بعد مضي عام على مقتل أسامة بن لادن على يد القوات الخاصة في سلاح البحرية الأميركية، كشف هذا الحادث عن أن الولايات المتحدة تخوض حربين مختلفتين في أفغانستان: الأولى ضد «القاعدة»، التي من الواضح أنها تصب في مصلحة أميركا الوطنية. أما الثانية، فتهدف لإصلاح أفغانستان، وهي التي تثير الكثير من التساؤلات. ينبغي لنا أن نأخذ العبر من الطريقة التي نحارب بها الإرهاب في الصومال واليمن وغيرها من الأماكن، حيث يجب أن ينصب التركيز بدرجة أكبر على إنهاء القتال ضد «القاعدة»، وبدرجة أقل على وصول حكومة جيدة لسدة الحكم في مثل هذه الدول الفاشلة.
وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، قامت قوات العمليات الخاصة وأفراد الاستخبارات الأميركية بقتل وأسر زعماء «القاعدة»، والقضاء على قواعد عملياتها وتقليص مصادر تمويلها وشل قدرتها على شن هجمات دولية، حيث أدت الضغوط المستمرة إلى تقليل قدرة «القاعدة» على شن أي هجمات.
وعلى الرغم من ذلك، فإن من الصعب معرفة ما إذا كانت الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة في أفغانستان تؤتي ثمارها أم لا، وما الخطوة التالية التي ينبغي لنا القيام بها. لم تقم أي دولة بشن هجوم على الولايات المتحدة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحيث إن الكثيرين من مقاتلي «القاعدة» كانوا يعيشون ويحتمون في أفغانستان في عام 2001، زعم بعض الأميركيين أنه لكي نتمكن من تحقيق انتصار دائم، لا ينبغي لنا إسقاط حكومة طالبان فقط، وإنما بناء ديمقراطية واقتصاد حديث وجهاز أمن قومي فعال في أفغانستان، وهو الأمر الذي يشبه القول إنه لكي نتمكن من إخماد حرائق الغابات، فإنه يتوجب علينا رصف الغابة بأكملها.
أما اليوم، وعلى الرغم من السنوات الطويلة من الاستثمار في أفغانستان، فإن حركة طالبان وبعض المقاتلين المترابطين والعائلات الإجرامية والقادة العسكريين لا يزالون يقاومون سيطرة حكومة كابل حتى الآن. وكان الرئيس حميد كرزاي، في أحس الأحوال، حليفا لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. تصنف منظمة الشفافية الدولية أفغانستان على أنها أكثر بلدان العالم فسادا بعد الصومال وكوريا الشمالية، بينما لا تزال قوات الأمن الحكومية غير قادرة على تنسيق المعلومات الاستخباراتية والعمليات في شتى أنحاء أفغانستان من دون مساعدتنا.
اعتبر كثير من الأميركيين أن مهمتنا في أفغانستان قد انتهت عقب مقتل بن لادن، حيث يرون مقتله بمثابة النجاح لحملة مكافحة الإرهاب، ولكنهم سئموا من الفساد والفوضى والخلل الذي يشوب «حملة بناء أمة» في أفغانستان.
سيكون من الخطأ تجاهل أفغانستان بشكل تام، ولحسن الحظ، فإن مغادرة البلاد بصورة كاملة ليست هي الخيار الوحيد. تعلمت الولايات المتحدة كيف تقاتل «القاعدة» في دول أخرى فاشلة أو في طريقها للفشل - مثل اليمن والصومال وباكستان - من دون الالتزام بإعادة بناء تلك الدول بالكامل. لقد حان الوقت الآن لأن نأخذ تلك الدروس التي تعلمناها إلى حيث بدأنا.
لا يمثل ضعف حكومة كرزاي المزيد من التهديد لأميركا بقدر التهديد الذي يمثله عدم خضوع مناطق شاسعة في اليمن والصومال لسلطة الحكومة هناك. ينبغي مراقبة تلك المناطق عن قرب عن طريق المصادر الاستخباراتية وزعماء القبائل المتعاونين، حيث يتوجب القضاء على أي خطر جديد وبسرعة. من الممكن القيام بتلك المهمة الأساسية عن طريق أفراد الاستخبارات والعمليات الخاصة، الذين يستطيعون تضييق الخناق على فلول «القاعدة» من دون الحاجة لإعادة بناء كل دولة يقومون فيها بتلك العمليات.
