تحليلات

دلالات تجديد الرفض المصرى لتهجير الفلسطينيين وإعلان "الشراكة الاستراتيجية" مع كينيا

طباعة

استقبل الرئيس المصرى "عبدالفتاح السيسي" يوم 29 يناير 2025، نظيره الكينى "ويليام روتو"، وعقدا جلسة مباحثات ثنائية تلتها مباحثات موسعة تم الإعلان بعدها عن الارتقاء بالعلاقات بين الدولتين لمستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، كما تم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والتعاون المشترك. وخلال المؤتمر الصحفى المشترك بين الرئيسين، جدد الرئيس "السيسي" الرفض المصرى القاطع لفكرة "تهجير الفلسطينيين" لأنه سيمثل تهديدا للأمن القومى المصرى وتصفية للقضية الفلسطينية فلن يتم "إنشاء دولة فلسطينية بلا شعب"، ولعل ذلك أقوى موقف مصرى من القيادة السياسية للرد على دعوة الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" الذى طرح فكرة "تهجير فلسطينيى قطاع غزة" للأردن ومصر، وهو ما رفضته الدولتان وأكدتا على التزامهما بدعم الشعب الفلسطينى فى أرضه، كما أنه يتوافق مع الموقف الشعبى المصرى الرافض لفكرة التهجير للحفاظ على الحق الفلسطينى فى أرضه، كما أنه يتسق مع الموقف الرسمى والشعبى الفلسطينى وهو ما برز جليا من خلال "مسيرات" عودة النازحين من سكان القطاع لمدنهم التى تم تهجيرهم منها منذ بدء العدوان الإسرائيلى عليه فى 7 أكتوبر 2023، بعد تنفيذ وقف إطلاق النار بالقطاع.

الموقف المصرى الثابت من القضية الفلسطينية:

جدد الرئيس المصرى "عبدالفتاح السيسي" يوم 29 يناير 2025 الثوابت المصرية من القضية الفلسطينية وعلى رأسها رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، كما تشمل ما يلى:

- رفض مصرى قاطع لتهجير الفلسطينيين: جدد الرئيس "السيسي" التمسك بالثوابت المصرية من القضية الفلسطينية وهى (إنشاء الدولة الفلسطينية والحفاظ على مقوماتها وشعبها وإقليمها، وهو ما يؤكد الرفض المصرى القاطع لفكرة "تهجير الفلسطينيين" من قطاع غزة لأى مكان آخر (يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة)، كما أوضح أن ذلك حال حدث سيمثل تهديدا للأمن القومى المصرى، كما أن جموع الشعب المصرى ترفض تلك الفكرة جملة وتفصيلا، وهذا يمثل جوهر التضامن المصرى مع القضية الفلسطينية لأنه يعمل على الحفاظ على الأرض والشعب الفلسطينى، فلن يتم "إنشاء دولة فلسطينية بلا شعب"، كما أشار إلى السوابق التاريخية التى حدث فيها "تهجير" للفلسطينيين ولم يعودوا مرة آخرى لأرضهم، ووصف "ترحيل الشعب الفلسطينى من مكانه بأنه ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر".

- الدعوة لتنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار بغزة: أكد الرئيس "السيسي" على ضرورة التأكيد على حتمية التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، الذى تم التوصل له بعد جهود مصرية مضنية، بتعاون قطرى-أمريكى، ودعا لاستئناف النفاذ الإنسانى الكامل للفلسطينيين فى غزة، تمهيدا لاستئناف المفاوضات النهائية لإيجاد تسوية مستدامة للقضية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية، على حدود ١٩٦٧عاصمتها القدس الشرقية.

- استمرار التنسيق المصرى-الأمريكى:أكد الرئيس "السيسي" على استمرار التنسيق بين القاهرة وواشنطن من خلال التعاون مع الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" لأنه يرغب فى تحقيق السلام بالشرق الأوسط، من خلال تنفيذ حل الدولتين، لأن عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إنما يأتى كنتيجة للفشل فى حل القضية الفلسطينية على مدى العقود السابقة، جدير بالذكر أن وزير الخارجية المصرى "بدر عبدالعاطى" قد تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكى "ماركو روبيو" لبحث تطور تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وأكد "عبد العاطى" على أهمية مواصلة أطراف الاتفاق على تنفيذ بنوده بمراحله الثلاث، بما يسهم فى تبادل الرهائن والأسرى، والسماح لسكان القطاع بالعودة لمنازلهم، وأكد رفض النقل أو التهجير لأى من سكان القطاع للخارج حفاظا على حق "تقرير المصير" الذى تكفله كافة القرارات الدولية.

