اختتم الرئيس الفرنسى زيارته لمصر يوم 8 أبريل 2025 والتقى خلالها الرئيس المصرى "عبدالفتاح السيسي" عدة مرات، ومثلت الزيارة التى استمرت لثلاثة أيام "نقطة فارقة" فى العلاقات بين الدولتين نظرا لأبعادها الثنائية والإقليمية والدولية، فقد شهدت الارتقاء بالتعاون بين الدولتين "للشراكة الاستراتيجية"، كما شهدت توافق الرئيسان لدعم القضية الفلسطينية وفق الثوابت المصرية الممثلة فى رفض التهجير وإعادة الإعمار ووقف فورى لإطلاق النار، ودعا الرئيسان لضرورة إرساء الاستقرار بالشرق الأوسط فى ظل الاضطرابات السياسية الراهنة، وسيكون لنتائج هذه الزيارة دور مهم فى بلورة موقف إقليمى دولى داعم للقضية الفلسطينية لمواجهة التصورات الأمريكية الخاطئة حول إعادة إعمار قطاع غزة، فى ظل جملة من المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية الراهنة.
*الارتقاء بالتعاون المصرى-الفرنسى:
بدأ الرئيس الفرنسى "إيمانويل ماكرون" زيارته لمصر مساء يوم 6 أبريل 2025 صاحبه وفد رفيع المستوى ضم وزراء الخارجية، والدفاع، والاقتصاد، والصحة، والنقل، والبحث العلمى، وتعد هذه الزيارة الرابعة له لمصر منذ توليه منصبه عام 2017 واستمرت الزيارة لثلاثة أيام ، استقبله خلالها الرئيس المصرى "عبدالفتاح السيسي"، وبدأت الزيارة بجولة فى المتحف المصرى الكبير ثم اصطحب "السيسي" ضيفه الفرنسى فى جولة بمنطقة "سوق خان الخليلى التاريخي" وسط القاهرة للترحيب به، وإظهار الاهتمام الفرنسى بالحضارة المصرية، كما شملت الزيارة عددا من الفعاليات على الصعيد الثنائى كان أبرزها ما يلى:
- إعلان الشراكة الاستراتيجية:عقد الرئيسان "السيسي" و"ماكرون" جلسة مباحثات ثنائية وموسعة فى قصر الاتحادية بالقاهرة صباح يوم 7 أبريل 2025 لبحث سبل تطوير العلاقات الثنائية، ثم وقع الرئيسان على إعلان يقضى "بترفيع" العلاقات بين مصر وفرنسا لمستوى "شراكة استراتيجية"، وصفه الرئيس "السيسي" بأنه "يتوج مسيرة طويلة من التعاون الثنائى بين الدولتين ويفتح آفاقاً جديدة من التعاون المشترك"، بدوره أكد ماكرون "أن القاهرة شريك استراتيجى تاريخى لفرنسا"، و"سيستمر فى تعزيز الشراكة معها" وجدد حرص بلاده على "دعم استقرار مصر فى ظل تأثير الاضطرابات الإقليمية على الاقتصاد المصري"، وإعلان الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا يعنى أنه سيتم تعزيز "التنسيق الشامل بينهما فى مختلف المواقف بالمجالات الأمنية والاستراتيجية وتعزيز التعاون الاقتصادى بينهما.
- توقيع 22 اتفاقا لتعزيز التعاون الاقتصادى:حضر الرئيسان "السيسي" و"ماكرون" الجلسة الختامية لمنتدى الأعمال المصرى-الفرنسى، وشهدا توقيع 12 اتفاقية اقتصادية بين مستثمرين فرنسيين ومصريين تشمل مجالات الصحة، والنقل، والمياه، والطاقة المتجددة، وأشار "ماكرون"إلى أن بلاده تعد المستثمر الأوروبى الأول خارج قطاع المحروقات فى مصر بحجم استثمارات يقدر بنحو سبعة مليارات يورو وفرت 50 ألف وظيفة بالسوق المصرية، كما تم التوقيع على 10 اتفاقات بين الحكومتين المصرية والفرنسية، بينها 9 اتفاقات تمويل بين مصر والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، بقيمة بلغت نحو (262.3 مليون يورو)، وتم التوقيع على اتفاق بقيمة (7.68 مليار دولار) لتمويل وتشغيل محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، واتفاقية لإنشاء الخط السادس لمترو الانفاق بالقاهرة وهو المشروع الذى بدأته باريس منذ عام 1984، مما يؤكد الثقة الفرنسية بمستقبل الاقتصاد المصرى رغم الاضطرابات الإقليمية الراهنة،جدير بالذكر، أن حجم التبادل التجارى بين مصر وفرنسا قد بلغ (2.9 مليار دولار) عام 2024، بزيادة نحو 400 مليون دولار عن سلفه، كما بلغ حجم الصادرات المصرية لباريس مليار دولار عام 2024، بينما سجلت قيمة الاستثمارات الفرنسية بمصر 483.8 مليون دولار العام الماضى.
