الأثنين 7 مايو 2012
لمن سيصوت الأقباط فى الانتخابات الرئاسية؟ .. سؤال يطرح نفسه على الساحة السياسية بقوة، خاصة فى ظل التساؤل حول طبيعة السلوك التصويتي للأقباط، هل يمثل الأقباط كتلة تصويتية واحدة سيحظى بها أحد المرشحين، خاصة فى حال تبنى الكنيسة لمرشح بعينه، رغم عدم إعلانها ذلك على الملأ؟ أم ستتوزع أصواتهم على المرشحين، مثلهم مثل غيرهم من الناخبين؟.
ففى ظل اكتساح تيار الإسلام السياسى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تتزايد مخاوف الأقباط من انحسار دورهم السياسى، ومن ثم تتعدد التحليلات حول موقفهم التصويتى فى الانتخابات الرئاسية القادمة. فالبعض يشير إلى استحالة أن يعطى الأقباط أصواتهم لمرشحى الأحزاب الدينية، فيما يؤكد البعض الأخر أن خيارات المسيحيين ستنحصر فى واحد من المرشحين الذين ينتمون للقوى المدنية، بينما ينحاز أخرون إلى فكرة أن يؤيد الأقباط أحد المرشحين من أبناء النظام السابق، خوفا من تدهور أوضاعهم.
على أى حال، ربما تكون أصوات الأقباط مؤثرة فى تقدم مرشح على آخر، فهل سيكون التوافق بعيدا عن الدين هو الدافع لعملية تصويت الأقباط فى الانتخابات الرئاسية؟ أم أن المخاوف القبطية من الصعود الإسلامى ستدفع بالكتلة التصويتية القبطية باتجاه معين؟.
أولا- إشكاليات الاختيار:
تبلورت إشكالية الأقباط فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، حيث تفتتت أصواتهم، وفشلوا فى تكتيل أصواتهم خلف مرشح ما بسبب تعدد مستوياتهم المادية والاجتماعية والثقافية، خاصة أنه لم يظهر مرشح ليبرالي ديمقراطي كبير، أو مرشح توافقي يحسم نتيجة الانتخابات قبل أن تبدأ.
ولعل أهم ما يميز الانتخابات الرئاسية المقبلة – غير اختلاف البرامج وتنوعها – أن بعض مرشحيها أصحاب تاريخ وظيفي أو سياسي أو عسكري حافل، والبعض الآخر شخصيات عادية حالمة بواقع أفضل، والبعض الثالث يسعى للشهرة والانتشار، وهي تبقى على كل حال أول انتخابات رئاسية حقيقية تجرى في مصر تحت الإشراف القضائي الكامل، وتشهد مرشحين ومتنافسين من كافة التيارات السياسية ببرامج وأفكار مختلفة، مما يصب في النهاية في مصلحة الناخبين، مسلمين كانوا أو أقباطا.
وتتبلور ثانية هذه الإشكاليات فى موقف قيادات الكنيسة من المرشحين، حيث فضلت قيادات الكنيسة الصمت في هذه المرحلة، وأعلنت أن موقفها واحد من كل الأسماء المرشحة لخوض الانتخابات الرئاسية.ولكن الناشطين السياسيين الجدد من الأقباط، والذين خرجوا من رحم ثورة يناير، بل وقبلها بفترة، أعلنوا موقفهم من انتخابات الرئاسة، وحددوا ملامح الرئيس الذي سيعطونه أصواتهم، والذي يريدونه لمصر. ولعل هذه الإشكالية تحدث بدورها انقساما فى صفوف الأقباط حول أي من المرشحين سيختارون، خاصة أن توجهات ورؤى رجال الدين تختلف عن توجهات ورؤى شباب الأقباط.
الإشكالية الثالثة تتجلى فى توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية ذاتها. فتزامن إجراء الانتخابات مع مرور أقل من شهرين من رحيل البابا شنودة الثالث وشخصيته الكاريزمية فى التأثير فى الأقباط من جهة، وتمثيلهم من جهة أخرى، قد يؤدى إلى مزيد من الاختلافات والتشرذمات التصويتية للأقباط فى الانتخابات الرئاسية، وذلك رغم بدء الانقسامات قبل رحيل البابا بين الأقباط والكنيسة، خاصة فى الأمور السياسية.
