الأثنين 14 مايو 2012
منذ أن أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز عن الحاجة للتحول إلى اتحاد في 21 ديسمبر2011، اهتم المراقبون بالحديث عن شكل هذا الاتحاد، خاصة أن الدعوة كانت عامة، وتحدثت عن الانتقال من مرحلة "التعاون" إلى "الاتحاد في كيان واحد"، دون أي تفاصيل محددة.ولكن لهذه الدعوة عدة دلالات ربما تتخطى فكرة شكل الاتحاد نفسه.
سياق داخلي وإقليمي متحول
تتعلق الدلالة الأولى بالسياق الإقليمي الذي أصبح شديد التحول، والذي خلق مخاطر جديدة على أمن النظم الخليجية، وهذا ما عبرت عنه صراحة حالة البحرين، التي ثبت عدم حصانتها كدولة خليجية، أمام حالة الثورة التي اجتاحت المنطقة العربية منذ نهاية 2010. فمنذ 14 فبراير 2011 ، شهدت مظاهرات واعتصامات شلت الدولة، وهددت شرعية النظام القائم، مما اضطر السعودية للتدخل لحماية النظام في البحرين، تخوفا من انهياره، أو من نجاح المعارضة الشيعية في السيطرة على الحكم.
وكان تدخل قوات درع الجزيرة غير مسبوق في تاريخ مجلس التعاون، خاصة من حيث الدول التي شاركت في هذه القوات. فرغم أن الحجم الأكبر لها كان للسعودية، فإن الكويت والإمارات وقطر شاركت بقوات أيضا، وهذا ما يجعلنا أمام وضع مختلف تماما عن وضع التسعينيات، عندما تدخلت القوات السعودية لمساندة النظام في قمع احتجاجات المعارضة الشيعية، وهو ما يكشف عن تبلور إدراك "مشترك" بين هذه الدول حول خطورة ما كان يجري في البحرين، وما سيطرحه من تداعيات على أمنها الداخلي، خاصة ما يتعلق منها بمطالب المواطنين الشيعة، خاصة أن هذه الدول، لاسيما السعودية والإمارات، وبدرجة أقل الكويت، تعاني مشاكل في علاقتها مع أبناء الطائفة الشيعية.
كما عبر عن هذه التحولات حالة الكويت التي أخذت تتأثر بأوضاع ما بعد الثورات، وما صاحبها من تنامي نفوذ المعارضة الإسلامية، والتي أصبحت تقود في داخل الكويت المطالبة برئيس وزراء شعبي منتخب. وبالتالي، أصبحت النظم الحاكمة في الخليج تواجه تهديدا مزدوجا من قبل قوى الإسلام السياسي الشيعي، وهو ما تعبر عنه بوضوح حالة البحرين، وقوى الإسلام السياسي السني، وهو ما يعبر عنه الإخوان في الكويت.
وتتعلق الدلالة الثانية بأن هذه الدول، خاصة السعودية، ستتدخل لتحديد شكل التحولات التي يمكن أن تقع في الدول القريبة منها جغرافيا، وهذا ما يعبر عنه موقف مجلس التعاون من الثورة في اليمن، حيث حرصت السعودية، من خلال المجلس، على أن تكون قريبة من صياغة شكل النظام الجديد هناك، والحيلولة دون وقوع ثورة كاملة على الحدود الجنوبية لها، وهذا ما تعبر عنه المبادرة الخليجية، التي غيرت شخص الرئيس فقط، وتركت النظام كما هو.
وتتعلق الدلالة الثالثة برغبة هذه الدول، وبدرجة كبيرة السعودية، في موازنة النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي تتخوف من تزايده، في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، خاصة مع اتجاه إيران، كما أعلن عن ذلك نائب الرئيس الإيراني، محمود رضا رحيمي، لتشكيل "تكامل تام" مع العراق، فضلا عن تصعيد إيران سياستها تجاه جزيرة أبو موسى، وهو ما يمثل في التحليل الأخير تحديا للنفوذ السعودي في المنطقة.
وقد كشفت هذه التحولات عن تطور إدراك مشترك بأهمية التنسيق بين السياسات الخارجية والدفاعية لدول المجلس، رغم اختلاف أولويات هذه الدول، تجاه قضايا محددة، وهذا الاختلاف يظهر من حين لآخر، وبدرجات متفاوتة، ومنها موقف قطر من الاحتجاجات في البحرين. وقد عبر عن هذا الإدراك المشترك، بداية، التحرك لتوسيع مجلس التعاون ليضم الأردن والمغرب، فيما يشبه تحالفا للملكيات، ثم الحديث عن اتحاد خليجي.
وكلتا الدعوتين تدل على أن السعودية، من خلال المجلس، أصبحت مدركة أن استمرار مجلس التعاون، كما هو، لم يعد ملائما للتحولات التي تشهدها المنطقة، وأن "تحصين" أمن دول الخليج يتطلب خلق أطر جديدة قادرة على استيعاب تلك المخاطر، وهو ما سيتحقق من خلال الاتحاد، حيث لم يعد الاعتماد على واشنطن كافيا، كما كشف عن ذلك موقفها من نظام مبارك.
عوائق تحقق الاتحاد:
إذا كانت الظروف المصاحبة للثورة الإيرانية، وللحرب العراقية –الإيرانية، قد سمحت بنشأة مجلس التعاون الخليجي، فإن الظروف الحالية لن تسمح لدول الخليج بالتخلي عن طبيعتها كدول مستقلة ذات سيادة لتنخرط في اتحاد خليجي. ويمكن هنا رصد عدد من المعوقات.
