الأربعاء 16 مايو 2012
لم تتغير توجهات المرشحين الرئيسيين للرئاسة منذ بداية السباق الرئاسي حتى اقتراب موعد التصويت في الجولة الأولي للانتخابات على الرغم من تصاعد أهمية القضايا الخارجية لاسيما مع تلاحق تطورات خارجية مثيرة للجدل مثل إنهاء تصدير الغاز المصري لإسرائيل و قضية المعتقلين المصريين في السعودية التي أعادت ملف العمالة المصرية في دول الخليج لصدارة الاهتمام الشعبي.
وتكشف المراجعة المتأنية لبرامج مرشحي الرئاسة عن اهتمام محدود بالقضايا الخارجية سواء من حيث ترتيبها في البرامج الانتخابية الذي يأتي عادة في الصفحات الأخيرة أو من حيث المساحة التي لا تتجاوز صفحات معدودة في مقابل الاهتمام بالقضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية الأكثر إلحاحاً والأكثر إثارة للجدل مثل الإصلاح الاقتصادي وهياكل الأجور والتعليم والصحة باعتبارها قضايا جاذبة و مركزية تقع في صميم اهتمام الناخبين و تعتبر المحدد الأبرز لسلوكهم التصويتي.
وعلى الرغم من تغير خريطة الانتخابات الرئاسية المصرية بعد استبعاد كل من حازم صلاح أبو إسماعيل و خيرت الشاطر و مشاركة د.محمد مرسي كممثل لحزب الحرية و العدالة وجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية إلا أن تلك التغيرات لم تنعكس على وزن القضايا الخارجية في خطاب مرشحي الرئاسة.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن التنافر الأيديولوجي بين المرشحين سيؤثر في توجهاتهم من القضايا الخارجية، لكن القراءة المتأنية في تصريحات مرشحي الرئاسة الأبرز تكشف عن خطوط مشتركة فيما يطرحونه من رؤى للتعامل مع قضايا السياسة الخارجية لمصر الثورة بحيث تحتل مبادئ استقلالية السياسة الخارجية المصرية والتوازن في العلاقات الإقليمية والدولية لمصر والعودة للدوائر الخارجية الأكثر اتصالاً بالمصالح المصرية، مكانة مركزية في خطاب جميع مرشحي الرئاسة تقريباً.
1- إعادة التوازن للعلاقات المصرية- الأمريكية :
يتفق المرشحون للرئاسة على أن التحالف بين مصر والولايات المتحدة يحقق المصالح الأمريكية على حساب استقلالية القرار المصري، واستنزاف أرصدة القوة الإقليمية لمصر، ومن ثم جاءت دعوتهم لمراجعة العلاقات المصرية- الأمريكية، وإن كان بدرجات متفاوتة، خاصة من جانب المرشحين الإسلاميين. حيث يرى د.عبد المنعم أبو الفتوح أن " البيت الأبيض كان بمثابة حاكم لمصر، ولن يسمح بتكرار ذلك مرة أخرى، لأن بلدنا لن يظل ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية".وأضاف أن " الشعب المصري لن ينتخب رئيساً يخضع لإرادة أمريكا أو إسرائيل"، داعياً لتجميد المصالح الأمريكية بمصر، في حال تجميد المعونة الأمريكية، كما أضاف أبو الفتوح لمصداقية موقفه برفض لقاء مسئولين أمريكيين لمناقشة قضايا تخص الدولة.
وعلى الرغم من تأييد د. محمد سليم العوا الاتجاه السائد بوجوب مراجعة العلاقات مع الولايات المتحدة، فإنه يؤكد كذلك ضرورة تجنب الصدام مع الولايات المتحدة، مع إعادة التوازن للعلاقات بين الطرفين، والخروج من فلك التبعية السياسة الأمريكية، حيث أكد العوا أن المشروع الأمريكي الدائم هو بناء دولة علمانية في مصر، وهو ما يرفضه، داعياً إلى تقييد حركة السفير الأمريكي بمصر، وفق الأعراف الدبلوماسية، ورفض المعونة التي تستخدم ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية لمصر. وعلى حد تعبيره، " لا يجوز للسفير الأمريكي أن يزور البلاد شرقاً وغرباً، ويقابل المحافظين والموظفين، كي يفتش عن المعونة، لا نريد هذه المعونة كلها".
