اختلفت وجهات النظر الشبابية حول ما تشهده الساحة السياسية المصرية بما يعوق مسار التحول الديمقراطى، وتحقيق ما طالبت به هتافات الميادين "عيش..حرية..عدالة اجتماعية "، ولكن الصراع السياسى بين القوى والتيارات السياسية والإسلامية المختلفة، فى سعيها للوصول إلى السلطة، وضع الدولة فى مفترق الطرق، فكان عليها أن تدرك أهمية تخطى هذه المرحلة الحرجة، من خلال رؤية شاملة متفحصة لطبيعة الأولويات الوطنية.
فجاءت الندوة التى عُقدت بوحدة دراسات الشباب تحت عنوان " نحو رؤية توافقية للأولويات الوطنية " كمحاولة لتحديد طبيعة الأولويات الوطنية، والتى يجب على كافة التيارات السياسية أن تضع منهجية متكاملة لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يدفع الدولة نحو تخطى المرحلة الانتقالية، والانتقال من شخصنة الدولة إلى إقامة دولة المؤسسات.
مشهد ضبابى فى فترة التحول الديمقراطى
أكد المشاركون فى الندوة أن ما يحدث فى مصر يوصف بالضبابية بما يستوجب وضع رؤية موحدة تحت مظلة الدولة المدنية التى يرعاها القانون، وتطرقت إلى الأساس الذى يجب أن تقوم عليه الدولة عقب الثورات بوضع دستور وطنى يقوم على مراعاة كافة الحقوق والحريات لجميع طوائف وفئات المجتمع ، وإقامة مؤسسات وطنية فعالة توفر الأمن للمواطنين، وتعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعى ، حيث أكدت الندوة ضرورة وضع هذا الدستور قبل التوغل فى المعترك السياسى.
وناقشت الندوة افتقاد المصريين لمفهوم الدولة الذى يتضمن العديد من الأولويات كالتنمية، والأمن، والانتماء، والولاء، والعدالة، والكرامة، والمشروع القومى، كل هذا من شأنه أن يرسخ الدولة كقيمة لدى مواطنيها، وأن ما يواجه مصر الآن من تحديات هو أن التطلعات لهذه الأولويات أصبحت فى تزايد مستمر، بعد أن كانت متدنية قبل الثورة ، وبالتالى تطلعات متزايدة باستمرار فى ظل مؤسسات قاصرة أمام ضغوط بتحقيق الديمقراطية الشاملة، كل هذا فى أيدى نخبة سياسية انشغلت بالشد والجذب بين بعضها بعضا، وغفلت عن كافة المتغيرات الإقليمية والدولية .
إعادة صياغة النظام السياسى المصرى
انطلق المشاركون فى الندوة من عدة أسس، يمكن بها إعادة صياغة شاملة للنظام السياسى المصرى، بدأت بوضع مبادئ للحكم الرشيد، تعين على عدم إنتاج النظام السابق مرة أخرى، وتتحرك من خلاله الدولة لتنظيم الجهاز الإدارى بكامله من خلال اتباعه الحيادية التامة، وخضوعه لخدمة المواطن بما يضمن استقلالية وحيادية النظام السياسى بالكامل. وأضافت الندوة أن هناك أمورا ومبادئ مهمة، من شأنها ضبط أداء النظام المصرى، حتى يلقى من التأييد والقبول بما يمكنه من الاستمرارية.
ولخصت الندوة هذه المبادئ فى عدة نقاط، هى :
1. أن تكون هناك آليه حقيقية لتداول السطة وإشراك المجتمع بكامله فى وضع هذه الآلية .
2. أن تكون هناك آلية لمحاسبة كافة السلطات والهيئات والمؤسسات التى تدير الدولة وترعى شئون مواطنيها .
3. أن يكون هناك اعتماد حقيقى وفعلى للفصل بين السلطات المسئولة عن إدارة شئون الدولة .
4. ضرورة الاعتماد على مبدأ الشفافية المتبادلة بين المواطنين والسلطة السياسية التى تدير البلاد.
5. وجوب إدخال المشاركة المجتمعية والاجتماعية الفعالة التى تحوى كافة فئات المجتمع فى آليات صنع واتخاذ القرار .
5. إقامة دولة مدنية حقيقية تعتمد مبدأ المساواة .
العدالة الاجتماعية ضرورة وحاجة ملحة
ركزت الندوة على سبل إنجاز وتحقيق العدالة الإجتماعية باعتبارها حاجة ملحة وضرورية، ولا يمكن أن تقوم حياة سياسية متكاملة بدون تحقيق القدر الأكبر والكافى من العدالة الاجتماعية " فالفقير لا يملك صوته"، وبالتالى فإن حجر الزاوية فى مصر هو العدالة الاجتماعية، التى لا تتحقق إلا من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية معاً، فيمكن الوصول إلى السلام الاجتماعى بتكافؤ، وتكافل الفرص المتاحة للجميع على قدم المساواة.
ووضع المشاركون تصورا للكيفية التى يمكن بها تحقق العدالة الاجتماعية من خلال :
أ- عدالة التوزيع للدخل القومى بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية المساهمة فى الإنتاج .
ب- أن يعبر الدستور عن العقد الاجتماعى، فمقابل المصلحة العليا تكون التضحية ببعض الحقوق.
ج- ارتباط العدالة الاجتماعية بالاقتصاد
رؤية مستقبلية وأهداف محددة
خلصت الندوة إلى أن العدالة الاجتماعية هى السبيل لتحقيق رؤية توافقية شاملة، وهى محور الأولويات الوطنية، وهى ما نادت به الهتافات الثورية، وأن أى تراجع فى إنجازها سيؤدى حتماً إلى ثورة ثانية ، فضلاً عن وضع أسس ومرتكزات الدولة المدنية، والنظام السياسى المصرى الذى يعلى مصلحة البلاد.
وفى النهاية، ذكرت الندوة أنه لا بد من وضع مصلحة الوطن فى المقدمة بخلاف أى مصالح ومطالب شخصية ترجع بنا إلى الشخصنة التى عانتها البلاد كثيراً ، وضرورة الحوار العقلانى البناء بين كافة القوى والتيارات السياسية والمجتمعية على اختلاف انتماءاتها، والبعد عن تحقيق المكاسب الشخصية والحزبية، وتجنيب مصلحة الوطن العليا.