إعلان الشراكة الاستراتيجية بين مصر وكينيا:

أكد الرئيس المصرى "السيسي"عقب استقباله نظيره الكينى "روتو" فى زيارته المهمة لمصر خلال الفترة (29-31) يناير 2025، والتى تأتى بالتزامن مع الذكرى الستين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، على ضرورة الاستمرار فى توطيد أواصر الحوار السياسى بين مصر وكينيا، والتنسيق فى القضايا المعنية على الصعيد الإقليمى فيما يخص العمل الإفريقى المشترك، وتوثيق الروابط الاقتصادية بين مصر وكينيا عبر تنشيط التبادل التجارى وتعزيز التعاون الاستثمارى بينهما،فضلا عن تعزيز التعاون الأمنى لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية المهددة لأمن البحر الأحمر ودوله المشاطئة، والتى من بينها تداعيات العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، كما أوضح بدوره الرئيس الكينى استعداد بلاده للشراكة والعمل مع مصر لإحلال السلام ودفع جهود الاستقرار بالقرن الإفريقى، وحذر من تنامى خطر الإرهاب بالقارة السمراء ودعا لوضع خطة واضحة وشاملة للتعامل مع الإرهاب والصراعات بالقارة، وشملت نتائج المباحثاتما يلى:

- إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة: أعلنت مصر وكينيا الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية وشاملة، ترتكز على القيم المشتركة والاحترام المتبادل، كما تم التوقيع على 12 اتفاقية للتعاون المشترك بمجالات (المشاورات السياسية، والتدريب الدبلوماسى، وتيسير الاستثمار، والتعاون بالموانئ، والفضاء، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم العالى، والمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، والإسكان والتنمية الحضرية).

- استمرار التنسيق السياسى: اتفقت مصر وكينيا على ضرورة مواجهة التحديات السياسية والأمنية المتزايدة بالقارة الإفريقية فى ظل تزايد الاستقطاب الدولى، من خلال تكثيف التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية والدولية المعنية، وأكدتا على ضرورة مضاعفة الجهود لتفعيل دور وأداء الاتحاد الإفريقى لمواجهة تلك التحديات ودفع التعاون والتكامل فى إفريقيا.

- تعزيز التعاون الاقتصادى: تتمتع مصر وكينيا بفرص اقتصادية وتجارية واستثمارية متبادلة ومتميزة يمكنها إحداث طفرة فى تعزيز التعاون المشترك بشتى المجالات والقطاعات (الزراعة، والرى، وإدارة المياه، والطاقة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية الحيوية)، حال تم استغلالها وتوظيفها بشكل مناسب بما يحقق أهداف الدولتين فى مكافحة البطالة والفقروتحقيق التنمية المستدامة، كما تم الاتفاق على "إنشاء مجلس أعمال مصرى–كينى"، وهو ما سيعزز التعاون الاقتصادى بدول شرق إفريقيا بشكل مباشر، جدير بالذكر أن حجم التبادل التجارى بين مصر وكينيا بلغ نحو (567 مليون دولار أمريكي) عام 2024.

- أهمية التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب: أكدت مصر وكينيا على ضرورة تعزيز التعاون الأمنى بينهما كركيزة أساسية فى الشراكة الاستراتيجية بينهما، كما تم الاتفاق على تبادل ومشاركة الخبرات الأمنية بما فيها الأبعاد العسكرية، والأمنية، والفكرية، والبيئية، والتنموية لاستكشاف سبل توسيع التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب،ومعالجة النزاعات الإفريقية عبر صوغ "نهج شامل" لمعالجة جذور ظاهرة الإرهاب والنزاعات المسلحة بالقارة، مما يؤدى إلى إرساء السلام والتنمية بها وتحقيق أهداف الاتحاد الإفريقى التنموية وفق أجندة (2063).

- تطوير التعاون الثقافى والتعليمى: أقرت مصر وكينيا بأن التعليم والبحث العلمى يمثلان عاملين حاسمين لشراكتهما المتنامية، وتعهدتا بإحياء وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات فى مجالات تطوير الفنون والفعاليات الثقافية، والحفاظ على التراث بينهما، وزيادة معدلات تبادل المنح الدراسية، والمنح المقدمة من مؤسسة "الأزهر الشريف" للطلاب فى كينيا.

- الدعوة لإنهاء الأزمة السودانية:أكد الرئيسان على أهمية استمرار العمل المشترك بين مصر وكينيا، للتوصل لحلول جادة للأزمة بغية إنهاء المعاناة الإنسانية المستمرة منذ عام و9 أشهر، عبر بدء حوار سياسى بين كافة الأطراف يحقق طموحات الشعب السودانى فى الأمن والاستقرار، وهو ما سينعكس إيجابا على الأوضاع الأمنية بالبحر الأحمر وشرق إفريقيا.