الإشكالية الرابعة تتمثل في المرشحين الإسلاميين، والتى أثار ترشحها للمقعد الرئاسي لغطا داخل أوساط القوي السياسية، وبخاصة داخل الصف القبطي الذي انقسم ما بين مؤيد ومعارض، والغلبة كانت للأخير، فقد خرجت أصوات لتؤكد رفض الوصاية التي يحاول التيار الإسلامي ورجاله فرضها على الثورة.
ثانيا- محددات التأييد:
لعل طرح كتلة تصويتية (قبطية) واحدة هى بمثابة "طرح طائفي"، أو على الأقل به شبهة طائفية، خاصة أنه يعني إهدار الجهود التي تكرس للاختيار بين المرشحين على أساس الهوية الوطنية .ومن ثم، فإنه إذا جرت الانتخابات الرئاسية المقبلة على طريقة "الحشد" مقابل"الحشد"، فسيكرس الأقباط مبدأ (الجيتو) الطائفى لجماعة دينية لها توجهات وتفضيلات تختلف عن تفضيلات (الطوائف) الأخرى، بدلا من كون الأقباط فصيلا اجتماعيا رئيسيا له تفضيلات سياسية متباينة.
ولعل محددات دعم الأقباط لأي مرشح من مرشحى الرئاسة لا تختلف عن تلك المحددات التى يؤيدها المصريون كافة، سوى أن الرئيس الذي سيحظي بدعم الاقباط هو الرئيس الأكثر دراية بمشاكلهم، وله فكر وطني يدعم الدولة المدنية، وليس الدولة الدينية. كما أن الرئيس القادم مُطالب من الأقباط بحل مشكلات التمييز بينهم وبين المسلمين مع تحقيق العدالة، وتبني قضايا المواطنة والوحدة الوطنية ،حفاظاً على وحدة الوطن. فاختيار أي مرشح من قبل المواطنين الأقباط يتوقف على برنامج المرشح ومدى تحقيقه للشروط السابقة. فإذا كان برنامج المرشح لانتخابات الرئاسة سوف يحقق طموحات ومتطلبات القبطى كمواطن، فسيقوم بانتخاب ذلك المرشح، كونه الأنسب له.
وتبرز هنا معضلة البيئة المؤثرة فى الاختيار، خاصة فى إطار لا يحترم التباينات والاختلافات، وفى ضوء غياب التوافق علي مرشح دون الآخر ، وفى ظل التخوف من بعض المرشحين المنتمين للتيار الاسلامي. لذلك، جاءت جهود هيئات المجتمع المدنى المتعددة لحث جميع المواطنين على المشاركة في العملية الانتخابية، واتخاذ موقف إيجابي من الانتخابات، علي أساس المصلحة العليا للوطن ، وبما يفيد (القبطى) كمواطن يريد أن يحيا حياة كريمة.كما تبرز معضلة أخرى فى إطار تحديد شروط تأييد الأقباط لمرشح بعينه ، فالأقباط ذاتهم رفضوا وجود مرشح رئاسي قبطي، خاصة أنهم يدركون تماما أنهم يعيشون في مجتمع إسلامي، وفي ظل ثقافة إسلامية. وعلى الرغم من أن لديهم بعض المطالب التي يسعون إلى تحقيقها، فإنهم يرفضون فكرة تدخل الخارج لحل تلك المشكلات.
وتتعدد أسباب غياب المرشحين الأقباط عن انتخابات الرئاسة، فالأقباط يعرفون أنهم مادام لم ينجحوا فى انتخابات الشعب والشورى إلا بنسبة ضيئلة جداً، فمن الطبيعي ألا يحققوا نجاحا بانتخابات الرئاسة، وبالتالي هم سوف يعطون أصواتهم للمرشح الرئاسي الذي يؤمن بالمواطنة، والمساواة، وعدم التمييز، ويعطيهم حقوقهم مثل المسلمين. والمهم في الرئيس القادم بالنسبة للأقباط أن يحل مشكلات التفرقة والتعصب، ويهدئ مخاوفهم من بعض تصريحات أنصار التيار الإسلامي المتشدد كتصريحات بشأن الجزية وأهل الذمة.
