الأربعاء 14-3-2012
يأتي المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأمريكية- الإسرائيلية (أيباك)The American – Israel Public Affairs Committee (AIPAC)، هذا العام، والذي عقد في شهر مارس الحالي، في وقت تؤكد فيه العديد من المصادر الأمريكية والإسرائيلية – الرسمية - أن إيران تقترب من امتلاك برنامج نووي عسكري، مما يعرض الأمن القومي الإسرائيلي، ومن ورائه الأمريكي، للخطر؛ في حين تنفي طهران الاتهامات الأمريكية والإسرائيلية بأنها تسعى لامتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية، وتؤكد أن برنامجها النووي لأغراض سلمية. هذا، وتتزايد التساؤلات عما إذا كانت إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة وقائية ضد إيران أم لا؟ وما إذا كانت واشنطن ستحث إسرائيل على تأجيل أي عمل عسكري مُحتمل حتى تؤتى العقوبات الاقتصادية على إيران بثمارها أم لا.
ومن الجدير بالذكر أن المؤتمر حضره ما يقرب من 14 ألف شخص، من بينهم طلاب، ومسئولون حكوميون، وعسكريون، وسفراء أجانب، وشخصيات دينية من الولايات المتحدة وإسرائيل.
أوباما يخطب ود يهود أمريكا
تتمثل أهمية المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأمريكية – الإسرائيلية (أيباك) في أن اللجنة من أقوى جماعات الضغط في واشنطن، والتي لها كبير الأثر في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ومن أكثر جماعات الضغط الفعالة في أورقة الكونجرس الأمريكي بمجلسيه، ناهيك عن قدرتها في التأثير فى أسهم مرشحي الرئاسة الأمريكية، وكذا الكونجرس الأمريكية.
وفي عام الانتخابات الرئاسية، وفي محاولة لكسب ود التيار اليهودي المؤثر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أكد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية، التزام إدارته إزاء أمن إسرائيل، مؤكداً أن أمريكا تقف إلى جانب الأخيرة في كل مرة. وكذا دفاعه نصاً " إننا لا نريد أن نرى سباقاً للتسلح النووي في أكثر منطقة اضطرابا في العالم؛ ولا نريد أن تقع الأسلحة النووية في أيدي منظمات إرهابية، ومن ثم السماح لنظام يدعم الإرهابيين بالتصرف بشكل أكثر عدوانية". بجانب إعلان إدارته تمويل المشاريع الإسرائيلية لتطوير منظومات اعتراض الصورايخ، لتتمكن إسرائيل من حماية المدارس والمستشفيات من خطر الصواريخ.
وقد اختتم أوباما خطابه بالطلب من زعماء كبرى جماعات الضغط اليهودية عدم تصديق الدعاية الانتخابية التي تشكك في دعمه المُطلق لإسرائيل، مُستشهداً بالمقولة الشهيرة "يُحكم على الإنسان من واقع أفعاله وليس أقواله"، مؤكداً أن العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية تتفوق على أي خلافات حزبية.
تصدر إيران مناقشات المؤتمر
طغى الملف النووي الإيراني على أجندة المؤتمر السنوي لـ "أيباك" هذا العام خلافاً للعام السابق، حينما حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما حشد التأييد لمحادثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية. ففي الوقت الذي أراد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نيتنياهو" الضغط على الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" لمساندة إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية لإيران؛ باءت محاولته بالفشل، حيث إن أوباما يستند في قراراته على تقييم الاستخبارات الأمريكية، والتي أكدت أن إيران لا تزال بعيدة ببضع سنوات عن اكتساب السلاح لنووي؛ وأنها لم تتخذ بعد قرار الانتقال من (القدرة النووية) إلى (تصنيع القنبلة)، وبالتالي فلن يتخذ قراراً قد يؤثر فى أسهمه في الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قد تلقت تحذيرات من دول عدة، من بينها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، بعدم توجيه ضربة إلى إيران؛ ومن ثم فإن الولايات المتحدة تقوم الآن بكبح جماح إسرائيل وليس إيران.
وقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي دفع الولايات المتحدة نحو دعمها في توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، من خلال لغة الخطاب الهجومية وتشبيه "أوباما" بالرئيس الأمريكي "أيزنهاور" الذي رفض قصف السكك الحديدية الألمانية المؤدية إلى معسكر أوشفيتز النازي، مُستخدماً بذلك "الهولوكوست" كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة وباقي الدول.
