الخميس 26 إبريل 2012
جاء إعلان الشركة المصرية القابضة للغاز والهيئة المصرية العامة للبترول عن إنهاء تصدير الغاز المصري لإسرائيل كاشفا عن التحولات التي تشهدها العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ الثورة المصرية.فعلى الرغم من تأكيدات المسئولين المصريين على أن قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل تبرره اعتبارات تجارية وقانونية بين أطرافه؛ فإن الطرف الإسرائيلي يركز على الأبعاد السياسية لهذه القضية وتبعاتها على مآلات التغير في منظومة التفاعلات المصرية الإسرائيلية بعد الثورة، لا سيما في ظل التحولات التي يشهدها النظام السياسي المصري، واستمرار الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل.
ويثير ذلك تساؤلات متعددة حول مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية في ضوء أزمة الغاز، وخيارات الطرفين المصري والإسرائيلي للتعامل معها، وإلى أي مدى يمكن اعتبارها محددا لمسار العلاقات بين الدولتين بعد ثورة 25 يناير ، خاصة أنها الأزمة الثانية بين البلدين بعد قتل جنود مصريين على الحدود في أغسطس 2011 ؟.
أولا: أبعاد قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل:
لم يكن قرار إنهاء تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل تطورا مفاجئا في مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد ثورة 25 يناير في ظل توافق القوى السياسية المصرية على رفض اتفاق تصدير الغاز وضغوط الرأي العام المتصاعدة على الأطراف الرسمية؛ حيث ينطوي التعاقد الذي تم توقيعه عام 2005 على غبن واضح على الطرف المصري؛ حيث ينص على تصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا لمدة 20 عاما، بسعر يتراوح بين 0.7 و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، في حين تصل التكلفة إلى نحو 2.65 دولار بما أثار احتجاجات واسعة النطاق ضد النظام السابق.
لم يقتصر الرفض الشعبي لتصدير الغاز على أنماط الاحتجاج التقليدية، وإنما اتخذ اتجاها قضائيا عبر اللجوء للمحكمة الإدارية العليا منذ عام 2008 لوقف قرار تصدير الغاز لإسرائيل، وهو ما أسفر عن صدور حكم قضائي بإلزام الحكومة المصرية بمراجعة أسعار التصدير لتتناسب مع الأسعار العالمية، وبما يحقق مصالح الشعب المصري.
وفي السياق ذاته؛ يُحاكم كل من الرئيس السابق ونجليه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم (المساهم في شركة غاز شرق المتوسط) بتهم فساد مالي وإداري في قضية تصدير الغاز لإسرائيل، كما يمثل وزير البترول الأسبق سامح فهمي وقيادات بوزارة البترول أمام محكمة الجنايات بتهمة الإضرار بالمال العام لموافقتهم على تصدير الغاز لإسرائيل.
وبدأت موجة الرفض الشعبي لتصدير الغاز لإسرائيل تكتسب زخما غير مسبوق بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، لا سيما مع تكرار تفجير خط الغاز الواصل لإسرائيل حوالي 14 مرة على مدار عامين، بما أدي لتعطل التصدير فترات طويلة، وهو ما تستند إليه شركة غاز المتوسط وشريكها الإسرائيلي لاختصام الشركة المصرية القابضة للغاز والهيئة المصرية العامة للبترول قضائيا للحصول على تعويضات تصل إلى 8 مليارات دولار منصوص عليها في تعاقد تصدير الغاز.
