مقالات رأى

صواريخ الهند الباليستية النووية

  • 20-5-2012

طباعة

العالم يمر بمرحلة انتقالية محضة، ويعمل على استخدام الأسلحة غير التقليدية وأهمها الصواريخ التي تحمل رؤوساً نووية، وذلك لافتقار الحضارة المادية إلى البعد الإيماني؛ والتي تمد اليوم ظلالها إلى الكرة الأرضية، وتعرف كما يقول آينشتاين إن التطور إلى الأفضل يكون دائماً بمنزلة صراع مأساوي أليم، وبخاصة في هذه الحقبة البالغة الأهمية، والشديدة الخطورة لأمم الأرض كافة .

فعضلات الإنسان أصبح لها من القدرة ما هو كفيل بالقضاء على كل حياة، وذلك بعد أن تحررت من كوابح العقل، وأسلست قيادها لغريزة الموت ونزواتها (Thanatos) . فتطورات الأحداث العسكرية تدفع بغيوم التشاؤم، بعدما دخلت مرحلة مرعبة هي مرحلة حرب الصواريخ الباليستية . فقد أجرت الهند يوم 19 إبريل/ نيسان 2012 تجربة ناجحة لصاروخ باليستي عابر للقارات؛ لتصبح بذلك سابع دولة في العالم تمتلك هذا النوع من الصواريخ الباليستية . وعنصر المفاجأة أن الصاروخ الهندي الذي جرى تجريبه بنجاح هو الصاروخ (AGNI-5) الذي يفوق مداه الخمسة آلاف كيلومتر، وقد أطلق من قاعدة في عرض البحر قبالة ولاية أوريسا في شرقي الهند . وقال وزير الدفاع الهندي عن إطلاق الصاروخ، إنه تقدم كبير في برامج الصواريخ الهندية، وإنه حدث تاريخي يشرف الهند في مجال تكنولوجيا الصواريخ .

وكذلك تمتلك الهند سلسلة صواريخ باليستية أبرزها صاروخ (AGNI 3)؛ ومن هذه السلسلة الصاروخ (AGNI-4) وهو صاروخ أرض/أرض يبلغ مداه 3000 كيلومتر، ويعمل بنظام المرحلتين؛ تعمل الأولى بالوقود الصلب، والثانية بالوقود السائل، ويبلغ وزن رأسه طناً واحداً وهو قادر على حمل رؤوس نووية وكيميائية، ويمكن لهذا الصاروخ أن يصل إلى عمق الأراضي الصينية، فضلاً عن جميع الأراضي الباكستانية وشرقي أوروبا . إضافة إلى امتلاكها لصاروخ (BRAHMOS) وهو صاروخ جوّال مضاد للسفن يبلغ طوله ثمانية أمتار، ويمكنه حمل رأس حربي زنة 200 كيلوغرام، ويصل مدى تحليقه إلى 290 كيلومتراً، وتتجاوز سرعته سرعة الصوت بنحو ثلاث مرات . وتستعمل هذه الأسلحة بصورة مشتركة من الأرض والجو وفي الفضاء الخارجي وهي صواريخ عابرة للقارات، وتمثل الذروة في التقنية من حيث الدقة والكفاءة، فهي تحمل قنابل نووية وأسلحة كيميائية وحرارية وأسلحة الإشعاع الجزئي . وقد سارت الهند في السنوات العشرين الماضية - ودون ضجيج - بخطى وئيدة لتطوير قدراتها الدفاعية على مختلف الصُّعد؛ الأمر الذي جعل منها قوة عسكرية عظمى بالعديد من المعايير التقليدية والاستراتيجية . وقد بلغ الإنفاق العسكري الهندي 28 .44 مليار دولار في العام 2011 . وتشير التقديرات والتقارير الدولية إلى أن الهند كان لديها في العام 2010 بين 70 إلى 80 رأساً نووياً . وكانت الهند قد بدأت مساعيها لامتلاك السلاح النووي منذ استقلالها في العام ،1947 وأجرت أول تجربة نووية في العام ،1974 أعقبتها خمسة تفجيرات نووية في مايو/ أيار 1998 .

