يأمل المرء أن يكون أوباما، قد أدرك عندما أخطأ في حديثه أمام ميكروفونات مفتوحة في مؤتمر سيؤول للأمن النووي يوم الثلاثاء قبل الماضي، أنه سيلفت الأنظار للحاجة لإنهاء ما كان يعتبره دائماً واحداً من أكبر أخطاء السياسة الأميركية في الأزمنة الحديثة، وهو المشروع الذي يهدف للدفاع عن أوروبا والولايات المتحدة ضد خطر الصواريخ النووية الإيرانية.
وكان أوباما قد قال للرئيس الروسي المنتهية ولايته ديمتري ميدفيديف بصوت منخفض التقطته الميكروفونات إنه "لن يستطيع مناقشة هذا الموضوع إلا بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية نظراً لما يسببه ذلك السباق من ضغوط وانشغالات ما يجعل من المتعذر عليه تماماً البحث عن تسوية له".
ما قاله أوباما مفهوم تماماً، ولكن لعله يدرك أن أفضل"تسوية"بالنسبة لهذا المشروع هو التخلي عنه تماماً باعتباره مشروعاً عديم الجدوى.
وكان أوباما قد قال بالفعل للصحفيين في سيؤول:"الطريقة الوحيدة التي استطيع إنجاز هذا المشروع بها هي التشاور مع البنتاجون، ومع الكونجرس، والحصول على دعم من الحزبين، وبصراحة فإنني أرى أن البيئة الحالية لا تساعد على القيام بهذه الأنواع من المشاورات العميقة".
وقد رد "ميدفيديف" على ما قاله أوباما بقوله:"أنا أتفهم ذلك وسأنقل هذه المعلومات لبوتين"(رئيس روسيا السابق واللاحق).
وعند سماعه بهذا الإفضاء، الذي أسرّ فيه الرئيس الأميركي بتلك الرسالة لأعلى سلطة روسية في الوقت الراهن قال المترشح الرئاسي "الجمهوري "ميت رومني"- انطلاقاً كما يبدو من خوفه على أمن أميركا القومي- إنه "تطور مقلق ومفزع في الوقت ذاته أن يقول الرئيس الأميركي لنظيره الروسي إنه لن يكون قادراً في ضباب الحملة الانتخابية الحالية على توفير الوقت والجهد اللازمين لتناول موضوع الدفاع الصاروخي".
ربما كان يجب على "رومني" أن يقول"الدفاع الصاروخي عديم الجدوى" على أساس أن ذلك الوصف كان هو السمة البارزة التي اقترنت بذلك المشروع منذ بدايته- من وجهة نظر دافع الضرائب الأميركي – باعتباره مشروعاً عقيماً ولا داع له وخطئاً فادحاً من أخطاء "الجمهوريين" منذ البداية.
ونظراً لأنه لا توجد في الوقت الراهن "صواريخ استراتيجية" إيرانية، ولا سلاح نووي إيراني يمكن تركيبه عليها ولا مزايا متخيله تستطيع تلك الدولة الحصول عليها من خلال تدمير أجزاء من أوروبا بصواريخ نووية. ونظراً أيضاً لأنه حتى إذا حاولت إيران استخدام وتجربة أي شيء من الأشياء المشار إليها، فإنها تدرك جيداً أن مدنها هي ذاتها ستصبح حطاماً، فإنه يبدو من باب الإنصاف القول إن درجة التهديد الذي تمثله إيران في الوقت الراهن غير عالية.
إن الدفاع الصاروخي الأوروبي ضد التهديد الإيراني الافتراضي هو مشروع كان الهدف منه ضمان استمرار تشغيل الصناعة والأسلحة والطيران الأميركية، وأنه كان هكذا على الدوام.
ولدى إسرائيل من الأسباب التي تدعو للقلق من الصواريخ، ما يفوق تلك التي لدى أوروبا، ولكنها صواريخ قصيرة أو متوسطة المدى وليست نووية.
وتلك الصواريخ تتساقط على مناطق إسرائيل الحدودية من وقت لآخر قادمة من قطاع غزة حيث يطلقها المسلحون الفلسطينيون. والإسرائيليون يقولون لنا اليوم إن بلادهم قد باتت أكثر أماناً وأن لديها مشروعاً صاروخياً واقياً منيعاً يطلق عليه اسم"القبة الحديدية" لصد تلك الصواريخ، أو على الأقل بعض منها.
وعلى ما يبدو أن تلك الشبكة الدفاعية، قد نجحت بما فيه الكفاية بالنسبة لإسرائيل لدرجة دفعتها لمطالبة الولايات المتحدة بأموال جديدة لبناء المئات أو الآلاف من تلك" القباب الحديدية". وربما يرد رئيس أميركي عاقل(هل يمكن أن يكون أوباما؟... ربما لا) على ذلك الطلب من جانب الإسرائيليين بالقول إن تحقيق السلام مع الفلسطينيين سيكون أرخص من ذلك كثيراً.
ومن المعروف أن ريجان كان هو الذي تبنى عام 1983- بتشجيع وإيعاز من "إدوارد تيلر" الذي كان سعيداً بلقب(أبي القنبلة النووية)- المشروع المعروف بـ"حرب النجوم" القائم على استخدام تقنية الفضاء في الدفاع ضد الصواريخ الباليستية المعادية. وكان هناك قلق في ذلك الوقت مما يمكن أن يحدثه ذلك المشروع- القائم على تفجيرات "ثيرمو- نووية" في الفضاء في المواقع التي تتجه إليها الصواريخ المعادية بغرض تفجيرها في الجو- من أضرار على المناخ، وعلى الناس الذين يعيشون في الأماكن التي تحدث فيها تلك الانفجارات. ومنذ ذلك الحين، استمر العمل في ذلك المشروع في المختبرات الفضائية والمصانع من دون أن يظهر له نتائج ذات شأن.
ولكن قيمة هذا المشروع، أنه وفر عملاً للعديد من الفيزيائيين الذين خرج البعض منهم فيما بعد بفكرة "القبة الحديدية" التي تستخدمها إسرائيل في الوقت الراهن. لنعد مرة ثانية للموضوع الذي بدأنا به، وهو الدرع النووي الأوروبي ضد إيران فنقول إنه كان من الواضح أن ذلك المشروع كان من تخطيط إدارة بوش الابن، وكان المقصود منه أن يكون بمثابة حجر الأساس لمواجهة أي تهديدات روسية في المستقبل (تماماً كما أدرك الروس في ذلك الوقت). وطالما أن الأمر كذلك فما الذي يمكن عمله مع هذا المشروع الآن؟ هل يمكن تحويله لشيء نافع وغير مُهدِّد؟ وهل يمكن تفكيكه بسرعة؟
ربما لا. وهذا تحديداً هو ما يجب أن يتحدث بشأنه الرئيسان أوباما وبوتين.
---------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 4/4/2012.