- تطوير التعاون الثقافى:بدأ ماكرون أولى محطات زيارته لمصر بتفقد المتحف المصرى الكبير الذى سيتم افتتاحه فى يونيو المقبل، مما يؤكد الاهتمام الفرنسى بتطوير التعاون الثقافى بين القاهرة وباريس الذى حظى باهتمام ملحوظ خلال الزيارة، حيث حضر "ماكرون" يوم 7 أبريل 2025 حفل إطلاق مؤتمر التعليم العالى والبحث العلمى المصرى الفرنسى، وألقى كلمة بجامعة القاهرة ليصبح ثانى رئيس فرنسى يقوم بذلك، بعد الرئيس الراحل "جاك شيراك" (ألقى كلمته بالجامعة فى أبريل 1996)، ودعا "ماكرون" بكلمته للتقارب العلمى بين مصر وفرنسا عبر الجامعات والمدارس بالدولتين وإعادة تأسيس الجامعة الفرنسية بمصر وبناء الحرم الجامعى الجديد لها، وتم توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء 100 مدرسة فرانكوفونية فى مصر للتوسع بتعليم اللغة الفرنسية كلغة ثانية وتعزيز التواصل الثقافى والعلمى المشترك.
- بحث التعاون العسكرى: بالتزامن مع زيارة "ماكرون" عقد وزير الدفاع المصرى الفريق أول "عبدالمجيد صقر" اجتماعا مع نظيره الفرنسى "سيباستيان لوكورنو" بحثا خلاله سبل تعزيز التعاون العسكرى بين الدولتين وأهم المستجدات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية، وثمن "صقر" تقديره لعلاقات التعاون العسكرى الممتدة بين مصر وفرنسا مؤكدًا على أهمية تضافر الجهود الدولية لتهدئة الأوضاع والحفاظ على أرواح المدنيين وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى بقطاع غزة، وأوضح "لوكورنو" أن التعاون بين مصر وفرنسا يسهم فى دعم ركائز الأمن والاستقرار بالمنطقة.
جدير بالذكر، أنه فور دخول الطائرة الرئاسية الفرنسية الأجواء المصرية رافقها سرب من "طائرات رافال" المصرية فرنسية الصنع، ووصف "ماكرون" صفقات "الرافال" التى اشترتها مصر من فرنسا بأنها "رمز قوى للتعاون الاستراتيجى بين الدولتين"، وأشار إلى أن "مصر هى أول دولة وثقت فى طائرات الرافال خارج فرنسا وتبعتها عدة دول"، حيث أبرمت مصر عام 2015 صفقة لشراء 24 مقاتلة من طراز "رافال" كأول مشترٍ للمقاتلات الفرنسية، ثم عادت عام 2021 لتبرم عقدا جديدا لشراء 30 مقاتلة.
- دعم فرنسى للموقف المصرى من "سد النهضة": أكد الرئيس "السيسي" خلال محادثاته مع "ماكرون" أن "مصر تعمل على التعاون مع دول حوض النيل، وتتمسك بالالتزام بقواعد القانون الدولى، وتحقيق المنفعة للجميع" وهو ما وافق عليه "ماكرون"، فى إشارة لأزمة "سد النهضة" الإثيوبى وتأثيره السلبى على الأمن المائى المصرى، حيث تتمسك القاهرة بحقوقها التاريخية وحصتها كاملة فى مياه نهر النيل، لدعم الاحتياجات التنموية المشروعة لدول حوض النيل، حيث يبلغ العجز المائى المصرى (55%) وتعتمد على مورد مائى واحد هو نهر النيل بنسبة (98%) بواقع 55.5 مليار م3، وجدير بالذكر، أن إثيوبيا بدأت ببناء "سد النهضة" على نهر النيل لتوليد الكهرباء لديها منذ عام 2011 دون إخطار مصر ثم ماطلت وتعنتت فى المفاوضات الخاصة بالاتفاق على ملء السد لمدة عشر سنوات وشرعت فى الملء الأول، والثانى، والثالث، والرابع للسد مما سيؤثر على حصص مصر والسودان من مياه نهر النيل، وهو ما وصفته مصر "بعامل للتوتر وعدم الاستقرار" بدول حوض النيل.