وحتى الآن -وعلى الرغم من قرب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية- فإنه لا يوجد مرشح رئاسي حالي يُرضي مطالب الأقباط في تحقيق العدل والمساواة، ويؤمن بالمواطنة، ويتبنى قضية الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط، خاصة أن جل أفكار وبرامج مرشحي الرئاسة الحاليين لم توضح الآليات المتبناة لتحقيق مطالب الأقباط السياسية أو الاجتماعية.
ثالثا- الكنيسة والمرشحون:
لا يمكن الحديث عن توجهات الأقباط وسلوكهم التصويتى المتوقع فى إطار الانتخابات القادمة دون الحديث عن موقف الكنيسة من المرشحين الحاليين، بعد إعداد اللجنة العليا للانتخابات القائمة النهائية بأسماء المرشحين فى الثامن عشر من أبريل الماضى. فعلى الرغم من الانفصال الواقع بين توجهات وتحيزات الكنيسة، وتوجهات ورؤى الحركات القبطية (المدنية)، فإن موقف الكنيسة لا يزال مؤثرا، خاصة فى تفضيلات الأقباط غير المسيسين، أو هؤلاء قليلى الدراية أو الإلمام بمعطيات الخريطة السياسية.
منذ مرحلة ما بعد الاستفتاء، برزت الكتلة التصويتية القبطية كـ"متغير" جديد على المسرح السياسي. المرشحون المحتملون للرئاسة أغلبهم وطئت أقدامهم المقر البابوي، في محاولات متعاقبة لكسب تأييد قيادات الكنيسة، وانطلاقا من تعداد الأرثوذكس الذين يمثلون أغلبية بين الطوائف المسيحية، ويبدو ذلك – إلى حد ما- سيرا على خطى النظام السابق.
إشكالية الكنائس القبطية الثلاث ليست في الاستقرار على مرشح "ليبرالي" يوازي منافسه من ذوي المرجعية الدينية في شعبيته وانتشاره، بقدر ماهي في تفاوت الرؤى إزاء القرارات المصيرية الحاسمة، وتفضيلات الانتظار حتى اللحظات الأخيرة لإعلان القرار الأنسب لصالح (الشعب القبطى). يدلل على ذلك ما تمخضت عنه مواقف الكنائس الثلاث (الأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية) إبان الأيام الأولى للثورة، وقتئذ كان الانحياز للنظام الحاكم موقفا أعلنته الكنيسة القبطية، مصحوبا بـدعوات لاستقرار الأوضاع، ومُذيلا على استحياء بتأييد مطالب التغيير.
وبعد أيام من التنحي، اجتمع المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وأصدر بيانا أكد خلاله دعم الكنيسة لـ "ثورة يناير"، ثم أعقبه اجتماع للطوائف المسيحية، إبان الإعلان عن إجراء استفتاء شعبي، على الإعلان الدستوري. تمخض الاجتماع الذي ترأسه الراحل البابا شنودة الثالث عن احترام الكنائس للمادة الثانية من الدستور الخاصة بـ"الشريعة الإسلامية" محل الجدل وقتئذ، مع المطالبة بـ"إلحاق" جملة مضافة لها تأتي في (حق الطوائف المسيحية في الاحتكام لشرائعها). ولكن قبيل الاستفتاء، برز "الاستقطاب الديني" ليعكر صفو مرحلة جديدة في مصر ما بعد الثورة.
ونجحت الكنائس في توجيه رعاياها إلى التصويت بـ"لا" في الاستفتاء، يقابلها على الجانب الآخر (تيار ديني) يدفع ناحية التصويت بـ"نعم" تحت شعار الاستقرار الذي ستكفله. ثم واصلت الكنائس مجتمعة مسيرة التوجيه المنظم في الانتخابات البرلمانية لتصبح فاعلا رئيسيا، و"كتلة تصويتية" يسعى إليها مرشحو الرئاسة، في مواجهة كتلة "التيار الإخواني- السلفي".