وعلى ذات الصعيد، يؤكد د.محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين على ضرورة إعادة التوازن للعلاقات المصرية - الأمريكية والخروج من دائرة التبعية للولايات المتحدة بالاستغناء عن المساعدات الأمريكية رابطاً هذه الاستقلالية بتطبيق الشرعية بقوله " لا نريد طعاما أو أدوية من أمريكا بل نريد تطبيق شرع الله ونريد عزة وكرامة ومجد"، بينما يؤكد برنامج النهضة الخاصة به على تعزيز التعاون و الشراكة الاقتصادية والعلمية مع الولايات المتحدة دون الإخلال باستقلالية السياسة المصرية.
ولا يختلف موقف المرشح القومي الناصري حمدين الصباحي، عن نظرائه من الإسلاميين، حيث أكد احتياج مصر "لرئيس وطني مستقل لا يأخذ قراراته من أمريكا أو إسرائيل"، وربط الصباحي بين مراجعة العلاقات المصرية- الأمريكية وما سماه نهاية عصر "رأسمالية المحاسيب" التي أعاقت- من وجهة نظره- تحقيق النهضة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
في المقابل، يتسم موقف كل من عمرو موسي والفريق أحمد شفيق بقدر كبير من البرجماتية في تصوراتهما للعلاقات مع الولايات المتحدة. فموسي يرى أنه "ليس من مصلحة مصر التصادم مع الولايات المتحدة الأمريكية"، وأن الفترة الراهنة "لا تحتمل سياسات عنترية"، وأكد موسي أنه ليس من أنصار " تعكير العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية"، وأن العلاقات معها يجب أن تقوم على "المصالح المشتركة المتوازنة" والاحترام المتبادل، بعيداً عن نهج النظام السابق في قبول الإملاءات، وتحكم الرئيس وحده في مختلف القرارات. على النهج نفسه، تأتي مواقف الفريق أحمد شفيق الذي أكد أن العلاقات بين الدولتين "لا تقتصر على المعونة فقط، بل هى علاقة حياة بأكملها"، ويجب ألا تصل لنقطة "لا عودة"، ورفض دعوات تجميد المعونة، قائلاً "لا تقطعوا شعرة معاوية".
وتتسم التوجهات الخارجية لخالد علي الواردة في برنامجه بالتوازن بين التأكيد على أن العلاقات المصرية الأمريكية يجب ألا تبقي رهينة " للعامل الإسرائيلي " و أن تتجاوز الصور الذهنية السلبية للعالم الإسلامي فضلاً عن مراعاة مبادئ " الندية و الاحترام المتبادل و القيم المشتركة و توازن المصالح ".
2- مراجعة العلاقات المصرية- الإسرائيلية :
لا يختلف غالبية المرشحين للرئاسة حول ضرورة مراجعة ثوابت العلاقات المصرية- الإسرائيلية، وتقليص هذه العلاقات لأدنى مستوياتها، ويزيد بعضهم لتأكيد ضرورة إنهاء مختلف أوجه التعاون السياسي والاقتصادي، وتجميد التنسيق العسكري كانعكاس للموقف الشعبي الرافض لتطبيع العلاقات بين الدولتين خلال عهد النظام السابق. وفي هذا الإطار، يركز المرشحون باختلاف توجهاتهم الأيديولوجية على عدة قضايا رئيسية، أهمها ما يلي:
أ- تعديل اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية:
ينقسم المرشحون في مواقفهم حيال اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية إلي فريقين، الأول يمثله كل من د.عبد المنعم أبو الفتوح و حمدين الصباحي، حيث يتفقون على أن نقطة البداية في مراجعة العلاقات المصرية- الإسرائيلية تكمن في إعادة النظر في اتفاقية السلام بين الطرفين، حيث يراها أبو الفتوح من"اتفاقيات الإذعان طوال 30 عامًا"، واصفاً تلك الفترة إجمالاً بأنها "كارثة لأنها جعلت ثلث أراضى مصر بعيدة عن سيادتها"، إلا أن أبو الفتوح يرفض إلغاء اتفاقية السلام، ويدعو لمراجعتها وتعديلها. ويتبني حمدين الصباحي الموقف ذاته الرافض لاتفاقية السلام، وتعهد بعرضها على مجلس الشعب لتقرير مصيرها، سواء الإلغاء أو التعديل وهو ذات التعهد الوارد في البرنامج الانتخابي للمرشح خالد علي الذي أكد على الاتجاه لمراجعة المعاهدة اتخاذ إجراءات للحفاظ على السيادة المصرية على سيناء و الكشف عما أسماه " البنود السرية " بالمعاهدة و طرحها على الرأي العام .
