أنشطة السياسة الدولية - مؤتمرات وندوات

مصر إلى أين؟:| مسارات التغير في المشهد السياسي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية

المشهد-السياسي---داخلي
طباعة

 المتتبع للواقع السياسي المصري حالياً يلاحظ حالة التمزق والانقسام بين القوى السياسية، وفقدان التنسيق حتى بين فئات النخبة والخبراء بعضهم ببعض، وبينهم وبين القوى الثورية التي تفتتت هي الأخرى. ويبدو أن الكل قد ضل الطريق، ولا يمكن الادعاء بأن هناك من يستطيع الإجابة على سؤال: مصر إلى أين؟! وعادة ما يكون الحل للخروج من الأزمة الرجوع إلى نقطة الصفر. وفي محاولة لرأب الصدع، عقد قسم العلوم السياسية بكلية التجارة بجامعة حلوان مؤتمره الدولي الأول، بمشاركة عدد من السياسيين والأكاديميين العرب والأجانب لمحاولة تحليل الوضع الحالي الذي تمر به الساحة السياسية المصرية، والخروج برؤية استشرافية وخطوط عريضة ترشد من ضل طريق التحول الديمقراطي.

رؤى القوى السياسية للواقع السياسي المصري:

اتفقت القوى السياسية على مبدأ أساسي، هو أن الثورة لم تحقق أياً من أهدافها إلى الآن، حتى إن إسقاط النظام كان ظاهرياً؛ فما تم إسقاطه هو أشخاص، لكن النظام السابق بمؤسساته لا يزال قائماً.

  فيرى د. حسن أبو سعدة – رئيس وزراء حكومة الظل لحزب الوفد – أن الصراعات في الشارع السياسي جاءت مخيبة للآمال؛ فالكل يحاول استقطاب السلطة لصالحه، سواء كان مدنيا أو عسكريا. فقد أوجدت الانتخابات الأخيرة سلطة طاغية لا تريد إفلات السلطة منها، وكانت النتيجة حزبا مسيطرا في مجلس الشعب، ويريد أن يكون صاحب الكلمة كحكومة وكرئيس أيضاً بترشيح الشاطر لخوض الانتخابات الرئاسية ممثلاً للجماعة.

وحول دور الأحزاب في التحول الديمقراطي، أشار سعدة إلى أن حالة عدم التوافق على أهداف عامة لصالح الوطن لتعارضها مع المصالح الخاصة لهذه الأحزاب قوضت فعالية دورها في عملية التحول الديمقراطي.

 الأحداث الأخيرة ومستقبل الطاقة في مصر:

 ناقش د. يسري أبو شادي – كبير خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية – تأثير الأحداث الأخيرة فى مستقبل الطاقة في مصر، وأشار إلى خطورة تداعيات أزمة نقص الطاقة ولجوء الحكومة لأسلوب المسكنات من خلال افتتاح عدد من محطات الكهرباء الجديدة والمستهلكة بكثرة للغاز الطبيعي المحلي والبترول، مما أدى إلى نقص الاحتياطي الاستراتيجي من البترول والغاز، واللجوء إلى الاستيراد، دون البحث عن بدائل أخرى للطاقة. وكانت النتيجة نقص مصادر الطاقة المخصصة للاستخدامات الأخرى كوسائل النقل والمنازل، وهو ما أوجد أزمات السولار والبنزين والبوتاجاز الحالية.

لذا، بات من الضروري تبني مصر لبرنامج الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وتقليص الاعتماد على البترول والغاز في إنتاجها وادخارها للاستخدامات الأخرى.

دور الأزهر:

من الملاجظ تنامي الدور الوطني للأزهر بعد الثورة، وثارت العديد من التساؤلات حول رؤية الأزهر للواقع الحالي، وموقفه من القوى السياسية.

