مقالات رأى

الوعى يحرك العقل قبل الجسد

طباعة

الوعى، تلك الكلمة الساحرة الغامضة غير ملموسة المعنى محددة الهوية، هى كلمة السر فى كل قضايا العصر سواء على المستوى الفردى، أو الإقليمى، أو حتى الدولى، فالوعى فى العلاقات الشخصية بين الأفراد يوازى الوعى فى العلاقات بين الدول، لأنها هى الحياة ذاتها التى يتشاركها الجميع باختلاف الظروف والأزمنة والأماكن ومستويات ونطاق التنفيذ.

فهناك العتى والخانع، وهناك الشجاع والجبان، وهناك المتجرىء والمتخاذل، والأمثلة كثيرة فى حالات الإسقاط على الأفراد والدول، الفيصل دائما فى هذا أو ذلك هو الذكاء فى قراءة ما بين السطور، ومهارة ربط الأحداث، وحسن الإدراك، وحنكة الوعى، والحكمة فى التصرف، وكلها إما نِعَم من الخالق أو مهارات مكتسبة بالوقت.

ولأن هذا الوقت كان كفيلا بأن يعطينا خبرات سنوات وأزمنة مكثفة فى مضمونها ومُغَلّفَة فى مجملها بورق الهدايا البرّاق، فالأمر أصبح واضحا للعديد من ناحية، وبعيدا عن حدود إدراك العديد أيضا، برغم كل محاولات تصحيح مسارات الوعى، وضبط بوصلة علاقة الدولة بالمواطن، وتسريع إيقاع الإنجازات مقابل تحسين الخدمات، وتوسيع رقعة المنزرع من المنتجات.

فالقارىء للمشهد فى مجمله العام، يمكنه أن يعى بوضوح أن فكرة التلاعب بلغة الأرقام أو الألفاظ وتفسير المواقف –وفقا للهوى والصالح- أصبحت آفة الإعلام الدولى الذى هو "بوق السياسيين الدوليين"، طالما أنهم يمتلكون إشارة جهاز التحكم عن بُعد "الريموت كونترول"، فهم وحدهم القادرون على توجيه إشارتهم إلى أيما مشاهد أو متلقٍ للرسالة.

تلعب المنظمات الدولية دورها فى هذا الإطار بحنكة ودقة شديدة للبرهنة على نزاهتها وكفاءة عملها، ومن ثم تمرير "معيار المصداقية" فى كل رسائلها من شعار مصمم بعناية ولهجات متزنة وتفاصيل فيها أبعاد من الصحة، دون ترك فرصة للبحث خلفها أو حتى مراجعة ما يصدر عنها من بيانات أو تقارير أو تصريحات، وكأنها إله المعلومات أو أحد الكتب المقدسة التى لا يمكن التشكيك فيها.

فالباحث مثلا وراء تقارير منظمات تقييم أداء الدول، أو مدى شفافيتها، أو مؤشرات قواتها العسكرية، لن يمكنه بأى حال من الأحوال إثبات عكس ما هو مشار إليه بالتقرير أو حتى التشكيك فى بعض أرقامه أو تفاصيله، هذا لأن منظمات كتلك تعتمد فى إعداد تقاريرها "المُسيّسة" على جيوش من المحترفين فى سبل جمع البيانات والمعلومات وتحليلها ووضعها فى النسق والسياق المرغوب إيصال رسالة ما بعينها من خلاله.

تلك هى لعبة الأذكياء فى لعبة "تطويع المعلومة"، مُعوّلين فى هذا على سرطان اللاوعى الذى بات ينهش فى جسد الكوكب بأكمله، لانشغاله بحروبه الاقتصادية والغذائية والتكنولوجية والوبائية أيضا، التى هى أيضا صنيعة حمى اللاوعى وعدم الالتفات حتى إلى تكرار الأحداث بالتفاصيل ذاتها مع توقع نتائج أخرى!!

حيث صدر مؤخرا تقرير "منظمة الجلوبال فاير" بقائمة الدول حسب مؤشر القوة العسكرية، الذى أشارت فيه إلى تراجع الجيش المصرى فى الصدارة، وبرغم ذلك إلا أنه لا يزال يتصدر الجيوش العربية وجيوش المنطقة، وبناءً على هذا التقرير، بدأت بعض وكالات الأنباء وشبكات التليفزيون فى تناول تقييم وتحليل هذا التقرير من وجهة نظرها، فى تلاعب وتخابث بيّن ما بين عقد مقارنات ثنائية، أو مقارنات مراكز حالية بسابقها، أو توصيفات وتلاعب بالألفاظ من نوعية "تراجع – خسارة – تقهقر...".