- العائق الأول ، ويتعلق بأنه رغم وجود حد أدنى من الإدراك المشترك للمخاطر الناتجة عن "الربيع العربي" لدى دول المجلس، فإن هناك اختلافا كبيرا في مصالحها وتفضيلاتها حول من سيحكم دول "الربيع العربي". فعلى سبيل المثال، تقبل قطر سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم في تونس ومصر، وربما سوريا، في حين تتحفظ الإمارات على ذلك، وتتوجس السعودية من ذلك.
- العائق الثاني ويتعلق بوجود اختلافات حقيقية بين دول المجلس الست، فهناك دولة قطر. فرغم تنسيقها مع السعودية حول عدد من القضايا خلال هذه المرحلة، فإن هناك تاريخا من العلاقات الشائكة، وإشكاليات في علاقتهما، والتي قد تجعل قطر حساسة تجاه الاندماج في اتحاد تقوده السعودية. كما أن اعتراض السعودية حال دون بناء جسر بين قطر والبحرين، ودون شراء البحرين الغاز من قطر.
كما أن هناك الدولة "المستقلة" التي تعبر عنها بدرجة كبيرة الإمارات والكويت، واللتان لن تقايضا بسهولة الاستقلال لصالح اتحاد تقوده السعودية، وهذا ما أكده في فترات سابقة انسحاب الإمارات من الاتحاد النقدي، اعتراضا على اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الاتحادي. أما بالنسبة للكويت، فإنها تعاني أزمات داخلية، خاصة بهيكل النظام السياسي، والتي قد تجعل من "غير الملائم"، كما تحدث رئيس مجلس الأمة الكويتي، الحديث عن اتحاد خليجي. وتقترب عمان من هذا النوع من الدول بصورة كبيرة، وهي لم تتحمس لفكرة الاتحاد، حيث رأى وزير الشئون الخارجية، يوسف بن علوي، أن "فكرة الاتحاد غير مفهومة بالنسبة لنا من حيث التطبيق والآليات، ولا من حيث الحاجة، أو الإيجابيات أو السلبيات. لو لم يكن مجلس التعاون لقلنا إن هذه الفكرة يمكن أن ندرسها، لكن الآن يوجد لدينا كيان له آلياته، وقوانينه، وحقق الكثير من الأشياء".
- العائق الثالث ويتعلق بأن هناك اختلافا كبيرا في نظم الحكم في هذه الدول من حيث درجة تطورها السياسي، مما يجعل اندماجها قبل الاتفاق على شكل موحد للنظام غير مقبول. فهناك النظم الملكية، مثل البحرين والسعودية مع الاختلاف، حيث إن الأولى تقبل بالانتخابات، ولديها دستور مكتوب، وتسمح بوجود جمعيات سياسية، وتسمح بمشاركة المواطنين على اختلاف مذاهبهم في الحياة السياسية، على عكس السعودية. وهناك الكويت، التي تقدم نموذجا أقرب إلى الملكية الدستورية. وتعبر الامارات عن الدولة الفيدرالية، التي تتشكل من سبع إمارات تتمتع بدرجة من درجات الاستقلال في مواجهة الحكومة الاتحادية.
مستقبل الاتحاد الخليجي:
في ضوء هذه العوائق، يمكن الحديث عن ثلاثة أشكال من المحتمل أن يأخذها الاتحاد الخليجي:
- السيناريو الأول ، ويتمثل في اتحاد بين البحرين والسعودية، وهو يستند إلى حاجة البحرين إلى الدعم السعودي من أجل تعزيز الشرعية الداخلية للنظام، ومن أجل امتصاص الضغوط التي تمارسها المعارضة. وفي الوقت نفسه، تحتاج السعودية إلى ضمان عدم اهتزاز الحكم السني هناك لصالح المعارضة الشيعية على نحو قد يمثل محفزا لشيعة السعودية، الذين أخذوا ينظمون العديد من المظاهرات رافعين علم البحرين. وهذا الاتحاد قد ينتهي في شكل دولة واحدة بنظامين مختلفين تماما، أو قد يأخذ شكل دولة فيدرالية بحكومات محلية.
- السيناريو الثالث ، ويتمثل في تطوير مجلس التعاون ليسمح بمزيد من التنسيق بين دول المجلس في مجالي السياسة الخارجية والدفاع، وبالتالي لن يكون هناك تغير كبير في المجلس، مقارنة بالوضع الحالي. وقد يكون هذا الخيار هو الأكثر ملاءمة لدول المجلس، نظرا لميولها للحفاظ على استقلالها في إدارة شئونها الداخلية، وفي الحفاظ على سيادة الأسر الحاكمة. ولكن تظل مسألة هل سيشمل الدول الست أم لا مرهونة برؤية هذه الدول لحجم المصلحة التي ستعود عليها من وراء ذلك.
- السيناريو الثالث ، ويتمثل في تطور مجموعة من الاتحادات النوعية، بعيدا عن الاتحاد السياسي، مثل تشكيل منظومة دفاعية على غرار الناتو، مع احتفاظ كل دولة بنظامها السياسي. وفرص انضمام دول المجلس لهذا الشكل، خاصة الإمارات وقطر، مرتفعة نسبيا، نظرا لارتباطه بمصالح محددة لها. وتظل فرصه مرتبطة بتوزيع المكانة في هذا الاتحاد، بمعنى هل سينتهي الأمر بهيمنة السعودية على هذه الاتحادات الجديدة، أم سيتم السماح لدول أخرى بممارسة دور قيادي فيها؟.
وبالتالي، إذا كانت السعودية هي من يقود التحرك من أجل تطوير مجلس التعاون، فإنها يجب أن تقدم تنازلات للدول الأخرى، حتى تنجح في تحركها، وهو قد يكون التحدي الحقيقي أمام السعودية.