الأحد 6 مايو 2012
أثارت مشكلة المحامي المصري أحمد الجيزاوي، المتهم بإحدى القضايا داخل المملكة العربية السعودية، الجدل حول تصاعدت مشكلات الجالية المصرية في دول الخليج، خلال السنوات الماضية، لدرجة أنها تحولت إلى ملف مضغوط، يواجه الحكومات المصرية المتعاقبة، حيث إن الجالية المصرية موزعة على مختلف الدول الخليجية، وتتجاوز قدرتها على الانتشار أية جالية عربية أخرى.بل إن قوة الجالية المصرية في دولة خليجية مثل السعودية تزيد على السكان المواطنين لدول خليجية أخرى، لدرجة أن البعض يعد مصر "دولة خليجية بالوكالة". وقد بدأت هذه المشكلات تمس العلاقات المصرية- الخليجية، مع وجود احتمالات لاهتزاز هيكلية العلاقة وفقا لأسوأ سيناريو.
أولا: تقديرات أعداد الجالية المصرية في الخليج
لا توجد إحصاءات دقيقة وبيانات محددة بشأن أعداد الجالية المصرية في الدول الخليجية، حيث تتباين وتتفاوت التقديرات الرسمية وغير الرسمية، وبالتالي يصبح عدد المصريين القاطنين في الدول الخليجية لدى وزارة القوى العاملة تختلف عن تلك الموجودة لدى وزارتي الداخلية والخارجية. كما أن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تختلف عن الأرقام المسجلة في الجهات الحكومية المعنية، وأن أغلب التقديرات السابقة لحجم الجالية المصرية في منطقة الخليج تميل إلى الخطى الأعلى،حيث بلغت في أول عقد الثمانينيات من القرن الماضي مليون شخص، ووصلت في عام 1992 إلى ما يقرب من مليونين.
أما في عام 2012، فهي تقترب من ثلاثةملايين مصريأو تزيد قليلا، إذ يوجد ما يتراوح بين مليون ومليون نصف في السعودية، و500 ألف في الكويت، و250 ألفا في الإمارات، و100 ألف في قطر، و45 ألفا في سلطنة عمان، وما بين 15 و 25 ألفا في البحرين، من إجمالي 7 ملايين مصري في الخارج.
ويرجع نقص البيانات عن حجم الجالية المصرية في الدول الخليجية وأوضاعها ووظائفها ومناطق إقامتها وسبل الاتصال بها لعدة أسباب، منها عدم وجود سنة أساس سليمة يتم الإحصاء وفقا لها، حذفا وإضافة، علاوة على تعدد الجهات في الدول المستقبلة التي تتعامل مع مسألة العمالة الوافدة، مثل وزارة العمل، ووزارة الداخلية، وغيرها، وليس كل من يزور البلد يكون هدفه الوحيد العمل فيه، بل تتعدد الأغراض، وتتنوع الأهداف، سواء الزيارة، أو السياحة، أو العمرة.
فمن الملاحظ أن هناك ارتفاعا في حجم العمالة المصرية إلى الدول الخليجية التي لا تخضع لإشراف (أي غير التعاقد والإعارة). وترجع ضخامة هذا العدد إلى أنه يضم أسر العاملين والمرافقين لهم، وهم عادة لا يسجلون في عملية التعاقد أو تصريح الإعارة. وعندما يصل إلى البلد، فإنه يحول السبب الظاهري الذي غادر من أجله إلى عمل، ومن ثم ينضم إلى قائمة العمالة المصرية المرسلة إلى الدول الخليجية.
إن هذه التحركات البشرية غير المنضبطة تقلل من فائدة أرقام المغادرين والقادمين لغاية تقدير حجم الجالية المصرية الوافدة إلى منطقة الخليج،ناهيك عن دخول فئات مختلفة، خاصة العمال منعدمي المهرة،لا يستهان بها بصورة غير مشروعة، بخلاف عدم تعاون أغلب السلطات المحلية في بعض الدول الخليجية مع البعثات المصرية في حصر أعداد المصريين المقيمين فيها، وعزوف المصريين بدول الخليج عن تسجيل أسمائهم بالقنصليات المصرية.