ويمكن اعتبار أزمة الغاز بمثابة امتداد لتوتر العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد الثورة، لا سيما بعد قيام القوات الإسرائيلية بقتل جنود مصريين على الحدود في أغسطس 2011، واقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية في مصر تعبيرا عن الغضب الشعبي من هذا الحادث، فضلا عن المصادمات المتتالية على الحدود نتيجة عمليات التهريب والتهديدات الأمنية التي تصاعدت وتيرتها إثر الفراغ الأمني في شبه جزيرة سيناء بعد الثورة لا سيما في ظل تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل تنظيم "أنصار الجهاد" بما دفع الجيش الإسرائيلي لاتخاذ إجراءات أمنية استثنائية على الحدود مع مصر، من ضمنها زيادة عدد القوات، وبناء قاعدة عسكرية قرب الحدود، وتسريع وتيرة بناء سياج حدودي مع مصر بطول 213 كلم، يبدأ عند معبر كرم أبو سالم في قطاع غزة، وينتهي غرب مدينة إيلات في أقصى جنوب إسرائيل.
وعلى المستوى الاقتصادي تراجع التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل خلال عام 2011 بنسبة تصل إلى 23% مقارنة بعام 2010 نتيجة انخفاض الصادرات المصرية إلى إسرائيل بنسبة 50%، في حين شهد شهرا يناير وفبراير 2012 انخفاضا جديدا في مستوى التجارة البينية بين الدولتين بنسبة 21% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بما يمكن اعتباره مؤشرا على انحدار العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ثانيا: بوادر صدام حول قرار وقف تصدير الغاز:
بدت مؤشرات الصدام واضحة فور صدور قرار وقف تصدير الغاز. فعلى المستوى الإسرائيلي انتقد شاؤول موفاز -زعيم حزب كاديما، وزعيم المعارضة في الكنيست- قرار وقف تصدير الغاز، واعتبره يمثل تحديا سافرا من الجانب المصري، وانتهاكا لاتفاقية السلام، داعيا الولايات المتحدة للتدخل للحفاظ على السلام مع مصر، بينما وصف وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان القرار بأنه لا يبشر بخير، وأن التحولات الراهنة في مصر تجعلها أكثر خطرا على إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني بسبب ثقل مصر في المنطقة العربية، وحدودها المشتركة مع إسرائيل.
في السياق ذاته؛ اتخذت القيادة العسكرية في إسرائيل مواقف تصعيديه بتأكيد رئيس الأركان الإسرائيلي بيني جانتس استعداد إسرائيل لمواجهة تحول مصر لدولة عدائية، وهو ما أشار إليه إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي بقوله: "إن إسرائيل يمكنها مواجهة أي عدو قريبا كان أو بعيدا" منوها إلى أن إسرائيل ستشهد العديد من التحديات والتهديدات في المستقبل.
في المقابل؛ تبنى المسئولون السياسيون الرئيسيون موقفا يميل للتهدئة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر قرار وقف تصدير الغاز مجرد نزاع تجاري، وليس أزمة سياسية، وهو ذات الموقف الذي تبناه وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس ووزير الطاقة الإسرائيلي عوزي لاندو الذي دعا القاهرة إلى مراجعة قرارها، باعتباره سيلحق ضررا بالغا باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الهشة.
وعلى الرغم من تأكيدات الجانب المصري على الطابع التجاري لقرار وقف تصدير الغاز؛ فإن المسئولين المصريين أخذوا تصريحات نظرائهم الإسرائيليين بجدية، فوزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو كلف السفير المصري لدى تل أبيب بالاستفسار من الحكومة الإسرائيلية واستيضاح مدى صحة تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي سالفة الذكر.
أما المشير حسين طنطاوي -رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة- فقد حذر خلال مشاركته في المناورة العسكرية (نصر-7) التي جرت في سيناء بأن مصر "ستكسر قدم من يحاول الاعتداء عليها أو الاقتراب من حدودها" بما يمكن اعتباره ردا على تصريحات ليبرمان، وهو ما أكده اللواء قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد فريد حجازي بقوله: "إننا لا نستأذن أحدا في اتخاذ أي قرار أو إجراءات تؤمّن الأمن القومي المصري" وإن "القوات المسلحة المصرية في سيناء قادرة تماما على تأمينها ضد أي عدوان أو فرد أو جهة تسول لها نفسها الاعتداء عليها".
