الثلاثاء 22 مايو 2012
عرض: آية سعيد جاد، باحثة في علم الاجتماع السياسي
قليلة هي الدراسات العربية التي تولي أهمية للصراعات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة المغرب العربي على وجه الخصوص، والتي يأتي على رأسها الصراع بين المغرب والجزائر حول إقليم الصحراء الغربية، وهو صراع مفتوح لم يتم حله إلى يومنا هذا، واستمراره يهدد الأمن المغاربي، ومن ورائه أمن منطقة الشرق الأوسط برمتها؛ حيث ينشط تنظيم القاعدة وفرعها "القاعدة في بلاد المغرب العربي"؛ ولهذا يتفق جُل خبراء الدفاع الاستراتيجيين الإقليميين والغربيين على أن ثمة حاجة لبذل جهود لمعالجة الصراع المحتدم في الصحراء الغربية لتشجعه على ظهور الإرهاب والعنف.
ويشير" أنوار بوخرص" في دراسته المعنونة " سخطٌ متزايد في الصحراء الغربية"، والصادرة عن مؤسسة "كارنيجى للسلام الدولي" في مارس من العام الجاري، إلى أنه إذا ما تمكّن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من تعزيز تحالف المصلحة الذي يقيمه مع جبهة "البوليساريو"، الحركة التي ناضلت طويلاً من أجل استقلال الصحراء الغربية، فعندئذ يمكن أن تنبثق منظمة إرهابية كبيرة. وهو ما يضفي أهمية على الدراسة التي تتناول خلفية هذا الصراع، وجذوره، وتأثيراته فى الأمن المغاربي والعربي، ليطرح في نهاية الدراسة وسائل لتجاوز هذا الصراع.
ويضاف إلى أهمية موضوع الدراسة أن كاتبها " أنوار بوخرص" من المتخصصين في الشأن المغاربي، فهو مؤلف كتاب "السياسة في المغرب: الملكية التنفيذية والاستبداد المستنير"، وله كتابات ودراسات عن الأمن في منطقة المغرب العربي، منها "العنف السياسي في شمال إفريقيا: مصاعب التحرير غير المكتمل"، و"مواجهة نمو الشبكات الإرهابية في المغرب العربي"، ويشارك في إدارة مشروع مجموعة العمل الخاصة بموريتانيا بالمؤسسة.
بدايات الصراع
في بداية دراسته، قدم الكاتب مجموعة من المعلومات عن إقليم الصحراء الغربية، فيشير إلى أنه إقليم احتلته إسبانيا سابقا، وضمته للمغرب، على الرغم من اعتراض الجزائر. ويضيف أن الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية منذ عام 1884 ، وتخلت إسبانيا عنها للمغرب وموريتانيا عام 1975 ، ثم تنازلت موريتانيا عن ملكيتها عام 1979. وتلك الصفقة لم تحظ بقبول جميع سكان الإقليم لتتشكل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو" عام 1973 حكومة في المنفي في عام 1976.
وتدعي "البوليساريو" أنه كان ينبغي منح الصحراء الغربية الاستقلال بموجب القانون الدولي، وقادت جبهة "البوليساريو" التي تتخذ الجزائر مقرا لها حربا ضد القوات المغربية. ويضيف أنه تم تقسيم الإقليم إلي منطقة مغربية تشكل 85% من الإقليم، وتسيطر "البوليساريو" على ما تبقي من المنطقة التي تعد منطقة عازلة، لا قيمة استراتيجية أو عسكرية لها.
أثر الصراع سلبا فى أمن الصحراء الكبرى؛ فقد أصبحت المناطق المتاخمة للصحراء الغربية التي تضعف فيها سيطرة الحكومة مراكز رئيسية لتهريب المخدرات والأسلحة، ناهيك عن خيبة أمل الشباب الصحراويين في المخيمات إزاء فشل الأجندة الوطنية، بسبب الفساد والمحسوبية لنخب "البوليساريو". وتثير احتمالية أن تندمج الصحراء الغربية أكثر في الشبكات الإجرامية والإرهابية التي تهدد شمال إفريقيا والساحل قلق الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وفي هذا السياق، يشير "بوخرص" إلى أن النزاع قوض التعاون الأمني، والمساعدات الإقليمية، حيث أنتجت حالة العداء وانعدام الثقة بين المغرب والجزائر – التي يصفها بالمدمرة - حلقة مفرغة من الشك الجماعي والتنافس غير المثمر، والسياسات التي تفضي لمزيد من المشاكل.
جذور الصراع
الإضرابات المتنامية في الصحراء الغربية المغربية هي نتيجة للتغيرات الديموغرافية والاجتماعية بعيدة المدى التي شهدتها المنطقة، منذ أن ضمتها المغرب في عام 1975. فقد شهدت المنطقة أربع موجات متتالية من الهجرة التي كانت وراء الانقسامات التي لا تزال تؤثر فى الوضع الراهن في المنطقة .
المرحلة الأولي: بدأت عام 1975 فور تسليم إسبانيا السيطرة على الصحراء الغربية إلى المغرب وموريتانيا. فقد صورت دعاية جبهة "البوليساريو" عناصر القوات المغربية على أنهم وحوش يعتزمون قتل الصحراويين، واستجاب العديد من القبائل الصحراوية الأصلية لدعوتهم للفرار من الإقليم نحو مخيمات تندوف في الجزائر.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة كانت ضرورية لتطوير الأرض التي تركها الأسبان، فإنها بدأت في تغيير التوازن المجتمعي في المنطقة، وأثارت انطباعا بأن الصحراويين الأصليين حرموا عمدا من مناصب في السلطة.
المرحلة الثانية: بدأت في منتصف الثمانينيات، حيث شهدت موجة مختلفة من المهاجرين الذين أغرتهم الفرص الاقتصادية بسبب سياسة الدولة المصممة على تحقيق النجاح في تطوير الصحراء. فقد قدمت الحكومة إعانات وإعفاءات ضريبية، ورواتب عالية. وهذه الفترة تزامنت مع حالات الجفاف الشديد في المملكة، وارتفاع معدلات البطالة، وبذلك لم يتطلب الأمر مجهودا في إقناع العمال بالهجرة للمراكز الاقتصادية للصحراء الغربية، حيث ظلت المجتمعات الجديدة بعيدة عن السكان الأصليين، على الرغم من جهود الدولة المبذولة لتشجيع التواصل الاجتماعي والمصاهرة. وفي حقيقة الأمر، لم يتحقق توحيد المجتمعات أبدا.
المرحلة الثالثة: بدأت في عام 1991 ، حيث حدث تغير جذري آخر في الحجم، عندما توسطت الأمم المتحدة في وقف إطلاق النار بين المغرب ومتمردي جبهة "البوليساريو"، فقد اتفق الطرفان علي خطة السلام التي كان من المفترض أن تؤدي لإجراء استفتاء في يناير 1992 يختار فيه الصحراويين الغربيون بين الاندماج مع المغرب، أو الاستقلال.
وفي هذا الوقت، نقلت الحكومة المغربية عشرات الآلاف من الصحراويين ، معظمهم من البلدات الجنوبية للصحراء الغربية، كي يتم الاستفتاء الموعود الذي لم يتم. وقد تحولت المخيمات التي يعيشون فيها إلى مستوطنات عشوائية، حيث تم استبدال بيوت من صفيح متهالك بالخيام، مما يترتب عليها عديد من المشاكل الأمنية. ولهذا، عمدت الدولة إلى تقديم مساكن بنيت حديثا في منتصف العقد الماضي. ولكن حتى يومنا هذا، لا تزال الدولة تمد سكان مخيمات بدعم المواد الغذائية، وتدفع فواتير الكهرباء ، مما خلق شروخا مهمة في المجتمع. ولا يزال سكان الصحراء الأصليون يشكون من نظام الغنائم هذا، وثقافة الصدقات، والتي تسمح لبعض المجموعات بالحصول على معظم الفرص الاقتصادية.
المرحلة الرابعة: بدأت مع فرار عدد من الصحراويين من مخيمات تندوف في الجزائر في منتصف التسعينيات. فقد اعتقدت السلطات المغربية أن البؤس في مخيمات تندوف سيدفع الصحراويين في نهاية المطاف إلى هجر جبهة البوليساريو وحكمها الفاسد. وتمت مكافأة أعضاء جبهة البوليساريو بسخاء لدى عودتهم إلى البلاد بمناصب حكومية رفيعة.
وقد تم تزويد العائدين من مخيمات تندوف بسكن مجاني، وراتب شهري، وتم بناء أحياء كاملة، أطلق عليها اسم العودة، ولم يصاحب هذا السخاء من جانب الدولة أي متطلبات عمل، أو تدريب. وهنا، فشلت السلطات المحلية فى الاستفادة من خبرة ومهارة العائدين، بدلا من مساعده الناس على الانتقال من الرعاية الاجتماعية للعمل .
هدوء خادع وقلق إقليمي
تتحدث الدراسة عن عودة نوع من الاستقرار إلى الصحراء الغربية الخاضعة للمغرب، بعد أعمال العنف والقتل التي هزت أكبر مدنها، مدينة العيون 2010. ويشير كبار المسئولين المغاربة إلى صمود المنطقة أمام قوى الشر الثلاث المتمثلة في: الانتفاضات الانفصالية، والاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية، والصراعات العرقية.
ويشير "بوخرص" إلى فشل جبهة البوليساريو المدافعة علنا عن حقوق الصحراويين في الدفع لقيام ثورة سياسية مناهضة للحكم المغربي. ويضيف أن انخراط الشباب الصحراويين في تهريب المخدرات أضحى واقعا مزعجا؛ إذ تزداد عزلة الصحراويين اجتماعيا.
ويثير عدم الاستقرار وانتشار الجريمة والتشدد في مخيمات تندوف قلقا كبيرا لدول المنطقة، بما فيها مالي التي لها حدود مشتركه مع الجزائر وموريتانيا. وقد شهد العامان الماضيان عددا من المناوشات بين مهربي المخدرات المتنافسين، الماليين والصحراويين، حيث يقوم الماليون والصحراويون بأخذ أفراد من مجتمعاتهم كرهائن لضمان تسليم شحنات المخدرات، وأدى ذلك لعمليات انتقامية التي يكون فيها المدنيون ضحايا ثانويين.
ويترتب على ذلك عواقب على الدولة، حيث يسود انطباع لدى الباعة العاديين والتجار بأنهم لم يعودوا قادرين على كسب قوت يومهم، أو أن ما يكسبونه يتضاءل بالمقارنة مع أرباح التهريب والمخدرات.وفي هذا السياق، تتهم مالي جبهة البوليساريو بكونها لاعبا أساسيا في صناعة تهريب المخدرات في المنطقة؛ وبذلك يتعين على الجزائر، الراعي لجبهة البوليساريو، أن تشعر بالقلق إزاء التهديد.
وتذكر الدراسة أن الصحراويين يشاركون في شبكه واسعة من عمليات التهريب باستخدام طرق شتى تمر خلال الصحراء الغربية إلى الجزائر. ومع زيادة العائدات، وسعت هذه الشبكات الإجرامية عملياتها، مما أدى إلى تقويض البنى الاجتماعية، والقيود المفروضة على السلوك غير المشروع التي اعتاد نمط الحياة التقليدية على توفيرها.
وتختتم الدراسة بالإشارة إلى أنه إذا لم يتم إجراء تعديلات في السياسات، فإن الصحراء الغربية الخاضعة للسيطرة المغربية ستكون عرضة للتوترات الاجتماعية والخلافات العرقية. كما تشير إلى أن مصدر الخطر ليس هو الإرهاب بقدر ما هو مزيد من تزايد العداء العرقي، وتوسيع الشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية.
ويرى الكاتب أن المغرب والجزائر يمكنهما تجنيب المنطقة الانزلاق إلى الفوضى، إذا ما استطاعتا تجاوز عداء الماضي، وعدم الثقة الذي فرق بينهما لفترة طويلة. ويرى أن المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية ودستور البلاد، الذي أقر في يوليو 2011 ، خطوات أولى نحو إيجاد حل للمشكلة. ويختم بأنه يتعين على أصدقاء الرباط في الغرب، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، الضغط على المغرب للتعجيل بنقل قدر مهم وكبير من السلطة إلى الصحراء الغربية للحد من خطر عدم الاستقرار.