هى ألفاظ جميعها تصب فى خانة "الحرب النفسية" التى يلعبها الآخر، ويراهن بها على حجم وعى المواطن وإدراكه، فالتراجع ليس دليلا للهزيمة فى المعركة، والخسارة ليست بيانا للواقع الجيوسياسى، والتقهقر ليس من عقيدة جيش كالجيش المصرى، وأبسط دلائل ذلك، هو تلبيته للنداء فى أى موقف من المواقف الفاصلة التى تمس صميم الأمن القومى المصرى، إلى الحد الذى يجعل عدوك الشرقى اللدود يندد ويخشى من انتشار "بعضا" من قوات الجيش المقدس فى سيناء، فى رسالة واضحة مفادها حماية الأرض والشعب، باقى أطراف الثالوث المقدس.

كل هذا لا يجب أن يحرك لك ساكنا عزيزى المواطن المصرى القابع على أرضه، الثابت على مواقفه، فتاريخ الجندى المصرى بمفرده كفيل بأن يمنحك سكينة الاطمئنان وقوة التمكن، فجيشك هو أول جيش نظامى نشأ فى العالم بمصر قرابة عام 3400 ق.م، بعد توحيد الملك مينا مصر واعتلائه عرشها، وصار أقوى جيش فى العالم وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية فى العالم تمتد من تركيا شمالا، إلى الصومال جنوبا، ومن العراق شرقا إلى ليبيا غربا.

وقدمت العسكرية المصرية القديمة العديد من القادة العظماء، وكانت ولا تزال نقطة قوة الجيش المصرى دائما وأبدا أن قوامه الرئيسى من المصريين لا المرتزقة الأجانب، وذلك بنظام الخدمة الإلزامية والاستدعاء للخدمة أثناء الحرب.

وتخضع جميع الأفرع والقوات والجيوش والمناطق والهيئات والأجهزة والإدارات بالقوات المسلحة لقيادة القائد العام للقوات المسلحة الذى يتولى فى الوقت نفسه وزارة الدفاع، ولا يعلوه فى سلم القيادة إلا القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رئيس الجمهورية، ويتكون المجلس الأعلى للقوات المسلحة من 23 عضوا، يرأسه القائد العام وزير الدفاع، وينوب عنه رئيس أركان حرب القوات المسلحة.

ومع ازدياد التحديات السابق الإشارة إليها خاصة تلك المتعلقة بالحروب النفسية، فقد إزداد التوجه والعمل على تنويع تسليح القوات المسلحة المصرية ليكون ما بين مصادر شرقية وغربية، بالتعاون العسكرى المتبادل مع دول على رأسها الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، والصين، وإيطاليا، وأوكرانياوصربيا، وبريطانيا، كما تُصنع العديد من المعدات العادية والثقيلة محليا بالمصانع الحربية المصرية.

حيث شملت الصفقات التى تم توقيعها مختلف أنواع التسليح والذخائر والاحتياجات الفنية الخاصة بالطائرات، وفى هذا المجال حصلت مصر على عدد من الطائرات الفرنسية من طراز رافال متعددة المهام، كما تعاقدت على عدد كبير من الطائرات الروسية المقاتلة والمتقدمة من طراز mig29 m2.

 كما تم التعاقد على عدد كبير من الطائرات الهيل الهجومية من طراز كاموف 52، ومروحية القتال والنقل متعددة المهام "mi 24"، وطائرات أخرى من طراز كاسا C-295، كما تم الحصول على عدد من الطائرات الأمريكية من طراز إفـ 16 بلوك 52، وعدد من أنظمة الطائرات الموجهة بدون طيار، كما تم تجهيز عدد من طائرات الجازيل بالصواريخ المضاد للدبابات، بالإضافة لتدبير كافة أنواع الصواريخ والذخائر والمساعدات الفنية والأرضية الخاصة بالطائرات.

كما تم تزويد البحرية المصرية بالفرقاطتين "برنيس"، و"الجلالة" من طراز (فریم بيرجامیني) الإيطالى الصنع لدعم أسطول الفرقاطات المصرية فى البحرين الأبيض والأحمر، والفرقاطات الشبحية "الفاتح"، و"الأقصر"، و"المعز" من طراز "جوويند"، وهى أول فرقاطة بحرية مصرية Meko-A200، بالإضافة إلى حاملتى المروحيات "جمال عبدالناصر"و"أنور السادات" من طراز "ميسترال". 