- بحث ملف أزمة "سد النهضة": بحث الرئيسان آخر تطورات ملف "نهر النيل"، وتم توضيح الموقف المصرى منه حيث تعانى البلاد من "ندرة مائية حادة"، مما يتطلب حل أزمة "سد النهضة" الإثيوبى بما يحافظ على الحقوق المصرية التاريخية وحصتها كاملة فى مياه نهر النيل، ودعم الاحتياجات التنموية المشروعة لدول حوض النيل، حيث يبلغ العجز المائى المصرى (55%) وتعتمد على مورد مائى واحد هو نهر النيل بنسبة (98%) بواقع 55.5 مليار م3، وجدير بالذكر، أن إثيوبيا بدأت ببناء "سد النهضة" على نهر النيل لتوليد الكهرباء لديها منذ عام 2011 دون إخطار مصر، ثم ماطلت وتعنتت فى المفاوضات الخاصة بالاتفاق على ملء السد لمدة عشر سنوات وشرعت فى الملء الأول، والثانى، والثالث، والرابع للسد مما سيؤثر على حصص مصر والسودان من مياه نهر النيل، وهو ما وصفته مصر "بعامل للتوتر وعدم الاستقرار" بدول حوض النيل.

- تعميق التعاون الإقليمى ومتعدد الأطراف: أكدت مصر وكينيا التعاون بينهما وفق مبادئ الوحدة الإفريقية، ولتحقيق الأهداف الواردة فى أجندة ٢٠٦٣، من أجل تحقيق "إفريقيا التى نريدها"، من خلال التعاون الإفريقى بمجالات تعزيز هياكل الإدارة والحوكمة داخل مفوضية الاتحاد الإفريقى لجعلها أكثر مرونة، كما أعربت الدولتان عن عزمهما تعزيز التعاون فيما يتصل بأجندة دول "الجنوب العالمي"، وتنسيق المواقف فيما بينهما للمطالبة بإصلاح هيئة الأمم المتحدة ومنح الدول الإفريقية مقعدا دائما بمجلس الأمن الدولى.

- الدعوة لوجود دعم دولى لمواجهة تداعيات التغير المناخى بإفريقيا: أشارت الدولتان لضرورة توجيه دعم دولى للدول الإفريقية لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، لاسيما وأن القارة السمراء ستكون الأكثر عرضة لمواجهة تلك التداعيات التى تشمل ندرة المياه والقضاء على مجتمعات وقرى إفريقية كاملة، وذلك رغم عدم وجود اعتمادات مالية دولية للقارة لمواجهة تلك التداعيات فى ظل تراجع مستويات الدخل والتنمية بالقارة، مما يتطلب دعما دوليا مستمرا ومنسقا لها.

- تعزيز النفوذ المصرى بالقرن الإفريقى:تأتى زيارة الرئيس "روتو" لمصر غداة عقد "المؤتمر الثامن لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الإفريقية" بالقاهرة، حيث استقبل الرئيس "السيسي" المشاركين به وشدد على الأهمية التى توليها مصر لدعم وتعزيز دور السلطة القضائية فى المجتمعات الإفريقية، كما تأتى الزيارة بعد أيام قليلة من استقبال الرئيس "السيسي" لنظيره الصومالى "حسن شيخ محمود" بالقاهرة والتى شهدت الارتقاء بالتعاون المشترك بين الدولتين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية وما تبعه من التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين الدولتين، مما يؤكد الحرص المصرى على توطيد التعاون الاستراتيجى مع دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقى لما له من أهمية جيوسياسية للأمن القومى المصرى، حيث يرتبط بأمن البحر الأحمر ودوله المشاطئة وكذلك بقناة السويس وحرية الملاحة بها.

مما سبق، نجد أن القيادة السياسية المصرية أكدت موقفها الثابت من دعم القضية الفلسطينية وفق ثوابتها التى يتصدرها رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم للحفاظ عليها والحفاظ على الالتزام بوقف إطلاق النار بقطاع غزة تمهيدا للبدء بالمفاوضات النهائية لإعلان الدولة الفلسطينية، كما أن زيارة الرئيس الكينى للقاهرة تعمل على تعزيز التعاون المشترك بينهما بعد إعلان الشراكة الاستراتيجية بينهما مما سيؤدى لتعزيز الوجود والنفوذ المصرى بمنطقة القرن الإفريقى بعد زيارة مماثلة لرئيس الصومال، لاسيما وأن كينيا تمتلك تأثيرا بمنطقة شرق إفريقيا، ويمكن لمصر تنسيق المواقف معها بشأن تطورات المنطقة لاسيما ما يخص التطورات بالبحر الأحمر، والسودان، وأزمة "سد النهضة"، ولذا فإن التحركات الدبلوماسية المصرية الأخيرة تؤكد على أهمية الدور الإقليمى المصرى كدولة إقليمية فاعلة وقادرة على بلورة حلول للأزمات السياسية فى محيطها العربى والإفريقى.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية