الثلاثاء 15 مايو 2012
يبدو أن اتجاهات تصويت الصوفية هذه المرة ستكون محددة المعالم والمسارات، وذلك على غير ما حدث في الانتخابات التشريعية السابقة. فنتيجة المصالحة التي تمت بين التيارين الكبرين في الجماعة الصوفية المصرية، جبهة الإصلاح التي يرأسها الشيخ علاء الدين أبو العزايم ، وجبهة الشيخ القصبي، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، قد تتوحد، وتتوجه أصوات التيار الصوفي، سواء في المناطق المركزية أو في المحافظات، لمرشح رئاسي واحد يكون من غير الإسلاميين، وذلك لتخوفهم على مستقبل التصوف في مصر، في حال صعود مرشح إسلامي أو مرشح يتبنى أفكار التيار الديني المتشدد. ولذلك، قررت المشيخة العامة للطرق أن تلتقي بكافة المرشحين لاختيار الأنسب، والذي يحقق لهم شروطا وضمانات أعلنوها صراحة.
أولا- شروط الصوفية في المرشح الرئاسي:
أعلن مشايخ الطرق الصوفية أنهم قادمون بقوة في انتخابات الرئاسة، مؤكدين أنهم سيرجحون كفة المرشح الذي يتفقون علي تأييده في اجتماع الجمعية العمومية. وقد أتفق الأكثرية من مشايخ الطرق الصوفية على أن مرشحهم الرئاسي لابد أن تتوافر فيه عدة شروط، وأن يضمن لهم تحقيق مطالبهم التي هي تشبه مطالب المصريين عامة:
1- أن يفهم المرشح المتفق عليه في السياسة وفي القانون، ويعرف واجباته وحقوق الشعب، ويؤيد الحرية والعدالة والمساواة .
2- أن يتضمن برنامجه وأفكاره رؤية ثاقبة عن الوضع المصري الراهن والمستقبلي، وكذلك الأوضاع الصوفية بصفة خاصة، وبالتالي لن يلتفت للانتماءات الحزبية والسياسية التي ينتمي لها المرشح .
3- ألا يكون مرشحهم إسلاميا متشددا ، وسبق له موقف معاد للطرق الصوفية .
4- أن يكون للمرشح الرئاسي الذي تتفق عليه الطرق الصوفية خطة حقيقية عاجلة لمواجهة الانفلات الأمني والأخلاقي، والتحديات الداخلية والخارجية، ووضع حلول عاجلة لقضايا الفقر، والبطالة، والتعليم، والعدالة الاجتماعية، والأمن القومي، ودعم السياسة النقدية، والاستعداد لوصول سكان مصر عام 2050 إلى 150 مليون نسمة.
5- أن يكون المرشح قادرا على عودة العلاقات المصرية- الإيرانية منذ بداية توليه منصب الرئيس.
6- أن يقف المرشح على مسافة واحدة بين المسلمين والأقباط المصريين، ويحقق الدولة المدنية الحديثة، ويقضي على الخلافات المذهبية .
وارتبطت شروط الصوفية في اختيار المرشح الرئاسي ببعض المتطلبات الخاصة بهم، ألا وهي :
1- دعم المجلس الأعلى للطرق الصوفية ماديا ، حتى تستطيع الطرق الصوفية ممارسة دورها في المجتمع المصري الجديد بالتوازي مع التيارات الدينية الأخرى في المجتمع .
2- فصل المصادر المالية للمجلس الأعلى للطرق الصوفية عن وزارة الأوقاف، متضمنة صناديق النذور .
3- دعم الطرق الصوفية لممارسة وتفعيل دورها من خلال تشكيل لجان تدعم التصوف في المجتمع في كل المجالات ، وكذلك السماح للطرق الصوفية بإقامة الموالد وحلقات الذكر دون تصاريح أمنية ،كما كان يفعل النظام السابق .
ثانيا- الاتجاهات الأولية للتصويت على المستوى التنظيمي:
بسبب الخلافات التي دامت داخل البيت الصوفي المصري لمدة تزيد على ثلاث سنوات، والتي كان سببها النظام السابق، على حد تصريحات بعض مشايخهم ، ظل هذا الخلاف مهيمنا على عدم توحدهم ككتلة تصويتية واحدة، خلال الانتخابات البرلمانية السابقة " الشعب والشورى". وحتى الفترة السابقة على إعلان مرشحى الرئاسة لتفاصيل برامجهم على المحطات الفضائية والصحف المصرية، ظلت اتجاهات تصويت الصوفية منقسمة ومشتتة بين ماهو حزبي وماهو ائتلافي " ائتلاف شباب الصوفية "، وبين مشايخ ومريدي وأتباع الطرق الصوفية فوق الثلاثين عاما. لذلك، سنعرض لاتجاهات التصويت الأولية للحركة الصوفية على المستوى التنظيمي و المؤسسي، وهي كالتالي :
1- تحالف الأحزاب الصوفية التي حصلت على رخصة ممارسة العمل السياسي:
ظلت الخلافات سائدة بين رؤساء الأحزاب ذات المرجعية الصوفية، وهي أحزاب التحرير المصري، والنصر الجديد، ونهضة مصر، حول الاتفاق على مرشح رئاسي واحد تسانده، باعتبارها تمثل الجناح السياسي للحركة الصوفية في مصر، حتى تم تشكيل تحالف سمى بالتحالف السياسي للأحزاب الصوفية لتحديد ضوابط تأييد المرشح الرئاسي. ووقتها، أكدت تلك الأحزاب في اجتماعها الأول الاتفاق على سلوك ومنهج واحد، تحقق من خلاله مبادئ وأهدافا من أجل مصر قوية، محددة مرشحهم من بين حمدين صباحي، ومرشح ثوري آخر لم يذكر اسمه، بشرط ألا يكون عمل مع النظام السابق، أو مرشح عسكري. وهنا أكد علاء الدين أبوالعزايم، مؤسس حزب التحرير المصري لوسائل الإعلام، " أن الأحزاب الصوفية الثلاثة التي تتعدد الأسماء تبدو في موقفها من اختيار المرشح الرئاسي وكأنها حزب صوفي واحد يحمل اسما واحدا ، مطالبا بعدم التصويت لمرشح رئاسي عسكري أو مدني يتبع لتيار إسلامي، معربا عن تأييده للمرشح الرئاسي حمدين صباحي" .
2 - ائتلاف شباب الحركة الصوفية والذي بدأ يمارس نشاطه في بداية الثورة:
تشير التحركات الأولية لائتلاف شباب الصوفية حول اختيار المرشح الرئاسي إلى أنهم اتجهوا إلى اختيار مخالف تماما لما أكده مشايخهم، فكان المرشح المعلن بينهم هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح لأسباب ترددت بينهم، تمثلت في الانحياز إلى الوجوه الجديدة التي عارضت النظام السابق، ولعبت دورا كبيرا بين ثوار الميدان، وكانت سببا في إسقاطه. لكن هذا التأييد لم يستمر طويلا، حتى أعلنت التيارات السلفية بشكل رسمي تأييدها للدكتور أبوالفتوح، وهذا تسبب في تراجع ائتلاف شباب الصوفية عن تأييده.
وفي الوقت المبكر الذي أعلن فيه ائتلاف شباب الصوفية تأييدهم للدكتور أبوالفتوح ، أعلن الاتحاد العام لشباب الصوفية، وحزب الصفا الصوفي تحت التأسيس، دعم المرشح المستبعد اللواء عمر سليمان ، حيث صرح وقتها الشيخ ياسر النجار، رئيس الاتحاد العام لوسائل الإعلام، " إن قرار التأييد للواء عمر سليمان جاء بإجماع الهيئة الإدارية، باعتباره الأصلح لقيادة البلاد". وأيضا، أكد سيد محمود عبيدو، رئيس حزب الصفا الصوفي الشبابي تحت التأسيس، لوسائل الإعلام "أن الشباب الصوفي الواعي سيكون خلف اللواء عمر سليمان في المرحلة المقبلة، مؤكدا أنه دعا التكتلات الصوفية إلى استخراج التوكيلات قبل قفل باب الترشيح".
3 - مشايخ الطرق والمجلس الأعلى للصوفية:
نظرا للخلاف الذي كان سائدا بين مشايخ الطرق داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، فقد سيطر هذا الخلاف على الاتجاهات الأولية لاختيار المرشح الرئاسي، معتبرين أن الاتفاق على مرشح واحد تقييد لحرية المريدين والمحبين، وانقسمت اختياراتهم بين تأييد حمدين صباحي، وعمرو موسى، وأحمد شفيق، وعبدالمنعم أبوالفتوح. فجبهة علاء الدين أبوالعزايم طالبت بترشيح حمدين صباحي باعتباره يمثل الميدان، بينما عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية وجبهته، أيدا ترشيح أحمد شفيق، فيما طالب بعض المشايخ بتأييد الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، باعتباره يمثل التيار الإسلامي الليبرالي .