- توافق لدعم الملفات الإقليمية:أعلن الرئيسان "السيسي" و"ماكرون" دعمهما لإرساء الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط فى ظل تصاعد الاضطرابات الإقليمية الراهنة، وجددا دعمهما للدولة اللبنانية والرئيس اللبنانى "ميشال عون" والحكومة اللبنانية الجديدة فى سعيهم لتحقيق الاستقرار بلبنان، وطالبا بضرورة التزام كافة الأطراف بوقف الأعمال العدائية على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية تجنبا للعودة للحرب مرة أخرى، كما أدانا القصف الإسرائيلى على سوريا وطالبا بالحفاظ على سيادة ووحدة أراضيها، كما طالبا كافة الأطراف فى السودان بوقف القتال والعودة للمفاوضات لإنهاء الاشتباكات المستمرة منذ عامين، وكذلك دعوا الأطراف الليبية لبحث إجراء الانتخابات الرئاسية المؤجلة وإنهاء الانقسام السياسى وتوحيد المؤسسة العسكرية، وأكدا على حرص القاهرة وباريس على استعادة حركة السفن فى قناة السويس لمعدلاتها الطبيعية، وأوضح الرئيس "السيسي" أن مصر "خسرت نحو سبعة مليارات دولار العام الماضى بسبب التوترات الأمنية فى مضيق باب المندب"، فى إشارة للاضطرابات باليمن والقصف الحوثى لإسرائيل وما تبعه من قصف أمريكى لمعسكرات الحوثيين بصنعاء مما دفع عددا كبيرا من الدول لتجنب العبور من قناة السويس واستخدام طرق بديلة.
*دعم القضية الفلسطينية:
كان الملف الفلسطينى هو المحور الرئيسى لزيارة "ماكرون" لمصر، لاسميا بعد أن أستأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية فى قطاع غزة يوم 18 مارس 2025 ضد عناصر حركة "حماس" الفلسطينية بعد هدنة استمرت لشهرين تم التوصل إليها بوساطة (مصرية - قطرية – أمريكية)، وقد شهدت الزيارة توافقا مصريا-فرنسيا تاما حول رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة واستمرار الدعم الدولى للقضية الفلسطينية حتى إعلان الدولتين، وقد تمثل ذلك الدعم فيما يلى:
- رفض تهجير الفلسطينيين:عقدت بالقاهرة يوم 7 أبريل 2025، قمة ثلاثية بين الرئيسان "السيسي" و"ماكرون" وملك الأردن "عبدالله الثانى بن الحسين"، لبحث القضية الفلسطينية فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وتدهور الوضع الإنسانى بالقطاع وانهيار المنظومة الصحية بالكامل، فضلا عن الاعتداءات الإسرائيلية بالضفة الغربية فى ظل خشية من اجتياح إسرائيلى لها، وبختام القمة صدر بيان مشترك مصرى-أردنى-فرنسى شدد على رفض التهجير القسرى لسكان قطاع غزة لأى دولة كانت، ودعوا "لوقف فورى لإطلاق النار، لحماية الفلسطينيين وضمان تلقيهم المساعدات الإنسانية الطارئة بشكل فورى وكامل. وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع فى ١٩ يناير 2025 الذى نص على ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان أمن الجميع. وأكد القادة أن حماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وضمان إمكانية إيصال المساعدات بالكامل، التزامات يجب تنفيذها بموجب القانون الدولى والقانون الدولى الإنساني"، جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" قد طرح مقترح يقضى بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لمصر والأردن ليتم إعادة إعماره، وهو ما وافقت عليه تل أبيب، ورفضته مصر بشدة نظرا لأنه يعد انتهاكا لسيادة الدولة المصرية ومخالف لكافة القوانين والأعراف الدولية.
- دعم الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة:أكد القادة الثلاثة على دعمهم للخطة المصرية التى تبنتها القمة العربية (عقدت بالقاهرة فى 4 مارس 2025) وأعدّتها مصر لإعادة إعمار غزّة، وحظيت بموافقة عربية وإسلامية، وتنص على إعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه خلال 3 سنوات بتكلفة (53 مليار دولار)، كما بحث القادة الثلاثة مستقبل حكم قطاع غزة والترتيبات الأمنية الخاصة به، ودعا "ماكرون" إلى "تأسيس حكم فلسطينى جديد فى القطاع بقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ورفض مشاركة حركة حماس فى الحكم المستقبلى للقطاع"، جدير بالذكر أن (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإسبانيا) قد أصدروا بيانا مشتركا يعلن موافقتهم على الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار القطاع، ومن المقرر عقد مؤتمر لبحث إعادة إعمار قطاع غزة بالقاهرة فى منتصف العام الحالى.