ويمكن اعتبار توجهات د.محمد مرسي وسطاً فيما يتعلق باتفاقية السلام حيث أكد أن إسرائيل لم تلتزم باتفاقية السلام و خالفت نصوصها مراراً بما يعطي مصر حق " وضع ضوابط جديدة عليها " و أنها تستنزف ثروات سيناء و سعت لتعطيل تنميتها.
أما الفريق الثاني من المرشحين، فيرفض تعديل اتفاقية السلام، حيث رأى د. محمد سليم العوا أن اتفاقية السلام مجرد "هدنة مشروطة"، إذا خالف طرف تلك الشروط تكون الهدنة ملغاة، إلا أنه أكد اعتباره إسرائيل دولة معادية. أما عمرو موسى، فقد تعهد بالحفاظ على العلاقات مع إسرائيل، والالتزام باتفاقية السلام ، ما دامت إسرائيل ملتزمة بها، وهو تقريبا نفس موقف الفريق أحمد شفيق الذي أكد أن "اتفاقية السلام باقية، وذلك ليس ضعفًا منا، ولكن احترام لكلمتنا وعهودنا"، لاسيما وأن تعديلها غير ممكن إلا بتوافق الطرفين، وأضاف أن "التواصل مع إسرائيل والحديث معهم أفضل من الاختباء والمكابرة ".
ب- مراجعة التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل :
يرى غالبية مرشحي الرئاسة أن التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل كان من أهم سقطات النظام السابق التي أسرعت بتآكل شرعيته في الداخل ومكانته الإقليمية، ومن ثم فإن هناك توافقا عاما بين المرشحين الإسلاميين والمرشح الناصري على إنهاء التطبيع مع إسرائيل بصورة نهائية، حيث تعهد حمدين الصباحي بتجميد تصدير الغاز لإسرائيل، فور انتخابه للرئاسة، وهو موقف اتفق معه فيه د.عبد المنعم أبو الفتوح و خالد علي الذي تعهد بإنهاء اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة( الكويز) و مختلف أوجه التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل ، بينما يربط عمرو موسي بين التقدم في مسار التطبيع، والتزام إسرائيل بمبادرة السلام العربية، والقبول بإنشاء دولة عربية عاصمتها القدس.
ج- القضية الفلسطينية:
ينظر مرشحو الرئاسة للقضية الفلسطينية باعتبارها أحد أهم محددات العلاقات المصرية- الإسرائيلية والأمريكية أيضاً، فالمرشح د. عبد المنعم أبو الفتوح يراها قضية أمن قومي لمصر. ويتفق معه في ذلك د. محمد سليم العوا، ويزيد على ذلك بالدعوة إلى "التطبيع مع المقاومة" كبديل للعلاقات مع إسرائيل. وفي هذا الصدد، يتفق غالبية المرشحين على أن النظام السابق مدان بالمشاركة في حصار قطاع غزة، والتواطؤ مع إسرائيل من خلال إغلاق معبر رفح، بما أفقد مصر أهم مقومات دورها القيادي في المنطقة العربية، حيث يربط كل من د.محمد مرسي و خالد علي بين استعادة الريادة المصرية في المنطقة العربية وبين استعادة الفاعلية في الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية.