ثالثا:تحركات للتوافق حول مرشح رئاسي واحد:
سعت الجماعة الصوفية، بعد التأكد من خطورة صعود التيارات الإسلامية الأخرى، والتفافها حول مرشحين إسلاميين بعينهم، إلى القيام بتحركات داخل إطارها التنظيمي والاجتماعي بعقد مصالحة بين مشايخها بعد فراق دام أكثر من ثلاث سنوات ، ثم قامت بعقد جلسات داخل مجلسها الأعلى للاتفاق حول مرشح رئاسي واحد، بالإضافة إلى تحركات لوفود من مشايخها لمقابلة بعض المرشحين في منازلهم ، وكذلك استقبال بعض المرشحين في مقر المجلس الأعلى للطرق الصوفية. وكانت تحركاتهم كالتالي :
1- المصالحة بين الفرق المتنازعة:
تحديدا في الخامس والعشرين من فبراير الماضي، عقد مشايخ الطرق الصوفية مصالحة، تعاهدوا خلالها على التنازل عن جميع القضايا المنظورة أمام المحاكم، وإنهاء الخصومة بين جبهتي عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والسيد علاء الدين أبوالعزايم، رئيس جبهة الإصلاح الصوفي. وأقر مشايخ الطرق أن المصالحة جاءت في وقت مناسب، في ظل التحديات التي تواجهه التيار الصوفي، بعد صعود التيار السلفي، محددين اجتماعات مكثفة للجمعية العمومية، بعد إغلاق باب الترشح للرئاسة، وذلك للاتفاق على دعم مرشح رئاسي واحد .
2 - مقابلات المرشحين ووفود صوفية لمنازلهم:
بعد إتمام التصالح الصوفي، ودعوة مشايخ الطرق إلى الاتفاق على مرشح رئاسي واحد تدعمه كافة الطرق الصوفية، بدأت الكتيبة الصوفية تتحرك وتجتمع يوميا للمفاضلة بين المرشحين. ففي بداية مارس الماضي، زار رؤساء الأحزاب الصوفية ومشايخ الطرق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وذلك بعد يومين من إعلان التصالح، وهدفت الزيارة في ذلك الوقت- حسب تصريحات المشايخ لوسائل الإعلام- إلى استعراض الدكتور أبوالفتوح لبرنامجه الانتخابي، وتوجهاته السياسية، واستيضاح علاقته بجماعة الإخوان المسلمين، وموقفه مما تنادي به التيارات السلفية، وفي وقتها أكد المرشح للطرق أنه مرشح كل المصريين، ونافيا أن يكون مرشحا للإخوان المسلمين.
وبعد تلك الزيارة، أبدى فيها المرشح الرئاسي أبوالفتوح ترحيبه بالطرق الصوفية، وزيارته للمشيخة العامة للطرق فور إعلان ترشحه رسميا. وفى الوقت ذاته، لم تتوقف تحركات الطرق الصوفية نحو اختيار مرشح رئاسي واحد ، بل استقبلت العديد من المرشحين بمشيختها، فقد استقبل مشايخ الطرق المرشح عمرو موسي الذي كان من أوائل مرشحي الرئاسة الذين زاروا مشيخة الطرق. وفي الوقت ذاته، شرح عمرو موسي برنامجه الانتخابي لقيادات التيار الصوفي، مجيبا على تساؤلاتهم المتعلقة بالموقف من الخارج، وتحسين الأمن المصري، والقضاء على البطالة.
وفي ختام اللقاء، أكد عبدالهادي القصبي أمام المرشح وأمام جميع مشايخ الطرق الصوفية الحاضرين " أن القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة لم تعلن بعد ، وأنه عندما تعلن ستعلن المشيخة العامة عن مرشحها بشكل واضح". وكانت الزيارة الثانية في 28 أبريل الماضي لمقر المشيخة العامة للطرق الصوفية من نصيب المرشح الرئاسي أحمد شفيق ، الذي قدم نفسه للطرق الصوفية بأنه أحد أبنائها، وأنه صوفي أبا عن جد ، وأن برنامجه الانتخابي يحقق الصالح لمصر وللمصريين. بينما كانت الزيارة الثالثة للمرشح حمدين صباحي، والتي بدأها بزيارة مسجد الطريقة الرفاعية.