وفي الوقت الذي تدخل فيه إدارة أوباما في مفاوضات مع حكومة كرزاي وباكستان، يتم إغراؤنا لقطع بعض الالتزامات على أنفسنا، تحت شعار «بناء أمة»، التي من شأنها أن تقيد من قدرتنا على محاربة الإرهابيين. فإذا التزمنا بإشراك الحكومة الأفغانية في كل الغارات الليلية، فسوف يؤدي ذلك إلى إبطاء عملياتنا وهروب الأهداف التي نتعقبها، وإذا تعهدنا بإخبار المسؤولين الباكستانيين مسبقا بكل الهجمات التي تشنها الطائرات من دون طيار، فسوف تقوم الاستخبارات الباكستانية بتسريب تلك المعلومات.
وبدلا من التساؤل عن كيفية مساعدة حكومة كرزاي، ينبغي لنا أن نسأل، في ظل الحقائق الراهنة في أفغانستان، كيف يمكننا تعطيل عمليات «القاعدة» وقتل زعمائها بأكبر قدر من الفاعلية؟ يجب بناء استراتيجية فعالة على ثمانية مبادئ:
أولا: الحفاظ على قدرة الولايات المتحدة على ضرب تنظيم القاعدة بصورة مفاجأة وسريعة وعنيفة. ينبغي لنا عدم المساومة، على هذا المبدأ، من أجل علاقة مع حليف غير موثوق به.
ثانيا: يجب أن ينصب التركيز على المهمة، وليس على عدد القوات، حيث إن نشر أفراد العمليات الخاصة والاستخبارات في جميع أنحاء البلاد سوف يؤدي إلى تقليص وجودنا العسكري من دون التضحية بقدرتنا على ضرب «القاعدة».
ثالثا: يجب وضع خطة طويلة الأجل للحفاظ على فعالية أنظمة الإشارة والمصادر الاستخباراتية البشرية، حيث يسهل التغاضي عن وجود المصادر الاستخباراتية في سياق الحديث عن «القوات على الأرض»، ولكنها تظل خط دفاعنا الأول.
رابعا: ينبغي توضيح أن موضوع دعمنا الجيش وقوات الشرطة الوطنية الأفغانية يعتمد على قدرتهم على مواجهة الهجمات الإرهابية الدولية، حيث ينبغي أن تعتمد استثماراتنا المستمرة هناك على أدائهم.
خامسا: إذا لم تستطع حكومة كرزاي تنفيذ المهمة المطلوبة منها، ينبغي العمل مع الأشخاص الذين يستطيعون تنفيذها، حيث يمكن أن يكون الحلفاء المحليون، مثل زعماء القبائل، شركاء لنا في هذا الأمر، وينبغي لنا العمل معهم بصورة مباشرة، بدلا من محاولة جعلهم شركاء لحكومة كابل.
سادسا: يجب علينا توسيع دائرة خياراتنا عن طريق تعزيز علاقاتنا مع الحكومات المجاورة، مع ضمان قدراتنا على شن هجمات عن طريق حاملات الطائرات أو صواريخ «كروز» بصورة فعالة من خلال الخطط الرامية لانتشار القوات البحرية.
سابعا: ينبغي أن نكون صادقين مع أصدقائنا، حيث يتوجب علينا العناية بالمواطنين الأفغان الذين خاطروا بالعمل مع القوات الأميركية - مثل المترجمين - وأسرهم.
ثامنا وأخيرا: يجب علينا تذكر الأشياء التي تقود إلى النجاح، حيث يعني هذا النجاح القضاء على قدرة تنظيم القاعدة على شن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
يتطلب تحقيق هذا الهدف التركيز؛ فهزيمة خلية إرهابية تشبه الدخول في حرب مع حرائق الغابات، التي لا توجد فيها لحظة نصر واضحة أبدا، وحتى بعد تحقيق انتصار في تلك الحرب، ينبغي لك المراقبة بعناية. تطلب تحقيق النجاح في العقد الماضي الانضباط والتركيز والتضحية من جانب أفراد القوات الأميركية وعائلاتهم. أما الآن، ولكي نستطيع استكمال تلك المهمة، فينبغي لنا طرح بعض الأسئلة على صناع القرار في الولايات المتحدة.
* جندي سابق في القوات الخاصة في سلاح البحرية الأميركية، المعروفة بـ(SEAL)، وهو مؤلف «القلب والقبضة: تعليم الإنسانية وصناعة القوات الخاصة في سلاح البحرية الأميركية».
-------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الخميس 3/5/2012.