كما تم تزويد أسطول الغواصات بالأحدث الغواصتان (٤١) و(٤٢) من طراز١٤٠٠/٢٠٩، والغواصة S- ٤٣ من طراز (٢٠٩/١٤٠٠)، و الغواصة S- ٤٤ من طراز (٢٠٩/١٤٠٠)، إضافة إلى إنشاء قواعد بحرية جديدة لخدمة تمركزات وإدارة عمل الأسطولين "الجنوبى - والشمالى"، حيث تم إنشاء عدد من القواعد الجديدة كـ "3 يوليو - وشرق بورسعيد"، وقاعدة محمد نجيب العسكرية فى مدينة الحمام بمحافظة مطروح.

كذلك تم تطوير عدد من القواعد والموانئ البحرية على رأسها "قاعدة برنيس الجو بحرية" العسكرية، وتزويد القواعد بجميع الاحتياجات الإدارية والفنية وأنظمة القيادة والسيطرة ومنظومات التعاون مع مختلف القوات العسكرية والأجهزة المدنية فى نطاقات العمل بالبحرين الأبيض والأحمر.

هذا وتعد منظومة الدفاع الجوى المصرى، من أعقد منظومات الدفاع فى العالم، حيث تتكون من عناصر استطلاع وإنذار وعناصر إيجابية ومراكز قيادة وسيطرة تمكن القادة على جميع المستويات من اتخاذ الإجراءات التى تهدف إلى حرمان العدو من تنفيذ مهامه أو تدميره بوسائل دفاع جوى تنتشر فى كافة ربوع الدولة طبقا لطبيعة الأهداف الحيوية والتجميعات المطلوب توفير الدفاع الجوى عنها.

ويتم السيطرة على منظومة الدفاع الجوى بواسطة نظام متكامل للقيادة والسيطرة من خلال مراكز قيادة وسيطرة على مختلف المستويات فى تعاون وثيق مع القوات الجوية والحرب الإلكترونية بهدف الضغط المستمر على العدو الجوى وإفشال هدفه فى تحقيق مهامه وتكبيده أكبر نسبة خسائر ممكنة.

أما عن أحدث المنتجات العسكرية فهى راجمة الصواريخ "رعد ٢٠٠"،والطائرة نوتNUT المصرية، والمدرعة سينا 200، والروبوت المصرى للتعامل مع العبوات الناسفةM-300 & X-300 :، والمدرعة تمساح بجميع فئاتها1 و2 و3 و4 وBusو6، والطائرات المسيرة محلية الصنع، مثل الطائرة المسيرة متعددة المهام 6 أكتوبر، وطائرة "30 يونيو" المسيرة، والطائرة المسيرة الطائرة "طابا 1" و"طابا 2"، والطائرة المسيرة "أحمس".

هذا بالإضافة إلى أنظمة كشف وتتبع ومجابهة للطائرات المسيرة، مثل منظومة حارس 1 لاكتشاف ومواجهة الطائرات المسيرة بدون طيار، ومنظومة حارس 2 تتزود بها ناقلة الجند المدرعة المصرية الصنع من طراز فهد، ومنظومة حارس 3 للتصدى للطائرات المسيرة، وصواريخ الأباتشى والطائرات، بالإضافة إلى الذخائر الجوية المصرية الصنع من طراز “حافظ، و تصنيع أجزاء المحركات وقطع غيار الطائرات.

الواثق فى أن ما وراء الكواليس يفوق بمراحل ما هو مُذاع على مسرح المجتمع الدولى، سيعى أن الحقيقة المطلقة قد لا يمتلكها التاريخ أيضا لأن الواقع يقول إن الحاضر ذاته يتم تزييفه فما بالك بكتابة التاريخ، إلا أن الباحث عن الحقيقة، فقطعا سيستمتع برحلة البحث ويتبحر فى تفاصيلها وتستنير أساريره وجوارحه برؤاه التحليلية، بعيدا عن توجيهات آلة الإعلام الغربى أو الخطاب السياسى الغربى الموجه.

الجيوش قد تتحرك تلبية لنداء القادة، بينما الوعى لابد وأن يتحرك تلبية لنداء العقل.

طباعة

    تعريف الكاتب

    مها محسن

    مها محسن

    كاتبة مصرية