تتعرض العلاقات بين مصر والسعودية لعمليات تخريب منظمة من جماعات جاهلة مجهولة، تغيب عنها حقائق الأمور ومصالح مصر العليا فى الحفاظ على علاقات أخوية مع أشقائها العرب.. وبخاصة تلك التى تحتل موقع الجوار وتربطها بها وشائج قربى ومصالح مشتركة.. فى ظروف إقليمية ودولية أصبحت مصر تقف فيها وحدها وظهرها إلى الحائط سياسيا واقتصاديا، داخليا وخارجيا.. بينما تزداد جعجعة الحالمين بإنجازات للثورة لم تتحقق، وتشهد القوى السياسية حالة من الفشل الذريع تزداد تفاقما، وتطفو على السطح جماعات غوغائية من الباحثين عن كرامات الشيخ، علّها تقودهم إلى النصر!
فى غمرة هذه الظروف المضطربة، يذهب شاب مصرى من الناشطين سياسيا الذين احترفوا الدفاع عن مواطنين مصريين تخلفوا عن العودة من السعودية، أو اختلفوا مع صاحب العمل وجرى احتجازهم.. يذهب بحجة أداء العمرة وبحث حالات هؤلاء المحتجزين. وتضبط السلطات السعودية فى حقائبه كميات كبيرة من الحبوب المخدرة لتهريبها إلى داخل المملكة. وهو حادث عادى مثل عشرات الحوادث التى يضبط فيها سعوديون فى مصر بحيازتهم مخدرات أو مضبوطات ممنوعة، يتم احتجازهم والتحقيق معهم بواسطة سلطات الادعاء.. من غير أن تقوم فى السعودية ثورة للإفراج عنهم دون محاكمة!
ولكن فى مصر تقوم الدنيا ولا تقعد، لاحتجاز الشاب المصرى والتحقيق معه. وبدلا من محاولة استجلاء الحقيقة وكشف غوامضها.. إذ يعترف الشاب بأنه حمل هذه الأقراص المخدرة فعلا لتوصيلها إلى شخص ما، وكتب إقرارا بذلك تحت رقابة القنصل المصرى.. تنظم المظاهرات والاعتصامات حول السفارة السعودية بالقاهرة لإرغام السلطات السعودية على الإفراج عنه دون تحقيق. وتقود شقيقته حملات عنف وغضب وإهانات ضد السعودية وسفيرها وعاهلها. حتى بعد أن تدخل وزير الخارجية المصرى وجرى اتصال بين الشاب وأقاربه فى القاهرة، بينما كانت زوجته تستكمل أداء مراسم العمرة.
والحال هو أن أقارب الشاب والمدافعين عنه بغير علم، يقولون إنها تهم ملفقة. ولو صح أنه حمل هذه الأقراص المخدرة معه لاكتشفها مطار القاهرة فى أغراضه قبل أن يستقل الطائرة. وهذه كلها تكهنات لا يقطع بها موظفو المطار، فالمطار ليس جهة تحقيق. وكان الأحرى منذ البداية أن تتولى السلطات المصرية الرسمية التحقيق فى القضية بنفسها ولا تتركها فى أيدى المغامرين والأدعياء.
والمفارقة المثيرة هى أنه قبل أن يعرف أحد الحقيقة، فقد سارعت الصحف ووسائل الإعلام المصرية إلى صب الزيت على النار. وقد استمعت إلى برنامج تليفزيونى أمضى ساعة كاملة يحاول إثبات التهمة على السلطات السعودية مستندا إلى تصريحات أدلى بها منشقون سعوديون ضد النظام السعودى. وتبارت أقلام وألسنة فى توجيه الشتائم المقذعة والسباب لكل ما هو سعودى بعبارات تعف أى صحيفة عن نشرها.
نحن قد نتعاطف مع المصريين الذين يتم احتجازهم فى السعودية بدون محاكمة فى سجون غير آدمية ــ كما نشرت صحف مصرية ــ ولكننا نتجاهل أن السجون المصرية ليست أحسن حالا، وأن معاملة المسجونين فى مصر وفى كل الدول العربية تقريبا غير إنسانية بالدرجة الأولى. غير أن مصير هؤلاء المحتجزين فى السعودية ليس من شأن محام شاب لم يكلفه أحد ولا يملك الوسيلة للإقناع أو الإفراج أو محاسبة المواطنين السعوديين الذين أساءوا إلى هؤلاء المصريين. بل هى قضية يجب أن تتولاها الحكومة وتعمل على حلها بالطرق القانونية.
وحين يصل الأمر إلى درجة التهجم على مبنى السفارة السعودية فى القاهرة ومحاولة رفع العلم المصرى عليها.. وهو أمر لم يحدث حتى مع السفارة الإسرائيلية أو الأمريكية، فنحن نضع العلاقات مع دولة شقيقة تؤوى أكثر من مليونى ونصف المليون مصرى فى مجالات عمل مختلفة، وفتح أبواب الرزق أمامهم، وبيننا وبينهم مجالات للتعاون والاستثمار واسعة بغير حدود.. فضلا عن الملايين الذين يذهبون للحج والعمرة.
فى ظل هذا الظروف حين تقدم السعودية على استدعاء سفيرها فى القاهرة وإغلاق قنصلياتها كنوع من الاحتجاج على الإهانات والضغوط التى تحركها قوى الفوضى المنفلتة أمنيا، فإننا نضيف إلى الكوارث والمشكلات التى تواجهها مصر، بندا آخر من سوء العلاقات مع دولة شقيقة.
ومهما يحدث من خلافات بين الدولتين الشقيقتين، فإن الضرر الذى نلحقه بأنفسنا أكثر كثيرا من أى ضرر يلحق السعودية. ولن تنجح الطرق الغوغائية فى حل مثل هذه المشاكل، ولكنها كفيلة بتدمير علاقات تاريخية لا يصح أن تترك لمزايدات انتخابية أو حزبية!
-------------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الإثنين 30/4/2012.