وعلى الرغم من حدة السجال المصري الإسرائيلي والتصريحات المتبادلة فإن الطرفين يؤثران تجنب الصدام المباشر أو المزيد من التصعيد لما له من انعكاسات كارثية على العلاقات بين الدولتين التي شهدت تراجعا ملحوظا في الآونة الأخيرة.
ثالثا: محددات التغير في العلاقات بين مصر وإسرائيل:
يرتبط التغير سالف الذكر في مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية بمحددات عديدة ومتغيرات على المستوىين المصري والإسرائيلي أسهمت في التراجع الحاد في كثافة التفاعلات بين الدولتين بعد الثورة المصرية في ظل التحولات السياسية التي شهدتها مصر، وحالة المراجعة التي تشهدها السياسة الخارجية المصرية تحت وطأة ضغوط الرأي العام الذي أضحي فاعلا رئيسيا في تحديد مسار السياسة الخارجية المصرية، وآليات إدارة القضايا الخلافية على المستوى الخارجي، وتتمثل أهم محددات التراجع في العلاقات المصرية الإسرائيلية فيما يلي:
1- انهيار أركان النظام المصري السابق:
تكمن أهمية هذا المتغير في نجاح النظام السابق في الحفاظ على علاقات تحالف وثيقة مع إسرائيل، بدت ركائزها في تصدير الغاز لإسرائيل، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز" التي تم توقيعها عام 2004، والتنسيق السياسي والأمني الوثيق بين الطرفين، وهو ما أشار إليه أحد الصحفيين الإسرائيليين قبيل نصف عام من نشوب الثورة المصرية في مقال بعنوان "صلاة سلامة من أجل مبارك" والتي أكد فيها أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهد الرئيس السابق وصلت إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الذي حقق لإسرائيل استقرارا أمنيا وعسكريا على جبهتها الشرقية لم تنعم به منذ نشأتها.
وعقب سقوط نظام مبارك وتداعي أركان النظام السابق، كان من الطبيعي أن تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية تراجعا ملحوظا نتيجة السخط الشعبي على ما وصل إليه مستوى التحالف مع إسرائيل خلال عهد النظام السابق، لا سيما في ظل المراجعة السياسية والمحاكمات لرموز نظام مبارك في قضايا الفساد المالي.
2- تشكيل برلمان الثورة:
أسفرت الانتخابات التشريعية المصرية عن شغل التيار الإسلامي برافديه الإخواني والسلفي أغلبية برلمانية تصل إلى حوالي 70% من مقاعد مجلس الشعب، وهو ما أثار مخاوف إسرائيل من انهيار السلام مع مصر نتيجة المواقف العدائية للقوى السياسية الحائزة على الأغلبية على الرغم من إعلان رموز حزبي الحرية والعدالة والنور عن التزامهما باتفاقية السلام مع إسرائيل، وبغض النظر عن هذه الاعتبارات فإن غالبية القوى السياسية الممثلة داخل البرلمان أو القوى غير الحزبية تشترك في موقفها الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما أشار إليه السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر "إلي شاكيد" بتأكيده المخاوف الإسرائيلية من نوايا الإسلاميين بعد تمام المرحلة الانتقالية.
3- موقف الرأي العام المصري:
بات الرأي العام المصري محركا أساسيا لمراجعة ثوابت السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة، بحيث أضحت توجهاته حاكمة للتغير في التوجهات الخارجية المصرية، وتشير نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام في سبتمبر 2011 عن تأييد حوالي 57% من المبحوثين لمراجعة وتعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل، وفي المقابل كشف استطلاع آخر للرأي أجراه مركز بيو الأمريكي لاستطلاعات الرأي في أبريل 2011 عن أن حوالي 54% من المصريين يدعمون إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، بما يؤكد أن استمرار العلاقات مع إسرائيل لا يحظى بدعم الرأي العام المصري.