ولكن يختلف المرشحون في رؤيتهم لكيفية تسوية القضية الفلسطينية، حيث يجمع المرشحون الإسلاميون وحمدين الصباحي على دعم المقاومة الفلسطينية لإجبار الطرف الإسرائيلي على تقديم تنازلات، و يؤكد خالد علي ضرورة أن تعود مصر " سنداً للعرب لا وسيطاً بينهم وبين أعدائهم" من خلال الدعم الاقتصادي لغزة و فض الحصار الإسرائيلي المفروض عليها و يتفق خالد علي مع د. محمد مرسي في ضرورة تكوين تحالف دولي ضاغط لدعم الطرف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، في حين يرى عمرو موسى أن مصر قادرة على "الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة" لإتباع سياسات أكثر توازناً حيال القضية الفلسطينية، والالتزام بالمبادرة العربية للسلام .
3- إعادة النظر في دوائر السياسة الخارجية المصرية:
يؤكد المرشحون على اختلاف توجهاتهم أن السياسة الخارجية المصرية تحتاج لإعادة ترتيب أولوياتها، ومعالجة القصور والاختلال على صعيد دورها الإقليمي، لاسيما في الدوائر الإقليمية الشرق أوسطية والإفريقية والإسلامية. وفي هذا الصدد، قدم المرشحون رؤى متقاربة للغاية لإعادة صياغة دور مصر في الدوائر الإقليمية المختلفة، رغم الخلافات غير الجوهرية في هذا الصدد. ويمكن تلخيص أوجه التوافق والاختلاف بين توجهات مرشحي الرئاسة في هذا الصدد من خلال المحاور التالية:
أ- التعامل مع القوى الإقليمية الصاعدة:
يختلف المرشحون في النهج الذي يجب أن تتبعه مصر في التعامل مع القوي الإقليمية الصاعدة، لاسيما تركيا وإيران. فبينما يرى كل من عبد المنعم أبو الفتوح و حمدين الصباحي وسليم العوا و خالد علي أن التحالف مع هاتين الدولتين قد يعود بمنافع سياسية واقتصادية على مصر، فإن عمرو موسي يرى أن التعامل معهما يجب أن يبدأ باستعادة الدور القيادي لمصر في محيطها الإقليمي. وعلى حد تعبيره " من الضروري إعادة بناء السياسة الخارجية المصرية من أجل أن تلعب دورها الصحيح، فالعالم العربي لن يقاد من خلال تركيا أو إيران بل لابد أن تقوده الدول العربية، ومصر هي أكبر دولة عربية، ويجب أن تقوم بدورها القيادي " ، في حين يرى د.محمد مرسي أن العلاقات مع تركيا ذات أهمية حيوية لمصر ، لاسيما على المستوى الاقتصادي للإفادة من تجربة النهضة التركية، مصنفاً إياها في دائرة الانتماء الإسلامي التي يدعو لتعزيز الدور المصري في إطارها.
ويتبنى عمرو موسي موقفاً حذراً من العلاقات مع إيران، حيث يرى أن هناك مآخذ على السياسات الإيرانية، وخلافات كبيرة بين المصالح العربية والإيرانية، وأن المدخل الحقيقي لبناء العلاقات- من وجهة نظره- يتمثل في إدارة حوار جاد بين الدول العربية وإيران حول مستقبل العلاقات والنظام الإقليمي.
ب- إعادة تشكيل منظومة التفاعلات الإقليمية:
يتفق عدد كبير من مرشحي الرئاسة على أهمية أن تبادر مصر بتأسيس تحالفات إقليمية تعكس التغير في توجهاتها الخارجية بعد الثورة واستقلاليتها عن التأثير الأمريكي في المنطقة، حيث تعهد د. سليم العوا بأنه سيعمل على خلق محورين في السياسة الخارجية، هما المحور المصري-التركي- الإيراني بما يمتاز من بُعد تكنولوجي وتسويقي، والمحور الثاني هو المصري- السوري- السعودي، بما يمتاز من عودة العروبة المصرية.