- زيارة رئاسية استثنائية للعريش: قام الرئيسان "السيسي" و"ماكرون" يوم 8 أبريل 2025، بزيارة مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء التى تبعد 50 كم عن قطاع غزة وتعد مركز لاستقبال الجرحى والمصابين من القطاع وتقديم الدعم اللوجيستى له والمساعدات الإنسانية، وقد زار الرئيسان مستشفى العريش العام وتفقدا عددا من الجرحى الفلسطينيين الذين أثنوا على الرعاية الصحية المصرية المقدمة لهم وطالبوا بالعودة للقطاع مرة أخرى فور انتهاء الحرب، وتعد هذه زيارة استثنائية لنقل "صورة واقعية" لأوضاع الجرحى والمصابين والمواطنين الفلسطينيين من داخل العريش للدول الأوروبية والمجتمع الدولى بشكل مباشر عبر "ماكرون"، لا سيما فى ظل سيطرة "الرواية الإسرائيلية" لأحداث 7 أكتوبر على الإعلام الدولى وتغيب "الصوت الفلسطيني" تماما، لأن ما يتعرض له مواطنو قطاع غزة يمثل "إبادة جماعية" يجب أن تتوقف على الفور، وبنهاية الزيارة أكد "ماكرون" أن الأوضاع بغزة غير مقبولة وغير مسبوقة، وأولويات فرنسا تتمثل فى استئناف إدخال المساعدات للقطاع، الذى يقطنه أكثر من مليونى إنسان، وهو ليس مشروعا عقاريا بل قضية تاريخية وسياسية لا يمكن تجاهل جذورها"، كما التقى "ماكرون" بالفريق الأمنى الفرنسى العامل فى إطار "المهمة الأوروبية" بمعبر رفح، وخلال عام 2024، شاركت حاملة المروحيات الفرنسية "ديكسمود" فى تقديم الرعاية الطبية لنحو ألف فلسطينى من قطاع غزة أثناء رسوها فى ميناء العريش، جدير بالذكر، أن مصر استقبلت نحو 107 آلاف فلسطينى منذ 7 أكتوبر 2023، تم تطعيم 27 ألف طفل منهم، فيما استقبلت المستشفيات المصرية ثمانية آلاف مصاب بلغت تكلفة الرعاية الصحية المقدمة لهم (578 مليون دولار).
* دلالات وتداعيات جيوسياسية:
حظيت زيارة "ماكرون" لمصر باهتمام إعلامى سياسى فرنسى – أوروبى - عربى وسلّطت وسائل الإعلام الفرنسية الضوء عليها ووصفتها بأنها "زيارة استراتيجية"ذات أبعاد سياسية واقتصادية وإنسانية، وحملت الزيارة عددا من الدلالات والتداعيات الهامة، ومنها:
- دعم فرنسى للاقتصاد المصرى:أشاد "السيسي" بالدعم الفرنسى لمصر داخل البرلمان الأوروبى للموافقة على الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالى الكلى المقدمة من الاتحاد لمصر بقيمة أربعة مليارات يورو، مما يعبر عن التقدير الأوروبى للشراكة الاستراتيجية مع القاهرة كما أنه سيعزز الشراكة المصرية-الأوروبية، بدوره أكد "ماكرون" أن باريس ستواصل دعمها لحوار الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى، والمفوضية الأوروبية، لدعم الاقتصاد المصرى، كما تسعى باريس لتعزيز تعاونها الاقتصادى مع القاهرة وتنويع شركائها التجاريين لمواجهة الرسوم الجمركية التى فرضها "ترامب" على الاتحاد الأوروبى التى سيكون لها تأثير سلبى على كافة اقتصادياته، فضلا عن أن السوق المصرية تعد "بوابة إفريقيا" للمنتجات الفرنسية المطلوبة بالقارة السمراء.
