في مناسبتين فقط، عكست الانتخابات الإيرانية الأخيرة إرادة الشعب وأسفرت عن نتائج مفاجئة ومربكة لمؤسسة الحكم في إيران، كانت أولاهما في انتخابات عام 1997 عندما تم انتخاب محمد خاتمي. أما الثانية فكانت، منذ 3 سنوات، وبالتحديد في يونيو (حزيران) 2009، عندما استطاعت المعارضة الديمقراطية بقيادة الإصلاحي مير حسين موسوي (رئيس وزراء سابق مشهور بالأمانة والنزاهة والسياسات النظيفة) التنافس بقوة في الانتخابات الرئاسية التي سرقت منها عن طريق التزوير.
قابلت السلطات اندلاع المظاهرات الشعبية بحملات اعتقال واسعة النطاق والاعتداء على المتظاهرين في الشوارع والاغتيالات، وباستعراض للقوة من جانب قوات الشرطة الخاصة وقوات حرس الثورة الإسلامية وأعضاء الميليشيات، وعدد لا يحصى من حراس الأمن المستأجرين الذين يرتدون ثيابا مدنية. تبع هذا محاكمات صورية على الطريقة السوفياتية واعترافات تلفزيونية. ومنذ بداية 2010، باستثناء مناسبة واحدة، قامت الزمرة الحاكمة المستبدة باستخدام القوة المطلقة والتخويف والتهديد لمنع المظاهرات الشعبية التي ينظمها مؤيدو المعارضة. تم وضع السيد موسوي وصديقه زعيم المعارضة مهدي كروبي رهن الإقامة الجبرية في منزليهما بصورة غير قانونية منذ فبراير (شباط) 2011.
تعتبر انتخابات 2012، مختلفة تماما، حيث إنها تعتبر مسرحية هزلية. ومرة أخرى، ينشغل الحرس الثوري وميليشيا الباسيج بالتحضير، مثلما فعلوا في الماضي، لسحب رجال يرتدون زيا عسكريا وعائلاتهم إلى صناديق الاقتراع، كما فعلوا في الماضي، ومعهم قوائم تصويت معدة سلفا يتوجب عليهم وضعها في الصناديق.
ترجع لا مبالاة الإيرانيين اليوم إلى الطبيعة التنافسية والتوابع العنيفة لانتخابات 2009. ومع وجود معظم الشخصيات البارزة في المعارضة الديمقراطية، بما في ذلك موسوي وكروبي، في السجن أو رهن الإقامة الجبرية في منازلهم بناء على تهم ملفقة، أعلنت الأحزاب الإصلاحية أنها لا تعترف بشرعية هذه الانتخابات المزيفة.
نحن نعتقد أن هذه الانتخابات «المخطط لها سلفا» سوف تسفر عن فوز مجموعة من النواب المختارين والأذلاء والخانعين للنخبة الحاكمة (كتب المقال قبل إجراء الانتخابات بأيام قلائل – المحرر). سوف يتم استخدام من يوصفون بالنواب فيما بعد كواجهة ديمقراطية للعالم الخارجي.
ومع وجود المعارضة الديمقراطية الإيرانية على الهامش، فقد تم ترك السباق مفتوحا على مصراعيه لفصيلين استبداديين، أحدهما يتزعمه الرئيس الذي تم انتخابه عن طريق التزوير، محمود أحمدي نجاد، والآخر بقيادة جماعة مشابهة من المحافظين معدومي الضمير.
لقد فسخ الآن عقد «زواج المصلحة» الذي أبرموه قبل ذلك، مما فتح الباب على مصراعيه أمام موجة من تبادل الاتهامات وتدافع واضح على السلطة.
ليست هناك أي اختلافات آيديولوجية حقيقية بين هذه الفصائل، وما يحركهم هو شهوة الحكم والرغبة في السيطرة على الثروة النفطية للبلاد. تتنافس تلك الفصائل في سباق جدلي لشرح كيف سيقومون «بالتصدي» لما يعرف في الخطاب الرسمي باسم «بقايا الفتنة» - وهي التصريحات الرسمية لحركة المظاهرات الخضراء الشعبية في إيران، التي تعرضت لهجوم وحشي منذ 3 أعوام ولكنها، على الرغم من ذلك، حافظت على بقائها.
