بصرف النظر عمن سيفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة في شهر نوفمبر المقبل، فإن مما لاشك فيه أنه سيواجه حزمة من تحديات السياسة الخارجية التي قد تكون صعبة للغاية مثلما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة. وعلى رغم أن إعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي، قد تكون هي الهم المباشر للرئيس القادم إلا أن حالة عدم اليقين السائدة في الخارج ستؤدي على الأرجح إلى إعادة تشكيل السياسات العالمية، وتعيد توزيع مراكز القوة.
وعلى رأس تلك التحديات تأتي عملية إعادة ترتيب سياسات الولايات المتحدة تجاه الصين، وروسيا، والعالم العربي، وإيران، وكوريا الشمالية، وباكستان. وسنرى هناك طرفاً من كل ذلك تباعاً:
الصين: لاشك أن النمو الاقتصادي الهائل لتلك الدولة حولها إلى متحد حقيقي للقيادة العالمية الأميركية، وعامل بالغ التأثير في تحولات القوة من الغرب للشرق. ونمو قوة الصين العسكرية يصيب دول جنوب شرق آسيا بالعصبية، وخصوصاً أنها ترسل سفن بحريتها للقيام بدوريات في مناطق كانت تهيمن عليها السفن الحربية الأميركية عادة.
وباعتبارها الدولة التي تعمل كمصرفيّ لأميركا، فإن الصين تلقى احتراماً أيضاً في واشنطن. ولكن علاقات الولايات المتحدة بهذه الدولة تتسم بالحساسية الشديدة وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي تقوم فيها بالحد من حرية مواطنيها وتتعدى فيها على الحقوق الفكرية. وعلاوة على ذلك من المنتظر أيضاً أن تؤدي التغييرات الوشيكة في قمة القيادة السياسية الصينية إلى نشوء حالة من عدم اليقين بشأن الوجهة المحلية والدولية التي ستتخذها تلك الدولة.
روسيا: تمكن فلاديمير بوتين من تحييد مرشحي المعارضة ، ونجح في العودة مجدداً إلى منصب رئيس الجمهورية، وتبنى خطاباً شديد اللهجة تجاه أميركا. ولكن ما لاشك فيه هو أن معارضة الشباب الروسي لبوتين كانت واضحة خلال الانتخابات، مما يعني أن التغيير سيكون حتميّاً.
وعندما كان رونالد ريجان رئيساً، حرص على التعامل مع القادة الروس حتى في فترة الحرب الباردة، وأي شخص يحتل البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة يجب أن يفعل الشيء نفسه ، وأن يسعى للتوصل إلى حلول وسط مع روسيا بشأن سوريا والسلاح النووي الإيراني.
العالم العربي: قد لا تؤدي الثورات في العالم العربي إلى الديمقراطية كما يفهمها الأميركيون وكما يريدونها. ويجب على الرئيس الأميركي القادم بالتالي الضغط على الحكومات الجديدة في العالم العربي من أجل تحقيق الأدوات الأساسية للديمقراطية، كالانتخابات الحرة، والصحافة الحرة، والقضاء المستقل. كما ينبغي محاكمة الرئيس السوري بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبها نظامه ضد الإنسانية.
إيران: يجب أن يكون أوباما حريصاً على تجنب القيام بأي عمل عسكري ضد النظام الإيراني إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وأيّاً ما كان الشخص الذي سيتولى منصب الرئيس القادم للولايات المتحدة، فمما لاشك فيه أنه سيجد أمامه ساعة دقاقة يتعين عليه أن يتابعها وهو يرى إيران تسابق الزمن لتطوير إما الوسائل اللازمة لتصنيع سلاح نووي أو تطوير السلاح النووي ذاته. والرئيس القادم ينبغي أن يزيد من وتيرة الضغط لتحييد تهديد الملف النووي الإيراني، وذلك أن اندلاع مواجهة نووية في الشرق الأوسط أمر غير قابل للتفكير فيه.
كوريا الشمالية: على الرئيس الأميركي القادم أن يتأكد من أن الرئيس الكوري الشمالي الجديد، "كيم جونج أون" سيلتزم، حقاً، بوعوده بأنه سيكون أقل عدائية، مقابل ما سيقدم لبلاده من مساعدات غذائية. وسبب ذلك لأن لدينا تاريخاً طويلاً من الوعود التي لم يجر الالتزام بها من قبل نظام تلك الدولة. فإذا ما كان الزعيم الجديد مستعداً حقاً لجعل بلاده عضواً محترماً في المنظومة الدولية، فإن عليه أن يقدم الدليل على ذلك.
باكستان: لقد حان الوقت لتلك الدولة التي تضم العديد من الكفاءات والمواهب الذكية المعتزة بذاتها للتحول من دولة فاشلة إلى دولة ناجحة. بيد أنها ستحتاج في سياق ذلك إلى مساعدات اقتصادية دولية، ويجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للاستمرار في تقديم المساعدة المهمة التي كانت تقدمها لها.
ولكن يجب على باكستان من جانبها أن تعمل على تبديد الشبهات المثارة حولها وخصوصاً فيما يتعلق بعلاقات أطراف فيها مع حركة "طالبان" وغيرها من الحركات المتطرفة. ومع تناقص الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان تدريجيّاً، فإن باكستان المستقرة يمكن أن تلعب دوراً بناءً في المنطقة.
وجميع تلك البلاد التي تمثل مشكلة للولايات المتحدة، والتي تحتاج إلى عناية واهتمام خاصين من الرئيس الأميركي القادم، تشترك كلها في شيء واحد هو أنها محكومة بأنظمة سلطوية.
وعلى رغم نواحي عدم الكمال إلا أن أميركا ظلت لمدة طويلة منارة للحرية في العالم كما كان ينظر إليها دائماً. كما أن الأميركيين -تقليديّاً- كانوا يؤمنون بأن بلادهم يجب أن تقدم يد العون وتدعم الحرية في المناطق والدول التي لا تتمتع بالحرية في أماكن أخرى. وهذا الشيء كان دوماً في مصلحة أميركا، وذلك لأن الدول الحرة والمزدهرة لا تكون عادة مصدراً للمتاعب والصراعات.
وإذا ما تم انتخاب أوباما مرة ثانية، وتمكن من إعادة تشكيل العالم المتغير على أساس برنامج قائم على السلام، فسيكون قد كسب استحقاقاً جائزة نوبل، التي نالها سلفاً. أما إذا ما تم انتخاب رئيس "جمهوري" وتمكن من تحقيق نفس الهدف، فسيستحق هو الآخر الجائزة نفسها بالتأكيد.
----------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإمارتية، الثلاثاء 10/4/2012.