تضجّ وسائل الإعلام بتحذيرات من هجوم محتمل قد تشنّه إسرائيل على إيران، فيما تتردَّد الولايات المتحدة تاركةً باب الاعتداء مفتوحاً، لتنتهك كذلك مجدداً وبصورة روتينية ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُعدّ أساس القانون الدولي.
وفي ظل تصاعد التوتر، تتناهى إلى مسامعنا أصداء مقلقة عن الفترة التي سبقت اندلاع الحروب في أفغانستان والعراق، لتفاقم الخطابات المحمومة في الانتخابات الأميركية التمهيدية قرع طبول الحرب.
وغالباً ما تُنسب المخاوف من "التهديد الوشيك" الذي تشكله إيران، إلى "الأسرة الدولية". إلا أن شعوب العالم، في المقابل، تميل إلى رؤية الأمور من منظور مختلف.
تعارض الصين وروسيا السياسة المتّبعة في الولايات المتحدة حيال إيران، تماماً كما تعارضها الهند التي أعلنت أنها ستغضّ الطَّرف عن العقوبات الأميركية وتعزِّز تجارتها مع إيران. وقد حذت تركيا الحذو نفسه. يرى الأوروبيون في إسرائيل التهديد الأكبر للسلام العالمي. أما في العالم العربي، فإيران إنما لا ترى فيها تهديداً سوى أقلية صغيرة جداً، على نقيض إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تُعتبران التهديد الأعظم.
كما أن المخاوف إزاء الترسانة النووية الإسرائيلية أبداها بعض المراقبين في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة. فقد وصف الجنرال "لي باتلر"، الرئيس السابق للقيادة الإستراتيجية الأميركية، أسلحة إسرائيل النووية بأنها "خطيرة إلى أقصى الحدود". وفي إحدى صحف الجيش الأميركي، كتب المقدّم "وارنر فار" أنه من "بين أهداف الأسلحة النووية الإسرائيلية، غير المعلنة في الأغلب، إنما الجلية، هي "استخدامها" في وجه الولايات المتحدة"، من أجل ضمان الدعم الأميركي الملائم على الأرجح للسياسات الإسرائيلية. أما مصدر القلق الأبرز في الوقت الراهن، فيكمن في أن إسرائيل ستسعى إلى إثارة بعض الأعمال الإيرانية التي تحرِّض على هجوم أميركي.
ويستنتج "زئيف ماعوز"، أحد أبرز المحللين الإستراتيجيين في إسرائيل، في تحليله الشامل عن السياسة الأمنية والخارجية الإسرائيلية بعنوان "الدفاع عن الأرض المقدسة"، أن "الميزانية العمومية لسياسة إسرائيل النووية سلبية قطعاً"، وهي مسيئة لأمن الدولة. ويناشد عوضاً عن ذلك بضرورة أن تسعى إسرائيل إلى اتفاق إقليمي لحظر أسلحة الدمار الشامل: أي منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل دعا لإقامتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974.
وفي أثناء ذلك، تخلِّف العقوبات التي يفرضها الغرب على إيران آثارها المعتادة، حيث تتسبَّب بنقص في إمدادات المواد الغذائية الأساسية، ليس للطبقة لحاكمة، إنما للشعب الإيراني.
وقد يكون للعقوبات المفروضة على إيران الأثر ذاته لتلك التي سبقتها على العراق، لقد أهلكت العقوبات العراقية الشعب وزادت من قوة صدام، لتنقذه على الأرجح من مصير المارقين من مستبدين آخرين كانوا يحظون بدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – وهم طغاة ازدهروا عملياً حتى اليوم الذي أدت فيه ثورات داخلية مختلفة إلى الإطاحة بهم. النقاشات الجديرة بالثقة حول ماهية التهديد الإيراني تبقى محدودة جداً، على الرغم من أننا نملك جواباً جازماً من المؤسسة العسكرية والمخابرات في الولايات المتحدة.
إن قدرة إيران على نشر القوة محدودة للغاية، كما أن عقيدتها الإستراتيجية دفاعية، ترمي إلى ردع الاجتياح إلى فترة كافية لدخول الخيار الدبلوماسي حيّز التنفيذ. وإن كانت إيران تطوِّر الأسلحة النووية (وهو أمر غير مؤكد حتى الآن)، فإنها ستكون جزءاً من إستراتيجية الردع التي تنتهجها. أما الأمر الآخر الذي يتحدث عنه الغرب مع إيران، فهو محاولتها توسيع نطاق نفوذها في الدول المجاورة.
تلقى "منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط" دعماً هائلاً، وهي منطقة قد تشمل إيران وإسرائيل ومن المفضَّل أن تضم أيضاً الدولتين النوويتين الأخريين اللتين رفضتا الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية: وهما الهند وباكستان، الدولتان اللتان طوَّرتا، إلى جانب إسرائيل، البرامج النووية بمساعدة الولايات المتحدة.
لقد كان الدعم لهذه السياسة في مؤتمر استعراض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" في مايو 2010، كبيراً إلى درجة أن واشنطن كانت مرغمة على الموافقة رسمياً، لكن بشروط: لا يمكن دخول هذه المنطقة حيِّز التنفيذ قبل إجراء تسوية سلمية شاملة بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها، ويجب إعفاء برامج الأسلحة النووية الإسرائيلية من التفتيش الدولي، ولا يُفرض على أي دولة (أي الولايات المتحدة) توفير معلومات حول "المنشآت والأنشطة النووية الإسرائيلية، بما في ذلك معلومات ذات صلة بتحويلات نووية سابقة إلى إسرائيل".
لقد دعا مؤتمر في عام 2010 إلى عقد جلسة في شهر مايو 2012 من أجل المضي قدماً في إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
ولكن في ظل النقمة العارمة حول إيران، لا تزال احتمالات اللجوء إلى هذا الخيار ضئيلة جداً، وهو الطريقة الأفضل والأكثر إيجابيةً لمواجهة التهديدات النووية في المنطقة والمتمثلة بالنسبة إلى "الأسرة الدولية"، التهديد بإمكان أن تطوِّر إيران قدرات نووية، وبالنسبة إلى معظم العالم التهديد الناشئ عن إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية وسجلاً حافلاً بالاعتداءات، وقوة عظمى راعية لها.
قد لا نجد إشارة واحدة إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا تتحمَّلان مسؤولية فريدة في بذل جهودهما في اتجاه هذا الهدف. ووسط سعيهما إلى توفير غطاء قانوني هزيل لاجتياحهما العراق، استشهدتا بقرار مجلس أمن الأمم المتحدة 687 (1991)، الذي زعمتا بأن العراق كان ينتهكه من خلال تطوير أسلحة دمار شامل.
قد نتجاهل هذا الادعاء، ولكن لا نستطيع تجاهل أن القرار يُلزم صراحةً الموقّعين بإقامة منطقة منزوعة من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية الثلاثاء، 20/3/2012.