واشترك معه في هذا التوجه حمدين الصباحي، حيث أكد الارتباط بين عودة مصر لدورها القيادي في المنطقة العربية، و"إقامة تحالف عربي- تركي-إيراني تبادر إليه مصر بما يحفظ قدرها ومصالحها، ولا يدخلها في معارك فرعية تخدم الغير ضد جيرانها في الجغرافيا وأشقائها الحضاريين". ويتبني عمرو موسي تقريبا الموقف نفسه الداعي لبناء " نظام إقليمي جديد ونظام عربي جديد"، إلا أنه لا يحدد معالم هذا النظام الجديد ونمط التحالفات الذي ستسعي مصر للمبادرة بتشكيلها. بينما يعتبر خالد علي العلاقات مع الدول المتاخمة للعالم العربي مثل إيران و تركيا و إثيوبيا مركزية بالنسبة للأمن القومي، بما يحتم بناء جسور مع هذه الدول " لتكون ظهيراً للنظام العربي لا سيفاً مسلطاً عليه" .
ج- العودة للدوائر الخارجية المهملة:
يقدم غالبية المرشحين رؤى متقاربة حول ضرورة إعادة النظر في دوائر السياسة الخارجية المصرية، ويتفقون على أن النظام السابق من خلال تركيزه على التحالف مع الولايات المتحدة واكتفائه بدور محدود وتابع في رعاية عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، أغفل أهمية دوائر حيوية في السياسة الخارجية المصرية، لاسيما الدائرة الإفريقية والعلاقات مع دول الجنوب النامية بشكل عام، بما قوض المكانة الإقليمية لمصر، ومن ثم أعلنوا التزامهم بتنشيط السياسة الخارجية المصرية في هذه الدوائر.
فأبو الفتوح تعهد بأن تكون علاقات مصر متوازنة وقائمة على المصالح مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، واتفق معه في ذلك د. سليم العوا بتأكيده أن " دور مصر السياسي والجيوسياسي الدولي يسمح لها بأن تستغني عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتكتفي بمحيطها العربي، لكن لا تستطيع أمريكا أو روسيا أو الصين أن تستغني عن مصر كدولة مركزية في الشرق الأوسط"، متعهداً بإعادة الدور الريادي المصري في الدوائر الإقليمية المختلفة.
أما حمدين الصباحي، فقد عبر بوضوح عن توجهاته تجاه دوائر السياسة الخارجية بتأكيد سعيه لتحقيق أربعة أهداف رئيسية، تتمثل في : عودة مصر إلى دوائرها الطبيعية كقائدة للعالم العربي , واستعادة علاقاتها الوثيقة بدول القارة الإفريقية, والاهتمام بتكامل العلاقات والمصالح المصرية- السودانية, وتنمية العلاقات مع الدول الإسلامية الناهضة، مثل ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما, وإقامة علاقات منفتحة وإيجابية مع باقي دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة بما يتوافق مع أفكار نظرائه في هذا الصدد.
وعلى ذات الصعيد، يركز برنامج د.محمد مرسي على تعزيز العلاقات المصرية في الدائرة الإفريقية لاسيما مع دول حوض النيل عبر مضاعفة التبادل التجاري و المشروعات الاقتصادية المشتركة و دعم التنمية في القارة الأفريقية ، ويؤكد مرسي كذلك على حيوية تعزيز العلاقات مع الدائرة الإسلامي من خلال إحياء دور منظمة المؤتمر الإسلامي والتواصل مع الشعوب الإسلامية والاستفادة من تجارب النهضة في تركيا وماليزيا.
د- تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي :
يتفق المرشحون للرئاسة على أهمية تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي ، حيث يؤكد برنامج د.محمد مرسي على ضرورة " إحياء التعاون مع دول مجلس التعاون السياسي و الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي و تنشيط التبادل التجاري و الثقافي والعلمي"، وهو ذات المنطلق الذي يتبناه مختلف المرشحين، إلا أن د. عبد المنعم أبو الفتوح يؤكد على مراعاة المصالح المصرية الحيوية لاسيما التعامل مع العمالة المصرية في الخليج، منوهاً إلي أنه سوف يطبق نظام الكفيل على الرعايا التابعين لمختلف الدول التي تطبقه على العمالة المصرية، وهو ما يؤكد عليه خالد علي في برنامجه الرئاسي في موضع تأكيده على حماية حقوق الرعايا المصريين بالخارج.