علاوة على ذلك، رأت بعض الدول الخليجية لفترة طويلة أن نشر بيانات بشأن الجاليات الوافدة مسألة حساسة بالنسبة لمواطنيها، لاسيما مع تفاقم أزمة الهوية، نتيجة تزايد أعداد الجاليات الأجنبية مقارنة بالسكان المواطنين الذين تحولوا في بعض الأحيان إلى "أقلية" داخل بلادهم، على نحو ما دعا البعض إلى توصيف هذا الوضع بظاهرة "الدول غير العربية في المنطقة العربية"، فضلا عن تزايد مشكلة البطالة، وإن كانت مرفهة في أوساط مواطنيها. ويفاقم من ذلك أن هناك تناقضا بين ارتفاع تصاريح العمل الجديدة في بعض الدول الخليجية، وتفكيرها وإعلانها لسياسة التوطين الخاصة بإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، ناهيك عن وجود عمالة وافدة فائضة تخدم نفسها، أو تحتاج للخدمة في ضوء "مضاعف العمالة".
يضاف إلى ذلك أن هناك غيابا كليا للبيانات الأساسية المتعلقة بالجالية المصرية في الدول الخليجية كالمرحلة العمرية، والحالة الاجتماعية، والخلفية التعليمية، والطبيعة المهنية، بحيث يشكل غياب هذه البيانات صعوبة حقيقية أمام أي تحليل علمي للظاهرة.
ثانيا: مشكلات الجالية المصرية في الخليج
ثمة مشكلات واضحة واجهت، ولا تزال تواجه، الجالية المصرية في دول الخليج، وذلك من واقع المتابعة لما ينشر من أخبار وتحقيقات في الصحف، أو ما يذاع من برامج وحوارات على شاشات الفضائيات، أو ما يروى من قصص العائدين من الغربة، إذ يلاحظ أن ثمة مشكلة أو أزمة أو على الأقل حالة مصرية "مأزومة" تعاني من تغيير العقود، أو خفض الرواتب، أو التسفير (الترحيل)، أو الاستغناء الجماعي، أو هضم الحقوق، أو التعرض للاعتقال التعسفي،أو حتى الاختفاء. إن هذه المشكلات لا تنحصر في طرف واحد، بل تتمثل في مثلث يضم الدولة المصدرة للجالية (مصر)، والدول المستقبلة لهم (الدول الخليجية)، والجالية المصرية ذاتها.
1-المشكلات الخاصة بالجالية المصرية، وتتلخص في:
أ- تدهور كفاءة أفراد الجالية المصرية. إن غالبية المصريين المهاجرين للعمل في دول الخليج لم يكن دافعهم البحث عن نوع معين من العمل، أو رغبة في التعيين في وظيفة محددة، بل هاجروا من أجل الحصول على الأجور العالية، والرواتب الضخمة، الأمر الذي ترتب عليه العديد من الآثار السلبية، بما يتفق مع النظريات الاقتصادية في الهجرة حول فكرة "المنفعة الحدية"، والتي ترى أن المهاجرين يواجهون صعوبات مالية تجعلهم يتخذون قرارهم بمغادرة البلاد إلى بلد ما في الخارج، يتم اختياره على أساس الاختلاف في الدخل بينه وبين البلد المرسل للهجرة.
فقد انتقلت العمالة المصرية من قطاعات ذات كفاءة إلى قطاعات ذات قدرة إنتاجية محدودة، ولكن بأجور لا يمكن مقارنتها بالأجور المتاحة في مصر.ولقد أدى واقع البحث عن الأجور المرتفعة بالمصريين إلى قبول العمل في مجالات لا تتلاءم مع مهاراتهم وتخصصاتهم، الأمر الذي كان له تأثير فى خبرة هؤلاء العاملين، ويظل هدفهم الوحيد هو الادخار السريع، أو ما يسمى بـ "مهاجري الهدف". ومن ثم، تدهورت قيمة العمل لدى المصري، مما أثر فى النظرة الخليجية له، بل تغير نمط الطلب الخليجي على نوعيات عديدة من العمالة المصرية.