  وحاول د. محمود عزب – مستشار شيخ الأزهر - توضيح دور الأزهر، باعتباره دوراً وطنياً في المقام الأول غير مسيس، ويقف على مسافة واحدة من جميع القوى والتيارات، سواء سياسية، أو دينية، أو عرقية، يتضامن مع الأمة في توحدها وجمع أوصالها، وأن الهدف الرئيسي الذي يركز عليه الأزهر حالياً هو غرس قيمة الحوار في الحياة المصرية الذي نسيته كثيراً.

  وأشار إلى أن هناك أزهراً جديداً يفرق بين العمل السياسي والعمل الوطني، عاد بعد غيبة طويلة، مثله مثل باقي مؤسسات الدولة في العصر البائد، بعد أن تهاونت مصر في عرضها قليلاً – على حد تعبيره – وأكد أن مصر لا تضيع شخصيتها أبداً.

اتجاهات و أشكال التغير في السياسة الخارجية المصرية:

إن السياسة الخارجية للدولة هي التي تحدد شخصيتها وتوجهاتها في محيطيها الإقليمي والدولي، ويمكن الجزم بأن هناك تدهوراً لحق بالوزن السياسي للدولة المصرية على الصعيدين الإقليمي والدولي في عهد النظام البائد، كما شهدت السياسة الخارجية المصرية عددا من الهزات نتيجة تداعيات عدم الاستقرار الداخلي. لذا، حاول المحور الثاني من المؤتمر رصد وتوصيف وضع السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة.

أشكال التغير في السياسة الخارجية:

ركزت الأوراق البحثية على مفهوم التغير في السياسة الخارجية، حيث إنه من البديهي أن تتغير السياسة الخارجية المصرية نتيجية مستجد بوزن ثورة 25 يناير؛ سواء من جانب رؤى الفاعلين الجدد، أو كنتيجة لمراجعات القوى الإقليمية والعالمية لسياساتها الخارجية تجاه مصر. ورصد الباحثون أربعة مستويات للتغير الذي قد يطرأ على السياسة الخارجية المصرية، وهي:

أ‌. تغير تكيفي: تغير في مستوى الاهتمام بقضايا معينة مع ثبات الأهداف والأدوات.

ب- تغير وسائلي: استمرار الأهداف مع تغيير أدوات تحقيقها.

ج- تغير هيكلي: في الأهداف وليس مجرد تغير في الأدوات.

د- تغير شامل: تغير في الأهداف والاستراتيجيات والأدوات، وهو نادر الحدوث؛

ذلك أن السياسة الخارجية تتضمن مجوعة من ارتباطات والالتزامات الدولية.

وأشار الباحثون إلى أن الحديث عن ضرورة تغيير السياسة الخارجية أصبح من الأمور الملحة بعد الثورة، والنظر إلى دوائر كانت مهملة في عهد النظام السابق مثل العلاقات مع إيران وإفريقيا.

موقف القوى الإقليمية والدولية تجاه مصر بعد الثورة:

حظي موضوع السياسة الخارجية للقوى الإقليمية والدولية تجاه مصر باهتمام المشاركين في المؤتمر، خاصة سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل.

  فبالنسبة للولايات المتحدة، يشير د. السيد عمر،الأستاذ بجامعة العلوم التطبيقية البحرينية، إلى أن الولايات المتحدة رقم عالمي صعب بالنسبة لمصر، والعكس صحيح، وهو ما يتطلب أن تعي مصر الصورة الإدراكية الأمريكية لها؛ لارتباطها الوثيق بمعطيات بيئة، جوارها القريب مع الكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي، ومع مجمل الفضاء العربي والإفريقي- الآسيوي المجاور لها. وبالتالي، يطرح هذا الوضع تساؤلاً خطيراً، هو : هل محدد العلاقة تجاه مصر في التصور الأمريكي لنظام ما بعد مبارك هو المصلحة القومية الأمريكية أم الديمقراطية؟!.