وفي الوقت الذى تسعى فيه القوى الإسلامية للاصطفاف خلف مرشح إسلامي في الانتخابات الرئاسية، يبدو أن هوى الكتلة التصويتية لمسيحيي مصر بات أكثر ميلا لدعم مرشح من أنصار الدولة المدنية، بعد أن أصبح الاستقطاب الديني أكثر بروزا خلال الأسابيع الماضية. ورغم انفتاح شباب مسيحي على حملات مرشحين إسلاميين، بدأ المزاج العام في الأوساط المسيحية يتجه لدعم مرشح مدنى، وسط مساع لنشطاء ومفكرين مسيحيين لتوحيد الصف المسيحى خلف مرشح واحد، وهو الأمر الذى نأت عنه الكنيسة القبطية، قائلة إنها "ستترك حرية اختيار مرشح الرئاسة لشعبها".
وفى انسجام مع موقف الجناح الدينى بالكنيسة، المتمثل فى تصريحات وبيانات المجمع المقدس، أشار الجناح العلمانى، المتمثل فى المجلس الملى العام، إلى عدم اتفاق أعضائه علي مرشح معين للرئاسة، إلا أنه يميل إلى المرشح الذى يدعم الدولة المدنية الحديثة.وقال المجلس، في بيان له: "طالعتنا العديد من الصحف حول تصريحات بعض من المرشحين المحتملين للرئاسة، وأفراد حملتهم، يتضمن موقف الأقباط كشريحة أصيلة داخل المجتمع من الانتخابات، لذا كان من الضرورى أن يقوم المركز بتشكيل لجان ميدانية لرصد الموقف العام للأقباط تجاه تلك التصريحات التى من شأنها إحداث بلبلة فى الشارع القبطى".
وأضاف البيان أن "اللجان الميدانية انتهت إلى عدم وجود اتفاق نهائى بين الأقباط على مرشح، وإنما الاتجاه العام يميل إلى المرشح الذى يدعم الدولة المدنية الحديثة التى تحترم المواطنة والدستور، وأيضًا يجيد التعامل مع الملف القبطى".
رابعا- الأقباط وأبرز المرشحين:
لا يمكن التفصيل فى موقف الأقباط من كل مرشح من مرشحى الرئاسة على حدة، ولكن يمكن استقراء الاختلافات بين صفوف الأقباط فيما يتعلق بأبرز المرشحين الذين استطاعوا جذب نسب عالية من تفضيلات الأقباط لصالح برامجهم الانتخابية.
- المرشحون الليبراليون: لا شك فى أن الاقباط سوف يدعمون مرشحا يناصر الدولة المدنية، ذا توجه ليبرالي يؤمن بالمواطنة والتعددية الدينية والثقافية. لذا، تتجه الأكثرية المسيحية نحو دعم عمرو موسى، أو أحمد شفيق، ليس عن قناعة ببرنامجيهما الانتخابيين بقدر ماهو حالة من الاصطفاف الديني كمثل التي شهدتها الانتخابات البرلمانية السابقة ، خاصة مع تعهد عدد من المرشحين المحسوبين على التيار المدني بإنهاء المشكلات الطائفية في مصر، مثل أزمة بناء الكنائس، وتشريع قانون إقامة دور العبادة. فالقلق من سيطرة التيار الإسلامي على البرلمان يدفع الأقباط إلى اعتبار سيطرة الإسلاميين على الرئاسة تهديدا للدولة المدنية، ولمطالب الأقباط.
- المرشحون الإسلاميون: لا شك فى وجود ارتياب حاد من قبل الأقباط تجاه أى من مرشحى التيار الإسلامى، أو حتى مرشحين ذوى مرجعية إسلامية. فهناك ثلاثة مرشحين يقدمون أنفسهم كمرشحين إسلاميين، أو ذوي خلفية إسلامية، وهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، العضو السابق بجماعة الإخوان المسلمين، والدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور محمد سليم العوا، المفكر الإسلامي. و لجماعة الإخوان المسلمين تصريحات متضاربة بشأن العلاقة بين المسلم والمسيحى، وولاية المسيحى، وغيرها من الأمور التى تدفع الأقباط إلى استحالة تأييد مرشح الجماعة.