الهدف الهندي من تطوير البرنامج الصاروخي هو من أجل التصدي لهجوم نووي بالصواريخ العابرة للقارات، وهذا التطور الاستراتيجي يُعد قفزة جبارة في العالم النووي الجديد؛ فالتحولات التي ستطرأ على العالم بسبب حرب الصواريخ الباليستية ستفوق بكل تأكيد كل التحولات التي صاحبت أول استخدام للذرة كسلاح نووي . وعلق العلماء والخبراء العسكريون الصينيون على هذه التجربة قائلين: (إن إطلاق الصواريخ الباليستية الهندية يقوم على نظرية تقول إنه بالإمكان تطوير أسلحة، يمكنها أن تتصدى بفاعلية بالغة لأي هجوم نووي بالصواريخ العابرة للقارات، وتدميرها قبل وصولها إلى هدفها النهائي) .

الهند تعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين . وطبقاً لتقديرات عام 2011 بلغ عدد سكانها 100 .00 .120 .1 نسمة . وبلغ معدل النمو السكاني 55 .2% . وتقع الهند في جنوبي آسيا، وهي سابع أكبر بلد من حيث المساحة الجغرافية، وهي البلد الأكثر ازدحاماً بالسكان في العالم؛ حيث تغطي مساحة شاسعة تبلغ 596 .165 .3 كم،2 ما أدى إلى تسميتها شبه القارة الهندية، وهي تمتد بين خطي عرض 4 .8 و8 .37 درجة شمالاً، وبين خطي طول 7 .68 درجة و25 .97 درجة شرقاً، وتمتد من الشمال إلى الجنوب بطول 3214 كم ومن الشرق إلى الغرب بطول 2933 كم . وتحدها باكستان من الشمال الغربي والصين وأفغانستان وبوتان ونيبال من الشمال، وميانمار وبنغلاديش وخليج البنغال من الشرق، وسريلانكا من الجنوب الشرقي عبر مضيق بالك، وتشكل جبال الهيمالايا (التي تعد أعلى جبال العالم) حدودها الشمالية . وتنقسم جمهورية الهند إلى ثلاثة أقاليم رئيسة، هي جبال الهيمالايا، وسهل جانجتيك، وشبه الجزيرة الهندية . والهند هي مهد حضارة وادي السند ومنطقة طريق التجارة التاريخية، والعديد من الإمبراطوريات . وكانت شبه القارة الهندية معروفة بثراوتها التجارية والثقافية لفترة كبيرة من تاريخها الطويل . ونشأت هناك أربعة أديان رئيسة هي الهندوسية والبوذية والجاينية والسيخية، في حين أن الزرادشتية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام وصلت إليها في الألفية الأولى الميلادية، وشكلت هذه الديانات والثقافات التنوع الثقافي للمنطقة .

إن إطلاق الهند لهذا الصاروخ يمثل تهديداً للأمن الإقليمي في وسط وشرقي آسيا، هذا الجزء الكامن بالصراع من العالم، خاصة الصراع المُعلن بين الهند وجارتها باكستان، وهذا يجر على البشرية ويلات التنافس على امتلاك أسلحة نووية متطورة، خاصة دول الجوار، وهو صراع من شأنه تأجيج المنطقة، التي مازالت تشهد صراعاً يطفو أحياناً، ويخبو أحايين أخرى بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، والصراع الخفي بين الصين واليابان، والتنافس المعلن بين الهند وباكستان، ثم بين الهند والصين، وهذا السباق من شأنه جر المنطقة إلى أجواء حرب باردة جديدة قد تعوق مشاريع التنمية في المنطقة .

----------------------
* نقلا عن دار الخليج، 20/5/2012.

طباعة

تعريف الكاتب