الذي يخيم على سوريا[6].
وفي ضوء ذلك، أخفقت المحادثات التي أجراها أنان مع الرئيس السوري في الإشارة إلى أي من "الخطوات الجريئة" التي قال إنه يتوقع أن يتخذها الرئيس السوري للبرهنة على سعيه الجدي لتطبيق خطة السلام ذات النقاط الست، حتى إن النقطة الأولى من تلك الخطة، والمتعلقة بوقف إطلاق النار، لم يتسن تنفيذها بعد[7]، في الوقت الذي نجح فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الصمود أمام الضغوط الدبلوماسية التي مارسها الغرب عليه لدفع روسيا إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً إزاء الحكومة السورية. فرغم أن موسكو قبلت إدانة مجلس الأمن لمذبحة الحولة، وتحميل النظام السوري المسئولية عنها، فإنها شددت على تورط المعارضة أيضاً بالمسئولية عن تلك الأحداث، فيما قام بوتين بجولة أوروبية شملت ألمانيا وفرنسا، حيث طالب بإتاحة المزيد من الوقت لخطة السلام التي طرحها أنان، مؤكداً تمسك بلاده بموقفها المعارض لفرض عقوبات على دمشق، ورفض أي دعوات لتنحي الأسد[8].
الخيار العسكري بحق نظام بشار:
في إطار الصعوبات التي تواجه الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى الحل المطلوب للأزمة السورية، صدرت تلميحات من البعض بإمكانية تفعيل الأداة العسكرية بحق دمشق، وذلك من جانب الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وكذلك من وزيري خارجية بلجيكا وإيطاليا، على أن يكون الهدف الرئيسي للتدخل الدولي هو إقامة "مناطق آمنة" تضمنها "قوة دولية" بهدف ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ولضمان توقف عمليات القتال[9]. فيما صرحت بوضوح السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، بأنه إذا لم يتخذ مجلس الأمن إجراءات سريعة للضغط على سوريا لحملها على إنهاء حملتها على المعارضة، فإن الدول الأعضاء في المنظمة الدولية قد لا تجد أمامها من خيار سوى التحرك خارج إطار الأمم المتحدة[10].
ولكن بالرغم من هذا التصريح الذي يبدو واضحاً لجهة استخدام القوة العسكرية بحق دمشق خارج إطار الأمم المتحدة، فقد شددت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، على أن أي تدخل عسكري سيتطلب تأييد المجتمع الدولي بما فيه روسيا، موضحة أن الدعم الدولي أتاح العام الماضي تشكيل تحالف دولي ضد نظام العقيد الليبي معمر القذافي، في حين أن روسيا والصين تعارضان في الوقت الراهن اتخاذ إجراءات مشابهة ضد سوريا. كما اعترفت الوزيرة الأمريكية بأن شن عملية عسكرية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيكون أصعب بكثير من العملية العسكرية التي قادها حلف الناتو في ليبيا[11]، وهو ما يعود إلى الأسباب الآتية:
1. هناك مخاوف غربية من تبعات التدخل في الحالة السورية، وضعاً في الحسبان أن الجيش السوري، ورغم الانشقاقات المتكررة عنه، يظل أقوى من الجيش الليبي الذي حلّه القذافي عام 1995 ، واستبدل به الميليشيات العسكرية، إلى جانب أن سوريا تُعد دولة كبيرة جغرافياً لديها أجهزة أمنية ومخابراتية كبيرة، ومنظمة بشكل أو بآخر، وهي ليست كليبيا التي هي صحراء تسهل مراقبتها من السماء، ومهاجمة الأهداف فيها بسهولة نسبية، ولا يوجد تركيز سكاني في غالبية مناطقها. أما بالنسبة لسوريا، فإنها أكبر سكانياً، وأكثر تركيزاً وتعقيداً من ليبيا من الناحية الجيوبوليتيكية، إذ إنها تختلف بطبيعتها الجغرافية وتركيبتها الطائفية[12].