تباين وجهتي النظر الأمريكية– الإسرائيلية
ظهر جلياً الخلاف ما بين وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية في كلمتي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نيتنياهو". ففي الوقت الذي أكد فيه "أوباما" في كلمته عن " أن كل الخيارات مطروحة، وأن بلاده لن تتردد فى مهاجمة إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي"؛ فإنه حذر في الوقت نفسه من أن الإكثار من الحديث عن الحرب لن يجدي نفعاً سوى مساعدة إيران، ورفع أسعار النفط؛ مؤكداً أنه من أجل أمن إسرائيل والولايات المتحدة وأمن وسلام العالم، فإنه ليس من المناسب انتهاج لغة التهديد؛ مناشداً إسرائيل التريث، حتى تبدأ العقوبات المفروضة على طهران أن تؤتى نتائجها المرجوة مع التحالف الدولي". هذا، ويسعى أوباما لوقف إسرائيل عن اتخاذ قرار أحادى بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
بينما استهل رئيس الوزراء الإسرائيلي "نيتنياهو" كلمته أمام المؤتمر، "مُحذراً من أن الوقت ينفد لوقف البرنامج النووي الإيراني، وأن إيران تمضى قدماً في برنامجها النووي؛ مؤكداً أن إسرائيل مصممة على منع طهران من امتلاك أسلحة نووية، خاصة مع إعطائها الفرصة للطرق الدبلوماسية، التي لم تؤتِ بثمارها".
،وقد شدد "نيتنياهو" على أن كافة الخيارات مطروحة، ولكن ليس من بينها استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي تحت مرأى ومسمع كل الدول. ومما هو جدير بالذكر أن معظم وزراء الحكومة الإسرائيلية يحبذون توجيه ضربة عسكرية لإيران في أقرب وقت.
نهاية حل الدولتين
أدى توقف عملية السلام وتعثر مسيرتها إلى قيام الفلسطينيين بإحالة مسألة الدولة إلى الأمم المتحدة، رغم اعتراض واشنطن ورفض تل أبيب. فبعد المحاولات التي انطلقت منذ أكثر من عقدين مع اتفاقات أوسلو، وكافة المساعي الأخرى من "خريطة الطريق" إلى "مؤتمر أنابوليس"، فإن فرص السلام في الشرق الأوسط لم تمض قدماً للأمام.
وفي حقيقة الأمر، لم يكن الفلسطينيون السبب الرئيسي في توقف عملية السلام. ففي الوقت الذي التزم فيه الجانب الفلسطيني بإعادة تنظيم قوات الأمن، والعمل على تطوير الاقتصاد في الضفة الغربية؛ فإنه في المقابل لم يستجب الطرف الإسرائيلي، بل ظل يتحكم في المنافذ الرئيسية بالضفة، ورفض الانسحاب من المناطق المُتفق عليها ضمن "خريطة الطريق"، ولم يوقف التوسعات الاستيطانية؛ بل يسعى "نيتنياهو" إلى الإبقاء على الوضع الراهن، الذي يصب في صالح إسرائيل. ومن هنا، كان تركيز الجانب الإسرائيلي على الملف النووي الإيراني، ليأتي الحديث عن حل الدولتين (دولة يهودية هي إسرائيل، ودولة عربية هي فلسطين) فى مرتبة متأخرة في أولويات السياسة الإسرائيلية.
ملاحظات ختامية
تشير القراءة المتأنية للكلمات التي ألقاها المسئولون الأمريكيون والإسرائيليون إلى جملة من الملاحظات، نلخصها في الآتي:
أولا: التسرع في توجيه ضربة عسكرية لإيران– سواء كانت أمريكية أو إسرائيلية انفرادية أو بمشاركة الدولتين - قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة ونشوب حرب إقليمية، ناهيك عن الخسائر التي قد يتكبدها الاقتصاد العالمي، في حال تعطل إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية، وكذا ارتفاع أسعاره في ظل التهديد الإيراني بغلق مضيق هرمز، أو استهداف نقالات النفط الغربية في مياه الخليج العربي.
ثانيا: تجميد مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية نتيجة أساسية للتحالف اليميني القوى داخل إسرائيل، وكذا قوة الاقتصاد الإسرائيلي المستمر في النمو؛ بالإضافة إلى أن الضغوط الدولية (الأمريكية والأوروبية) لا تكاد تذكر في دفع إسرائيل لاحترام التزاماتها.
ثالثا: جاءت كلمة الرئيس الإسرائيلي، "شيمون بيريز"، أمام مؤتمر إيباك مُخالفة لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي. ففي الوقت الذي دافع فيه الثاني في كلمته عن الخيار العسكري ضد إيران؛ فإن الأول أيد أسلوب العقوبات لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ويليه طرح الخيار العسكرى، متفقاً في موقفه هذا مع الرئيس الأمريكي أوباما بإعطاء الفرصة للعقوبات الاقتصادية، حتى تؤتى ثمارها.