4- توجهات مرشحي الرئاسة تجاه إسرائيل:
تكشف مراجعة تصريحات مرشحي الرئاسة الأكثر حضورا على الساحة السياسية عن توافق عام حول ضرورة مراجعة ثوابت العلاقات المصرية الإسرائيلية، وتقليصها إلى أدنى مستوىاتها، ويزيد بعضهم تأكيد ضرورة إنهاء مختلف أوجه التعاون السياسي والاقتصادي، وتجميد التنسيق العسكري كانعكاس للموقف الشعبي الرافض لتطبيع العلاقات بين الدولتين خلال عهد النظام السابق. وباستثناء عمرو موسى ود. محمد سليم العوا فإن غالبية مرشحي الرئاسة اتفقوا على ضرورة مراجعة اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وتعديلها أو تجميدها بما يحقق المطالب الشعبية، وإن لم يختلف جميع مرشحي الرئاسة على دعم القضية الفلسطينية بشتى الوسائل.
وتؤكد كافة هذه المتغيرات أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في اتجاهها لمزيد من التراجع والجمود كنتاج للتحولات السياسية في مصر، ونتيجة للمواقف الإسرائيلية من القضايا الخلافية التي تعترض تطور علاقاتها بالعالم العربي، فمن المؤكد أن التعنت الإسرائيلي في عملية التسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والقيود التي تفرضها اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على التواجد العسكري المصري، فضلا عن العدوان والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة؛ جميعها تدفع الرأي العام المصري والعربي للتمسك بمواقفهم الرافضة للتطبيع مع إسرائيل والداعمة لتقليص العلاقات إلى أدنى مستوىاتها.
رابعا: خيارات التعامل مع قضية الغاز:
يظل قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل أحد أهم المؤشرات على التراجع المضطرد في العلاقات بين الطرفين، وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة المصرية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التقليل من شأن قضية الغاز، واعتبارها مجرد نزاع تجاري بين الشركات الأطراف به؛ فإنه من غير الممكن تجاهل التداعيات السياسية للقرار؛ حيث سوق يتسبب في فقدان أكثر من 40% من إمدادات الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه إسرائيل في توليد الكهرباء، وارتفاع تكلفة إمدادات الطاقة، ومن ثم فإن الطرف الإسرائيلي من المتوقع أن يضغط على مصر للتراجع عن القرار، وفي هذا الإطار يمكن مراجعة الخيارات المطروحة للتعامل مع القضية من خلال ما يلي:
1- الخيارات الإسرائيلية:
تمتلك إسرائيل عدة خيارات للضغط على شاغلي السلطة في مصر للتراجع عن قرار تجميد صادرات الغاز لإسرائيل تتمثل في:
أ- تجميد اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز). فقد يلجأ الطرف الإسرائيلي لإحداث أزمة اقتصادية مماثلة للطرف المصري بإعلان تجميد اتفاقية الكويز من طرف واحد باعتباره يحقق فوائد يحرص الجانب المصري على استمرارها تمثلت في تصاعد إجمالي الصادرات من المناطق الصناعية المؤهلة إلى 829 مليون دولار في عام 2011 بزيادة قدرها 11% عن العام الماضي، وبالنظر إلى أن الخبراء يؤكدون عدم وجود بند في الاتفاقية يسمح لإسرائيل بتجميدها من طرف واحد فإن الخيارات الإسرائيلية تتمثل في الضغط على الشركاء التجاريين الإسرائيليين لتقليص أو وقف مستوى التعامل مع نظرائهم المصريين، أو التوقف عن توريد نسبة المكون الإسرائيلي المطلوبة لتصدير المنتج المصري، وقد يكون ذلك عبر تعقيد الإجراءات الإدارية للسماح بالتصدير.
ومن المتوقع أن تجمد إسرائيل المفاوضات الحالية التي بدأتها مصر للحصول على مزايا إضافية من خلال توسيع نطاق المناطق الصناعية المؤهلة، وخفض نسبة المكون الإسرائيلي من 10.5٪ إلى 7٪.