وبالتالي، فإن تدفق العمالة غير الماهرة إلى دول الخليج أضر بالعمالة الماهرة وغير الماهرة. كما أن ثمة منافسة حادة مع العمالة الآسيوية التي تتفوق على نظيرتها المصرية، من حيث إتقان اللغة الإنجليزية، والتعامل مع الثورة التكنولوجية، حيث تقف وراء هذه العمالة وكالات تتولى التدريب والتأهيل، وفقا لمتطلبات أسواق العمل الخليجية التي تتم دراستها بعناية للوقوف على المتغيرات التي تطرأ عليها لحظيا وليس سنويا.
ب- المشاكل الفردية للجالية المصرية والتي تتعلق في أغلبها الأعم بغياب الدراية المسبقة بأوضاع الدول الجديدة، ونوع الحياة بها، أو على الأقل مدى قدرتها على التأقلم والتكيف الاجتماعي والفكري مع الظروف المتغيرة، وفق التصور النمطي عن دول الخليج في أذهان العمالة المصرية. علاوة على أن بعضهم يشعر بعدم الرضا عن الوظيفة أو العمل الذي يلتحق به، إما لأحد احتمالين: لانخفاض مستوى الدخل الفردي، أو نتيجة ظروف العمل، حيث تبرز ظاهرة عدم التناسق في المكانة، الناتجة عن عدم الترابط بين مؤشرات المكانة الاجتماعية (وهي عادة التعليم، والدخل، والمهنة)، مثل ألا يقود التعليم إلى تحسن في الدخل، أو ارتقاء في المهنة، أو أن يحصل على أعلى الدخول فئات لم تتلق تعليمها، وهو أحد مظاهر الخلل الاجتماعي القائم في عدد من المجتمعات العربية.
كما أن "الطعنات من الخلف" تبرز بين المصريين وبعضهم أكثر مما هي قائمة بين المصريين وغيرهم. فقد تعددت المعارك الصغيرة بين المصريين في دول الخليج، مما دفع أحد السفراء والقناصل إلى إنشاء لجان أطلقوا عليها "لجان المصالحة" لحل عقد العلاقات المصرية البينية. لكن السنوات الأخيرة شهدت خطوات تحول جيدة في هذا الاتجاه، حيث تشكلت إدارة جديدة للأزمات من خلال إقرار الجمعية العمومية لصندوق رعاية المصريين بالرياض، يتولي دعم ومساندة المصريين المتعثرين بالسعودية لمواجهة أية مشكلات يتعرضون لها.كما تم تأسيس صندوق للتكافل الاجتماعي للمصريين العاملين بسلطنة عمان، يكون في خدمة غير القادرين ومعاونتهم في مواجهة الظروف القهرية الخارجة عن إرادتهم، ومواجهة حالات الإعسار التي قد يمر بها بعض المصريين.
ج- الأفكار النمطية المصرية عن الدول الخليجية. فقد تبلورت في الإدراك المصري العام مجموعة من الصور النمطية sterotypes عن منطقة الخليج، حكومة وشعوبا وأفرادا، ومن أبرز هذه الصور أنها منطقة عائمة على آبار نفطية، ويغلب عليها الأفكار التقليدية شديدة الجمود وبالغة السطحية، وتزايد النزعات القبلية، رغم أن منطقة الخليج لا يمكن اعتبارها كتلة واحدة، الأمر الذي يفرض عدم التعامل معها وفق منظور أحادي. علاوة على ذلك، هناك تسارع لوتيرة التحديث في العديد من دول الخليج، ومؤهلة دوله للعب دور أكثر أهمية على المستوى الفكري، سواء بإمكاناتها الاقتصادية، أو التعليمية، حيث يتزايد نشاط العائدين من البعثات التعليمية في الخارج.
وهناك جانب يتسم بقدر كبير من الأهمية، وتتعين معالجته من المنبع، وهو تجاهل الخبرات الإيجابية، والتركيز على الآثار السلبية للاحتكاك المباشر بين المصريين من جانب، والسعوديين والكويتيين والإماراتيين وغيرهم من الخليجيين من جانب آخر، وهو ما ينطبق على الطرفين، وليس على طرف واحد، رغم أن انتقال آلاف من المصريين إلى دول الخليج للعمل، وانتقال آلاف من الخليجيين للدراسة أو السياحة أو للاستثمار، يخلق بمرور الزمن ما يمكن تسميته بالقاسم المشترك الاجتماعي والقيمي، مما يؤدى في النهاية إلى تعديل هذه التصورات، ونوع من المعايشة، وقدر أكبر من المعرفة بالواقع المصري والواقع الخليجي، بعيدا عن المبالغات الإعلامية التي عادة ما تكون محملة بقدر من الخيال.
إن هناك سوء فهم للإنسان في منطقة الخليج العربي وعلاقاته البينية، ومواقفه إزاء الآخر ومشكلاته، وكذلك الحال بالنسبة للمنظور الخليجي إزاء المصري، الأمر الذي أفرز ما يسميه مأمون فندى "الاستعلاء المتبادل"، وهو ما أسهم بدوره في بناء حيطان عالية تعوق التواصل الطبيعي، والاندماج الاجتماعي بين الطرفين المصري والخليجي، مع تعدد أنماطه. إن هذه الصور الذهنية النمطية المتبادلة ترشح مسار العلاقة بين الطرفين لمزيد من التوتر، بدلا من أن يغلب عليها التسامح.
2-المشكلات الخاصة بالدولة المرسلة للجالية (مصر)، وتتلخص في:
أ- تجاوزاتمكاتب تشغيل العمالة المصرية. يخضع تنظيم وتقنين أوضاع العمالة المصرية في الخارج عن طريق شركات للقانون 10 لعام 1991، ولكن بعض هذه الشركات تتلاعب بالقانون، لأن الهدف الأساسي لها هو تحقيق الربح، "وقبض العمولة" من طرفي العلاقة، وهما الكفيل والعامل، دون النظر لمصلحة الأخير. وفي هذا الإطار، برزت ما يسمى بتأشيرة الزيارة، من خلال بعض الوسطاء، الذين يلجأون إليها للتحايل على القانون، وذلك بالحصول على تأشيرة للزيارة لإحدى دول الخليج، يتقدم بها الطرف الخليجي إلى الجهات الرسمية في بلاده، ثم يقوم سماسرة العمل بتسويقها في مصر لفئة معينة من العمال، ويلاحظ أن هذه التأشيرة لا تعطي لحاملها الحق في العمل بهذه الدول، ومن يضبط وهو يعمل يتم ترحيله.
ب- ضعف القدرة الاستيعابية للملحقيات التابعة للسفارات المصرية في دول الخليج، فلا يعقل أن دولة تستوعب جالية قدرها مليون ونصف مليون،أو نصف مليون، أو حتى 50 ألف مواطن مصري،والمسئول عنهم في السفارة شخص واحد، لدرجة أن البعض يطلق على القطاع القنصلي في الخارجية "جراج الوزارة" للدلالة على طبيعته ومشاكله وقلة الاهتمام به. وبالتالي، يقتصر دور وزارة الخارجية على أنها "بوستة"، تنقل الشكاوي فقط للجهات الرسمية في الدول الخليجية التي يعمل بها المصريون بدون تعليق أو إجراء، أو تحقيق يتسم بوجود نوع من الجدية.
ج- غياب أو ندرة المنظمات غير الحكومية التي يمكن أن تساند الجالية المصرية في معظم الدول الخليجية. إن المشكلات التي تواجه الجالية المصرية في الدول الخليجية كبيرة ومعقدة تفرض التعاون من جانب مؤسسات المجتمع المدني في مصر، وتخلق حالة من التشبيك المستمر، سواء مع أجهزة الدولة الرسمية، أو أعضاء الجالية.
3-المشكلات الخاصة بالدولة المستقبلة للعمالة (دول الخليج)، وتتلخص في:
أ- ممارسات أنظمة العمل الخليجية. إن إحدى المشكلات المزمنة التي تواجه الجالية المصرية في الخليج تتعلق بممارسات نظام الكفالة الذي يمثل انتهاكا للعديد من المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وهو ما تشير إليه بعض التقارير السنوية الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إلا أن هناك مؤشرات تحول في مواقف دول الخليج من نظام الكفالة، حيث بدأت بعض الدول تدرس بلورة بدائل لهذا النظام، ومنها الكويت، والبحرين، والمملكة العربية السعودية.