2. هناك مشكلات حدودية تحول دون التدخل العسكري الخارجي في سوريا، حيث إن التدخل العسكري الخارجي يتطلب استخدام أراضي الدول المجاورة لتكون نقطة انطلاق للتدخل، الأمر الذي يتطلب تعاونا فعّالا من الدول المجاورة لسوريا. وإن وافقت تركيا والأردن على ذلك التدخل، فيتوقع في المقابل أن يواجه القرار بمعارضة شديدة من جانب لبنان على نحو خاص، وأيضاً من جانب العراق، في حين أن موقع ليبيا الجغرافي على البحر المتوسط سهّل المهمة العسكرية هناك إلى حد كبير[13].
3. بجانب تحسب المجتمع الدولي من أن يؤدي التدخل العسكري في سوريا إلى نشوب مواجهة عسكرية شاملة في المنطقة، في ضوء علاقات النظام السوري القوية بإيران و"حزب الله" والمقاومة الفلسطينية، مما يضر بالمصالح الاستراتيجية للقوى الغربية في المنطقة، فإنه يتحسب كذلك من أن تؤدي تلك المواجهة إلى نشوب حرب مباشرة بين سوريا وإسرائيل، في إطار استهداف نظام الأسد كسب التعاطف الإقليمي في مواجهته مع الغرب، الأمر الذي يعطيه المبرر للاستمرار في الحكم رغم الانتفاضة الشعبية. وحتى إن كان خاسراً في كل الأحوال في تلك الحرب، فسيسعى إلى إيقاظ الشعور الوطني ضد إسرائيل التي تخشى في حقيقة الأمر من وصول بديل إسلامي متطرف إلى الحكم في سوريا، في حال إسقاط نظام الأسد[14].
4. هناك سبب آخر يحرص الغرب بسببه على عدم ضرب سوريا عسكرياً، أو تفكيكها لتجنيب المنطقة حالة تفكيك طائفي وحرب طائفية تنتقل إلى لبنان التي يحرص الغرب على بقائها موحدة، وذلك مع تواتر الأنباء في الآونة الأخيرة عن عمليات خطف وقتل ذات صبغة طائفية في سوريا، خاصة في مدينة حمص وريفها، وريف حماه، وإدلب بسبب التداخل بين السنة والعلويين.
وترى المعارضة السورية أن النظام يغذي التوترات الطائفية، ويثير مخاوف الأقليات، وعلى رأسها الطائفة العلوية التي تقدر نسبتها بنحو 10: 12% من سكان سوريا، من سيطرة متطرفين من السنة على الحكم، في حال رحيله، مما يعيد إلى ذاكرة العلويين أعوام الإقصاء والتهميش خلال المرحلة العثمانية[15]. والأخطر أن تلك التطورات انتقلت بتبعاتها إلى لبنان التي شهدت خلال الشهر الأخير مصادمات في شمال البلاد، أدت إلى وقوع العشرات، ويُخشى من توسع تلك المصادمات إلى درجة تعيد إلى الأذهان أحداث الحرب الأهلية، أو أن تمهد لسيطرة "حزب الله" على لبنان، لو وقعت حرب كبيرة هناك[16].
5. النقطة الأهم، في إطار ما سبقت الإشارة إليه، هى أن قرار التدخل العسكري الدولي في ليبيا كان قراراً أممياً من مجلس الأمن، ومن الصعب الحصول على القرار ذاته بشأن سوريا. فدولة مثل روسيا لديها مصالح في سوريا، وعلاقتها بالنظام السوري استراتيجية وعميقة، حيث إن دمشق تعد من أهم مشتري السلاح الروسي، فيما تتمتع موسكو بإمدادات بحرية في "ميناء طرطوس"، وقاعدة صيانة هناك، مما يفسر اعتراضها على أي قرار بشأن حملات عسكرية دولية على سوريا[17]. ويفسر أيضاً رفض فيتالي تشوركين، مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، الانتقادات الأمريكية لموقف بلاده من الأزمة السورية، وما أثير عن دعم موسكو لدمشق عسكرياً، معتبراً أن صفقات الأسلحة إلى سوريا شرعية، ولا تأثير لها فى النزاع، قائلاً إن "الأسلحة التي يمكن أن نرسلها إلى سوريا، بموجب عقود مختلفة أبرمت قبل فترة طويلة، تتفق تماماً مع القانون الدولي، ولا تسهم في النزاع المسلح الدائر حالياً في سوريا"[18].
