لقد مثلت الدعوة إلى الاتحاد الخليجي التي أطلقتها السعودية نقلة كبيرة في التعاطي مع الشأن الخليجي داخليّاً وخارجيّاً وأصبحت هذه الدعوة مدار بحث ونقاش في جميع المستويات الرسمية والشعبية لما تمثله من أمل تتطلع شعوب المنطقة لتحقيقه. وبالذات في ضوء المستجدات التي أفرزها ما يسمى بالربيع العربي الذي انعكست آثاره على تغيير موازين القوى الإقليمية وبروز تهديدات حقيقية لأمن دول الخليج ينبغي أن يتم التعامل معها بآليات جديدة يفرضها تغير موازين القوى في المنطقة. وللأسف فإن بعض المحللين تعاطوا مع التهديدات وكأنها تهديدات للأنظمة ولا تستهدف الشعوب، وأن مقترح الاتحاد الخليجي يصب في مصلحة الأنظمة لحمايتها من تلك التهديدات، وهذا فيه تسطيح كبير للتهديدات الحقيقية التي أصبحت واضحة وجلية وموجهة ضد المصالح الحقيقية لشعوب الخليج. فإيران لا تخفي مواقفها تجاه دول الخليج، فأعمالها الاستفزازية المستمرة في الجزر الإماراتية المحتلة، ودعاويها الباطلة بشأن البحرين، واستحواذها على العراق، وتحركاتها في اليمن، تمثل تهديداً استراتيجيّاً حقيقيّاً لدول الخليج أنظمة وشعوباً، ويتطلب ذلك إعادة ترتيب للبيت الخليجي حتى يكون قادراً على مواجهة هذه التحديات والمحافظة على الإنجازات.
ثم إن خروج مصر بوزنها الاستراتيجي من معادلة توازن القوى بالمنطقة، والتيه الذي تعيشه الآن يلقي أعباء إضافية على دول الخليج في تحمل مسؤوليات أمنية لم تكن تتحملها من قبل. وكل ذلك يصب بقوة باتجاه دفع دول الخليج نحو اتحاد يحافظ على وجودها ويحمي مصالحها ويحقق تطلعات شعوبها ويراعي خصوصية كل منها ويحافظ على الإنجازات التي حققتها كل دوله بغض النظر عن الشكل النهائي لهذا الاتحاد.
إن التهديد الإيراني لدول الخليج هو تهديد وجود سواء تمكنت إيران من امتلاك السلاح النووي أو تم منعها من امتلاكه، وهي تعمل وفق استراتيجية تصعيد تجاه العرب عموماً، والخليج خصوصاً، ولابد لشعوب الخليج كافة من إدراك ذلك الأمر والدفع باتجاه وحدة قادرة على التصدي لهذا الخطر. إن السعي الجاد لتحقيق شكل من أشكال الاتحاد بين دول الخليج لهوَ ضرورة تفرضها مصالح الشعوب الخليجية قبل أنظمتها، ولذا فإن على الذين يتولون مسؤولية وضع الدراسات الخاصة بالاتحاد الخليجي أن يضعوا في اعتبارهم أهمية توعية الشعوب بمبررات قيام هذا الاتحاد والمنافع التي سيجلبها لهم والأخطار التي سيدفعها عنهم. ومن أهمية التمهيد لإعلان الاتحاد بحملة إعلامية تتميز بالشفافية تخاطب البيت الخليجي الداخلي هو خطوة أساسية ومهمة لنجاح مثل هذا المشروع، لأن تحصين الجبهة الداخلية الخليجية من خلال وحدة يستشعر المواطن الخليجي قبل الأنظمة أنها تحفظ أمنه وتحمي مصالحه سينعكس على قدرة الاتحاد على مواجهة التحديات الخارجية وسيبعث برسائل للخارج تسهم في استقرار المنطقة ودفع الأخطارعنها.
-----------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس 17/5/2012.