ملاحظات ختامية:
تكشف قراءة المواقف المبدئية لمرشحي الرئاسة من قضايا السياسة الخارجية عن مساحات توافق واسعة في تصوراتهم للتغير المنشود في التوجهات الخارجية لمصر الثورة، لاسيما فيما يتعلق بمبادئ استقلالية السياسة الخارجية المصرية، والخروج من التبعية للولايات المتحدة، واستعادة الريادة الإقليمية المصرية، والعودة لدوائرنا الإقليمية الحيوية، لاسيما الدائرة العربية، والدائرة الإفريقية، والدائرة الإسلامية، ودور مصر الرائد في العالم النامي.
لكن الخلافات تبدو واضحة فيما يتعلق بمراجعة العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومدى قدرة مصر على الصمود في صدام مع الدولتين، خاصة فيما يتعلق بتعديل معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، والتعامل مع القضية الفلسطينية، حيث يرفض كل من عمرو موسى، والفريق أحمد شفيق، ود.محمد سليم العوا مناقشتها باعتبارها من قبيل الالتزامات الدولية واجبة النفاذ، وأن الصدام مع الولايات المتحدة أو إسرائيل ليس في صالح مصر.
ويعد دور مصر في القضية الفلسطينية مصدر الخلاف الثاني بين المرشحين. فبينما يجمع المرشحون الإسلاميون والمرشح الناصري على ضرورة دعم فصائل المقاومة الفلسطينية بمختلف الوسائل، يرى عمرو موسى أن الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات تفاوضية قد يكون النهج الأكثر ملائمة في المرحلة المقبلة.وتتمثل القضية الخلافية الثالثة في العلاقات المصرية- الإيرانية. فبينما يميل د.عبد المنعم أبو الفتوح ود. محمد سليم العوا وحمدين الصباحي لدعم الارتقاء بالعلاقات بين الدولتين، فإن عمرو موسى يرهن هذا التحسن بحوار عربي- إيراني حول الخلافات البينية.
وإجمالاً، لا تتجاوز أطروحات مرشحي الرئاسة حول السياسة الخارجية مجرد أفكار أولية لم تتم بلورتها بعد في صورة توجهات خارجية متسقة في إطار برامج انتخابية واضحة المعالم، ويميل غالبية مرشحي الرئاسة لتوظيف قضايا السياسة الخارجية لحشد أصوات الناخبين بصورة غائية بما قد يدفع بعضهم لإطلاق اقتراحات غير مدروسة، وتفتقد الواقعية، أو إدراك تبعاتها القانونية والسياسية، حيث اكتفي المرشحون برفع الشعارات دون تقديم خطط عمل واضحة لتطبيق هذه المقترحات، وتجنب تعرض المصالح المصرية لمخاطر غير محسوبة.
فعلى سبيل المثال، لا يحدد أي من المرشحين الوسائل التي يمكن من خلالها تجنب الصدام مع الولايات المتحدة وإسرائيل-كما يتعهدون في تصريحاتهم- في الوقت نفسه الذي يتم فيه تقليص مستوى العلاقات مع إسرائيل، وتعديل معاهدة السلام، ودعم المقاومة، ولا يقدمون أيضاً تصورات واضحة حول الكيفية التي يمكن بها تحييد الضغوط الأمريكية على مصر ومواجهتها.
في المقابل، تعد أطروحات كل من عمرو موسي والفريق أحمد شفيق الأقرب للنهج التقليدي للسياسة الخارجية المصرية، نتيجة لانخراطهما في إدارة الشئون الخارجية المصرية بدرجات متفاوتة، خلال توليهما مناصب رسمية في عهد النظام السابق، بما قد يؤثر فى قدر التغير الذي يطرحانه في الثوابت الرئيسية للسياسة الخارجية، بحيث قد يقتصر على الأبعاد الخطابية والأداتية دون تغيرات هيكلية في التوجهات العامة.
ومن ثم، فإن الناخب المصري لديه اختيارات محدودة في مجال السياسة الخارجية، وعليه أن يختار بين سياسة خارجية راديكالية، أو سياسة خارجية براجماتية، ولكنها تفتقد الوضوح والتحديد، أو الخيار التقليدي الثالث المتمثل في الاستمرارية في السياسة الخارجية المصرية، مع تغيرات شكلية تتصل بلغة الخطاب والأدوات، لاسيما تجاه قضايا تحظى باهتمام مثل القضية الفلسطينية، وحصار غزة .