كما توترت العلاقة بين المفكر الإسلامي، سليم العوا، والكنيسة المصرية، على خلفية تصريحات له، تحدث فيها عن وجود أسلحة داخل الكنائس، وهو أمر يصر العوا على نفيه، مشيرا إلى أن تصريحاته "أسئ فهمها". بينما حدث اختلاف بين صفوف الأقباط حول دعم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، كونه عضوا سابقا بجماعة الإخوان المسلمين، ويشكك بعضهم فى كون الخلاف بينهما مجرد حيلة ليظهر أمام الرأى العام بأنهم لا يؤيدونه ،وأن مرجعيته لا تعطى أى طمأنينة للأقباط نحو التزامه بمدنية الدولة وحقوق المواطنة، مما قد يكمل سيناريو سيطرة الإخوان على السلطة كاملة، فى حالة فوزه.
- المرشحون الثوريون: إن الجدل الدائر حول دعم مرشح رئاسي كشف عن صراع بين الأجيال داخل الصف المسيحي. ففي حين يطالب النشطاء الشباب بدعم أحد المرشحين المحسوبين على الثورة، يفضل الأكبر سنا اختيار مرشحين محسوبين على النظام السابق. وفى إطار المرشحين الثوريين، يبرز اسم كل من المرشح حمدين صباحى ممثلا للتيار اليسارى، مناصرا للدولة المدنية، ومنحازا للفقراء، ومناصرا للعدالة الاجتماعية. ويحظى صباحى بتأييد عدد ليس بالقليل من الأوساط القبطية، خاصة الشبابية .
وفى التوجه اليسارى ذاته، يبرز أيضا (مرشح الشباب) -كما يُطلق عليه- خالد على، الذى يحظى بنسب تأييد أقل داخل الأوساط القبطية من تلك التى يحصل عليها حمدين صباحى لصغر سنه، ولحداثة خبرته السياسية، إلا أنه حرص على التفاعل مع شباب الأقباط، فى إطار لقائه مع وفد من حركة "أقباط بلا قيود" بمقر حملته الانتخابية بوسط البلد ، فى التاسع والعشرين من أبريل الماضى، حيث عرض موقفه من المادة الثانية من الدستور المصري، قائلا "لا أمانع فى أن يكون الإسلام مصدرا للتشريع، مع إضافة جملة تؤكد احتكام أصحاب الديانات غير الإسلام إلى شرائعهم".
إن كل مرشح من المرشحين يبحث عن كيفية جمع أكبر عدد من أصوات الأقباط, فهي تضمن له خطوات تقدم حقيقية في سباق الجلوس على كرسي رئيس مصر، والذي يتنافس عليه عدد كبير من المرشحين من مختلف التيارات. وفى حين فضلت قيادات الكنيسة الصمت في هذه المرحلة، خرج الناشطون السياسيون الجدد من الأقباط معلنين موقفهم من انتخابات الرئاسة، محددين ملامح الرئيس الذي سيعطونه أصواتهم، انطلاقا من رؤى مدنية أولا، ثم تحيزات دينية ثانيا ، خاصة بعدما أعلن عدد منهم عن نيتهم تأييد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، رغم خلفيته الإسلامية.