ب- اتباع سياسة التوطين الوظيفية.إن إحدى المشكلات التي تواجه الجالية المصرية في دول الخليج هى لجوء الأخيرة لتطبيق برامج التوطين، والتي تقوم على إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية في دول الخليج، مثل السعودة، والتكويت، والأمرتة، والتعمين، والبحرنة، والقطرنة، الأمر الذي يعني ضمنا انخفاضا مستمرا في عقود العمل، أو على الأقل تذبذبها مع تزايد في معدلات "الهجرة العائدة" القادمة من تلك المنطقة. فقد أعلنت المملكة العربية السعودية، مثلا، في مايو 2011 عن بدء تنفيذ برنامج "نطاقات"، الذي يهدف إلى الإسراع بوتيرة سعودة الوظائف من خلال تحديد نطاقات (فئات) للهيئات، طبقا لنسبة العمالة الأجنبية بكل منشأة، وتم تحديد ثلاثة نطاقات تكتسي باللون الأخضر، والأصفر، والأحمر، إلا أن هناك مشكلات تواجه تنفيذ البرنامج.
ج- تقلبات العلاقات السياسية الثنائية. إن قوة أو ضعف علاقات مصر السياسية الرسمية مع دول الخليج تشكل عاملا مؤثرا في حجم الطلب على العمالة المصرية، وهو ما برزه تأثيره في حالة الخلاف المصري- القطري، إبان انعقاد المؤتمر الاقتصادي في نوفمبر 1997 ، نتيجة لمعارضة مصر لانعقاده في هذا التوقيت، وهو مادفع قطر إلى ممارسة ضغوط على مصر من خلال ترحيل الرعايا المصريين العاملين في قطر، الأمر الذي دفع مصر نحو فرض رسوم سفر على القطريين الداخلين إلى مصر، استمرت فترة معينة. وقد وجد الكثير من المصريين في قطر أنفسهم مهددين بالطرد بسبب خلافات سياسية لا دخل لهم فيها.
ثالثا: تأثيرات مشكلات الجالية فى العلاقات المصرية- الخليجية
إن هذا الكم من المشكلات التي تواجه الجالية المصرية في الدول الخليجية يحمل تأثيرات فى العلاقات بين مصر ودول الخليج من جانبين، أولهما: رسمي، إذ إن الخلاف المصري- السعودي، أخيرا، على خلفية قضية الجيزاوي، أثار أزمة، حتى ولو كانت مصطنعة، حول جزر في البحر الأحمر، فضلا عن تكهنات بوجود قضايا خلافية مكتومة، كامنة في العمق، وليست بارزة في السطح. ويبدو أنه بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ، وغياب نظام الرئيس السابق حسني مبارك، بدأت دعائم علاقات مصر مع دول الخليج تتعرض للاهتزاز.
ثانيها: شعبي، فالقضايا المرتبطة بأوضاع الجالية المصرية في الخارج تعد "قضايا رأي عام" في كثير من الأحيان، وهو ما يمثل حساسية مفرطة لدى الرأي العام المصري بتكرار الأحداث لتشكل نمطا عاما في بعض الأحيان، وهو ما تستغله وسائل الإعلام التي تهدف للإثارة. وبالتالي، فإن التعامل الإعلامي مع هذه النوعية من المشكلات يتطلب التعامل معها برؤية موضوعية، قبل إصدار الأحكام المطلقة، واستخلاص النتائج المتسرعة، وهو ما دعا المستشار عمرو رشدي، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، لمخاطبة وسائل الإعلام بالحرص على عدم تأجيج المشاعر في قضية الجيزاوي.
لكن المشكلة الأكثر تعقيدا تكمن في تأثرتحويلات العاملين المصريين في دول الخليج، في حال عودة عدد منهم، حيث إن هذه التحويلات تمثل أحد أهم أربعة موارد للخزانة المصرية، والمتمثلة في إيرادات قناة السويس، والسياحة، والبترول. وقد شبه المفكر الجغرافي، د. جمال حمدان، تدفق تحويلات المصريين العاملين في دول الخليج إلى وطنهم بعملية "نقل دم"، بحيث تدعم بنية الجسم المنقول إليه، وتنشط دورته الدموية.طبقا لتقارير البنك المركزي المصري، سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج أعلى مستوى في تاريخها، بقيمة إجمالية خلال العام المالي 2010-2011 تصل إلى 12.6 مليار دولار، أي ما يقترب من 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 9.8 مليار دولار في العام المالي السابق له، ومقارنة بـ 3 مليارات دولار في العام المالي 2001-2002. وتجدر الإشارة إلى أن القيمة الأكبر لهذه التحويلات تأتي من الجالية المصرية في دول الخليج، مقارنة بتحويلات الجاليات المصرية في الولايات المتحدة، وكندا، واستراليا، والدول الأوروبية.