-مساع لتعزيز الدور الفرنسى الإقليمى:تأتى زيارة "ماكرون" للقاهرة فى ظل مساعيه لتعزيز دور باريس الإقليمى داخل الاتحاد الأوروبى والشرق الأوسط، حيث تتصاعد أهمية الدور الفرنسى داخل الاتحاد بمختلف القضايا لمواجهة صعود اليمين المتطرف بألمانيا وإيطاليا ومخاوف دول شرق وشمال أوروبا من أى هجوم روسى مستقبلى عليها، فى ظل تلويح "ترامب" بالتراجع عن منح ضمانات للدفاع عن الأمن الأوروبى تحت مظلة حلف شمال الأطلسى "الناتو"، لمواجهة روسيا وطرح تسويات للحرب الأوكرانية دون النظر لضمان أمن الدول الأوروبية، ولذا يعمل "ماكرون" على تعزيز دور بلاده كضامن للأمن الأوروبى لا سيما وأنها الوحيدة داخل الاتحاد التى تمتلك السلاح النووى، كما يعمل على تعزيز دورها بالشرق الأوسط عبر دعم القضية الفلسطينية، لاستعادة نفوذها بالمنطقة بعد تراجعه إثر انسحابها العسكرى من دول غرب إفريقيا.
- توظيف النفوذ الفرنسى لدعم القضية الفلسطينية:قدمت زيارة "ماكرون" لمصر دعما أوروبيا كبيرا للقضية الفلسطينية لا سيما فى ظل توافق الرؤية المصرية والفرنسية الرافضة للتهجير والداعية لتنفيذ حل الدولتين، ولذا يجب توظيف النفوذ الفرنسى لدعم القضية الفلسطينية حيث إن باريس هى إحدى الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى، ولها نفوذ قوى مع دول المتوسط والجنوب، كما أنها تقود منظمة الدول الناطقة بالفرنسية (الفرنكوفونية) التى تضم 52 دولة، ومن المقرر أن يترأس "ماكرون"وولى العهد السعودى الأمير "محمد بن سلمان" فى يونيو المقبل مؤتمر دولى بالأمم المتحدة حول آفاق حل الدولتين، لا سيما بعد إعلان "ماكرون" غداة مغادرته مصر عزمه الاعتراف بدولة فلسطين فى يونيو المقبل ويعد هذا أولى نتائج زيارته لمصر حيث وقف على حقائق الوضع للقضية الفلسطينية وقطاع غزة، وهذا سيشجع عددا من الدول الأوروبية والإفريقية التى تحتفظ فرنسا بنفوذ بها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
- طرح بديل للرؤية الأمريكية:تمثل أهمية زيارة "ماكرون" لمصر فى أنها طرحت بديلا مصريا-فرنسيا للرؤية الأمريكية لمعالجة القضية الفلسطينية خاصة وملفات الشرق الأوسط عامة، فخلال القمة الثلاثية بادر "ماكرون" بإجراء اتصال هاتفى مع نظيره الأمريكى "دونالد ترامب" لبحث الوضع فى غزة، وجدد القادة رفضهم لتهجير الفلسطينيين كما دعا إليه "ترامب" والتأكيد على إمكانية إعادة الإعمار فى ظل وجود سكان القطاع، وهذا الإصرار المصرى على رفض مقترح "ترامب" بالتهجير عزز الدور المصرى كركيزة للاستقرار الإقليمى، لا سيما وأن "ترامب" قد أرسل رسائل متناقضة لأنه استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلى بالتزامن مع زيارة "ماكرون" لمصر وجدد الحديث حول تهجير سكان قطاع غزة كما منح "نتنياهو" 3 أسابيع لإنهاء الحرب بالقطاع وفق مصادر أمريكية، وهذا يؤكد عدم إدراكه لطبيعة الوضع الإنسانى والجيوسياسى بالقطاع فحتى حال تم إنهاء القتال كيف يمكن ترحيل 2 مليون مواطن، وحال صدقت روايته فى وجود دول إسلامية ستستقبل الجرحى الفلسطينيين فلا يمكنهم استقبال كافة سكان القطاع، كما أن مصر وفرنسا تتوافقان على معالجة مختلف قضايا الشرق الأوسط عبر الحوار والتفاوض بعكس رؤية "ترامب" القائمة على التلويح باستخدام القوة وفرض الإجراءات الاقتصادية الحمائية مما يمثل تهديدا للأمن والاستقرار الدولى.
مما سبق، نجد أن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا سيساهم فى الارتقاء بالتعاون الثنائى بشتى المجالات، وستعمل على بلورة تحالف مصرى-فرنسى لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وطرح رؤى جديدة واقعية لمعالجة القضية الفلسطينية وملفات الشرق الأوسط المضطربة، وفق الثوابت المصرية التى يتصدرها رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم للحفاظ عليها والحفاظ على الالتزام بوقف إطلاق النار بقطاع غزة تمهيدا للبدء بالمفاوضات النهائية لإعلان الدولة الفلسطينية.