ب- اللجوء للولايات المتحدة للضغط على مصر. يتمثل الخيار الثاني في استدعاء الضغوط الأمريكية على مصر، وهو ما سارع إليه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إثر القرار المصري، لا سيما في ضوء اعتبار استقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية واستمرار اتفاقية السلام بين الطرفين أحد أهم المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولامتلاك الولايات المتحدة أدوات متعددة للضغط على المسئولين المصريين مثل المساعدات العسكرية السنوية والدعم الاقتصادي.
إلا أن مستوى التدخل الأمريكي لا يزال محدودا ربما لما يتسم به النزاع من طابع تجاري، وانتظارا لما سيسفر عنه التفاوض بين الطرفين المصري والإسرائيلي، وخشية ردود الفعل الشعبية وانعكاساتها على العلاقات المصرية الأمريكية التي شهدت توترا حادا إثر قضية التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية والإفراج عن النشطاء الأمريكيين بعد الضغوط على الحكومة المصرية.
ج- التصعيد العسكري على الحدود المصرية الإسرائيلية. يبدو الاتجاه للتصعيد واضحا في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي قدم مذكرة لرئيس الوزراء اعتبر فيها أن التحولات في مصر قد تفرز خطرا أكبر من الخطر النووي الإيراني نتيجة طول الحدود المشتركة، وباعتبار أن شاغلي السلطة قد يبحثون عن عدو خارجي لتوحيد الشعب ضده، وتُعتبر إسرائيل هي المرشح الأقوى لهذا الدور.
ودعا ليبرمان إلى إعادة تشكيل فيلق الجنوب في الجيش الإسرائيلي الذي تم حله عقب معاهدة كامب ديفيد، وتكثيف الانتشار العسكري على الحدود، والاستعداد لإدخال قوات مدرعة إلى سيناء في حال أي خرق مصري لاتفاقية السلام. واتبع رئيس الأركان الإسرائيلي بيني جانتس ذات النهج التصعيدي بتأكيده على استعداد الجيش الإسرائيلي لاحتمال تحول مصر لدولة عدو بعد سنوات من السلام بين الطرفين؛ إلا أن اتباع إسرائيل نهجا تصعيديا في قضية تصدير الغاز غير محتمل بالنظر لحرص إسرائيل على استمرار السلام مع مصر، باعتباره مصلحة حيوية لأمن إسرائيل.
د- الاعتماد على موارد الطاقة الذاتية. أشار وزير الطاقة الإسرائيلي عوزي لاندو إلى أن إسرائيل يمكنها الاعتماد على احتياطات الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، والاستغناء تماما عن استيراد الغاز من الخارج؛ إلا أن الحقول البحرية المكتشفة حديثا لن تفي باحتياجات الطاقة الإسرائيلية قبل أبريل 2013 بما يجعل هذا الخيار غير ملائم، لا سيما في ارتفاع تكلفة الاعتماد على البترول والفحم في توليد الكهرباء.
2- الخيارات المصرية:
في المقابل يمتلك الجانب المصري أوراقا عديدة للتعامل مع الضغوط الإسرائيلية تشمل ما يلي:
أ- التركيز على الأبعاد القانونية. يمكن للطرف المصري الاستمرار في خوض المخاصمة القانونية مع الشركات الأطراف في اتفاق تصدير الغاز استنادا لامتناع شركة غاز المتوسط عن سداد الاستحقاقات المالية على مدار خمسة أشهر متتالية، بما يعتبر خرقا لمقتضى التعاقد، وأن يقبل بالتحكيم الدولي في القضية لإنهائها بعيدا عن الصدامات السياسية والعسكرية لتجنب تداعيات الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على الاقتصاد المصري.
ب- التفاوض لرفع أسعار توريد الغاز. يبدو من تصريحات فايزة أبو النجا -وزير التخطيط والتعاون الدولي- أن المسئولين في الحكومة المصرية يفكرون جديا في هذا الخيار في محاولة لتحقيق مكاسب من تصدير الغاز لإسرائيل، وتجنب تصعيد قضية تصدير الغاز؛ إلا أن ردود الفعل الشعبية، وانتقادات القوى السياسية المختلفة، قد ترفع من التكلفة السياسية لتطبيق هذا الاختيار، لا سيما في ظل الوضع الهش للحكومة المصرية بعد رفض مجلس الشعب بيانها، وإصرار القوى السياسية الرئيسية على ضرورة إقالتها.