رابعا: مواجهة مشكلات الجالية المصرية في الخليج
إن مواجهة مشكلات الجالية المصرية في دول الخليجلا تتحقق بين عشية وضحاها، بل إن المدخل المناسب للتعامل معها أقرب إلى التسوية منها إلى الحل، لأن هذه المشكلات تتسم بكونها ذات طبيعة مركبة لتعدد أطراف القضية. وهناك بعض المقترحات مثل:
1- وضع قاعدة بيانات مكتملة عن الجالية المصرية بدول الخليج، حتى يمكن الاتصال بهم، وإمدادهم بالمعونة اللازمة، بحيث تكون هذه القاعدة أقرب لدليل إرشادي، والتوعية بالمشكلات التي يواجهها العاملون المصريون في الخليج، والتحذير من السماح للعامل المصري بالسفر إلا في حال تقديم عقد عمل موثق ومعتمد مع التوعية بمسألة الحقوق، وكذلك العمل على مراقبة الجهات الوسيطة في الوطن الأم، والقيام بإغلاق ومحاسبة مكاتب ما اصطلح على تسميته في وسائل الإعلام "مكاتب التوظيف الوهمية" في مصر التي تمارس الكذب والاحتيال على الأجيال الشابة الباحثة عن فرصة عمل، وتبيع لهم الأوهام، بدلا من عقود العمل.
2- إجراء دراسات محددة وأبحاث متخصصة عن الاحتياجات الحالية والاتجاهات المستقبلية للأسواق الخليجية، في مختلف التخصصات والمهن، بما يرفع كفاءة القدرة التنافسية للعمالة المصرية، والانتباه إلى أن الندرة في التخصص هي التي تولد القيمة للمصري العامل في دول الخليج أو غيرها.
3- تخصيص وحدة مستقلة لإدارة الأزمات في وزارة الخارجية المصرية لبحث المشكلات المزمنة، والأوضاع الطارئة التي يواجهها المصريون القاطنونفي دول الخليج. ورغم وجود وحدة لإدارة الأزمات في الخارجية، فإنها تتعلق بالمصريين في الخارج ككل.
4- إنشاء المجلس القومي للهجرة أو لرعاية المصريين في الخارج، بحيث يعطى اهتماما متزايدا للجالية المصرية في دول الخليج، ويضم هذا المجلس بعض الشخصيات ذات الخبرة الواسعة مثل الدبلوماسيين السابقين، والمديرين المنسقين للهجرة، وبعض المهاجرين السابقين، والذين عادوا وعدوا من المهتمين بقضايا الهجرة.
5- زيادة الاعتمادات المالية والبشرية المخصصة للسفارات المصرية، وتوفير مستشارين قانونيين ليكونوا أقرب إلى هيئة دفاع عن أفراد هذه الجالية في حالة القضايا التي تنظرها محاكم تلك الدول، لاسيما مع تدخل "مراكز القوى" بأجهزة الدولة الرسمية في منطقة الخليج لمنع تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح المصريين موضع النزاع مع الكفلاء في دول الخليج.
6- قيام بعثات تابعة لوزارة الخارجية بجولات دورية لمعرفة أحوال تجمعات المصريين المقيمين في دول الخليج، والاستماع إليهم، وتفهم طبيعة أوضاعهم، بما يسهم في بلورة سياسة تجاه هؤلاء المصريين، والاحتذاء بتجربة السفارة المصرية في سلطنة عمان "موبيل إيمباسي"، أو السفارة المتنقلة، إعمالا بمبدأ الدبلوماسية الوقائية التي تهدف إلى وأد المشكلات، قبل أن تتفاقم، وإزالة الحواجز النفسية بين السفارة وأعضاء الجالية.
7- السماح لمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني بإيفاد بعثات لتقصي الحقائق بشأن أوضاع أفراد الجالية المصرية داخل تلك الدول.