  أما بالنظر إلى إسرائيل، فقد خلصت ورقة بحثية قامت بتحليل ما ورد بالصحف الإسرائيلية حول الثورة المصرية إلى الرصد الدقيق من قبل إسرائيل لأحداث الثورة التي أطاحت بحليفها القوي "مبارك" ، وهو ما يثير قلق إسرائيل وإرباك حساباتها في المنطقة، وما يمكن أن تسفر عنه الأحداث على مستقبل العلاقات المصرية – الإسرائيلية. وتمثلت أهم ملاحظات الصحافة الإسرائيلية على الثورة المصرية في: تبني نظرية المؤامرة على نظام مبارك، واعتراف إسرائيل بإخفاق أجهزة مخابراتها في توقع الثورة المصرية، وبأن الثورة ترجع بمصر إلى الوراء، وتأتي بحكم إسلامي على غرار ثورة إيران، والخوف على مصير السلام، في حال تولي إسلاميين حكم مصر، وبأن المصريين غير مؤهلين للديمقراطية، باعتبار أن الديمقراطية ليست للعرب.

كان غياب الأحزاب التقليدية قبل الثورة ملحوظاً في الفعل الثوري، ولكن الثورة قد خلقت وضعا سياسيا جديدا أدى إلى بلورة القوى السياسية، سواء الفاعلة في الثورة، أو التي دفعت بنفسها لشغل المقاعد الأمامية في الحياة السياسية في شكل أحزاب جديدة أو أحزاب تجددت بفضل الحراك الشعبي المصاحب للثورة. ومن هنا، انطلقت ورقة د. محمد مرسي، باحث في معهد كارلوس للدراسات الدولية المتوسطية بجامعة الأوتونوما بإسبانيا، لدراسة توجهات القوى الجديدة المنبثقة عن جماعات كانت قائمة قبل الثورة، ولها أيديولوجياتها السياسية الخاصة، وتأثيرها فى قضايا السياسة الخارجية المصرية.

ولعل أبرز ما توصلت إليه الدراسة أن برامج الأحزاب بعد الثورة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المصرية قد تفاوتت حسب أيديولوجية تلك الأحزاب. ففي حين لجأت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى اللعب على الحس الوطني لدى الشعب، متأثرة في ذلك بتصاعد دور الرأي العام في توجيه الأحداث، والشعور المتنامي بأهمية استعادة التأثير المصري، جاءت برامج تلك الأحزاب طموحا بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية، على اعتبار أن الحالة المستجدة  سوف تعطي مصر المزيد من الفرص والندية مع الدول الأخرى بما يمهد لحضور أكبر على الساحة الإقليمية. ويؤخذ على هذه الأحزاب الرؤية الضيقة نتيجة أدلجة القضايا، حسب ما يتفق مع مرجعيتها على حساب مصالح مصر، مما يبشر بالوقوع في أخطاء قد تفقد مصر الكثير من فرص التعاون والتحرك الدولي.

بينما لجأت الأحزاب الليبرالية إلى تحقيق التوازن الذي يمهد للاستقرار في علاقات مصر بالخارج، فعكست رؤيتها المهنية والاعتدال والواقعية في إدراك قضايا السياسة الخارجية المصرية. أما المجموعة الأخيرة من الأحزاب، فلم نلحظ في برامجها الاهتمام الكافي بملف السياسة الخارجية، واكتفت بالدعوة إلى تقوية دور مصر في إطار محيطيها الإقليمي والدولي، وربما يكون هذا الموقف إدراكاً منها أن ملف السياسة الخارجية يخضع للتقلبات تبعاً للأغلبية الحكومية المنبثقة من البرلمان، فهي تنأى بنفسها عن تقديم أي وعود قد لا تستطيع الوفاء بها.

تحديات مستقبلية للواقع السياسي المصري:

من المفروض أن يفرز الواقع السياسي الذي تعيشه مصر حالياً نظاماً وليداً يحقق طموحات القوى البشرية التي خاضت الصورة من أجله، لكن الطريق إلى ذلك لا يزال مبهماً تعلوه الغيوم. لذا، حاول المحاضرون الخروج برؤية تحليلية للواقع السياسي ومستقبله.