ج- التصعيد الشعبي: يتمثل الاختيار الأقل احتمالية في اتجاه شاغلي السلطة في مصر إلى تعبئة وحشد الرأي العام ضد الطرف الإسرائيلي واستغلال مواقف القوى السياسية الرافضة للتطبيع في استصدار قانون من مجلس الشعب يمنع تصدير الغاز لإسرائيل نهائيا، ويصعد الأزمة مع الطرف الإسرائيلي لدعم شعبية المجلس العسكري قبيل الموعد المحدد لتسليم السلطة للرئيس المنتخب في 30 يونيو المقبل؛ إلا أن هذا الاختيار قد يكون مستبعدا بالنظر إلى حرص المسئولين المصريين على التركيز على الطابع التجاري لقرار وقف تصدير الغاز، واستبعاد الاعتبارات السياسية لتجنب التصعيد.
د- التراجع عن القرار: يتمثل الخيار الأكثر خطورة في التراجع عن قرار وقف تصدير الغاز إثر الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، ويمكن استبعاد هذا الاختيار في ظل إدراك المجلس العسكري والحكومة لتبعاته السياسية لا سيما بعد الانتقادات الحادة لتراجع الحكومة في قضية النشطاء الأمريكيين والتمويل الأجنبي، وتصاعد حدة الصدام بين القوى السياسية المختلفة والمجلس العسكري بسبب رفض إقالة الحكومة، والخلافات حول انتقال السلطة ونهاية المرحلة الانتقالية.
ملاحظات ختامية
تؤكد كافة المتغيرات أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في اتجاهها لمزيد من التراجع والجمود كنتاج للتحولات السياسية في مصر ونتيجة للمواقف الإسرائيلية من القضايا الخلافية التي تعترض تطور علاقاتها بالعالم العربي، فمن المؤكد أن التعنت الإسرائيلي في عملية التسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والقيود التي تفرضها اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على التواجد العسكري المصري، فضلا عن العدوان والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، جميعها تدفع الرأي العام المصري والعربي للتمسك بمواقفهم الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، والداعمة لتقليص العلاقات إلى أدنى مستوىاتها.
ويعزز هذا الاتجاه أن الثورة المصرية جعلت الرأي العام فاعلا أساسيا في دفع التغير في السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة نتيجة الزخم السياسي، واستمرار الآليات الاحتجاجية، وسعي القوى السياسية المختلفة لاستغلال الآليات الديمقراطية، وتوسيع قاعدة دعمها الشعبي، بما يجعل العلاقات مع إسرائيل بمختلف قضاياها الخلافية رهنا بما ستسفر عنه عملية انتقال السلطة، واكتمال استحقاقات المرحلة الانتقالية في مصر، ومدى ميل الطرف الإسرائيلي لاتباع استراتيجية استباق التهديدات من خلال تصعيدٍ هدفه استغلال عدم الاستقرار السياسي لبناء واقع جديد، أو إضافة التزامات جديدة على النظام السياسي المصري.
وعلى الرغم من استبعاد اتجاه إسرائيل للتصعيد مع مصر، فإن كافة المؤشرات تشير إلى استعدادها لسيناريو تدهور العلاقات مع مصر، وانهيار اتفاقية السلام كنتاج لتصعيد من جانب القوى السياسية الرئيسية في مصر بعد الثورة، ومن ثمّ فإن تحقيق توافق وطني في مصر حول مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية وحدود مراجعة القضايا الخلافية قد أضحى في غاية الأهمية لتحقيق اعتبارات المصلحة الوطنية المصرية في هذه المرحلة الفارقة في تطور النظام السياسي المصري.