ملاحظات ختامية:
أولا: إن الأقباط لا يشكلون "جماعة مستقلة"، أو "كتلة مغلقة متجانسة"، فالأقباط غير متماثلين من حيث الانتماء الاجتماعي والسياسي، فهم منتشرون في جسم المجتمع رأسياً، ومنهم العامل، والفلاح، والمهني، والحرفي، ورجال الأعمال، والتجار، ولا يربط بينهم سوى الانتماء إلى مصر من جانب، والانتماء الديني من جانب آخر، وبين هذين الانتماءين، تفترق المصالح والتحيزات والرؤى. ونتيجة لعدم التجانس، لا يتخذ الأقباط موقفاً متماثلاً من القضايا العامة، ولاسيما فيما يتعلق بالشأن القبطي. إن عوامل من قبيل "الأوضاع التاريخية"، و"الخلفية العلمية"، و"الانتماء الطبقي"،و"الإدراكات الشخصية"، و"الموقع السياسي" تؤدي دورًا لا يستهان به في تحديد طبيعة الاتجاه التصويتى للأقباط فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثانيا: إن البيئة المحيطة بالانتخابات وبمصير المرشحين من مفاجآت غير متوقعة قد ألقت بظلالها على تفضيلات وتحيزات الناخبين الأقباط فى دعم أو تأييد مرشح بعينه. فمثلا، قيام اللواء عمر سليمان بسحب أوراق ترشحه فى اليوم الأخير من فتح اللجنة العليا للانتخابات أبوابها لاستقبال طلبات المتقدمين قد أدى لإحداث انقسامات شتى بين صفوف الأقباط، فمنهم من رآه نموذجا قادرا على التصدى بقوة لمرشحى التيار الإسلامى، بينما رآه آخرون بمثابة الخطوة الرجعية التى تلتف على مطالب الثورة وطموحات الثوار. كذلك، تقدُم المهندس خيرت الشاطر بسحب أوراق ترشحه، ثم إعلان اللجنة العليا عدم جواز ترشحه بسبب الأحكام القضائية المتورط فيها، ثم إقرار قانون العزل السياسى الذى بموجبه استبعد المرشح الفريق أحمد شفيق، ثم أعيد إلى سباق الرئاسة بموجب طعن تقدم به وتم قبوله، هذا التذبذب والغموض الذى أحاط بمصير المرشحين، إلى وقت قريب، قد نال إلى حد كبير من تجانس الكتلة التصويتية للأقباط فى الانتخابات الرئاسية.
ثالثا: إن طبيعة المرحلة التى يمر بها "البيت من الداخل" بعد رحيل البابا شنودة باتت مهددة لتماسك وترتيب المؤسسة الداخلى من أكثر من ناحية ، منها تراجع القدرة فى السيطرة على الأساقفة، وفقا لحنكة البابا الراحل المعهودة، كذلك خبرته فى التعامل مع المتغيرات السياسية الكبرى كتلك التى تشهدها مصر فى إطار الإعداد لانتخابات الرئاسة. ولقد برز ذلك فى إطار تصريح الأنبا باخوميوس، قائم مقام البطريرك، "بأن الكنيسة لن تتدخل فى اختيارات الأقباط للرئيس القادم ، وأن جميع المرشحين لهم نفس التقدير.... " ، فى إشارة إلى أن الكنيسة لم تعد تلتف حول شخص البطريرك فحسب.
رابعا: إن الإجابة على سؤال: لمن سيصوت الأقباط؟ هى إجابة صعبة بكل تأكيد، لكن هناك محددات للسلوك التصويتى، من الممكن الإشارة إليها، مثل أن الاختيار سيكون للأشخاص، لا للأفكار، ولا للبرامج الانتخابية. وسيكون أيضا للبعد الدينى دور مهم فى التأثير فى عملية الاختيار، وقد تكون الانحيازات الدينية عاملا حاسما فى الانتخابات الرئاسية. كما أن الكتل التصويتية المتأرجحة التى لم تحدد مواقفها بعد من الأقباط ستكون هى العامل النهائى الحاسم الذى سيحدد اختياراتهم لرئيس مصر القادم.
خامسا: إن الحل الوحيد لتحديد موقف الأقباط من الانتخابات الرئاسية هو انحيازهم لمفهوم الوطن في مواجهة مفهوم الجماعة أو الطائفة، وهو مطلب صعب على (الأقلية) دائماً، خاصة عندما تكون( الأغلبية) قد وقعت في هذا الخطاً من قبل وكرسته، بل وتبنته.
إن الأقباط يريدون رئيسا غير تقليدي، وهو ما لم يعثروا عليه بين المرشحين المحتملين للرئاسة حتى الآن، خاصة وأن أوضاعهم السياسية والاجتماعية لا تزال كما هي دون أي تغيير جذري أو تحسن، مثل غالبية المصريين، منذ اندلاع الثورة .