اتفق المشاركون في المؤتمر على أن المشهد السياسي الحالي يشهد العديد من التحديات في طريق الانتقال الديمقراطي. وقد تجلت أهم هذه التحديات في المظاهر التالية:

1. الازدواجية: وتجلت الازدواجية في عدة صور: ازدواجية في الفكر والمعايير، وازدواجية في القوى المتنافسة بين دينية ومدنية، وازدواجية في السلطة ما بين التشريعية والتنفيذية، والأهم ازدواجية الثورة الشعبية والأغلبية الحزبية المنبثقة.

2. كسب التأييد الشعبي: أصبح أهم أدوات الاستقواء بين القوى المتنافسة .

3. الإعلام: فمن الواضح أن الثورة لم تمر على الإعلام المصري حتى الآن، حيث أصبح الإعلام إحدى أهم أدوات الصراع بين القوى في مرحلة بناء النظام الجديد، وملكية رجال الإعلام متداخلي المصالح مع النظام السابق لعدد الصحف، تفوق ملكية الشعب للإعلام القومي .

التوصيات:

وحاول المحاضرون طرح رؤية للخروج من المأزق الحالي، تمثلت في عدد من التوصيات، أبرزها:

1. ضرورة تجمع القوى الثورية في كيانات حزبية للتحول لمنافس سياسي يعمل على خلق قواعد جزبية جماهيرية، وابتكار آليات للدعاية والتمويل الحزبي عبر تبرعات أصحاب القناعات بالبرامج الحزبية. فالشباب هم مستقبل الوطن، وتحقيق نجاح الثورة مرهون بقدرتهم على التكيف والتعامل مع الواقع السياسي ومتغيراته.

2. الدفاع عن حرية الإعلام وتنوعه، كون ذلك السبيل لطرح مختلف وجهات النظر، وملاحقة الفساد، وتثقيف المجتمع وتنميته، ويستوجب ذلك أن يكون الإعلام مملوكاً لقطاعات وجماعات بالمجتمع وليس لأفراد، من خلال تشريعات قانونية تنظم الملكية، ويكون مصدر التمويل معلوماً وخاضعاً لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

3. إعادة هيكلة منظومة الإعلام الرسمي، بدءاً باختيار قيادات تتمتع بالكفاءة والاستقلالية، ثم إعادة النظر في تشكيل مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية، على أن يكون الانتخاب هو أساس العضوية، وإلغاء نظام التعيين.

3. وضع تشريعات تقنن وضع الحركات والجماعات بالشكل الذي يضمن فصلاً حقيقياً للجماعات الدينية عن الأحزاب السياسية المنبثقة عنها.

4. التعليم: لابد من التركيز على تطوير التعليم، باعتباره الوسيلة الرئيسية للحصول على الحرية السياسية، وإحداث نقلة نوعية في حياة المجمعات، من خلال تعزيز القدرات البشرية، وتنمية الجانب الإبداعي بالاعتماد على منظومة لتطوير إطار مؤسسي، يكون التعليم أحد أضلاعه، ولابد أن يكون دور الدولة حاضرا في هذه العملية.

     ومن خلال ما سبق، يمكن أن نصف الواقع السياسي الحالي بأنه فضفاض، يفتقد الهدف والوسائل المؤدية إليه، والأدوات التي تساعد على تحقيقه، وتغلب عليه قيم التسلط والمصالح الخاصة، وتشرذم القوى الفاعلة ورؤاها، وغياب القيادات والرموز التي يمكن الالتفاف حولها، وعدم تسلم الثوار الحقيقين لمقاليد السلطة وصنع القرار. وبذلك، يفضي المشهد الحالي إلى ثلاثة سيناريوهات: إما إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، أو سيطرة  قوى بعينها على الواقع السياسي، أو الفوضى والرجوع إلى نقطة الصفر(ثورة أخرى).

طباعة

تعريف الكاتب

أميرة البربري

أميرة البربري

باحثة ماجستير بكلية الإعلام، جامعة القاهرة.