ولدت الحركة الخضراء من الاحتجاجات الجماهيرية العفوية التي شككت في صحة عملية فرز الأصوات المزورة. ظل موسوي وكروبي، قبل فرض الإقامة الجبرية عليهما، يؤكدان التزامهما بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، واستقلال المؤسسات القضائية والمحاسبة الكاملة للحكومة، وبسياسة خارجية مسؤولة - وهي أمور بعيدة كل البعد عما قد حدث في الدولة في الأعوام الأخيرة.
نحن مدركون بشكل مؤلم التغييرات الهائلة التي تنتظر إيران في مقاومتها السلمية لهيكل حكم استبدادي متوغل قائم على النفاق المطلق، والخوف والترويع، والقوة الوحشية للاستمرار في الحكم.
يعتبر هذا هو نفس التحدي الذي واجهنا نحن الإيرانيين على مدار أكثر من قرن: التحول السلمي إلى إيران ديمقراطية وتعددية ومتطورة ومزدهرة.
نحن ندرك أنه ينتظرنا الكثير من المهام الحاسمة، أولا: يجب أن تنجو حركتنا السلمية من أجهزة الحكم الاستبدادية، وأن نبني ونمكن المنظمات السياسية اللازمة من أجل مستقبل ديمقراطي، لكن المهمة الأكثر إلحاحا هي الحفاظ على تراب هذه الدولة وشعبها واستقلالها السياسي في مواجهة المخاطر المتزايدة الممثلة في التهديدات الخارجية، وروح المغامرة الدولية والصراع الداخلي. يجب علينا التصدي لمحاولات إثارة الحروب والشوفينية «الغلو في الوطنية»، سواء من الأجانب أو المواطنين الإيرانيين.
من المحبط أنه في خضم التهديدات العسكرية المتزايدة ضد هذا البلد، يبدو أن بعض العناصر والتيارات المتشددة داخل الائتلاف الحاكم ترحب باحتمال حدوث مواجهة عسكرية، واصفين هذا الأمر بالنعمة.
وطبقا لحساباتهم الأنانية غير الوطنية، فإن مشاركة عسكرية محدودة ستمنحهم الفرصة للالتفاف حول علم الدولة وسحق المعارضة الديمقراطية، وتعزيز حكمهم، وإعداد أنفسهم من عقد «صفقة كبيرة» مع العالم الخارجي. إن هذا التفكير وهم خائن ومقامرة خطرة.
وللأسف، فإن المجتمع الدولي يقوم في هذه اللحظة بتدعيم الحكام الاستبداديين لإيران دون قصد. ومن المؤسف أن العقوبات والتهديدات العسكرية سوف تؤدي إلى إلحاق المزيد من الضرر بالمواطنين العاديين، وإلى تعزيز الدعاية الغوغائية للائتلاف القمعي الحاكم.
وفي هذه اللحظة، يتوجب على المواطنين الإيرانيين تحمل عبء الثروات الاقتصادية المتضائلة، وعدم الكفاءة الصارخة للحكومة، والفساد المستشري، والقمع الوحشي، والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان التي تحدث بشكل يومي.
وبصرف النظر عن نتيجة الانتخابات ومن سيحصل على الأغلبية داخل البرلمان، فهناك أيام أكثر صعوبة بانتظارهم جميعا، وبخاصة بعدما ربطوا مصيرهم بمصير الحكومة السورية القاتلة بدلا من دعم كفاح الشعب السوري.
لن تؤدي الآثار المتراكمة للفقدان المتزايد للشرعية، وتزايد السخط الشعبي، والتدهور الاقتصادي واسع النطاق، إلا إلى اشتداد حدة الصراع الداخلي على مستوى القمة. وتثابر حركة المعارضة الديمقراطية من أجل تأمين مستقبل أكثر إشراقا للسواد الأعظم من الشعب الذي ينتمي للطبقات الدنيا.
-----------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الأحد, 04 مارس 2012.