ويشار في هذا الصدد إلى أن روسيا والصين سبق أن استخدمتا في الرابع من فبراير (2012) حق النقض ضد مشروع القرار العربي- الغربي الذي عُرض في مجلس الأمن، والذي كان يدعم دعوة الجامعة العربية للرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، بحجة عدم توازن القرار الذي يدين العنف من جانب النظام، وليس من جانب المعارضة، وقد سبق أن صوتتا بالنقض على قرار مماثل في أكتوبر من العام الماضي، على اعتبار أنه ليس من صلاحيات مجلس الأمن التدخل في الشئون الداخلية[19].
وأخيراً، لا يغفل أن المصالح الغربية هي المعيار الأول وراء التدخل العسكري الغربي في أي منطقة، وآخرها في ليبيا الغنية بالنفط، والتي تتيح مجال عمل واسعا للشركات الغربية في هذا المجال الثري، مقابل أن التدخل في سوريا يهدد بتوسيع نطاق المواجهة لتشمل الدول والجماعات الحليفة لسوريا، الأمر الذي من شأنه تهديد المصالح الغربية في عموم منطقة الشرق الأوسط[20].
ومع الصعوبات السابق الإشارة إليها في شأن التدخل العسكري في سوريا، يستمر المجتمع الدولي في جهوده لأجل التوصل إلى حل سياسي لتلك الأزمة، رغم عدم نجاح الجهود المبذولة في هذا الشأن إلى الآن، والمراهنة في هذا الصدد على الضغط الذي سبق أن مارسته روسيا بنجاح على دمشق لدفعها للقبول بخطة أنان، وللتخلي عن الشروط التعجيزية التي وضعتها لقاء تنفيذ الخطة أول الامر.
فبالرغم من الضغوط الدولية المتصاعدة، عقب مجزرة الحولة، لايزال الروس يجادلون ضد فكرة فرض عقوبات أكثر شدة على النظام السوري. ولكن عرقلة هذه الجهود تجعل موسكو مسئولة عن ضمان امتثال النظام السوري لخطة أنان التي يقول الروس إنها السبيل الوحيد لإحراز أي تقدم. أما إذا كان الوضع في سوريا يتدهور فعلاً نحو التشرذم والحرب الأهلية، فسيتوجب على موسكو الاختيار سريعاً بين محاولة وضع بديل للنظام السوري الحالي بأمل إنقاذ ما يمكن لها إنقاذه من نفوذ، وبين الاستمرار في دعم النظام الحالي مهما تكن العواقب[21].
وإلى حين التوصل إلى اتفاق، تستمر جهود المجتمع الدولي في تكثيف العقوبات المفروضة على النظام القائم في دمشق بهدف ثنيه عن مواصلة قمعه العسكري للاحتجاجات الواسعة في سوريا، حيث نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن وزير الخارجية البريطاني، وليام هيج، أن الاتحاد الأوروبي بدأ صياغة عقوبات جديدة ضد سوريا، داعياً الدول الأخرى لاتخاذ خطوات مماثلة لزيادة الضغط على الرئيس بشار الأسد للامتثال لخطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان[22]، وذلك فيما أعلنت الولايات المتحدة، في خطوة مشتركة مع قطر في الثلاثين من مايو، فرض عقوبات ضد "بنك سوريا الدولي الإسلامي"، وذلك بعد اتهامه بمساعدة النظام السوري في الالتفاف على العقوبات المالية المفروضة عليه[23].
[2]صحيفة الشرق الأوسط،30/5/2012
[3]صحيفة الشرق الأوسط،31/5/2012
[5]صحيفة الحياة اللندنية،29/5/2012
[9]صحيفة الشرق الأوسط،29- 31/5/2012
[10]"مساع أمريكية لفرض حظر سلاح على سوريا"، موقع البينة الإلكتروني، 30/5/2012
[16] Rebecca A. Hopkins, "Lebanon and the Uprising in Syria: Issue for
Congress", Congressional Research Service, February 2, 2012
[18]صحيفة الحياة اللندنية، 1/6/2012
[19]صحيفة الشرق الأوسط،5/2/2012
[23]صحيفة الشرق الأوسط،31/5/2012