رابعا- الاتجاهات النهائية والمتوقعة لتصويت المتصوفة:
من خلال تحليل مقابلات المرشحين للرئاسة بالطرق الصوفية، ومن خلال تحليل مضمون تصريحات مشايخ الطرق، وكذلك رؤساء الأحزاب ذات المرجعية الصوفية، قد نستطيع تحديد الاتجاهات المتوقعة لتصويت المتصوفة، بمعنى من هو المرشح الرئاسي للطرق الصوفية؟ وإن كان تحديد هذا يتطلب منا توضيح المؤشرات الآتية:
1- تراجع الطرق الصوفية وائتلافات شبابها عن تأييد المرشح الرئاسي الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح، وذلك بعد التأييد الرسمي له من قبل التيار السلفي، الذي أعلن دعمه باعتباره مرشحهم الرئاسي. وتراجع الصوفية هنا يرجع إلى أن تأييد السلفية له يتطلب مناصرتهم لمرشح آخر لا ينتمي لأي من التيارات الدينية المتشددة، وهذا يعني رفض الصوفية وبالإجماع لتأييد أبوالفتوح، والدكتور محمد مرسي، والدكتور العوا .
2- المصالحة الصوفية والاتفاق على التوحد في الرأي، سواء من جانب مشايخ الطرق، أو من جانب الأحزاب ذات المرجعية الصوفية ( حزب التحرير المصري، وحزب نهضة مصر، وحزب النصر الجديد)، والإصرار على تكرار النداء بالتوحد والاتفاق خلال اجتماعات الجمعية العامة، والخوف على مستقبل الطرق الصوفية، كل هذا يعني اتفاق الصوفية على مرشح رئاسي واحد، وهو الأقرب لهم في أفكاره والأكثر معايشة لهم. ومن هنا، وبعد إعلان المرشح الرئاسي أحمد شفيق رسميا جذوره الصوفية، سواء على شاشات التليفزيون، أو في اجتماعاته مع مشايخ الطرق، والتي أكد فيها أن والده كان قطبيا صوفيا كبيرا في الطريقة الشاذلية، فإن هذا يعني أنه مرشحهم الرسمي المتفق عليه، ودليل ذلك أنه في نهاية لقاء المرشح أحمد شفيق مع قيادات الصوفية، أعلن الشيخ عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، أمام جميع المشايخ الحاضرين وأمام المرشح شفيق صراحة، تأييده له، حيث قال" إنه وباسم مشايخ الطرق الصوفية، يؤيد أحمد شفيق رئيسا لمصر". كما أن المقارنة بين تصريحات وتعليقات شيخ المشايخ في نهاية لقاءات المرشحين، تشير إلى أن المرشح الوحيد الذي أعلن القصبي أمام جموع الصوفية تأييده بطريقة مباشرة هو المرشح أحمد شفيق. ففي نهاية لقاء المرشح عمرو موسي بالصوفية في مقرهم بالمشيخة، قال القصبي صراحة أمام الحاضرين وللسيد عمرو موسي إن القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة لم تعلن بعد، وإنه عندما تعلن ستعلن المشيخة عن مرشحها بشكل واضح، وهذا يوحي بأن عمرو موسي ليس هو مرشح الصوفية .
3- إعلان السيد علاء الدين أبو العزايم، أحد كبار أئمة الطرق الصوفية ومؤسس حزب التحرير المصري، والداعم لائتلاف الأحزاب الصوفية الثلاثة، عن تأييده للمرشح أحمد شفيق للرئاسة، باعتباره هو الأنسب لقيادة مصر، يعني حدوث اتفاق بين تيارات الصوفية المتصارعة منذ أكثر من ثلاث سنوات على ترشيح شفيق رئيسا.
4- المرشح الثاني في اتجاهات تصويت الصوفية الذي قد تنتهي إليه الجمعية العمومية هو عمرو موسي، باعتبار أنه سيلقي دعما من الطريقة الرفاعية، وبعض الطرق التي تتحرك خلف الطريقة الرفاعية. فمن هذا التحليل، يتوقع أن تنتهي الجمعية العمومية للطرق الصوفية بتأييد أحمد شفيق، ويليه عمرو موسي، باعتبار شفيق أحد أبناء الطرق الصوفية، مع خروج جميع المرشحين الإسلاميين من حساباتهم، بسبب تخوفهم من صعود رئيس يتبع التيارات الإسلامية المتشددة التي تضعهم في مأزق صعب .